Skip to main content

Full text of "مراجع ومصادر عن تاريخ العلويين في العراق وبلاد الشام"

See other formats




7 7 7 03 1 
37 0010 


9 






ع ا بدي 
0 الى 1 : ً 
لض مر . لد و0 

أ 09 7 د 3 ' 


5 صما 3 
.- 
0( 5 5 - ا 3 0 
0 00 ا 0 8 
, . 
. 4 اه ٍ د 8 
ا 1 / 0 9 
٠ 5 5 7 4 .‏ / 
00058 2 
4 0 
7 95 
00 8 
إلى ل 5 : 0 3 
0 8 بي 37 ْ 3 
5 51 : 5 . 
1 5 1 
7 2 252 ' 
ا ا ا ا ال : 7 
رآ 4 ا ا يس - قيضب #4 
5 0 - 0" اي 21 2 93 0 0 0 في : 80 
: 1 د ل اد 2 1 0-* ا 9 
ا د 5 كه 8 0 7 ا 
0 5 03 0 1 2< , ور 
بم 7 ١‏ 4 3 2 ُّ و الو 7 
41 7 0 ل 5 5 1 1 ٍ 5 و 39 
فر 9 : 5 5 
0 141 3 
7 يم 0 2 , 93 
١ ' 0 4 7‏ 1 
2 1 
٠‏ 


4 


دارالفارابيا + اليالس جربي 





آثار الحقب فى لاذقية العرب 





الياس صالح اللاذقي 


آثار الحقب في لاذقية العرب 


كتاب مخطوط 


حققه وقدّم له وأعدّ ملاحقه وخرائطه 


د. الياس جريج 


دار الفارابي 


الكتاب: اثار الحقب في لاذقية العرب (مخطوط) 
المؤلف: الياس صالح اللاذقي 
لوحة الغلاف: صورة المؤلف (1885-1839) 


قم له وحققه وأعد ملاحقه وخرائطه: 3 الياس جريج 


الناشر: دار الفارابي - بيروت - لبنان 
ت: 01(301461) - فاكس: 01(307775) 
ص.ب: 3181/11 - الرمز البريدي: 2130 1107 
تلم. أطدمهله-:021 ©1210 :11ل0تم-ء 


ل ا ل 


الطبعة الأولى: كانون الثاني 2013 


© جميع الحقوق محفوظة 


ملاحظات 2 دد منها 


«آثار الحقب في لاذقية العرب». مخطوط جديد يقع في جزئين لمؤلفه «العلامة الياس 
صالح اللاذقي»”. تنشره «دار الفارابي»». إيماناً منها بأن العلم الذي يحفظ على القراطيس 
المخبأة. يبقى النفع منه مقتصراً على قلة قليلة جداً ويبقى مهدداً بالضياع في أية لحظة. 
والدار بعملها هذاء تخرجه إلى النور العذب الجميلء فتغني المكتبة العربية عامة. والتاريخية 
منها خاصة. وينتفع جميع القراء بما يحتويه من علم. 

يتناول مؤلف هذا المخطوط. تاريخ مدينة اللاذقية. بالارتباط مع لوائها من جهة. ومع ما 
حولهما من جهة أخرىء منذ أقدم العصور إلى أواخر القرن التاسع عشرء وما يحتويه له أهمية 
بالغة لاعتبارات كثيرة. أهمها: 

1 - إن المؤلف هو ابن اللاذقية, والمنطقة التي يكتب عنها حدد بنفسه إطارها. فهي تمتد 
من شمال طرطوس جنوباً إلى حدود الجبل الأقرع شمالاً ما يبلغ طوله سبعين ميلاً؛ ومن 
الغرب إلى الشخرق :تسو حميينة وعشونق فبلا أي ما مساحته 1750 ميلاً مربعاً©. وهذا التحديد 
ليس أمراً شكلياً فتحديد المكان واحد من مستلزمات البحث العلمي الرصين. 

2 - إن المنطقة المشار إليهاء هي جزء من الساحل الشرقي للبحر المتوسطء وقد شكل 
عبر التاريخ في مختلف مراحله ‏ ممراً طبيعياً. يصل قارات العالم القديم بعضها ببعض. 


(1) «العلامة الياس صالح اللاذقي». هو عنوان اعطاه سامر عوض للمقالة التي كتبها عن الياس صالح اللاذقي. في مجلة 
«العربية». العدد الثالث من السنة العاشرة عام 2010. والعربية.ء هي نشرة غير دورية. تصدر عن مطرانية بصرى 
حوران وجبل العرب الجولان للروم الارثوذكس؛ صدر العدد الأول منها عام 2001. ولمزيد من الايضاح يراجع عدد 
المجلة المشار إليه اعلاه.ء ص 38-33. 


لمزيد من الايضاح حول حدود وموقع هذا اللواء» تراجع الخريطة رقم ١‏ المرفقة ربطاً بهذا البحث. 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ومن هذا الساحل ومما هو حوله في جهاته الأربع: نشأت امبراطوريات كبرىء في التاريخ 
القديم والوسيط والحديث. فهذا الساحلء كان وما زال وسيبقى ممراً للتجارة الدولية في كل 
اتجاه. كما أنه سيبقى من أهم ممرات العالم إلى مختلف أنحاء هذا العالم على الإطلاق. ومن 
أجل السيطرة عليه أو لإبقائه حراً محايداً سيتزايد عليه الصراع أكثر فأكثرء بين أهله من جهة. 
ودول العالم من جهة أخرىء وفيما بين هذه الدول من ناحية ثالثة. ولا سيما عندما يقرر أبناؤه 
أن تكون مقدراته بين أيديهم بدون منازع. خاصة بعد الكشف عن أن سواحله غنية بالبترول 
والغاز الطبيعي والمياه العذبة. 

3- إن صاحب المخطوطء قد حدد الزمان الذي يكتب فيه عن هذا اللواء. وهذا أيضاً واحد 
من مستلزمات البحث العلمي. وفيس صياغته لهذا التاريخ. فقد جمع بين ما هو مطلوب منه ‏ 
على حد تعبيره ‏ كمؤرخ من جهة. وبين إحساسه كمواطن عادي بما يحتاج إليه من معارف 
تاريخية عن مدينته ووطنه وما هو حوله من جهة أخرى. هذا الشعور. قد عبر عنه بشكل 
واضح في مقدمة مؤلفه. وهو بشعوره هذا لا يمكن أن يكون إلا صادقاً. لسبب بسيطء وهو أن 
المعارف التي سعى وراءها وساقها لمواطنهء كان هو بحاجة إليها قبل غيره. علماً أن ما كتبه. لم 
يكن هدفاً بحد ذاته. بقدر ما هو محاولة لصياغة ذاكرة مواطنه وتزويدها بالمعارف الصحيحة 
عن المنطقة التي يعيش فيها. 

4 - إِنْ الياس صالح اللاذقيء لم يكن ذلك الإنسان العاديء عندما كان يكتب هذا التاريخ. 
فهو أكثر من شخصية في رجل واحد. بحكم ما كان يتقنه من لغات وما شغله من مناصبء 
وما قام به من مهام. هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به من حضور سياسي واجتماعي ورسمي 
في الوسط الذي كان يعيش فيه. 

5 إن القسم الأكبر من المخطوط. يتعلق بفترة الحكم العثماني. وتتميز كتابته عن 
هذه الفترة بدقة استثنائية لسببين: الأول» لأن المؤلف يتقن اللغة التركية. هذا من جهة. ومن 
جهة أخرىء كان عضواً في محكمتها الابتدائية. وبحكم موقعه هذاء كان مطلعاً عن كثبء 
على ما كان يرد إليه من الإدارات الرسمية من تعليمات وأوامر عليّة؛ وما كان يصدر عن 


ملاحظات 2 دد منها 


هذه الإدارات من مقررات واستفساراتء وما كان يفعله الولاة والموظفون من أجل الحفاظ على 
مصالحهم الخاصة. والثاني. وهو أن المؤلف قد ولد في مرحلة تداعيات النظام العام للسلطنة؛ 
وعاش في قلب مرحلة المحاولات. التي قامت بها من أجل إصلاح ذاتها؛ كما أنه شهد بعض 
الحروب التي شنت عليها من قبل الروسء وبعضها الآخر الذي شنته هي على رعاياها في لواء 
اللاذقية؛ كما أنه كان في قلب مرحلة انتقالها من «نظام الايالت» المتداعيء إلى «نظام الولاية». 
الذي شارك في تطبيقه من موقعه الوظيفي. 

6 - إِنْ الفترة التي كان الياس صالح اللاذقيء يكتب فيها تاريخ لواء اللاذقية,. كان الروس 
يعملون على تضمينه جزءاً من خطتهم العاملة لوصولهم إلى المياه الدافئة» بالاستيلاء على 
القدسء والعبور منها باتجاه الشمالء نحو اللاذقية عبر وادي البقاع وجبل لبنان فحمص؛ معتمدين 
في ذلك أسلوب استمالة وجذب أبناء الطائفة الأرثوذكسية إلى جانبهم وادعاء حمايتهم. ويبدو أن 
هذه الخطة. لم تكن حتى ذلك الوقت قد تبلورت بشكل واضح. بدليل أنه لم يشر إلى هذه 
المسألة بسوى أن للروس ‏ كغيرهم من الدول ‏ وكالة قنصلية في اللاذقية””. 
سيرة الياس صالح اللاذقي 1835 - 1885 

كتب صاحب هذه السيرة اسمه وتاريخ ولادته بخط ريشته على صفحات مخطوطة. 
فهو «الياس بن موسى بن سمعان صالح». ولد في :26 كانون الثاني من العام 1839. أما بالنسبة 
لتاريخ وفاته. فهو 15 أيلول 1885. دوّنه ابنه رفيق. تحت الصورة التي أعدها لوالده, بمناسبة 


مرور ربع قرن على وفاته. ومع ذلك. هناك من أشار ‏ بدون أي سند إلى تواريخ أخرى 


)2 لمزيد من الايضاح حول الخطة الروسية. يراجع: الياس جريج. ولإدة ديروت التاريخ السياسي والاقتصادي 21914-1887 
مكتبة عكارء حلبا بدون تاريخ طبع. ص 76 - 77. 

(2) 2 ترك الياس صالح اللاذقي مجموعة كبرى من القصائد الشعرية. وبمناسبة مرور ربع قرن على وفاته. جمعها ابنه رفيق في ديوان 
أسماه: «مراتي وديوان المرحوع الياس صالح» وطبعه على نفقته عام 1910, في المطبعة الوطنية باللاذقية. وقد وضع صورة والده 


في صدر الديوان وكتب فوقها: «المرحوم الياس صالح صاحب الديوان» ولد في 26 كانون الثاني 1839 وتوفي في 15 أيلول 5 1. 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


مختلفة لولادته ووفاته. غير تلك التي أشرنا إليها". لاذقي” المولد (نسبة إلى اللاذقية) 


- أما تحت الصورة. فقد كتب ثلاثة أبيات من نظمه. وهي: 


(10) 


(2) 


اذا ما نظرنا إلى رسم بكينا الأجل الأعز الاحب 
اذا ما اطلعنا على نظمه نثرنا دموعاً لرثي الأدث 
اذا ما سألناه رحمة اجاب السميع الرحيم الطلبُ. 


وبالإضافة إلى قصائد الديوان. فقد ضمنه الكلمات التي القيت يوم تشييع جنازته» وما كتب عنه من مقالات وقصائد 
وأشعارء وما كتبته عنه بمناسبة وفاته جريدة «الأهرام» و «المحروسة». 

ولمزيد من الايضاح حول تاريخ الولادة والوفاة. وما تضمنه هذا الديوان» يراجع: الياس صالح صاحب الديوان» مراتي 
وديوان المرحوم الباس صالح الللاقيء, المطبعة الوطنية. اللاذقية 1910. الديوان موجود في المكتبة الشرقية, بيروت. 
حول هذه التواريخ» لا بد من ابداء ملاحظتين: الأولى» وهي أن اسعد داغرء الذي قدم لديوان الياس صالح اللاذقيء 
أشار إلى أن الوفاة كانت نهار الثلاثاء 3 15 ايلول 1885 (الديوان ص 6). وهنا يمكن القول بأن صاحب السيرة قد دخل 
إلى المستشفى وهو فاقد الوعي وتوفي بدون أن يستفيق من غيبوبته. الثانية: وهي أن لويس شيخو اليسوعيء قد 
أشار ‏ بدون أي سنتب إلن أنه ولد في اللاذقية في عام 21829 أي قبل عشر سنوات من التاريخ الذي حدده صاحب 
السيرة بنفسه. وانه توفي في أواخر تشرين الأول 1885 أي بعد شهر ونصف من التاريخ الذي ذكره ابنه رفيق. ولمزيد 
من الايضاحء يراجع: لويس شيخو اليسوعي. الأداب العربية في القرن التاسع عشرء الجزء الثاني.ء ص 118؛ وأشار 
في مكان آخر إلى أنه توفي في تشرين الأول 1885. لويس شيخو اليسوعيء المخطوطات العربية لكتبة النصرانية. 
منشورات دار المشرقء بيروت طبعة ثانية 2000 ص 130؛ وفي هذا المجال أيضاً وتالاشتناة إلى لؤيتن شيعو أشاز 
عمر رضى كمالء إلى أن الياس صالح اللاذقيء قد ولد في عام 1245 ه وتوفي في عام 1302 ه الموافقين لعامي 1829 
و1885 م. عمر رضى كمالء معجم المؤلفينء. مؤسسة الرسالة بيروت 1993 ص 829. 

اللاذقي. نسبة اضافها صاحب هذه السيرة إلى اسمه بخط ريشته لاحقاً. أي عندما بدأ بكتابة الجزء الثاني من 
مخطوطه «آثار الحقب في للأقة العرب». بدليل أنه كتب اسمه على هذا المخطوط مرتين: الأولى» على الصفحة 
الأولى من الجزء الأول وهو كما يلي: «الفقير الياس صالح غفي عنه؛ أما على الجزء الثاني فهو «الياس صالح اللاذقي 
عفي عنه». أي باضافة «اللاذقي». وهنا لا بد من الإشارة» إلى أن لويس شيخو اليسوعي قد أوضح أن هذه النسبة هي 
من أجل التميبز بينه وبين سمي له يحمل أيضاً نفس الاسم الياس صالح؛ وهو من نفس ملته الارثوذكسية ومن أقربائه 
واشتهر بعده بقليل؛ وهو من مواليد بيروت 1869 وقيل 1870؛ وأنه كان شاعراً أيضاً وله قصائد كثيرة؛ وقد قصفته المنية 
غصناً رطباً في 2 حزيران 1895. ولمزيد من الايضاح حول هذه المسألة, يراجع: لويس شيخو اليسوعيء الآداب العريية 
في القرن التاسع عشرء الجزء الثاني 1900-1870 طبع في مطبعة الآباء اليسوعيين 21910 ص 120-119. 


10 


ملاحظات 2 دد منها 


والمنشأ والرقاد. «غزاوي» (نسبة إلى غزة في فلسطين) الأصل والفرع. سليل أسرة وجيهة, 
خدمت السلطنة العثمانية وولاتها في سلك الوظيفة العامة في غزة. ويافاء واللاذقية. لكنها لم 
تسلم من أذية وكيد وبلص ولاتها. 


صالح. كبير العائلة من غزة بفلسطينء ولد وترعرع فيها (1790-1730). عمل في سلك رجال 


الحكومة ووصل إلى مكانة مرموقة ولقب «بالمعلم صالح»؛ وبوصفه كبير العائلة أعطى اسمه 
كنية لها””". 


سمعان بن صالح. اقتفى خطى والده فقد عمل في غزة. ثم انتقل إلى يافا ليصبح رئيساً 


للكتاب فيهاء وهو ما سمح له بإعلاء كلمته ومكانته. غير أنه قتل عام 1825. وبذلك كان مصيره 


كمصير حميه «حنا كبه» فى اللاذقية. فقد صودرت أمواله وضطت موجوداته2. 


(10) 


(2) 


(3) 


لمزيد من الايضاح حول هذه المسألة. يراجع: اسعد داغرء مقدمة ديوان الياس صالح الللاقي. ص 1؛ وسامر عوضء 
العلامة الياس صالح اللاذقيء العربيةة مرجع سابق» ص 35. 

سمعان صالح 1825-1760, ولد في غزهء استقدمه محمد أبو مرق إلى يافا ليكون رئيساً لكتابها. وشاء القدر أن تتوفى 
زوجته» وأن يعقد قراناً ثانياً ‏ بطلب من محمد ابي مرق على «ايرين» ابنة «حنا كبه» عندما كانت مع والدتها تنزلان 
عنده أثناء زيارتهما للقدس؛ علماً أنه لم يكن راغباً بالزواج منها. ولمزيد من الايضاح حول هذه المسألة. يراجع: اسعد 
داغرء ديوان الياس صالح الللاقي ص 3-2, وحول شصخية سمعان. أشار صاحب كتاب «بربر أغه أن اليهودي «حاييم 
فارحي». كان يدير شؤون أيالت عكا كلها في عهد الجزارء ثم في عهد خليفة هذا الأخير سليمان باشا. وأن سمعان 
هذا كان عميلاً تحاييم في ديوان «أبي نبوت» متسلم يافا بشخص امين خزانة» في الوقت الذي كان بين «ابي نبوت» 
و «فارحي» عداوة وبغضاء. فهل كانت هذه الحالة بين الرجلين هي السبب الذي ادى إلى قتل سمعان؟ ولمزيد من 
الايضاح حول هذه المسألة. يراجع: عبد اللطيف كريمء بربر آغاء الطبعة الأولى. طرابلس 2004, ص 272 275. سنشير 
إلى هذا المرجع لاحقاً: عبداللطيف كريمء المرجع السابق» ص... 

حنا كبه. والد ايرين زوجة سمعانء كان رئيس الكتّاب في اللاذقية وملتزماً أموال اللواءء حنق عليه أحمد باشا الجزار 
لاستقباله في بيته باللاذقية محمد أبو مرق» عندما كان الجزار غاضباً عليه. وعندما رفض حنا كبه ان يسلمه للجزار 
غضب منه وحرّض عليه عدره أغاء صاحب المرقب. وانتهت مؤامرة الجزار على حنا كبه بقتله عام 1803. اسعد داغرء 


مقدمة الديوان» ص 2. وقد أشار إلى هذه المسألة الياس صالح اللاذقيء في الجزء الأول من مخطوطه. 


11 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أما موسىء فعندما رأى ما حل بوالده. غادر بصحبة والدته وخاله إلى اللاذقية عام 21831 
حيث تزوج. وكان الياس بن موسى بن سمعان صالح ثمرة من ثمار هذا الزواجء وكبير ثلاثة أخوة 
من أصل خمسة رزق بهم والده”, الذي تركهم مع زوجته في اللاذقية وعاد إلى فلسطين. حيث 
توفي". ولذلكء. انكبت الزوجة على تربيتهم: واضطر الياس.ء كبير الأبناءء أن يعمل باتجاهين: 
انكبابه على العلم والمطالعة من جهة. وإلى تعلم صنعة تقيه وعائلته من الفقر وذل السؤال. 
وبات في سن المراهقة يعرف شيئاً من مبادىء القراءة في كل من العربية والايطالية والفرنسية 
ويتقن كتابة الخطء وفي هذا المجال بلغ شأواً يقضّر عنه أمهر الخطاطين. وبهذه الصنعة, دخل 
باحة الكسبء ليسعف أخوته ويشد من أزر أمه. 

في عام 1859. انشأ المرسلون الأميركان مدرسة للعلوم في اللاذقية وبذلكء انفتح أمامه 
باب لتعلم اللغة الإنكليزية وقواعد اللغة العربية. وفي عام 1866 عيّن ترجماناً لقنصلية أميركا في 
اللاذقية. عندها ترك كتابة الخط وتشارك مع الياس وجبران صوايا في عمل تجاريء لكن الحظ 
لم يحالفه بالنجاح. وكان في أثناء ذلكء. قد التزم أعشار قضائي جبله واللاذقية ولقي في هذا 
المجال نجاحاً. كان من جرائه تحسين أوضاعه ومستوى معيشته. وفي عام 1869 سأله المرسلون 
الأميركان في اللاذقية أن ينظم لهم المزامير فأجاب طلبهم. وفي عام 1871 تزوج باحتفال عظيم”. 


0 بعد وصول موسى ووالدته «ايرين» وخاله جرجس كبه إلى اللاذقية» تزوج مرتين: الأولى» كانت ابنة مخائيل جرجي. 
وقد توفيت بعد اربعين يوماً من زواجها؛ المرة الثانية كانت من «مناشه». ابنة المقدسي الياس نعمة» رزق منها 
بخمسة أولاد ذكور.ء خطف الموت منهم اثنين؛ أما الباقون فهم الياس موسى صالح صاحب هذا المخطوطء الذي أشرنا 
إلى تاريخ ولادته ووفاته؛ وسليم موسى صالح. الذي ولد بتاريخ 9 كانون الأول 4؟؛ ويوسف موسى صالح. الذي ولد 
في 23 أيلول 1847. ولمزيد من الايضاح. يراجع صاحب هذا المخطوط في الجزء الأول. 

)2 توفي موسى صالح في عام 7. صاحب المخطوط الجزء الأول. 

(4)3 عقد الياس صالح اللاذقي قرانه. على «لوكيا»» ابنة «تيودوري سبتروفتحش» اليوناني الإسلامبولي في اللاذقية. وقد 
أتى بها من عند عديله في بيروت نقولا الروماني. واجرى مراسم الزواج «ملاتيوس الدوماني» مطران اللاذقية. اسعد 


داغرء مقدمة الدبوان. ص 5؛ وسامر عوضء العرية. مرجع سابق. ص 34. 


12 


ملاحظات 2 دد منها 


في عام 1872 تولى إدارة قنصلية أميركا في اللاذقية إثر غياب نائب القنصل. وفي عام 
3 بدأ بكتابة مخطوطه «آثار الحقب في لاذقية العرب». وعندما أكمل نظم المزامير, 
سافر إلى مصر بطلب من المرسلين من أجل مقابلته بالنسخة الأصلية وطباعته هناك. كان 
ذلك في أيلول 1874 وبقي في مصر إلى حزيران 1875. وإثر عودته إلى اللاذقية استقال 
في شهر تموز من الترجمة لقنصلية أميركاء ودخل في خدمة الحكم العثماني. وفي هذا 
المجال انتخب عضواً للمحكمة الابتدائية. وأثناء ممارسته لهذه المهمة بات متمكناً من 
اللغة التركية بعد أن كان قد ألم بها وتعلم قواعدهاء وراح يعرّب تآليفها كالدستور العثماني 
وقوانين السلطنة العلية”'''. وظل انتخابه لهذه المهمة يتجدد إلى نهاية حياته. وخلال المدة 
5 - 1878: كتب مذكراته اليومية. أصيب بداء أعياه وعجز الأطباء عن مداواته وشفائه 
فتوفي في صباح الثلاثاء الواقع فيه 15 أيلول 1885. عن صبي وأربع بنات؛ وشيّع إلى مثواه 


الأخير بمأتم مهيب حضره جمعح غفسن كتبيت عنه الصحف2؛ ورثاه عدد كير من الشعراء. 


() لويس شيخو اليسوعيء الآداب العربية في القرن التاسع عشرء مرجع سابق» ص 119. 

قال اسعد داغر في وصف الجنازة: «عصر ذلك اليوم سير بجنازته وحولها السواد الأعظم من مأموري الحكومة 
ووكلاء القناصل وسراة البلدة؛ وعلى وجوههم شارة الكدر واللهف وعلى رؤوسهم طائر الحزن والاسف حتى جيء به 
إلى كنيسة المار سابا. وهناك. بعد أن صلي عليهء وقف لتأبينه الدكتور سليم جريديني واسعد داغر وسامي أفندي 
كومين». ومما قالته جريدة الأهرام في نعيه: «نعت الينا اخبار اللاذقية وفاة المرحوم الياس صالح, احد أعيانها وخيرة 
ابنائهاء احد أعضاء محكمتها وريس جميعة الروم الارثوذكس الخيرية... وكان رحمه الله كاتباً لبيباً وشاعراً متفنناً وعارفاً 
باللغة التركية وملماً باللغتين الفرنساوية والإنكليزية» ومتمكناً من الأصول النظامية وقوانين الدولة العلية وله مؤلفات 
عديدة...» ومما قالته جريدة المحروسة: «نعت إلينا أخبار اللاذقية وفاة الأديب البارع والنحرير الكاتب» المرحوم 
الياس صالح وهو بالغ من العمر 46 عاماًء قضاها بين التحرير والتحبيرء وكان رحمه الله من عيون اعيانهاء فهو أحد 
رؤساء مجالسها واحد أعضاء الجمعية الخيرية...» اسعد داغرء مقدمة الديوان» مرجع سابق» ص 6 15-129. 


13 


آثار الحقب في للاقة العرب 


من أمثال: أسعد أفندي داغر. حنا أفندي نقاشء. سامي كومينء الياس أفندي نوفلء ابراهيم أفندي 
رزوق واسحق أفندي شيبوب”". وبالإضافة إلى المخطوط المشار إليه. فقد ترك لنا مجموعة كبيرة 
من القصائد جمعها ونسقها وطبعها ابنه رفيق بمناسبة مرور ربع قرن على وفاته كما أشرنا عام 
0. أما أعماله غير المنشورة. فلم يبق منها أي أثر”. وأخيراً إِنْ أفضل ما نختتم به سيرة 
هذا المؤرخ. الباحث والشاعر الرقيقء الياس صالح اللاذقي بما قاله في مدحه صاحبا كتاب ولإية 
يروت: «يجب على اللاذقيين عامة والمسيحيين خاصة. أن لا ينسوا اسمه. لأنه استطاع تحريك 
الإحساسات التي تخفق لها قلوبهم وتقريرها. واقتدر على نقل حالتهم الروحية وتثبيتها»”. 
آثار الحقب في لاذقية العرب - مخطوط وكتاب 

تتناول تحت :هذا الحنوان دعن.حيث الشكل -مسالتين أساسكن: 

أ أقاد الحقب في لاذقية العرب بحلّة المخطوطء قد أبصر النور في عام 1881 ليعود 
بعدها إلى الظلء بحيث تقتصر رؤيته والاطلاع عليه على الخاصة من الناس دون سواهم. بانتظار 
خروجه إلى النور خروجاً دائماً شأنه في ذلك. شأن كل المخطوطات العربية في ذلك الزمن. 


وهو يتألف كما أشرنا من جزئين. 


() للاطلاع على قصائد هؤلاء الشعراء الذين رثوه. يراجع: ديوان الياس صالح اللالاقي. مرجع سابق. ص 13 33. 

»2 أشار سامر عوض في «العربية». ان طبع الديوان كان في عام 21900 وانه يقع في 164 صفحة؛ وان توقفه عن الكتابة في 
تاريخه «آثار الحقب في لاذقية» قد يكون في العام 1883. أما الحقيقة فهي أن الديوان قد طبع عام 1910 في المطبعة 
الوطنية باللاذقية, وانه يقع في 168 صفحة. تضم بالإضافة إلى أبوابه السبعة: ترجمة صاحب الديوانء مراثي الأدباء 
لصاحب الديوانء بيان بأهم الأغلاط المطبعية. أما توقفه عن الكتابة في كتابة تاريخ اللاذقية فهو في العام 1881. 
وللمقارنة بين ما أشار إليه سامر عوض وما أشرنا إليه من تصحيح. تراجع: العردية. ص 34 والديوان ولا سيما صفحة 
الفهرس والصفحة الأخيرة من آثار الحقب في للاشّة العربء حيث يبدو توقفه واضحاً عام 1881. 

(3) سامر عوض.ء العربية. مرجع سابق. ص 38-37. 


4 رفيق التميمى ومحمد بهحجت. ولاية سروت: دأر لحد خاطرء بيروت 21679 الجزء الثانى. ص 298. 


14 


ملاحظات 2 دد منها 


1 الجزء الأول منه. يبدأ بصفحة غلاف خط عليها: أثار الحقب في لاذقية العرب» تأليف 
الفقير الياس صالح عفي عنه. الجزء الأول يليها فهرس موضوعاتء فمقدمة قصيرة تفي بالغرض 
الذي أراده من هذا الكتاب. ويقسم هذا الجزء من المخطوط إلى قسمين: القسم الأول جغرافي» 
بعنوان: في جغرافية اللاذقية ووضعها الحالي (1873 عندما بدأ بكتابة هذا التاريخ). وقد اعتمد 
المؤلف في كتابة هذا القسم نظام الفصلء. فقسمه إلى أربعة عشر فصلاً. تناول في خمس منها 
جغرافية مدينة اللاذقية. أما في الباقي من هذه الفصولء فقد تناول جغرافية لواء اللاذقية. وأقل 
مايقال في هذه الفصول بأنها غير متوازنة. أما القسم الثاني من هذا الجزء. فهو تاريخي.؛ 
بعنوان: في تاريخ اللاذقية. يتخلى في هذا القسم عن نظام الفصلء ليعتمد نظام المحطات 
المهمة ‏ حسب رأيه في تأريخهاء 057002 مرحلة ما قبل التاريخ. حتى عام 1831 عندما قام 
محمد علي باشا والي مصر (1849-17269) . بحملته العسكرية المعروفة ضد السلطنة العثمانية 
واحتل اللاذقية عام 1832. وهنا لا بد من الإشارة: إلى أن الياس صالح اللاذقيء. قد صاغ لهذا القسم 
عن تاريخ اللاذقية تسعة وأربعين عنواناً أشار إليها في الفهرس الذي وضعه لهذا الجزء. أما في 
المتن فقد ترك أمرها ليشير في المتن إلى أفكارها فقط. 

2 - الجزء الثاني منه. يبدأ بصفحة غلاف خط عليها: الجزء الثاني من كتاب أثار الحقب 
في لاذقية العربء تأليف الياس صالح اللاذقي عفي عنه. أي بإضافة «اللاذقي» إلى اسمه. ويلي 
صفحة الغلاف فهرس يتضمن 109 عناوين بدون أن يشير إلى هذه العناوين في متن المخطوط. 
بمعنى أنه أكمل صياغة هذا الجزء بنفس الطريقة التي كتب بها القسم الثاني من الجزء الأول. 

ومن الجدير بالذكر هناء أن نشير إلى مسألتين: الأولىء وهي أن هذا الجزء تاريخيء. 
يستكمل به تاريخ اللاذقية بالكتابة عن تاريخ لواء اللاذقية من عام 1881-1831 الثانية. وهي أنه 
اعتمد النظام الحولي في التأريخ. مشيراً إلى السنين على هامش صفحات المخطوط. 

ب - أثار الحقب في لاذقية العرب بحلّة كتاب. وحول هذا الشكل الذي أصبح عليه 


15 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المؤلفء لا بد من القول بأن المخطوط الذي كان يتألئف من جزئينء قد بات بعد طباعته كتاباً 
واعندا موحداً. وبات أميراً طبيعياً أن يكتب عنوانه مرة واحدة «أثار الحقب قفي لاذقية العرب» 
وأن يكتب اسم مؤلفه مرة واحدة أيضاً وهو «الياس صالح اللاذقي»» الاسم المحبب لديه. 


غاية ومراجع ومنهج آثار الحقب في لاذقية العرب 

لقد حدد المؤلف بنفسه الغاية والهدف الذي أراده من كتابة مُؤلفهء بأنه من أجل أن 
يكون لهذه المدينة تاريخ مكتوب ومجموع في كتاب واحد. يتناول أخبارها منذ القديم إلى 
اليوم الذي كتب فيه هذا التاريخ, من أجل أن يستغني أبناء الوطن عن كثرة المراجعات ومشقة 
البحث والتفتيش. وبذلك. فهو يساهم في توحيد رؤية أبناء وطنه حول ماضيهم وحاضرهم 
لتتوحد رؤيتهم وتوجهاتهم نحو المستقبل. 

أما بالنسبة للمصادر التي اعتمد عليها في كتابة هذا التاريخ: فهي من ثلاثة مصادر: 

1 من القليل الذي وجده عرضاً هنا وهناك في بطون الكتسب عن اللاذقية: ولا سيما 
تاريخها القديم., لأنه لم يعشر على مصنف خاص بها. 

2 مما رواه له أبناء جيله الحاضرء الذين شهدوا الوقائع أو نقلوها عمن شهدوها. 

3 مما جدٌ في أيام عصره من أخبار. ومما رآه وعاصره من أحداث. معتمداً في ذلك على 
سمعه وبصره. 

وبالنسبة لمنهجه في الكتابة. فيمكن القول بأنه استند في تقديم معارفه ومعلوماته على 
عدد من القواعد: 

الأولى» توجه بها إلى المؤرخ نفسه. فقد أوجب عليه «الابتداء بالأخص لينتقل منه إلى 
الأعم». 

الثانية. تقوم على ربط المكان بالزمان وبالإنسان. 

الثالثة. توجه بها إلى مواطنه العادي, فأوجب عليه «أن يعرف تاريخ مدينته ووطنه. قبل 


أن يعرف تاريخ المدن والأوطان الأخرى». 


16 


ملاحظات 2 دد منها 


وعلى أساس هذه القواعد. بدأ بالكتابة عن مدينة اللاذقية أولا بوصفه من مواليدها وأحد 
أبنائها الميامينء ليتوسع بعدها باتجاه لواء اللاذقية. وعزا هذا التوجه في الكتابة إلى سببين: 

الأولء وهو أن المدينة واللواء مرتبطان ببعضهما البعض منذ القديم. هذا من جهة. ومن 
جهة أخرىء فهما مرتبطان بمحيطهما في طرابلس وصيدا وعكا وبيروت ودمشق وحلب. 

الثاني وهو أنه لم يخطر بباله يوماً أن يرى اللاذقية منفصلة عن اللواء. منطقتها الحيوية, 
أو أن تكون هذه الأخيرة مرتبطة بمركز آخر غير اللاذقية. 

ولذلك. فعندما حصل الفصل بين اللاذقية ولوائهاء اعتبر أن من قاموا بهذا الإجراء لا 
يتمتعون بالرأي السديد. لأنه مخالف لطبيعة الأشياء. ويعملون على تحويل الأحوال عن مجاريها 
الطبيعية. 

اللاذقية في منهج الياس صالح اللاذقي موقع من مواطن الإنسان القديمء لجأ إليها واختبأ 
في مغاورها المحفورة في الصخر جنباً إلى جنب مع الحيوان. وما اكتشف فيها من آثار أثناء 
عملية الحفر في عام 01849 يدل على أن عملية الاستقرار هذه. قد ساعدت الإنسان القديم 
أن يخطو في العصر الحجري خطوة هامة على طريق التقدم والرقي. وبذلك. فهي تتماثل مع 
مواقع أوروبية ترقى إلى تلك الحقبة. ولا سيما في فرنسا واسبانيا حيث عثر على تماثيل ترمز 
إلى الأمومة والخصب وتجدد الحياة ورسوم نافرة على جدران المغاور بعضها على شكل رؤوس 
بقر وبعضها على شكل رؤوس بشر.ء ترمز إلى السحر والشعبذة”". 


(*) أثناء عملية حفر جرت في اللاذقية عام 1849 في بستان «مار تقلا». في الشمال الغربي من المدينة» عثر على مغارة 
محفورة في الصخرء طولها ثمانية أذرع وعرضها خمسة أذرع. على حيطانها الأربعة صور نافرة. بعضها على شكل 
رؤوس بقرء وبعضها على شكل رؤوس بشر وغير ذلك؛ وفي إحدى زواياها سرج كثيرة من الخزف. كما عثر على 
انتيكات مختلفة, منها ما عليه صورة امرأة عريانة جالسة على صخر. وهذا هو رمز اللاذقية في الزمن القديم. هذا 
ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي. 
من المغاور التي سكن فيها الإنسان في مرحلة ما قبل التاريخ. واكتشفت فيها آثار مماثلة لتلك التي اكتشفت في 
اللاذقية. نذكر: مغارة «دوردوني» عموهنءه2) ١‏ ولاسكو (سهدم1) في جنوب غربي فرنسا؛ ومغارة «التاميرا» (ممنسمنام) 
في أسبانيا؛ ومغارة «جرجس» (دع:د©) في اعالي جبال «البيرنيه» (ءغم6ءرم)؛ ومغارة «مونتسبان» (صددمع:مه80) في 
اعالي نهر «الغارون» #صدهءه6). ولمزيد من الايضاح حول هذه المغاور وما وجد فيها يراجع: 
.23,7 .21 .م« ,1957 كعتمة2 وصبتممط لغه عنقا ,رغطو مدا فمعع 


.5 .7 ,1998 كتمه ,عتناأتزاعع وآ عل عنأو عوط راأءلناه0ط01 كتمعدهه] اء نندء [اتتدظ عل ا[غطعتلة 


17 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وهكذا يتسلسل تاريخ اللاذقية. في مؤلف «آثار الحقب في لاذقية العرب»؛ فهي في 
التاريخ القديم جزء من فينيقية: الممتدة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط من «جبل 
الأقرع» في سوريا شمالاً. إلى جبل الكرمل في فلسطين جنوبا". 

وفي أيام الفرس. هي جزء من الامبراطورية الفارسية: التي امتدت من السند في آسيا 
شرقاًء إلى غرب قبرص وسراديس في آسيا الصغرى غرباً”. بدليل أن أحد جبال مقاطعة «بيت 
الشلف». في لواء اللاذقية يدعى «جبل دريوس» (ومنمة2 غموا/ة) . 

وفي عهد الاسكندر الكبيرء امبراطور اليونان  336(‏ 331) ق. م كأقيك دنه محن 
الامبراطورية اليونانية: الممتدة: من مقدونيا في أوروبا غرباً. إلى السند في آسيا شرقاً 
والى مصر في افريقيا جنوب©. وفي عهد السلوقيين» خلفاء الاسكندر. كانت اللاذقية 
جزءاً من حصتهم التي ورثوها عنه. وكانت مدمرة بفعل الزلازل. وأعاد سلوقس تمدهاء5) 
بناءهاء وسماها «لادوكية» باسم أمه وقد عرّب العرب هذا الاسم «اللاذقية». ومن الجدير 
بالذكر هناء أن المنطقة التي بنيت عليها مدن: اللاذقية. وسلوقية, انطاكية وأفاميا”, 


0 تراجع خريطة رقم 1. حيث يبدو رأس اللاذقية جنوب اوغاريت. 
)2 تراجع خريطة رقم 2. حيث يبدو رأس اللاذقية قبالة شرق قبرص مقاطعة رقم 5. 
(3) دريوس الكبير أو دريوس الأول» أمبراطور الفرس 486-522 ق. م. 
.5 .م ,2000 كتتدم بكعاممع عترمم عمل خرعطم] عزاوط و[ 
7 .م« ,2008 كلعنةط2 6ناكتاألا عدعنام يها ع2 و[ 
)2 تراجع خريطة رقم 3. حيث تبدو حملة الاسكندر مارة في منطقة اللاذقية وهي في طريقها إلى مصر. 
5 قبل أن يبنيها سلوقسء كان اسمها «راميتا» أي المرتفعة. وكانت خربة بسبب الزلازل التي كانت تضربها باستمرار. 
وعندما أعاد بناءهاء غير اسمها إلى «لادوكية» اسم امه. علماً أنه قد بنى أكثر من لاذقية نذكر منها: لاذقية فيرجياء 
لاذقية بسيديا ولاذقية لبنان. وكانت هذه الأخيرة. بين حمص وبعلبك. وغير أن «لاذقية على البحر». كانت اعظمهن. 
وبالإضافة إلى هذه اللاذقيات التي بناهاء فقد بنى مدن: سلوقية باسمه. وهي قريبة من موقع السويدية الآن؛ 
وانطاكية العظمى باسم ابيه «انطيوخوس»؛ وافامية على نهر العاصي باسم امرأته. هذا ما أشار إليه الياس صالح 
اللاذقي. أما وليم» رئيس اساقفة صور في عهد عموري ملك القدس خلال الحروب الصليبية. فقد أشار إلى أن 
انطيوخوس بن سلوقس.ء هو الذي بنى اللاذقية. وافامية. كما انه أشار إلى لاذقية اخرى تعد بين المدن السبع لآسيا 
الصغرى وهي: سميرناء وبرغامسء وتياتيرء وسرادس. ولادوكية. وفيلادلفيا وافسس. وليم رئيس اساقفة صور 1185-1130 
تاريخ الحروب الصلببية. الجزء الثالثء نقله إلى العربية وقدم له سهيل زكارء دار الفكر ودار نوبليسء الطبعة الأولى 
0+ ص 507. سنشير إلى هذا المرجع لاحقاً تاريخ الحروب الصليبية. الجزء... 


18 


ملاحظات لا دد منيا 
كانت في عهد السلوقيين إقليماً مميزاً سمي تترابوليس» ومعناها المدن الأربع. 
وفي عهد الرومانء الذين استولوا على سوريا بعد السلوقيين عام 64 ق.م.. دخلت اللاذقية 
تحت سلطتهم وباتث تابعة لروما. وفي هذا العهد. راحت تناظر انطاكية وتسمت باسم «سبتيما 
السيفيرية» نسبة إلى «سبتيموس سفيروس» وأعطى اللاذقية الحقوق التي كانت للمدن الرومانية. 
وفي عهد الرومان شهدت ظهور المسيحية منذ البداية الأولى وقد آمن بها أهلوها وقدموا 
في سبيل إيمانهم شهداء كثيرين؛ وشارك أساقفة من اللاذقية وجبله في المجامع المسكونية 
السبعة". كما أنها عاشت حالة الجدل والصراع الذي نشب بين أنصار الطبيعة الواحدة وأنصار 
الطبيعتين للسيد المسيح. وعندما خرج العرب المسلمون من الجزيرة العربية لنشر الدين 
الإسلامي وتوسيع رقعة دولتهم: استخلصوها من أيدي الروم البيزنطيين عام 637 وأسموها «لاذقية 
العرب». 
وعندما زحفت أوروبا في الحملات التي اصطلح على تسميتها «الحملات الصليبية» 


1 السأروي | , 


4 


)2 المجامع المسكونية السبعة هي: مجمع نيقية الأول سنة 325 م. ومجمع القسطنطينية الأول سنة 381 م. ومجمع 
افسس سنة 431 م. مجمع خلقيدونية سنة 451 م» ومجمع القسطنطينية الثاني سنة 553 م.» مجمع القسطنطينية الثالث 
سنة 681-680 م ومجمع نيقية الثاني سنة 787 م. ولمزيد من الايضاح حول هذه المجامع المسكونية والاحبار الذين 
حضروها والمقررات الكنسية التى اتخذوهاء يراجع حنانيا الياس كساب» مجموعة الشرع الكنسىء منشورات دأر 


النورء بيروت لبنان 1998 صفحات كثيرة نذكر منها الصفحات المفصلية 40 2241 2288 2364 6فك 486 761. 


19 


آثار الحقب في للاقة العرب 


(020153468 165) قاصدة الاستيلاء على سوريا والأماكن المقدسة. جرى استخلاصها من أيدي حكامها 
البيزنطيينء وتم الاستيلاء عليها في عام 1103 ه'". 

وفي أيام المماليك. باتت جزءاً من سلطنتهم في عام 1287. وعندما استولى السلطان سليم 
العثماني على سوريا ومصر عامي 1516 15179 صارت اللاذقية تحت سلطة السلطنة العثمانية 
كباقي المدن السورية. إننا إذ نشير إلى بعض تفاصيل هذا السياق التاريخيء. فمن أجل التأكيد. 
على أن الياس صالح اللاذقيء. قد عمل على الربط دائماًء بين التاريخ والجغرافيا والإنسان بما 
هو سلطة تفرض إرادتها ورغبتها. فاللاذقية كانت عنده دوماً جزءاً من الامبراطوريات الكبرى. 
التي تأسست على حوض البحر المتوسط؛ وبالتالي: فقد اعتبر تاريخها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ 
هذه الامبراطوريات. 


مضمون أثار الحقب فى لاذقية العرب 

يتضمن هذا الكتاب معلومات ومعارف لا حصر لها ولا عد. وهي تقسم إلى قسمين كبيرين: 
معارف جغرافية ومعارف تاريخية. هذه المعارف هي كل موحد لا يتجزاً. فبعضها يتعلق بواقع 
الأمور التي كان المؤلف يعيش فيهاء وبعضها الآخر يساعد على فهم هذا الواقع. أما تقسيم 
هذه المعارف على هذا الشكلء فهو من أجل دراسة هذا الكتاب والتعرف إلى مضمون مادته. 
أ المعارف الجغرافية كثيرة جداً. ويمكن القولء بأنه لم يترك فرعاً من فروع الجغرافيا إِلا 
خاض فيه. وهذه المعارف هي الأخرى تقسم إلى قسمين: معارف جغرافية عن مدينة اللاذقية, 
وأخرى عن لواء اللاذقية. 


1 - المعارف الجغرافية عن مدينة اللاذقية. ومادام هناك أكثر من لاذقية,. فقد أراد 


(() تاريخ الحروب الصلببة. مرجع سابقء الجزء الثالث. ص 507 حاشية رقم ١؛‏ و 


532 .2 ,1975 كلتة8 رحاه1كتل6 ع[ إعتانامط ,تصداوة [ عل عءتلءمملعتن 7ط 


20 


ملاحظات 2 دد منها 


لمواطنه أن يعرف أن موقعه على الأرض, هو في «لاذقية العرب»؛ وحدد له موقعها بدقة. فهي 
على ريف البحر المتوسط في إقليم سوريا؛ كما حدد له بدقة أيضاً الدائرة الفلكية التي يدور 
فى نطاقها". 

ولما كانت اللاذقية مركز لواء وأكبر مدنه. فقد أراد لمواطنه أن يعرف عنها عدداً من 
المعارف الجغرافية. ليكون عارفاً وملماً - على الأقل ‏ بالمكان الذي يقيم فيه ومن أهم هذه 
المعارف: 

الأولىء وهي أن المدينة, كانت تتألف من قسمين منفصلين عن اسكلتهاء شأنها في ذلك., 
شأن كل مدن الساحل الشرقي للبحر المتوسط. فالأسكلة هنا «متراس» ©مهمدده»») المدينة المتقدم 
عنها مسافة ليست بالقليلة. تسمح لسكانها ‏ في ذلك الوقت أن يخرجوا منها ويستعدوا للدفاع 
عن أنفسهم ومدينتهم في وجه الأعداء المهاجمين والطامعين. علماً. أن المماليك. كانوا في عهد 
سيطرتهم على هذا الساحلء قد لجأوا «إلى ردم الموانىء لمنع سفن الأعداء من دخولها»2. 
خاصة بعد أن هزموا الصليبيين وأجبروهم على الرحيل عن هذا الشاطىء. 

الثانية. أراد لمواطنه أن يعرف شيئاً عن التجمع البشري الذي يعيش فيه؛ هذا التجمع 


هوعبارة عن مجموعات بشرية متعددة الأديان والطواكف والمذاهب والأجناس؛ وإنْ عدد 


0 حدد صاحب اثار الحقب في للاقبة العرب موقع اللاذقية على خطوط الطول وخطوط العرضء بإشارته إلى أنها تقع 
في الدرجة 35 والدقيقة 25 من العرض الشمالي؛ وعلى الدرجة 33 والدقيقة 42 من الطول الشرقي. غير أن مصادر 
السلطنة العثمانية, أشارت إلى أن قصبة اللاذقية تقع على الدرجة 35 والدقيقة 30 من العرض الشمالي؛ وفي الدرجة 35 
والدقيقة 45 من خط الطول الشرقي. ولمزيد من الايضاح حول هذه المسألة: تراجع: سالنامة ولإدة ديروت لعام 1318ه 
دفعة اولى. ص 252 عربها عن التركية العثمانية المهندس حسين محمدء من بلدة الكواشرة؛ وسكان هذه القرية من 
التركمان وما زالوا حتى اليوم يعرفون اللغة التركية العثمانية قراءة وكتابة ويعلمونها لابنائهم جيلاً بعد جيل من أجل 
الحفاظ على ترائهم. 


)2 فيليب حتىء لبنان فى التاريخ. تعريب انيس فريحة ومراجعة نقولا زيادة. بيروت - نيويورك 1959 ص 359. 


21 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أنفس هذا التجمع. حسب الإحصاء الرسمي لعام 1866. هو 11200 نسمة؛ وعلى الصعيد الديني 
فهم مسلمون ومسيحيون؛ أما اليهود فقد انقرضوا من هذه المدينة ‏ لسبب أو لآخر ‏ في أواخر 
القرن الثامن عشر. وعلى الصعيد الطائفيء فالمسلمون هم السنة,. أما المسيحيون فهم من 
الروم الارثوذكس والموارنة والبروتستانت؛ وعلى صعيد الأعراق. فهم من العرب والأرمنء. وهؤلاء 
بدأوا بالوفود إليها في القرن الثامن عشر؛ هذا بالإضافة إلى عدد قليل من اللاتين. وهنا لا بد 
من الإشارة إلى أن السلطنة العثمانية كانت تعتبر أن المسلمين هم السنة. وأن المسيحيين هم 
الارثوذكس؛ وأن ما عدا هؤلاء أمسلمين كانوا أم مسيحيين فهم من أهل البدع”". 

الثالئشة من هذه المعارفء التي أراد لمواطنه أن يعرفهاء فهي تتعلق بالهيئة الاجتماعية 
العمومية في اللاذقية. فهي على حد تعبيره «كباقي مدن سوريا أو بالحري البلاد العثماينة, 
على غير ما يُحب ويرتضي. وعلة ذلك اختلاف المذاهب الحاجز للائتلاف فيما بين المسلمين 
والنصارى». إِنْ هذا الوضع ‏ في ظل التماسك الاجتماعي الهش وحالة الجهل المتفشية ‏ يؤدي 
برأيه إلى نتيجتين مضرتين بالجميع: 

1 - زيادة التباعد وعدم الاختلاط وحرمانهما من منافع مشتركة من جهة. وتضييع حقوقهما 
من جهة ثانية. 

2 -إِنْ هذا الوضع يمكن الباغين من الحكام أن ينفذوا مآربهم فيهم جميعاً 

وليكون مواطنه على بينة من الوضع الاجتماعي في اللاذقية. تحدث عن كل فئة من 
فئنات مجتمعها. والفئة هنا فئة دينية» وعلى الأصح ‏ إذا استثنينا حديثه عن النصارى ‏ فهي فئة 
طائفية تحتوي في داخلها مستويات اجتماعية متعددة. ومن أهم ما أشار إليه عن كل فئة من 
هذه الفئات: 


فحول هيئة المسلمين الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم. أشار إلى الأعمال التي 


() حول النظرة العثمانية إلى الطوائف الإسلامية والمسيحية. يراجع: رفيق التميمي ومحمد بهجت. ولاية ديروت دار 
لحد خاطرء بيروت 1979. القسم الجنوبي. ص 15-9. 


22 


ملاحظات 2 دد منها 


يقومون بهاء وإلى حالتهم العلمية المتأخرة بالنسبة للنصارى وإلى حالتهم المعشرية المتأخرة 
أيضاًء وإلى قلة ميلهم لرفاهية المعيشة والطرب والانشراحء وإلى طريقة تمضية أوقات فراغهم.: 
وإلى طريقة تناول طعامهم. وإلى عدم ميلهم إلى الإكثار من أصناف الطعام. خلال الوجبة 
الواحدة. وإلى عدم تعيّرهم بالعمل مهما كان هذا العمل وضيعاً. وإلى تعاطي الكثيرين منهم 
المسكرات ومبالغة البعض منهم بالشراب إذا شربواء وإلى ملابسهم التي يرتديها: العامة والعلماء 
والمشايخ والأفندية. والآغاوات وغيرهم. وإلى النساء وطريقة حياتهنء وإلى وصف أعراسهم 
ومعالجة مرضاهم الموكولة عادة للطبيعة. وإلى حزنهم وسهولة عزائهم بعد دفن الميت. 

وحول هيئة النصارى الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم قال: «لقد كان النصارى في الجيل 
الماضي في هيئتهم الاجتماعية وملابسهم وسائر عوائدهم لا يفترقون عن المسلمين». غير أنهم 
في أوائل هذا الجيلء «ابتدأوا بتغيير بعض تلك العوائد متنقلين شيئاً فشيئاً حتى انتهوا إلى 
ماهم عليه الآن». (أي في عام”"1873). وأشار إلى الوظائف والصنائع التي يقومون بهاء وإلى 
حالتهم العلمية المتقدمة. وإلى معشرهم وميلهم الطبيعي للهو والطربء وإلى اقتباسهم عوائد 
الافرنج في تناول طعامهم. وإلى ترفعهم عن تعاطي أي نوع من الأعمال الحطيطة. وإلى ملابس 
رجالهم الذين اعتمدوا فيها الزي المصري فالافرنجيء. وإلى حياة نسائهم التي كانت في السابق 
كحياة النساء المسلمات إلى أن راحت تتطور مع كثرة الاحتكاك بعائلات الافرنج التي وفدت 
إلى المدينة واستوطنت فيهاء وإلى تبادل الزيارات وتمضية أوقات الفراغ واللهو. وإلى حسنات 
ومساوىء الاختلاط بين النساء والرجالء وإلى اقتناعه بأهمية تعليم النساء وإلى ملابسهن التي 
باتت كملابس النساء الافرنجيات. وإلى العوائد في خطوبة وأعراس وزواج النصارىء وإلى عاداتهم 
في المرض والموت والحزن والحداد. 

ورابعة هذه المعارف التي أراد لمواطنه أن يعرفهاء عن مدينة اللاذقية. فهي دينية 


(*) عام 1873 هو العام الذي شرع فيه الياس صالح اللاذقي بكتابة آثار الحقب في لاذقية العرب. 


23 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وسياسية في آن معاً. وفي هذا المجالء. أعلمه أن مركز كرسي مطران الروم الأرثوذكس. تابع 
للبطريرك الانطاكي. هذا من جهة. ومن جهة أخرىء يوجد فيها لكل من دول: انكلتراء وفرنساء 
وروسياء والمانياء واميركاء والنمساء واسبانياء وايطالياء وهولانداء والدانمارك. واليونان وايران» «نائب 
قنصل» (لناودمء 166؟). وأشار إلى أن جميع هؤلاء وطنيون أو متوطنون في اللاذقية, وليس لأي 
منهم معاش من الدولة المنصوب من قبلها. إنما يتخذ كل منهم الوظيفة. للحصول على الشرف 
والاعتبار الذي توفره له هذه الوظيفة من جهة ولحماية نفسه وأشغاله وأملاكه من جهة أخرى. 
لكن ما فاته قوله. هو أن مصالح هؤلاء. كانت في أكثر الأحيان تتطابق كلياً مع مصالح هذه 
الدول التي كانوا يمثلونها. 

2 المعارف الجغرافية عن لواء اللاذقية, في هذا المجالء يمكن أن تصنف المعارف الكثيرة, 
التي ساقها لمواطنه على صعد عدة. 

أ على الصعيد الاجتماعيء أشار إلى أن سكان اللواء. هم من النصيرية والإسماعلية. من 
المسلمين والمسيحيين. وقدم له «لائحة ديموغرافية» (عدونطمهمومصغل دسه80:0). بين له فيها 
أعداد كل طائفة. وتوزع كل منها على المقاطعات. مستنداً في ذلك. إلى الإحصاء الرسميء الذي 
جرى لأول مرة في اللواء عام 1866. كما أعطاه لوحة عن مواصفات كل منهاء مبتدئاً بالنصيرية 
بوصفهم الطائفة الأكثر عدداً وانتشاراً في اللواء. ومن أهم ما أشار إليه عن كل طائفة من هذه 
الطوائف: 

بالنسبة للنصيرية» أشار إلى حالتهم التي يرثى لهاء وإلى جهلهم وتأخرهم وقلة من يعرف 
القراءة والكتابة بينهم. وإلى خشونتهم. وإلى عدد من صفاتهم غير الحميدة. وإلى عشائرهم 
وانقلابها على بعضها البعضء. وإلى تمردهم على الحكومة وتخلفهم عن أداء الأموال المطلوبة 
منهم. وإلى تخلفهم عن أداء الخدمة العسكرية. وإلى غزوهم قرى الساحل والإخلال بالأمن 
والسلامة العامة. وإلى قيام السلطنة والحكومات المحلية بسوق الحملات العسكرية عليهم. 
وأشار إلى تركيب العشيرة عندهم؛ وفي هذا المجال توقف مطولاً عند هذه المسألة مشيراً إلى 
أن كل واحدة منها تتأئف من ثلاث طبقات: 


24 


ملاحظات 2 دد منها 


الأولى. طبقة المشايخ خدمة الدين. فهؤلاء يتفاوتون فيما بينهم في الغنى والعلم والنسبء 
ويتميزون عن غيرهم باعتمار العمائم البيضاء التي يسمونها شاشاً. ويوجد في هذه الطبقة ثلاث 
رتب: الإمامء والنقيب والنجيب والعامة من هذه الطبقة تطيع كل هؤلاء طاعة عمياء. ويقبلون كل 
ما يرسمونه من الطقوس.ء معتقدين بأنهم معصومون من الغلط وقادرون على منع الضرر عنهم, 
كمنع سريان الأمراض في جميع الناس والحيوانات مهما كانتء. كما أنهم قادرون على إلحاق 
الضرر بهم. الدواء عندهم الأحراز والرقى.» وهم يعيشون غالباً في هذه الشعبذة. ومن الأوقاف 
النذور والزكاة وغير ذلك. ولا يتجاسر أحد من العامة أن يغيظ شيخاً منهم. لأنه إذا ألقى عليه 
الحرم يمسي بأسوأ حالء إذ لا يعود أحد من النصيرية يقترب منه أو يخالطه أو يكلمه فيضطر 
إلى إرضاء الشيخ بما عرّ وهان ليحله من رباط الحرم. 

الثانية. طبقة المقدمينء وهؤلاء هم أصحاب الأرض والنفوذ. وهم أيضاً على تفاوت في 
الغنى والجاه والنسب. 

الثالثة» طبقة الفلاحينء وهم من العامة المساكين. ويحسبون بالنسبة إلى أرباب الطبقتين 
الأوليين كالعبيد. إذ ليس لهم ملك ولا تقدم في طائفتهم. وعليهم الأتعاب والخدمة ومنهم 
أيضاً الأنفار العسكرية. وأشار إلى أنه لا يوجد فرق كبير بين المقدمين منهم والرعاة من 
حيث السكن والمأكل إلا نادراً. غير أن المقدمين هم أحسن لباساً فإنهم يلبسون غالباً طرابيش 
بشرابات طويلة ولبادات ويتعممون بجملة عصائب أو بزنار حريرء ويلبسون سراويل أبيض أو من 
الجوخ أحياناً وزناراً عريضاً ويشكون أسلحة في مناطقهم. 

وتحدث عن وضع المرأة وقدرها عند هذه الطائفة, وعن قيامها بعمل المرأة في 
البيت وعمل الرجل في الأرض ولا سيما في الزراعة وخاصة زراعة التبغ. وأشار إلى بيوتهم 
الشبيهة بالأكواخ. وإلى طريقة ومستوى معيشتهم. وإلى الأعمال التي يقومون بهاء كندف 
القطن وغزله وحياكته. وإلى تعاطي صنعة السكافة. وأشار إلى دينهم على أنه فرع من 
الطائفة الباطنية؛ فمنهم من يعبد بعض الأجرام السماوية على أنها ظهورات للإمام علي 
بن أبي طالبء الذي ينتحلون فيه الألوهية؛ كما توقف عند طقوسهم الدينية: فأشار 


2 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


إلى امتزاجها من طقوس النصارى والمسلمين واليهود والصابئين؛ وأنهم ينتسبون إلى اربع فرق: 
الكلازية» والشمالية» وعبدة الشفق ويدعون مواخسة. وعبدة الهواء ويقال لهم غيبية؛ كما أنهم 
يعتقدون بتناسخ الأرواح. وأشار إلى أعيادهم بأنها كثيرة وبأنها أعياد للمسلمين وللمسيحيين 
والوثنيين. وبذلك. فهي مزيج من طقوس كل الديانات التي عرفتها البشرية عبر التاريخ. كما 
أشار إلى أن من قواعد دينهم المحافظة على كتمانه وعدم إباحته حتى لو أصبحوا في أعظم 
الخطر حتى الموت؛ وإلى عدم تسليمه إلى أي أحد من أولادهم ما لم يبلغ من العمر ثمانية 
عشر عاماً أو عشرين؛ وإذا بلغ هذه السن وعولوا على تسليمه أسرارهم الباطنية, يجتمع جمهرة 
منهم مؤلفة من عامة الناس وخاصتهم., ويجري ذلك وفق مراسم وطقوس؛ ويقتل من يبوح بسر 
الدين بعد أن يتسلمه؛ وأشار إلى أنهم يكتمون ديانتهم عن النساء لأسباب ليست خافية على 
أحد. كما توقف عند وضع المرأة في هذه البيئة الدينية, والى عاداتهم في الزواج, وإلى تعدد 
الزوجات وتبادل النساءء والى الاحتفال بأعراسهم؛ وإلى عاداتهم في الحزن والى مزاراتهم الكثيرة. 
ء وبالنسبة للإسماعيليينء. فقد أراد لمواطنه. أن يعرف أنهم من بقايا الطائفة المشهورة. 
التي كانت منتشرة في بلاد الشام,ء وكان في يدها أشهر المعاقل والحصون؛ وإنهم فرع 
من الطائفة الباطنية؛ التي تعتقد بشيء من ألوهية الإمام علي بن أبي طالب؛ وإِنْ من 
جملة عقائدهم «عبادة الفرج»؛ وإنهم في الليلة الأولى من كل سنة يكون عندهم «عيد 
البقبيشة»؛ وتجري من أجل هذا العيد مراسم خاصة”". 
وبالنسية للنصارى المنتشرين في لوء اللاذقية: أراد لمواطنه أن يعرف عنهم أمرين: 
الأولء أنهم قليلوا العدد. ومتفرقين بين النصيرية والمسلمين. ولذلك. ليس لهم عوائد 
مستقلة خاصة بهم. فمن هم بين النصيرية تتشابه عوائده بعوائدهم. ومن هم بين 
المسلمين تتشابه عوائدهم في الغالب منها بعوائد المسلمين. أما الأمر الثاني فهو أنه. 


)010( لمزيد من الايضاح حول النصيرية والاسماعيلة والأفكار الأخرى التي طرحت» يراجع: رفيق التميمي ومحمد بهجحت». 
ولإية بيروتء مرجع سابقء القسم الشمالي. ص 78 -100. 


26 


ملاحظات 2 دد منها 


لكي يتمكن النصارى القليلون القاطنون بينهم أن يعيشوا غالباً بأمن واطمئنان. فإن كل فئة 
منهم. تشترك بالدم مع إحدى العشائر. وبالتالي يصير لها ما لهم وعليها ما عليهم. 

ء وعن مسلمي المقاطعات في لواء اللاذقية. فقد أعلم مواطنه عنهم عدة أمورء من أهمها: 
أنهم أقل جهلاً وأحسن عيشة من النصيرية. ولأكابرهم بيوت مناسبة وأثاث نظيف. وحيثما 
دخلت في قراهم., تجد منزلاً عند كبير القرية. خصوصاً إذا كان من «الآغاوات». ومن 
عاداتهم قري الضيف. غير أنهم منقادون للحكومة ولا يميلون للتشويش ولا للسرقة وقطع 
الطرق. لكنه يستثني من هذه الصفات مسلمي «مقاطعة صهيون». فقد ذكر عن هؤلاء 
أنهم ممائلون للنصيرية في معيشتهم وتعدياتهم وحبهم للفتنء وميلهم للسلب وقطع 
الطرق وسفك الدماء. ويضيف عنهم قوله: «ولطالما أضروا بأبناء السبيل وقرى الساحلء 
ومع أن لهم ما للنصيرية من الجرائم والذنوب. لم تشهر عليهم الحكومة قط عصا التأديب, 
التي طالما اشهرتها على النصيرية. وما ذلك إلا لتحزب مسلمي اللاذقية لهم ومحاماتهم 
عنهم المحاماة التي تبعثهم عليها العصبية والغيرة المذهبية». وأشار إلى أن هذه المحاماة 
تؤدي إلى أمرين: الأولء هو تمادي الصهاونة في الفجور وارتكاب المخالفات؛ والثاني. هو 
ما يلحقونه من ضرر بحق عباد الله ولا سيما الأبرياء منهم. 

وهناء في نهاية ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي. حول معتقدات النصيريين والإسماعيليين 
الدينية. بأن من قواعد دينهم المحافظة على كتمانه وعدم إباحته ولو أصبحوا في أعظم الخطر 
حتى الموت؛ وحول أعيادهم بأنها كثيرة وهي إسلامية ومسيحية: يهودية وصابئية ووثنية. وفي 
ظل وجود كل ذلكء. يطرح التساؤل التالي: هل هذا الأمر صدفة في هذه المنمطة بالذات؟ أم 

أن المسألة هي أبعد من ذلك بكثير؟ 

إننا نطرح هذا التساؤلء ليس من أجل الإجابة عليه إجابة وافية شافية. فالمجال هناء 
لا يتسع لمثل هذا الأمر. لكن ما يمكن قوله ‏ في هذا المجال حتى الآن هو أن إحدى 
القبائل. وهي «قبيلة الحشيشة» (ومزودهودة 065 1ط151). كانت تقيم في هذه المنطقة؛ وتتشارك 


27 


آثار الحقب في للاقّبة العرب 


مع أهلها في السكن معهم. وهم من أتباع «شيخ الجبل» ©موةنهه]3 12 06 2:4ااك؟ 1.6) يؤمنون 
به وينفذون أمره مهما بلغ من الصعوبة والخطورة والحاجة إلى الوقت من أجل تنفيذه. وقد 
وصل الأمر بشيخ هذه القبيلة. في فترة حكم عموري الأول (“1 لإسهصة) (1174-1163) وبالتنسيق 
معه وعبره مع ملوك أوروباء أن يعمل بين قومه. من أجل أن يحملهم على اعتناق معتقد جديد. 
يكون محتوياً على شيء من المسيحية: وآخر من الإسلام, وثالث من المعتقدات الدينية الأخرى. 
التي ما زالت عالقة في نفوس الناس. 

غير أن الباباء أفسد هذه الخطة, بقتل رسول «شيخ الجبل». إلى الملك عموري أثناء عودة 
هذا الرسول من عند الملكء. على يد أحد «فرسان الداوية»» الذين كان البابا قد حماهم بوضعهم 
تحت رعايته منذ عام 1154. وقد حصل مقتل هذا الرسول بالرغم من الحماية المشددة: التي كان 
الملك قد بعثها معه. وكان من نتيجة هذه الحادثة. ووقوف البابا موقف الحامي للقاتل”, أن 
باتت مملكة القدس والملك والكنيسة في وضع لا يحسدهم عليه أحد. خاصة بعد أن قرر الملك 
أن يقتص من الجاني أياً تكن النتيجة؛ وأن يرسل المبعوثين والرسل من ذوي المرتبة السامية إلى 
ملوك أوروبا وأمراء الأرض”". 

إننا إذ نشير إلى هذه المسألة. فمن أجل أن تولى العناية الكافية التي تستحقها من 
المؤرخين والباحثين: من أجل الكشف عن أسباب انتشار هذه المعتقدات الدينية الكثيرة 
في هذه المنطقة. وعن الغاية الحقيقية من النقاشات التي دارت بين رسول «شيخ الجيل» 


ومندوبي الملك عموريء ولمعرفة ما إذا كانت مسألة وضع دين جديد كانت مسألة جدية 


(*) أشار وليم» رئيس اساقفة صورء مؤرخ الحروب الصليبية» ان من قتل «عبدالله». رسول «شيخ الجبل»» زعيم الحشيشية. 
إلى الملك عموريء هو واحد من فرسان الداوية. يدعى «وولتر دي ميسيلو». وان هذا الأخير. هو رجل بعين واحدة 
وصاحب سمعة شريرة ويفتقر إلى التعقل تماماً. كما كان المدبر الحقيقي للجريمة. وعندما طلب الملك عموري 
من مقدم الداوية ان يرسل إليه «وولتر» ليقتص منه. أشار المقدم في جوابه على رسالة الملك بأنه حظر نيابة عن 
البابا على أي إنسان القبض عليه أو الحاق الضرر به. تاريخ الحروب الصليبية. مرجع سابقء» الجزء الخامسء ص 968. 

(6) لمزيد من الايضاح حول الأفكار التي طرحت. يراجع: تاريخ الحروب الصلبيية مرجع سابقء الجزء الخامسء 969-965. 


28 


ملاحظات 2 دد منها 


يجري البحث فيها منذ ذلك الوقت. لاسيما وأن هذه المسألة قد عادت إلى الظهور في أوروبا 
مع «أوغست كونت» (ع ته عأكناوتتة) (0)1857-1798 وغيره من الفلاسفة. فقد رأى هذا الفيلسوف». 
«أن المجتمع يتدهور وتجب إعادة تنظيمه. لكنه لا ينتظم إلا بسلطة روحية توحد العقول» 
وينتهي به المطاف إلى رؤية الخلاص بتأسيس دين وضعي جديد يحل محل الدين التقليدي 
ويكون البديل الشرعي لسائر الأديان". فهل التقط «أوغست كونت» ذلك الخيط الذي وضعه 
ملك القدس مع ملوك أوروبا ببناء هذا الدين في الشرق بعيداً عن سلطة البايا؟ 

ب على الصعيد الاقتصادي 

قدم الياس صالح اللاذقي لمواطنه في هذا المجال معارف كثيرة في ميادين 
اقتصادية كثيرة. ففي الميدان الزراعي أشار إلى أن الزراعة في لواء اللاذقية ما زالت غير 
متقنة كما يجب. فهي ما زالت على الطريقة القديمة. بالرغم من محاولات البعض تغيير 
هذه الطريقة. مستعينين في ذلك بمزارعين ألمان من ذوي الخبرة. وأشار إلى أن الأرض 
متوسطة الخصبء. يغل الواحد سبعة أمثال من القمح في السنة المعتدلة الموسم في 
الساحل؛ أما أراضي الجبال فهي أكثر خصوبة وتضل أكثر. ومن الشائع أن أصحاب الأرض 
هم من أبناء البلاد؛ لكن المزارعة” هي الشكل السائد بين المالكين والفلاحين. أمافي 


(*) 2 اوغست كونتء فيلسوف فرنسيء ولد في «مونبليه» (عنااءم:هه81) بجئوب فرنسا عام 1791 وتوفي في باريس عام 

7 صاحب الفلسفة الوضعية عددن»ةنوهم . ولمزيد من الايضاح. يراجع: 
4 بم ,2008 كاعة8 ,تكن [[ذ عكناممة.[ اعم ع1 أء ,493 .م ,2000 كلمو روعزممرم كتمص دعل أرعطهم غتاعم ع1[ 

0 همخائيل عونء مقالة بعنوان «أوغست كونت بين العلم والفلسفة» منشورة في جريدة النداء. العدد 190 الصادر يوم 
الجمعة 6 تموز 2012.» ص 33-32. 

المزارعة. «نوع شركة, على كون الأرض من طرف والعمل من طرف آخر»» يعني أن الأرض تزرعء والحاصلات تقسم 
بينهما. ومن مستلزمات المزارعة: الأرضء والبذرء والعمل والبقر. وتصح المزارعة في ثلاثة أوجه: لواحد أرض وبذرء 
وللآخر بقر وعمل ‏ لواحد عمل فقطء وللآخر أرض وبقر وبذر ‏ لواحد أرض فقط وللآخر عمل وبقر وبذر. وتبطل 
المزارعة في أربعة أوجه: إذا كانت الأرض والبقر لأحدهماء والبذر والعمل للآخر؛ إذا كان البقر والبذر لأحدهما 
والأرض والعمل للآخر؛ إذا كان البذر لأحدهما والباقي للآخر؛ إذا كان البقر من واحد والباقي من الآخر. أما أركان 
المزارعة فهي: الايجاب والقبول؛ كون العاقدين عاقلين شرطء لكن ان يكونا بالغين ليس بشرط إذ يجوز للصبي 
المأذون عقد المزارعة؛ يشترط تعيين ما يبذر وإذا فقدت المزارعة هذا الشرط يزرع الفلاح ما يشاء؛ يشترط تعيين 
حصة الفلاح عند العقد جزءاً شائعاً من الحاصلات كالنصف والثلث؛ كون الأرض صالحة للزراعة عند تسليمها للفلاح. 
وإذا فقد شرط من هذه الشروط المذكورة. تكون المزارعة فاسدة. ولمزيد من الإيضاح عن المزارعة وشروطها 
وأركانهاء تراجع: «مجلة الأحكام العدلية». من اعداد: أحمد جودت. أحمد خلوصيء أحمد حلميء علاء الدين ابن 
عابدينء خليل سيف الدين ومحمد أمين الجنديء عرّبها عن التركية العثمانية سليم بن رستم باز 1286ه من المادة 
1440-1431 ص 705-700. سنشير إليها لاحقاً: مجلة الأحكام العدلية. مصدر سابق. 


29 


أثلر الحقب في للاشِّة العرب 
عملية الغرسء فالسائد هو المساقاة أو المغارسة””', وهي شكل آخر من أشكال العلاقات الزراعية. 

وفي الميدان الصناعيء أشار إلى أن الموجود من الصناعات هو في مدينة اللاذقية, 
وهو الضروري منها واللازم وجوده في أصغر المدن. وهي بمعظمها صناعات حرفية: كالصباغة 
والحياكة والعقادة والسكافة والحدادة والتنكرية والنجارة والبناء وعمل الفخار وصناعة الطحين 
والخبز والصابون وعصر الزيتون والسمسم وحلج القطن وكبسه. هذه الصناعات جارية على 
الأصول القديمة:؛ الموروثة عن الآباء والأجداد. وهي لم تبلغ بعد درجة الإتقان. وفي هذا 
المجال أكد مسألة مهمة. وهي أن صنعة الحياكة. كان يعيش منها كثيرونء رغم أنهم كانوا 


لا يحجيكون سوى الأقمشة البسيطة كالخام والحريرء اللازمة للأقمصة؛ لكن بعد دخول 


0 المساقاة. «نوع شركة على ان يكون أشجار من طرف وتربية من طرف آخرء ويقسم ما يحصل من الثمر بينهما». 
وكانت تجري على الكروم والشجر وجميع البقول وأصول الباذنجان والنخل والحور والصفصاف مما لا ثمر له؛ وتدعى 
أيضاً مغارسة. ومن أركانها: الإيجاب والقبول. فإذا قال صاحب الأشجار للعامل أعطيتك اشجاري هذه بوجه المساقاة 
على أن تأخذ من ثمرتها كذا حصة وقبل العامل الذي يربي الأشجار تنعقد المساقاة. ولانعقاد مثل هذه الشركة يجب 
أن تتوافر بين العاقدين شروط: أن يكون العاقدين عاقلينء أن تكون حصة العاقدين في عقد المساقاة جزءاً شائعاً 
كالنصف والثلثء تسليم الأشجار إلى العامل» تقسيم الثمر بين العاقدين ولمزيد من الايضاح حول المساقاة وشروطها 


راجع: مجلة الأحكام العدلية. مصدر سابقء المادة 1441 وشروحاتهاء ص 706-705. 


30 


ملاحظات 2 دد منها 


الأقمشة الافرنجية إلى هذه البلاد. أخذ يتناقص رواج المحوكات البلدية حتى باتت نادرة. 

وفي مجال حديثه عن تجارة اللاذقية. أراد لمواطنه أن يعرف ما يصدّر منها وما يرد إليها. 
فما تصدره هو: الحنطة. والشعيرء والقطنء والسمسم. والذرة, والاسفنج. والصوفء والأخشابء 
والشمع. والسمنء والزيت. والصابونء وجلود الحيواناتء والخرق البالية وعظام الحيوان. غير أن 
التبغ هو أهم هذه الصادرات وهو جنسان: جبلي وجدار. وتبرز أهمية هذا المحصول من خلال 
الاهتمام الرسمي بزرّاعه وتجاره. من قبل السلطنة العثمانية نفسها. وأشار أيضاً إلى أن صادرات 
اللاذقية قسمان: منها ما هو من حواصل اللواء المحلية كالاسفنج والشرانق؛ ومنها ما هو مختلط 
من الحواصل المحلية. ومن حواصل جسر الشغور وإدلب كالقطن والصوف والحبوب. كما أشار 
إلى الجهات التى تصدر إليها هذه المحاصيل والى كمياتها وأثمانها بأرقام عام 1872. أما الأصناف 
التي ترد إلى اللاذقية. فهي تتألف من أقمصة الحرير والصوف والقطن الأوروبية المختلفة؛ والأرز 
الافرنجي والمصري والسكر والبن وزيت البترول وغير ذلك. أما بالنسبة إلى جنسيات السفن 
التي ترسو في ميناء اللاذقية وتبحر منه. فقد أشار إلى أنها نوعان: بخاري وشراعي. البخارية 
منها: فرنسية وروسية وعثمانية وانكليزية؛ أما الشراعية فهي عثمانية وانكليزية ويونانية وبيرق 
أورشليم. كما أشار إلى أعداد السفن البخارية والشراعية لكل دولة؛ والى حمولة كل منها بالطن., 
والى حمولة جميع هذه السفن. 

وعن حيوانات اللواء. فقد أشار إلى الأليف منها: الخيلء والحميرء والبقرء والغنم., 
والمعزىء والجمال والجاموس؛ وإلى البري منها: الغزال. والأرنبء والخنزيرء والثعلب. 
وابن آوىء والضبع: والدب ونوع من النمور يعيش في أعالي الجبال. كما أشار إلى 
طيور اللواء الأهلية والبرية. أما حواصل اللواء فهي: الزيتونء الزيت. التوتء. الميسء 
الحورء الازدرخت. النخيلء الجميزء اللوزء الجوزء الصفصافء. السروء الآسء. القطن.ء الشرانق» 
العسلء الشمع. الاسفنج والصوف. ومن الفواكه: التينء العنبء التفاح. المشمش.ء الكمشريء 


31 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الخوخ, الدراقء الليمون على أنواعه المختلفة الرمان والصبّار. ومن الحبوب: الحنطة. الشعيرء 
العدسء الكرسنة. الحمص. الفولء الذرة البيضاء والسمسم. ومن الرياحين: شجر الحناء. الورد. 
الياسمينء القرنفلء الفل والنرجس. كما أشار إلى أنواع من التبغ تنتج في الجبال وأكثره التبغ 
المسمى «مدخونا» أو «جبلياً» ويقال له أيضاً «أبو ريحه». وذكر عدداً من المنتجات الصناعية 
التي تعتمد على منتجات زراعية كالخشب والتينء والخمر والزيت. وقدر قيمة حواصل اللواء 
السنوية بخمسة وثلاثين مليوناً من القروش. 

وعن دخل السلطنة العثمانية وخرجها من لواء اللاذقية,. أراد لمواطنه أن يعرف أن دخلها 
يتأتى من: ويركو الأملاك وتمتعات أهل المدينة, ويركو القرى مضروب على أهالي المقاطعات 
عن الذكور البالغين. بدل عسكرية مضروب على النصارى فقطء عشر المزروعات والاثمار. رسم 
الماعز والغنم: الرسومات الجمركية وتؤخذ على الصادرات والواردات من البضائعء» رسم الطابو 
ويؤخذ على الأراضي لأجل إباحة التصرف بها وإثبات صحة التفرغ عنها وانتقالها من يد متصرف 
إلى آخر. أما الخرج. فهو يتألف من: معاشات المأمورين والكتّاب والضابطين والعساكر النظامية 
والمصاريف النثرية. وأورد جدولاً عن عام 1872 بِيّن فيه دخل السلطنة وخرجها من قضائي 
اللاذقية وجبله اللذين كان يتألف منهما اللواء آنذاك. وقدّر دخل قضاء اللاذقية في هذا الجدول 
من 4604670.5 غرشاً. وخرجه من 635638 غرشاً فتكون الزيادة لصالح الدخل من 3969034.5 غرشاً. 
أماقضاء جبله. فقد قدر دخله من 24725009 غرشاً. وخرجه من 500000 غرشء فتكون الزيادة 
لصالح الدخل من 1973590 غرشاً. وهكذا يكون ربح السلطنة السنوي الصافي من اللواء 5942093.5 
غرشاً. 


ج - على الصعيد الإداري 


قبل أن تقع اللاذقية. في قبضة الحكم العثماني عام 1517, إثر معركة مرج دابق”2, 


.1516 وقعت معركة مرج دابق بين المماليك والأتراك العثمانيين فى 24 آب‎  )( 
نشير ٍ لى هذا أ لمر جع لاحقاً: و[ عطنما ,ممطئط نال ععلهغء ةط[ غ كلناهاء؟ ععتتتلنتدوصم عه ععناو ل اودنه نامالا عاتءطاتء100] ,لتقصذ][ [عل0م4‎ 


...2011 ...7245© 77تاء 100 .328 .7 ,1975 التنام جوع 8 


32 


ملاحظات 2 دد منها 


كانت المدينة قد تعرضت للتخريب جراء الحروب بين تيمورلنك المغولي وبين المماليك 
الجراكسة عام 1400. وبقيت اللاذقية مخربة وقليلة السكان. ولذلكء. فمنذ بداية الحكم العثماني 
جعل مركز اللواء في «جبله». وبعد أن قضت السلطنة العثمانية على الأمير فخر الدين المعني”2, 
رجعت اللاذقية وطرابلس تحت سلطة وال واحد كما كان الأمر سابقاً. وفي عهد «أرسلان باشا 
المطرجي» الذي تولى على طرابلس عام 1696 7 أعاد بناء بعض ما تخرّب'' منها وأعيد إليها 
مركز الحكومة. إلا أن السلطنة استمرت تطلق على اللواء «لواء جبله»؛ هذا بالاستناد إلى ما هو 
مقرر في قيودها الرسمية إلى حين دخولها تحت سلطة محمد على باشاء حاكم مصر (1805 - 
49) عام 2. 

إذنء كان لواء اللاذقية جزءاً لا يتجزأ. من ممتلكات السلطنة العثمانية منذ بداية الحكم 
العثماني لبلاد الشامء حتى نهاية هذا الحكم ورحيله عنها عام 1918. وخلال هذه المدة غير 
القصيرة من التبعية. خضع للنظامين الإداريين اللذين اعتمدهما العثمانيون في إدارة امبراطوريتهم 
هما «نظام الأيالت». و«نظام الولاية». تفصل بينهما مرحلة انتقالية. وقد أشار الياس صالح 
اللاذقي إلى هذين النظامين ليس من منطلق نظريء إنما من خلال ما رآه قائماً على أرض 
الواقع. والى ما شارك هو في تطبيقه. 

لقد كانت رؤيته للأوضاع الإدارية رؤية دقيقة:. لأنها تأتي من باحثء. ؤلد في آخر نظام 
الأيالت. وترعرع خلال المرحلة الانتقالية. وشارك من موقعه كموظف في تطبيق نظام الولاية. 
ومن المفيد هناء أن نتوقف بشكل سريع عند هذين النظامينء لنتعرف إلى مضمونهما من جهة, 
وإلى الفرق بينهما من جهة ثانية. علماً أن بعض المؤرخين والباحثين يستعملون مصطلح الأيالت 
و «الأيالة» و «الولاية» كيفما اتفقء كأنهما مصطلح واحد ويحمل كل منهما مدلول الآخر. 


(0) الامير فخر الدين المعنى الثانى أمير حبل لبنان 1635-1590. 
1 .72 مأك .92 1 ©1012 كاه 10011122 


)2( 8 مي« مأك .م0 1 1012826 ركاضء 2ل 100 


(*) جعل الياس صالح اللاذقي ولاية أرسلان باشا المطرجيء عام 1693. 


33 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أ نظام الأبالنت©, هو نظام إدارى ى» اعتمدته السلطنة العثمانية لادارة أراج 
2-6 هبو تعمسام دارع . بيه د 2 


من جهة. ولخدمة أغراضها العسكرية من جهة أخرى. كان ذلك. في عهد السلطان محمد 
الثاني (الملقب بالفاتح) 1481-1451 م. فبعد جلوس هذا السلطان على العرشء وتحقيقه لعدد من 


الانتصارات الهامة. التي أدت إلى توسيع رقعة السلطنة, أصدر إرادته عام 1476م/881ه بتقسيم 
الامبراطورية إلى أيالات. وبالاستناد إلى هذه الإرادة. يمكن القول بأن هذا النظام, قد ارتكز على 
عدد من المبادىء. من أهمها: 


1 - تطبيق أحكام الأراضي على منهج الشرع الشريف. وهذا يعني أنه يحق للناس الإفادة 


من منافع الأرض بدون امتلاك رقبتها. فملكية الرقبة عائدة إلى بيت مال المسلمين. 


(10) 


2 - تحويل الضرائب والحاصلات. التى كانت قد وضعت قبلا وتؤخضذ من 


أيالت بفتح الهمزة وبتاء سكت طويلة» وإيالة بكسر الهمزة وبتاء قصيرة مصطلحان إداريان عثمانيان ساد استعمالهما 
في فترة تاريخية واحدة محددة 1839-1476 م. فالأيالت في هذه الفترة كانت أكبر وحدة إدارية. مقسمة إلى مقاطعات 
اقطاعية من كل الأنواع» على رأسها «بكلربكي» (وهضعنوهة). أي «بك البكوات». وهو باشا «بطوغين» (مثنى طوغ). 
وأحياناً بثلاثة أطواغ برتبة وزيرء وهو بالإضافة إلى كونه مسؤول الأيالت. فقد خصص له مقاطعة من نوع خاص 
يتقاضى منها راتبه المخصص له. أما إيالة (بكسر الهمزة وتاء قصيرة). فهي وحدة إدارية تتميز عن الأولى بعدة 
أمور: فهي أصغر من الأيالت» غير مقسمة إلى مقاطعات اقطاعية من أي نوع كانء على رأسها باشا أقل رتبة من باشا 
الأيالت. رايته تحمل طوغاً واحداًء يتقاضى مرتبه من خزانة السلطنة. وبلاد الشام (على سبيل المثال) كانت مقسمة 
إلى ثلاث أيالات من نوع «بكلربكويه» وهي: أيالت الشام أو بكلربكوية الشامء أيالت طرابلس الشام أو بكلربكوية 
طرابلس وأيالت حلبء أو بكلربكوية حلب. أما بالنسبة للايالات العربية الأخرىء فكانت من نوع «إيالة». فقالوا على 
سبيل المثال؛ إيالة الحجاز, إيالة طرابلس (ليبيا)» إيالة تونسء إيالة الجزائرء مملكة فاس. ولمزيد من الايضاح حول 
هذين المصطلحين يراجع: عين علي افندينك. قوانين آل عثمان درمضامين دفتر ديوانء رسالة تركية كتبها امين 
«الدفتر الخاقاني» في السلطنة العثمانية. عام 1018ه/1609م صفحات كثيرة: 26-24 و55-53 والرسالة من محفوظات 


المكتبة الظاهرية بدمشق؛ و 309 .ب« ,1 عتنم؟ كاصء تت 120. 


34 


ملاحظات 2 دد منها 


«خراج المقاسمة» و«الخراج الموظف»”",. إلى أقجة (416) عثمانية معينة2. 

3 - تقسيم أراضي السلطنة إلى وحدات إدارية عسكرية. تدعى أكبرها «أيالت» (:هلهرده)؛ 
وتقسم الأيالت بدورها إلى عدد من الوحدات الإدارية تدعى الواحدة منها «سنجقاً»؛ والسجنق 
يشتمل على عدد من المقاطعات الإدارية العسكرية أيضاً؛ وهذه المقاطعات الإدارية العسكرية 
حسب مقدار دخلها ثلاثة أنواع: أصغرها «تيمار» (:هصهة1). يقدر دخلها من ثلاثة آلاف أقجة كحد 
أدنى إلى حوالى عشرين ألفاً كحد أقصى؛ وأوسطها «زعامت» 0»صهه2) . يقدر دخلها من عشرين 
ألفاً إلى حوالى مئة ألف كحد أقصى؛ وأكبرها «خاص» (359ط). يقدر دخلها من مئة ألف أقجة 
كحد أدنى إلى ما فوق هذا الحد. 

4 تفويض هذه الوحدات إلى قادة عسكريين لإدارتها وتصريف شؤونها والدفاع عنها. وهم 
بحسب رتبهم ودرجاتهم التراتبية وسلطانهم من الأعلى إلى الأدنى كما يلي: 

* الأيالت» يعهد بتصريف شؤونها إلى «بكلربكي» (نوءطناعء8): أي «بك البكوات»؛ ونسية 
إليه فقد دعيت «بكلربكوية»» وهو برتبة «أمير أمراء» أو باشا بطوغين وأحياناً بثلاثة 


ا لكا ايء .2 : 3 ا . 
أطواغ برثبة وريرء يتصرف بمقاطعة من نوع خاص. 


00 خراج المقاسمة: هو الشيء الذي تعيّنء على أن يؤخذ من حاصلات الأرض وقدره من العشر إلى النصف بحسب 
تحمل الأرض؛ أما الخراج الموظف: 
فهو مقدار معيّن من الدراهم توظف وتعيّن بوجه مقطوع على الأراضي. ولمزيد من الإيضاح حول هذين المصطلحين. 
يراجع: عبدالباقي الأيوبي وولده جلالء: قاموس الحقوق» مج 3, ص 1211. 

أقجة عثمانية معينة: نقد عثماني من الفضة. يطلق عليه أيضاً أسبر ©:مهة) . ولمزيد من الإيضاح يراجع: ..عامءبعهط 
0 2 اع 298 .م ,1 ترم 

(3) لمزيد من الإيضاح حول إرادة السلطان محمد الثاني والوحدات الإدارية العسكرية التي نصت عليها هذه الارادة. 
يراجع: عبد الباقي الأيوبي وولده جلال. قاموس الحفقوقء. مج 3, دمشق 1931: ص 1209-1208. سنشير إلى هذا المرجع 
لاحقاً: قاموس الحقوقء مج.... ص...؛ وساطع الحصري. البلا العربية والدولة العثمانية. ط 3 بيروت 21965 ص 30 -31. 
وسنشير إلى هذا المرجع لاحقاً: ساطع الحصريء المرجع السابق» ص... 

اطواغ: جمع طوغوم؛ وطوغ كلمة فارسيةء تعني ذيل الحصانء يرمز إليه بخصلة شعر. قد تعلق 
تحت هلال سنجق الراية. التي تتقدم «موكب الشرف» ©:.هء.») بمناسبة احياء الأعياد الرسمية في 


35 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


* السنجقء. يعهد بتصريف شؤونه إلى «سنجق بكي» أي «بك السنجق»» وهو برتبة لواء. 
وباختصار «ميرلوا»؛ ويتصرف بمقاطعة من نوع خاصء غير أن خاصه هو أصغر من 
خاص الباشا. 

* الزعامت. يعهد بتصريف شؤونها إلى «زعيم» «صنه2» '". 

* التيمار. يعهد بتصريف شؤونها إلى صغار القادة العسكريينء. ويدعى الواحد منهم 
«سباهي»”" (نطومة) 7". 

4 - إنْ منح مقاطعة من المقاطعاتء إلى شخص ممن أشرنا إليهم. لم يكن يعني تمليكه 
القرى والأراضي والمزارع التي تتألف منها تلك المقاطعة؛ إنما يعني تفويضه حق جباية الأعشار 
والرسوم والضرائب المترتبة عليها. وكانت القرى والأراضي والمزارع تبقى تحت تصرف مالكيهاء 
على أن يدفعوا الضرائب المترتبة عليها إلى متسلم المقاطعة. أو إلى من يوكله لتسلمها. على أن 
يتولى إعداد عدد من الخيالة والفرسان المحاربين وأن يجهزهم بكل ما يحتاجون إليه من أسلحة 
وخيول بنسبة فارس واحد عن كل ثلاثة ألف أقجة عثمانية من حاصل المقاطعة. 

3 - وبموجب «نظام الأيالت» هذاء كان يعتبر «بك اللواء» آمراً ومرجعاً لجميع عساكر 
«التيمارات» و «الزعامتات» الداخلة في حدود لوائه. وإذا طلبت السلطنة أن تسافر الجيوش 


- القسطنطينية. وحتى اليوم: ما يزال الغموض يلف مسألة نشأة هذا الشعار 0دع:هة. غير أن بعض المؤرخين يربطون 

بين عدد «الأذيال» ‏ إذا وجدت في الراية ‏ وبين الرتبة العسكرية التي يحملها صاحب هذه الراية في الامبراطورية 
العثمانية. «فسنجق بكي». أمير السنجق يضع في رايته طوغاً واحداً؛ والبكلربكيء أمير الأمراء يضع طوغينء والوزير 
ثلاثة أطواغ. والصدر الأعظم خمسة أطواغ. ويضع السلطان في وقت الحرب سبعة اطواغ أو تسعة. وعندما يُخلع باشا 
ما من وظيفته» يجرّد من رتبه وبالتالي من هذا الشعار. ولمزيد من الايضاح حول هذه الأفكار يراجع: .عام عمط 
1 »ع 270 .2 ,1 10126. 

(*) الزعيم يقود مجموعة من العساكر ‏ يدعى واحدهم «جبلي» ‏ لا تزيد عن 33. 

(**) السباهيء. يقود مجموعة من العساكر ‏ يدعى واحدهم جبلي - لا تزيد عن خمسة. 


210 لمزيد من الإيضاح حول التيمار والسباهي» يراجع؛ 1 .ص ,1 101226 ...عاضءتتلء 170 


36 


ملاحظات 2 دد منها 


للحرب في أية جهة من الجهات. كان عليه أن يجمع الخيالة المترتبة على الخاص المخصص 
لمنصبه مع الخيالة المترتبة على التيمارات والزعامتات التابعة للوائه. وأن يتوجه بهم إلى حيث 
يأمره «بك البكوات». وبدوره كان علي بك البكوات أن يتصرف بالخاص المخصص لمنصبه. فيعدٌ 
ويجهز الخيالة المترتبة على خاصه. فضلاً عن أنه يأمر ويوجه الخيالة» الذين يجهزهم أمراء 
الألوية وأصحاب التيمارات والزعامتات التابعة لجميع ألوية أيالته. وظلت السلطنة العثمانية 
تعمل بهذه الإرادة حتى العام 1255ه/1839م!". 

وبموجب هذه الإرادة السلطانية.ء جرى تثبيت «القيود الخاقانية»'' فاتبع لواء جبله (لواء 
اللاذقية) بأيالت طرابلس الشام. وقد أوردت هذه القيود. أن هذا اللواء كان يتألنف من: مقاطعة 
كبيرة من درجة خاص لأمير اللواء» يبلغ دخلها 214180 أقجة, وأن عدد الخيالة المفروض على هذا 
الخاص 42 خيالاً؛ ومن تسع مقاطعات متوسطة من درجة «زعامت»؛ ومن 91 مقاطعة صغيرة من 
درجة «تيمار»؛ وأن عدد الخيالة المفروضة على هذه المقاطعات هو 46 خيالاً©. ويبدو أن عملية 
الإحصاء في هذا اللواء قد جرت في عهد السلطان ابراهيم (1648-1640). بدليل أن ما خصص 
لهذا السلطان في عملية الإحصاء هذه. هو مجموعة من القرى في مقاطعة جبله عيت «قرى 
وقف السلطان ابراهيم». 

لقد ظلت السلطنة العثمانية تعمل بهذا النظام إلى أن قام تابعها محمد علي باشا حاكم 
مصر (1805 -1849) بحملته ضدها واحتل بلاد الشام وهددها في عقر دارها ما بين عامي (1831- 
1). وحول هذا النظام: لا بد من التأكيد على ما يلي: 

- إِنْ باشا الأيالت وأمراء سناجقها وسائر الموظفين العاملين فيهاء ما كانوا يتقاضون 
رواتب مقننة من خزينة السلطنة. إنما كانوا يتقاضون الضرائب والتكاليف اللازمة لهذه 
الوظائف. علماً أن هؤلاء كانوا يعينون من قبلهم متسلمين يتولون جباية الضرائب باسمهم. 


.1209-1208 قاموس الحقوقء. مرجع سابقء مج 3. ص‎ 2)٠1( 
القيود الخاقانية: سجلات الإحصاء الرسمية للسلطنة العثمانية.‎ )*( 


22 عين على افندينك. قوانين رسالة سى سنة 1018ه مرجع سابقء» ص 25. 


37 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


كما أن كل متسلم كان يستعين بخدمات طائفة من أهل البلاد وأعيانها في أمر توزيع التكاليف 
الضرائبية وتثبيتها وجبايتها. 

لقد دخل الأكابر من أبناء عشائر مقاطعات اللاذقية في خدمة هؤلاء المتسلمين خلفاً 
عن سلف. فالتزموا جباية الضرائب من حكام اللاذقية بمبالغ معلومة. وراحوا يحكمون أبناء 
جلدتهم حسب أهوائهم. وإن هذه الحالة استمرت منذ بداية الحكم العثماني إلى أن دخل 
الحكم المصري إلى اللاذقية عام 1832 م وراح يعزلهم وينكل بهم وولّى بدلاً عنهم متسلمين 
غرباء. 

ب - نظام المرحلة الانتقالية. التي امتدت من عام 1864-1839؛ وكانت السلطنة في هذه 
المرحلة تهدف إلى تحقيق عدة أمور: 

الأولء أن تستعيد أراضيها من الحكم المصري وأن تسترد هيبتها حيال تابعيهاء جراء الوضع 
الصعب الذي وضعتها فيه الهزائم التي ألحقها بها محمد علي باشا. 

الثاني» امتصاص الضغوط الخارجية والداخلية. التي تطالبها بأن تصلح ذاتهاء لتكون في 
عداد الدول العصرية المتقدمة آنذاك. 

الثالث, ترحيل الحملة المصرية الجاثمة على صدرها وإزالة آثار ونفوذ الحكم المصري من 
المناطق التي استولى عليها. 

ومن أجل تحقيق هذه الأهدافء أعلنت عن نيتها بالإصلاح أمام ممثلي الدولء فألغت 
«نظام الأيالت»». عام 1839م/1255ه مستغنية في ذلك عن الخدمات العسكرية لمتسلمي 
الاقطاعيات العسكرية, لكنها لم تضع أحكام قانون لإدارة أراضيها. كما أنها توكأت على 
عصا التحالف الدولي من أجل ترحيل الحكم المصري عن أراضيها واستعادة سلصطتها عليها. 
وما أن أجبر التحالف الدولي القوات المصرية على الانسحاب من المناطق التي احتلتهاء 
والانكفاء إلى الأراضي المصرية. حتى أعادت السلطنة العمل بنظام الالتزام الذي كان قائماً 
قبل مجيء الحملة المصرية. وبالتالي. فقد ردت إلى الملتزمين السابقينء ولاسيما إلى 
الذنين وقفوا ‏ منذ البداية وحتى النهاية ‏ إلى جانبها ضد الحكم المصري اعتبارهم؛ لكن 


38 


ملاحظات 2 دد منها 


هذه المرة.ء على شكل جباة بالمعاش وليس بالالتزام ولمدة سنة. وهذا يعني أن السلطنة قد 
شرعت للفوضى في ظل وجود التشكيلات العسكرية الخاصة. وهنا يمكن القول بأن لواء 
اللاذقية كان ما بين عامي 1861-0 - كما جبل لبنان ‏ حقل تجربة بالانفجارات الأمنية تارة. 
وطوراً بالتجارب الإدارية التي كانت السلطنة والدول الأوروبية تعملان معاً على اختبارها من 


أجل إرسائها على قاعدة «خط شريف كلخانه» 7( (6مقطعالان©) الصادر عام 9 وخط «همايون»0 


(0نا0:ز112:02) عام 1856. 


بعد عودة السلطنة إلى بلاد الشام عام 1840 راح رجال الاقطاع السابقون - ولا سيما أولئنك 


الذين شاركوها مع التحالف الدولي في التصدي لابراهيم باشا - يعملون على إثبات وجودهم في 
الظروف الجديدة التى استجدت بعد الإعلان عن خط كلخانه وترحيل الجيش المصري إلى بلاده. 
وهنا في معركة إثبات الوجود ‏ لن نتوقف عند الحروب التي دارت بين رجال الاقطاع أنفسهم, 
وبينهم وبين الفلاحين. لكن ما يمكن قوله عن لواء اللاذقية أنه جرى تقسيمه إلى خمس عشرة 
مقاطعة. تضم 999 قصبة وقرية ومزرعة. وقد توزعت هذه القرى على هذه المقاطعات كما يلي: 


(10) 


(0 


كلخانه: بيت الورود. هذا الاسم اطلق على القصر الامبراطوري الذي كان قائماً بين الحدائق التي كانت تمتد على 
طول بحر مرمره. فمن هناك جرى الاعلان عن هذا الخط في 24 شعبان عام 1255ه الموافق 3 تشرين الثاني عام 
9م.. لقد تضمن هذا الخط فيما تضمنه. أن كل أقاليم السلطنة ستشملها خيرات هذا الاعلان. من خلال المؤسسات 
التي ستبنى على أسس جديدة بالاستناد إلى المبادىء الثلاثة التالية: 
١‏ - الضمانات التي تكفل للأشخاص أمنية الروح والعرض والمال. 2 صيغة تنظيمية جديدة لأخذ العساكر وتنظيمها 
ومدة خدمتها. 3 - صيغة تنظيمية جديدة لفرض الضرائب وجبايتها. ولهذا سميت اصلاحات هذا الخط بالإصلاحات 
الخيرية. ولمزيد من الايضاح حول هذا الخط والمبادىء التي تضمنها يراجع: 

اج كل بوره ,1 عضر ,..عامعصسيعه اه :50-53 بو« ,1980 طكنامررع8 ,24 عجرم ...عام ديع ه12 
والبرت حورانيء الفكر العربي في عصر النهضة 1939-17298ء دار النهار.ء بيروت لبنان» ترجمة كريم عسقول. ص 66-65. 
صدر هذا الخط عن السلطان عبد المجيد في 18 شباط 1856. 


39 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ساحل اللاذقية. عدد قراه 75 قرية؛ الخوابي» عدد قراها 83 قرية؛ بنى عليء. عدد قراها 
2 قرية؛ صهيونء. عدد قراها 53 قرية؛ البوحاق. عددهد قراها 30 قرية؛ البهلولية. عدد قراها 44 
قرية؛ جبل الأكراد.ء عدد قراها 121 قرية؛الباير. عدد قراها 23 قرية؛ المرقب. عدد قراها 78 قرية, 
القدموسء. عدد قراها 147 قرية؛ السمت القبلي. عدد قراها و5 قرية؛ القرداحة. عدد قراها 68 
قرية؛ حبله. عدد قراها 356 قرية؛ المهالبة. عدد قراها 47 قرية؛ بيت الشلف. عدد قراها 113 قرية. 

وحول هذا الإحصاء والتقسيم. لا بد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات: 

الملاحظة الأولى» وهي أن سبع مقاطعات. قد جرى تقسيمها إلى نواح وحلل وهي: 

1 مقاطعة المرقب. عدد قراها 78 قرية. قسمت إلى ناحيتين: ناحية زمرين» عدد قراها 35 
قرية؛ وناحية المرقب. عدد قراها 43 قرية. 

2 مقاطعة القدموسء. عدد قراها 147 قرية. قسمت إلى ثلاث نواح وهي: ناحية القدموس,» 
عدد قراها 59 قرية؛ وناحية جرد العليقة. عدد قراها 58 قرية؛ وناحية الضهر الغربيء. عدد قراها 
0 قرية. 

3 - مقاطعة السمت القبلي. عدد قراها و5 قرية. قسمت إلى ثلاث حلل وهي: حلة بني 
ياشوطء. وحلة الحمام وحلة السرامطة. 

4 - مقاطعة القرداحة. عدد قراها 68 قرية. قسمت إلى أربع نواح وهي: ناحية النواصرة. 
وناحية التراحلة. وناحية مثتور وناحية ساحل القرداحة. 

5 مقاطعة جبله. عدد قراها 36 قرية. قسمت إلى ثلاث نواح وهي: ناحية جبله. وناحية 
وقف السلطان ابراهيم وناحية الشمسيات. 

6 مقاطعة المهالبة. عدد قراها 47 قرية. قسمت إلى ناحيتين وهما: ناحية عمامرة المهالبة 
وناحية ساحل المهالبة. 

7 مقاطعة بيت الشلفء عدد قراها 113 قرية. قسمت إلى أربع نواح وهي: ناحية المزيرعة 
وعمامرة. وناحية بيت الشلفء. وناحية ساحل بيت الشلف وناحية جبل دريوس. 


40 


ملاحظات 2 دد منها 


الملاحظة الثانية: وهي أن ثماني مقاطعات. لم تقسم إلى نواح وهي: 

1 ساحل اللاذقية. عدد قراها 75 قرية؛ 2 الخوابي عدد قراها 83 قرية؛ 3 بني عليء, عدد 
قراها 22 قرية» 4 - صهيون. عدد قراها 53 قرية؛ 5 البهلولية. عدد قراها 44 قرية؛ 6 جبل الأكراد 
عدد قراها 121 قرية؛ 7 الباير.ء عدد قراها 23 قرية؛ 8 البوجاق. عدد قراها 30 قرية. 

الملاحظة الثالثة: وهي أن ثماني مقاطعاتء كانت تحكم من قبل المسلمين (السنة). وهي: 
اللاذقية, والخوابيء والمرقبء وجبله. وصهيونء وجبل الأكراد والباير والبوجاق. سبعة من حكام 
هذه المقاطعات. كانوا يحملون لقب «آغا». وواحدة كان حكامها يحملون لقب «أجناد» وهي 
مقاطعة صهيون. 

الملاحظة الرابعة,» وهي أن ست مقاطعاتء كان حكامها نصيريون» يحملون لقب «مقدم»., 
وهي: السمت القبليء. وبني عليء والقرداحة,. والمهالبة» وبيت الشلف. والبهلولية. 

الملاحظة الخامسة. وهي أن مقاطعة واحدة. كان حكامها من الإسماعيلية الحجاوية 
والسويدانية. وكانوا يحملون لقب «أمير»”. 

ويمكن للمرحلة الانتقالية - التي أشرنا إليها - أن تقسم إلى قسمين: الأول يمتد من عام 
0 إلى عام 1856 وفي هذه الفترة جرى إلغاء أيالت طرابلس الشام. التي كان لواء اللاذقية 
ملحقاً بها وجرى إلحاقه بأيالت صيدا ‏ بيروت عام 1849 (هذه الأيالت كانت قد أنشئت عام 
0) وقسم هذا اللواء في عام 6 إلى 17 قضاءً. على رأس كل منها مدير يعاونه كاتب 
مال وظل ملحقاً بأيالت صيدا ‏ بيروت. أما القسم الثاني من هذه المرحلة: فهو يمتد 


من عام 1856 إلى عام 1864. وخلال هذه المدة يمكن أن نتبين فيها حدثين: أولهماء اقتباس 


)00( لمزيد من الايضاح حول مقاطعات لواء اللاذقية فى المرحلة الانتقالية بأعداد نواحيه وقراه وطوائف سكانه وشهرة 
وطائفة ولقب ومكان أقامة حاكم كل مقاطعة. يراجع ملحق رقم 1 المرفق بالدراسة. 
(48) عبد العزيز محمد عوضء الإدارة العثمانية فى ولاية سورية 1914-1864, دار المعارف بمصرء بدون تاريخ طبع. ص 


5. سنشير إلى هذا المرجع لاحقاً: عوضء المرجع السابق» ص... 


41 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


السلطنة نظم الإدارة الفرنسية في تقسيماتها الإدارية'". ولتطبيق هذه النظم.: تشكلت عام 1861 
لجنة دولية كلفت بإجراء الإصلاح في سوريا. وقد شارك في هذه اللجنة منتدبون من الدول 
الأوروبية. وبشكل خاص من فرنسا وانكلتراء وقد أسميت هذه اللجنة «القومسيون الدولي 
للإصلاح في سوريا»' (عترة ده دنم عل عفدم تمصع نم1 دمنووتسصرون) . أما الحدث الثاني فهو أن 
مداولات هذه اللجنة. قد أفضت إلى تثبيت النظام الأساسي لمتصرفية جبل لبنان؛ والى حدود 
«نظام الولايات» العثماني عام 1864 ©. وهنا يمكن القول بأن السلطنة لم تعد من الآن فصاعداً 
- سيدة نفسها في إدارة ممتلكاتها. 

ج- نظام الولاية. بصدور هذا النظام انتقلت السلطنة وشعوبها إلى مرحلة إدارية جديدة. 
فقد نص هذا النظام على أن ممالك السلطنة العثمانية تنقسم إلى دوائر يطلق على كل دائرة 
منها اسم «ولاية». وتضم كل ولاية عدداً مناسباً من السناجق. ويقسم «السنجق» بدوره إلى 
أقضية. و «القضاء» إلى نواح وقرى ومزارع. الولاية على رأسها والء والسنجق على رأسه متصرف» 
والقضاء على رأسه قائم مقام. و «الناحية» على رأسها مدير. وبات موظفو كل المواقع الإدارية 
والقضائية والعسكرية على مختلف مستوياتهم ورتبهم يتقاضون رواتب من خزانة السلطنة. أما 
إدارة القرى فقد تركت للمخاتير ومجالس الاختيارية أو ما عرف بشيوخ القرى وللمجالس البلدية 
فيما بعد 

وبموجب هذا النظام. أجرت السلطنة تدبيرين إداريين متلاحقين؛ ومن المفيد أن نتوقف 
عندهماء لنعرف ما أصبح عليه وضع لواء اللاذقية. 

التدبير الأول طاول هذا اللواء مباشرة. فقد جرى إحصاء عدد مقاطعاته ونواحيه وقراه 
وأعداد طوائف سكانه. وجرى تقسيمه إلى قضائين منفصلين ومستقلين عن بعضهما البعض, 


() عوض المرجع السابق. ص 35. 

(*) لقد أشار الياس صالح اللاذقي في مخطوطه إلى هذه اللجنة. 

(222 عوضء المرجع السابق. ص 66. 

(3)- لمزيد من الايضاح حول نظام الولايات والمهام الإدارية لموظفي هذا النظام. يراجع: قاموس الحقوقء مج 2. ص 956 


959؟ وعوضء المرجع السابق. ص 100-96. 


42 


ملاحظات 2 دد منها 


هما: قضاء اللاذقية وقضاء جبله. على رأس كل منهما مدير وكاتب. وألحقا بولاية صيدا ‏ بيروت 
فترة قصيرة من تشرين الثاني عام 1864. عندما طبقت السلطنة نظام الولايات". إلى نيسان عام 
5 عندما أعادت السلطنة النظر بتشكيل حدود ولاياتها. فكيف كان وضع هذين القضائين؟ 

1 قضاء اللاذقية. ضم سبع مقاطعات تحتوي على 516 قرية. يسكنها 60306 أنفس. وهم من 
المسلمين والمسيحيين والنصيريين. 

2 - قضاء جبله. ضم عشر مقاطعات تحتوي على 480 قرية. ويسكنه 53674 نفسا. وهم من 
المسلمين والمسيحيين والنصيرية”. 

التدبير الثاني. طاول الساحل الشرقي للبحر المتوسطء من شماله إلى جنوبه. ففي نيسان 
عام 1865. قسمت بلاد الشام كلها إلى ولايتين كبيرتين: ولاية سوريا مركزها دمشق. وولاية حلب. 
وبذلك تكون ولاية صيدا ‏ بيروت قد اختفت؛ وأن ولاية سوريا باتت تتألف من: أيالت الشام 
وأيالت طرابلس الشام (صيدا ‏ بيروت) القديمتين ولواء القدس الشريف. وبات لواء اللاذقية 
(الملغى) مقسماً إلى أربعة أقضية (بدلاً من قضائين) منفصلة عن بعضها البعضء على رأس كل 
منها مدير وكاتب؛ وألحقت هذه الأقضية بلواء طرابلس الشام. الذي بات تابعاً لولاية سوريا. 

وقد جاء تشكيل هذه الأقضية على الشكل التالي: 

1 قضاء اللاذقية. عدد قراه 182 قرية يسكنه 35582 نسمة؛ وهم من المسلمين والمسيحيين 
والنصيرية. 

2 - قضاء صهيونء مركزه قلعة بابنا؛ عدد قراه 334 قرية وعدد سكانه 24724 نسمة؛ وهم من 


المسلفيق والنضيرية وقلة قليلة مق الهمسحمن:. 


()2 عوضء المرجع السابق» ص 66 67. 
لمزيد من الإيضاح حول هذين القضائينء يراجع ملحق رقم 2 المرفق ربطاً بالدراسة. 


(2)3 عوضء المرجع السابق. ص 69. 


43 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


3 قضاء حجبله. عدد قراه 185 قرية. وعدد سكانه 23734 نسمة. من النصيريين وقلة من 
المسلسة: 

4 قضاء المرقبء مركزه قلعة المرقب. عدد قراه 218 قرية. عدد سكانه 21050 نسمة. ثلثهم 
تقريباً من المسلمين والمسيحيين؛ أما النصيرية فيشكلون ما يزيد على الثلثين”". 

وهنا يمكن القولء بأن هذين التدبيرين الإداريينء اللذين تمت الإشارة إليهماء لم يكونا 
في صالح مدينة اللاذقية من جهة. ولا في صالح المدن الساحلية الأخرى من جهة ثانية, 
عندما حرمت هذه المدن (المراكز) من سلطة إنهاء القرار الإداري ووضعت في دمشق. وهذان 
التدبيران» لا يمكن إِلا أن يدخلا في نطاق الصراعء الذي كان دائراً بين السلطنة العثمانية, الساعية 
إلى الخلاص من كابوس محمد علي باشا بمساعدة الدول الأوروبية من جهة. وبينها وبين هذه 
الدولء من أجل الحد من نفوذها داخل ممتلكاتها من جهة أخرى. وهكذاء جاء التنظيم الإداري 
الذي أقدمت عليه السلطنة, ليكون واحداً من وسائل الضغطء راح كل طرف يستخدمه في وجه 
الآخر. فالدول الأوروبية ‏ خاصة فرنسا ‏ كانت تعمل مع الدول الأخرى باتجاهين: اتجاه نقل 
مركز تجارتها الدولي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط من صيدا إلى بيروت؛ واتجاه أن 
تكون بيروت المدخل الدولي الأول على الساحل المشار إليه. إلى الداخل السوريء ولاسيما على 
الصعيد التجاري. علماً أن هذين الاتجاهين كانا يشقان طريقهما على حساب المدن الساحلية 
الأخرى: صيداء وطرابلس والشام. وعكا واللاذقية. وهذا الأمر يبدو واضحاً من خلال استعراض 
بسيط للذي جرى على الصعيد الإداري وكان في صالح الخطة الفرنسية. 

لقد تشاركت مدينة بيروت ‏ في خطوة أولى ‏ مع مدينة صيدا في مركز الأيالت (أيالت 
صيدا ‏ بيروت)؛ وفي خطوة تالية تحولت إلى مركز لواء تابع لولاية سورياء على حساب 
صيدا. وتراجعت طرابلس أولاً من مركز أيالت. إلى مركز لواء تابع لأيالت صيدا ‏ بيروت؛ 


)0( لمزيد من الإيضاح حول تشكيل هذه الأقضية. يراجع ملحق رقم وملحق رقم 4 المرفقان ربطاً بالدراسة. 


ملاحظات 2 دد منها 


وثانياً إلى مركز لواء تابع لولاية سوريا. وما ينطبق على طرابلس ينطبق على عكا. أما لواء 
اللاذقية. فقد تراجع خطوتين كبيرتين: الأولى» بالنسبة إليه كلواء. عندما ألغي عام 1840. وتحول 
إلى قضائين منفصلين عن بعضهماء قضاء اللاذقية وقضاء جبله. يرتبط كل منهما على حدة 
بأيالت صيدا ‏ بيروت؛ ثم في الخطوة التالية. عندما قسم إلى أربعة أقضية منفصلة عن بعضها 
ومرتبطة بلواء طرابلس الشاه التابع لولاية سوريا عام 1868. أما بالنسبة للاذقية كمدينة فقد 
باتت في مستوى أقل مما كانت عليه بكثير وباتت في موقع إداري يتساوى مع المرقب وجبله 
وصهيول. 

أما خطة السلطنة في هذه المواجهة, فقد استندت إلى أمرين: الأولء هو الانتقاص من 
المستوى الإداري للمدن الساحلية» وجعلها في مستوى لا يمتلك فيه المسؤول سلطة القرار النافذ؛ 
أما الثاني فهو تحكمها بالموقع الإداري المقررء عندما حرمت المدن الساحلية من هذه السلطة 
وربطتها بوالي دمشق. وهكذا تمكنت السلطنة ‏ إلى حين ‏ من التحكم بالساحل عبر الداخل من 
دمشق وحلب باختيار مسؤولي هاتين الولايتين من أصحاب الرتب العالية (وزير وصدر أعظم) 
والخبرة. الذين تمرسوا بالمسؤولية وممن ثبت لديها إخلاصهم ووفاؤهم لها. 

لقد أشار الياس صالح اللاذقيء إلى إلغاء لواء اللاذقية بألم مرير, لأنه أدى إلى تأخر 
اللاذقية والإضرار بالمصالح العمومية: المادية للأقضية المذكورة. هذا بالإضافة إلى الإخلال بنظام 
شهد على صحة وجوب بقائه والمحافظة عليه عشرون قرناً من الزمن. ورأى أن من قاموا به 
قد حكمتهم أنانياتهم ومصالحهم؛ وأنه لا بد أن يعودوا إلى تغييره مع الوقت عندما يلمسون 
جسامة الخطأ الذي ارتكبوه. وإذا أردنا أن نلخص نتيجة الصراع بين التجار الفرنسيين والسلطنة 
العثمانية على الصعيد الإداري في هذه المرحلة. يمكن القول بأن السلطنة قد نجحت ‏ إلى 
حين ‏ بالقبض على قرار المدن الساحلية عبر الداخل من دمشقء عندما جعلت بيد واليها 
سلطة القرار الإداري لإنهاء كل القضايا. وفي الوقت نفسه. فقد نجح الفرنسيون في تحقيق عدة 


أهداف لخطتهه'”". 


() لمزيد من الإيضاح حول الصراع الذي كان دائراً بين السلطنة العثمانية والتجار الفرنسيين وغيرهم من التجار 
الأوروبيين» يراجع: الياس جريج. ولاية سسروت. التاريخ السياسي والاقتصادى 1887 1914 مكتبة عكار بدون تاريخ 


طبع. ص 83-77. 


45 


آثار الحقب في للاشّة العرب 


1 دفعت بيروت إلى الواجهة وأبعدت صيدا واللاذقة9) من أمامها بشكل كلى. 


2 - على حساب والى دمشق وتعنته. تشكل «المجلس الأعلى للتجارة» على الساحل الشرقى 


للبحر المتوسط في بيروتء التي احتفظت ببقاء اجتماعاته واجتماعات المحكمة العليا للتجارة 
فيها". كما جرى تعيين «مدير سياسي» لبيروت. يقيم فيها ويكون «حلقة وصل بين القناصل 
العامين للقوى الدولية» والحاكم العام في دمشق»”. وبذلكء. انفتح هذا الصراع الخفي. من 
أجل أن تصبح بيروت بمصاف دمشق وحلب مركز ولاية. واستمر هذا الصراع في تصاعده إلى 
أن تحولت بيروت من مركز سنجق إلى مركز ولاية» يتبعها: سنجق طرايلس وسنجق عكا وسنجق 


نابلس وسنجق اللاذقية في عام 1887. 


(10) 


(2) 


(3) 


الياس صالح اللاذقي سبب الغاء لواء اللاذقية وتشتيته إلى اقضية مرتبطة بلواء طرابلس الشامء إلى وجود حمدي بك 
متصرف لواء طرابلس في قومسيون كبار المأمورين لترتيب الألوية والأقضية في ولاية سورية. وان ما قام به هذا 
المأمور الكبير كان من أجل مد نفوذه وسيطرته إلى لواء اللاذقية ايضاً. 

أوردت «سالنامة ولإدبة سورية» تشكيل المحكمة العليا للتجارة في بيروت كما يلي: 

رئيس: عبد القادر الدنا أفندي. 

أعضاء دائمة: نقولا النقاش أفندي عبدالله بيضون أفندي. 


أعضاء مؤقتة: محمد أفندي زنتوت ‏ بشارة صباغ أفندي ‏ علي سلام أفندي ‏ نقولا صبحي أفند 


م 


كتابة: اسكندر أفندي. كاتب أول ‏ سعد الدين أفنديء كاتب ثان ‏ يوسف أفنديء كاتب ثالث محمد أفنديء مقيد 
أول - عبد الرحيم أفنديء مقيد ثان ‏ رزق الله أفنديء ترجمان. 

ممثلو الدول: عن فرنسا: موسيو بيروء موسيو دو بيلان.» موسيو كلازي ‏ عن انكلترا: موسيو فلتاكي» موسيو خريستوفر 
- عن هولانده: موسيو بدرونيء» موسيو عيد ‏ عن المانيا: موسيو شارليه» موسيو فانكرناتل» موسيو كريتمشء» موسيو 
ستوب - عن أميركا: موسيو هلك. موسيو غرندوزي ‏ عن إيران: موسيو عيد. موسيو سابا ‏ عن الروسيا: موسيو فلتاكي» 
موسيو بسترس - عن بلجيكا: موسيو واني. سالنامة ولإدية سورية لعام 1298ه دفعة 213 ص 148. 

لمزيد من الايضاح حول الاهداف التي حققها الفرنسيون لصالح خطتهم على الصعيد الإداري لدفعها إلى الواجهة على 
حساب المدن الساحلية الأخرى» يراجع: اليأاس جريجء ولادة ديروت. مرجع سابق. ص 81 83. 


46 


ملاحظات 2 دد منها 


ب - المعارف التاريخية 


«أثار الحقب في لاذقية العرب»». غني بالمعارف التاريخية. وهي قسمان: 

الأولء معارف تاريخية عن مدينة اللاذقية 

وهي عبارة عن محطات متميزة من تاريخها القديم والوسيط والحديث. وصولاً إلى الفترة 
التي كتب فيها هذا الكتاب. هذه المعارف. تساعد المواطن على فهم الواقع الذي أشار إليه 
في قسم المعارف الجغرافية... ومن المفيد أن نشير إلى بعض هذه المعارف تحت عدد من 
العناوين. 

لاذقية العرب. أثناء فتوحاتهم: دخلها العرب المسلمون تحت راية الإسلام بقيادة أبي 
عبيدة بن الجراح. في عام 637 م وأسموها «لاذقية العرب». وكانت في الجيل الرابع للهجرة مقاماً 
للأمراء التنوخيينء وفيها توفي محمد بن اسحق التنوخي. 

اللاذقية بين الصليبيين والمماليك. لقد كانت المدينة بيد الروم البيزنطيين» عندما قدمت 
الحملة الصليبية الأولىء عام 1096 متوجهة إلى القدس. وأنه في عام 1098 قدمها البيزنطيون 
لقادة الحملة فجعلها هؤلاء مركز لقاءاتهم واجتماعاتهم. لكنء «ريمون دي تولوز» (50مصترهع 
05 1نا10' 06) (1042 - 1105) استولى عليها في عام 3 كما استكولى الصلييون قينا فشكا عل 
الحصون والقلاع: التي كانت من أعمال اللاذقية: كمرقبة وقلعة المرقب وقلعة صهيون وحصن 
العيدو وحصن القدموس عام 1129؛ وصارت الحرب سجالاً من أجل السيطرة على هذه المواقع 
بين الصليبيين والأيوبيين حتى العام 1287, عندما حاصر السلطان قلاوون اللاذقية واستولى عليها 
على إثر زلزال ضربها ‏ أثناء الحصار ‏ فهدم أبراجها ومنازلها؛ وتحت وطأة الحصار. خرج منها 
الصليبيون حاملين معهم أمتعتهم وما أمكنهم حمله من كنوزها ودخلها المماليك وهدموا البرج 
القديم القائم لجهة البحر واستولوا على عدد من كنائسها الكثيرة التي كانت موجودة فيها. وهنا 
لا بد من الإشارة إلى مسألة أساسية. وهي أن سبب مهاجمتها في العام 1287 من قبل مماليك 
مصرء يرجع إلى أن تجارتها الناشطة كانت تهدد تجارة الإسكندرية وتخيف تجارها. 


47 


آثار الحقب في للاقة العرب 


اللاذقية في رحلة ابن بطوطة:. لقد زار هذا الرحالة المغربي المدينة في عام 1356؛ 
وخضّها في كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار» بعدد من الإشارات السريعة والهامة في آن 
معاً. لقد تناول في واحدة منها قدم المدينة فأرجعه إلى عهد النبي موسى؛ وأشار في واحدة 
أخرى إلى الزيارة التس قام بها إلى «دير الفاروص» في ظاهر المدينة وقال عنه بأنه أعظم 
دير يسكنه الرهبان في مصر والشام؛ وأن أحد رهبان هذا الدير الحمويين يدعى «سابا». كان 
يقيم فيه وقتل شنقاً بسبب من آرائه؛ كما أنه عثر أثناء نبش التراب من إحدى ضرائب الدير 
على إنجيل يوناني مكتوب على رقء وأن هذا الإنجيل كتب في القرن الخامس بريشة الراهب 
«تاودوسيوس» رئيس الأديار آنذاك. وهو محفوظ في كنيسة القديس جاورجيوس باللاذقية ويدعى 
«إنجيل الفاروص». 

- جبله تأخذ مكانة اللاذقية. ويرجع السبب في ذلكء إلى أن اللاذقية قد أحرقت على يد 
ملك قبرص «بطرس لوسينيان» (صهموزونآ #سعنم) عام 1363. فبعد أن فشل هذا الملك في تجييش 
أوروبا لتجديد «حرب صليبية». قام بمساعدة جمهورية البندقية وفرسان رودوس (الداوية سابقاً) 
ومن استطاع جمعهم من أصحاب الرؤوس الحامية في أوروباء بغزو الاسكندرية وإحراقها؛ ثم 
وصل هؤلاء بعد مدة إلى سورياء فأحرقوا مدن: طرابلس الشام وطرطوس واللاذقية وغيرها. كما 
تعرضت المدينة للخراب عام 1400م, عندما انتزع تيمورلنك سوريا من يد الأتراك الجراكسة. وبعد 
أن استعادها هؤلاء من أيدي المغولء. بقيت مدة طويلة خربة وقليلة السكان. ولذلك فقد نقل 
مركز الحكومة إلى جبله. وأطلق على لواء اللاذقية «لواء جبله». واستمرت تحت حكم الجراكسة 
إلى عام 1517» عندما انتزعها العثمانيون وصارت ‏ ككل المدن السورية ‏ تحت سيطرة السلطنة 
العثمانية. 

وكان البلص والابتزاز جزءاً من سياسة مسؤولي السلطنة. يمارسه أولئك الذين يكلفون 
بأعمال جباية الضرائب المترتبة على أبناء البلادء أو الذين كانت تعيّنهم للقيام بأعمال 
الجردة. فما أن يتسلم هؤلاء مسؤولياتهم. حتى كانوا يحضرون إلى المكان المنوي ابتزازه 
وبلصه. مصحوبين بقواتهم العسكرية ليخيموا فيه. وكانت هذه السياسة تطاول أناساً أغنياء 


(*) جردة. الجردة: تكاليف المؤن التى يطلب من باشوات المدن الواقعة على طريق الحج إلى مكة المكرمة أن يحضّروها 
لملاقاة قافلة الحجاج. وكان على باشوات الجردة أن يلاقوا قافلة حجاج بلاد الشام عند قلعة مزيريب في منتصف 


الطريق بين مكة ودمشق. 


418 


ملاحظات 2 دد منها 


محددين. وكان أبناء اللاذقية يخشون من ممارسات هؤلاء وما تجرّه عليهم من ويلات. خاصة 
بعد أن عمّرت المدينة وعاد دولاب حياتها الاقتصادية إلى الدوران منذ عام 1693. وقد أشار الياس 
صالح اللاذقي إلى عمليات ابتزاز وبلص كثيرة تعرضت لها المدينة نشير هنا إلى اثنتين منها: 

الأولى» حصلت في عام 1796 عندما قدم «محمد بن العكش بن السباعي» مكبكلفا وفلترماً 
مال اللاذقية مصطحباً معه منتي عسكري؛ فجزعت المدينة لقدومه. وعلى الأثر, قام «ابراهيم 
باشا أبو بلطه» المتقدم فيها ورئيس تجار كرخانة الدخان. فسعى هو والتجار إلى جمع دراهم 
من التركمان وسكان «بيت الشلف» والصهاونة (سكان صهيون) من أجل إرضائه وتجنيب المدينة 
من وقوع محذور. 

الثانية. حصلت في عام 1825 على يد «علي بك الأسعد» من عكار؛ الذي كُلف بالقيام 
بأعمال الجردة. في طرابس واللاذقية”". غير أن اللاذقية في هذه المرة لم تسلم من المحذور. 
إذ فقدت «عبدالله الياس». أحد وجوه البلدة الذي بلص ثم قتل وصودرت أمواله على يد هذا 


البك. قبل أن يعرض المغدور به قضيته على والي دمشق ويفتضح أمر هذا البلص”"". 


) أشار صاحب كتاب «الامارة المرعبية». إلى تعيين «محمد بك الاسعد» متسلماً على طرابلس عام 1824 لسنتين 
متتاليتين. والى منحه لقب «باشا» تقديراً لخدماته الجليلة التي قدمها للسلطنة العثمانية. وانها أضافت إليه عام 
5 مهمة القيام بأعمال الجردة. ويؤكد صاحب «الإمارة المرعبية» ان على باشا الأسعد من أجل مسألة الجردة. قد 
اختلف مع «الذميين»: نصرالله ولد بطرس زرق» و «جرجس بني ولد مخائيل». وهما من كبار تجار مدينة طرابلس. 
وانه نتيجة هذا الخلاف غادر المذكوران المدينة ثم عادا إليها بعد مدة. وليس هنا مجال الدخول في تفصيلات 
هذه المسألة. لكنء لمزيد من الايضاحء يراجع: خالد مصطفى مرعب. الإمارة المرعبية, امتدادها الجغرافي وتطورها 
السياسي حتى سنة 1840., دار النجاري, طرابلس لبنانء الجزء الأول. طه 1. 1992 ص 218-212 وص 225-222. 

(9) مماأشار إليه الياس صالح اللاذقي حول قضية المغدور هو أن «عبدالله الياس». كان كاتباً ومقرباً عند علي بك الأسعد 
في عكار؛ ثمّ غضب عليه وقتله خنقاً وضبط موجوداته. قيل إن سبب غضبه عليه أنه أمره أن يكتب له أسماء أغنياء 
البلدة من مسلمين ونصارى ليصادرهم لأجل مصروف الجردة فاعتذر؛ ولذلك. فقد غضب عليه واتفق أنه كان هناك 
من هيّج غضبه وأغراه بأن يبلصه مطمعاً إياه بأنه منه وحده يمكن الحصول على المبلغ اللازم من النقود. فبلصه 
بمبلغ وافر ووضعه في السجن ولم يطلقه حتى قبض منه المبلغ تماماً ولما أطلق سّعي به لديه أنه عازم على السفر 
إلى الشام ليشكوه إلى واليها. فألقى القبض عليه من جديد. ثم استحضر شاهدين شهدا عليه أنه طعن في الشيخ 
محمد المغربي وقال إنه من الواجب طرده من البلدة. فحكم بقتله. 


49 


قل الحقب'قى الالاقة الخرف 
القضاء على حكم حنا كبه 1803-1799 


دفع تكرار عملية الابتزاز والبلص تجار اللاذقية الذين كانوا من ضحاياها إلى السعي من 
أجل التخلص من باشوات الجردة وابتزاز المتسلمين. كان ذلك أثر طلب أحمد باشا الجزارء والي 
عكا (1803-1783) من أهل المدينة أن يرسلوا إليه الرجال والمال إلى عكا عام 1799 للمعاونة على 
طرد نابليون بونابرت (1821-1769). وقد تزعم حركة المطالبة هذه التجار وعلى رأسهم «حنا كبه». 
الذي كان على حد تعبير الياس صالح اللاذقي «حاذقاً مقداماً جسوراً محباً للتقدم فلم يؤخره 
كونه مسيحياً عن أن ينتهز الفرصة التي تفضي له بالوجاهة والتقدم». لقد تمكن هذا الرجل 
المقتدر مادياً والمتقدم بين تجار «كرخانة الدخان»» أن يقنع وجوه مسلمي البلدة بوجوب 
السعي لاكتساب الراحة بكل وسيلة» وأن يفوضوا الأمر إليه للحصول على الاستقلال بما عنده من 
الوسائط والتعهد للدولة بمال اللاذقية رأساًء بدون واسطة باشوات طرابلس. 

لقد تمكن حنا كبه من الحصول على «فرمان»” ' يتضمن ساخ لواء اللاذقية عن 
طرابلس وجعلها محصلية مستقلة متعلقة رأساً بالباب العالي وتعيين محصل مسلم 


بكفالته. كما تعهد بتوريد المال إلى الاستانة مباشرة". كان من نتيجة هذا العمل حصول 


(**) فرمانء هو أمر السلطان العثماني. 


(*) كان مال اللاذقية المطلوب منها انذاك نحو مايتين وعشرة ألاف غرش سنو 


حجئ, 


50 


ملاحظات 2 دد منها 


حال عمرانية مهمة في اللاذقية. ولاسيما لسور المدينة وللمساجد والكنائس التي هدمتها زلزلة 
6. وأمكن لحنا كبه أن ينجح بحكم لواء اللاذقية بشكل غير مباشرء مما أغاظ الجزار وآثار 
حنقه وحقده عليه ولاسيما بعد أن التجأ إليه عدوه «محمد باشا ابي مرق» ورفض أن يسلمه 
إياه عندما طلبه منه. كما حنق عليه باشوات طرابلس وعكار وكل أولئك الذين يعملون في 
حقل الالتزام. كما حنق عليه المسلمون المتعصبون الذين رفضوا أن تكون كلمة حنا كبه فوق 
كلمتهم. وبذلك كانت الظروف مؤاتية للجزار في أن يكيد له ويدبر قتله. وأخيراً نجح بالتنسيق 
مع «عدره آغا» صاحب جبله بقتله ومصادرة أملاكه وأمواله. مما دفع بأرملته إلى أن تنتقل مع 
كامل عائلتها إلى يافا بفلسطينء وأن تلجأ إلى «أبي مرق» صديق زوجها المغدور. 

إن ما يمكن أن نخلص إليه من خلال تجربة حنا كبه في الحكم هو: 

1 - إن تأمين مصلحة السلطنة وحكامهاء لم يكن يوماً مرتبطاً بالحفاظ على دين وطائفة 
ومذهب الحاكم., بل بتأمين هذه المصلحة فقطء بدليل أن مسؤولي السلطة. قد أرسلوا إلى حنا 
كبه الهديا والخلع" ". 

2 - يبدو أن التيار الإصلاحي داخل السلطنة قد بدأ يتكون منذ ذلك الوقت. والأدلة على 
ذلك كثيرة منها: عندما علم مسؤولو السلطنة بمقتل حنا كبه. أرسلو إلى اللاذقية محصلاً راح 
يستقصي عن عائلة المغدور وموجوداته. ولذلك دبر له أعيان المدينة خطة وقتلوه. وعلى الأثر 
أرسل «علي آغا رستم». من جبل الأكراد. فزحف هذا برجاله واستولى على المدينة وجال على 
سكانها معلناً قصده وهو الأخذ بثأر حنا كبه. فهجم عليه المسلمون وقتلوه في دار الحكومة. 
وبعد علي آغا رستم, أرسلت السلطنة «عبد الرحمن باشا». وكان هذا والياً على قبرص. وقد جاء 
ومعه ألفا عسكري وفرقة من الأرناؤوط. ويبدو أن خلافاً حول هذه المسألة قد نشب بين عبد 
الرحمن باشا (ملقب بالجربان) وقائد الفرقة. فقتل معظم عناصر الفرقة وقطع عشرين رأساً من 
المقتولين وأرسلها إلى الاستانة» على أنها رؤوس الذين قتلوا حنا كبه وغيره من الحكام الآخرين 


الذين جاءوا بعده. 


(**) بعث الصدر الأعظم, يوسف ضيا باشا (1898-1805): إلى حنا كبه: خلعة سنية ودبوساً وغدارة مما كان يستعمله البكوات 
في تلك الأيام. وأنعم عليه بلقب بك. 


51 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


التعصب الديني والمذهبي والكره للأجنبي 

لقد عبّر الياس صالح اللاذقي عن وجود هذه المشاعر لدى عامة الناسء ولاسيما المسلمين 
منهم. بأشكال متعددة منها: 

1 - إن «دوجي» وكيل قنصل انكلترا في اللاذقية. قد أسلم تخلصاً من القتل. وأرجع السبب 
في ذلكء. إلى أنه اعتمّ ذات يوم بعمامة بيضاء وخرج إلى السوق. فحياه أحد أعيان المسلمين 
بتحية الإسلام عن غير روية وانتباه. فرد عليه السلام. ولما انتبه وعرفه هاج وهاج معه الحاضرون 

من المسلمينء» فخاف منهم وأسلم. 

2 - إن كثيرين من المسيحيينء قد أسلموا في ذلك الحين (1810) وبعده بسبب الاضطهاد 
والظلم. واعتبر أن ما يحصل في اللاذقية في ذلك الوقت هو من الأمور المستغربة. لكنه في 
الوقت نفسه. أكد على أنه في الأوقات التي يتحدث عنهاء لم يكن أحد في اللاذقية أو في 
غيرها من بلاد السلطنة. يجسر أن يظهر باللباس الافرنجي بدون أن يحسب حساب خطر الفتك 
بحياته؛ وأكد أن القناصل كانوا يلتزمون لبس الجبة والقنباز والاعتمام بالعمائم؛ كما أنه كان إذا 
أتى مركب افرنجي إلى اللاذقية. لا يجسر قبطانه أن يخرج إلى البر بدون أن تؤخذ له إلى 
المركب ملابس وطنية ليلبسها قبل خروجه والنزول إلى البر. 

3 - عام 1821.» خرج عبدالله باشا والي عكا عن طاعة السلطنة العثمانية. ولذلك. فقد 
سلخت عنه طرابلس واللاذقية: وأعادتهما «أيالت» واحدة تحت حكم واحد. يتعهد بقيام 
الجردة كالقديم. وعينت «محمد باشا بن المن» في هذا المركز. وفي أيام ولاية هذا 
الحاكم: مرّ رجل فرنساوي في سوق اللاذقية متعمماً بعمامة بيضاءء فاعترضه بعض المسلمين 
وأهانوه. فاشتكى إلى قنصله. وعلى الفور أرسل القنصل ترجمانه ليكشف الأمر. فاهتدى 
إليه وسأله عن سبب إهانته للفرنساوي. فأجابه لكونه متجاوزاً حده ومتعمماً بعمامة بيضاء؛ 
فأجابه الترجمان إنه تعمم بها بحق المعاهدات الدولية. فهاج وهاج معه المسلمون., 
وادعوا على الترجمان بأنه شتم الشرع الشريف وهجموا عليه. ففرمن بين أيديهم, فتبعوه 
إلى أمام بيت القنصلء ولما وصلوا كان الباب قد أقفل قبل وصولهم. فأكثروا من الجلبة 


5 


ملاحظات 2 دد منها 


والصياح والشتائم والتهديدات؛ ثم رجوا عنه ليرسلوا ويعلموا «ابن المن» في طرابلس بحسب 
مدّعاهم. كما أرسل القنصل بدوره يعلمه بحسب مدعاه ومدعى الترجمان. غير أن ابن المنء لم 
يركن لأحد من الطرفين. وعندما عاد إلى اللاذقية, أخذ يحقق ويستقصي سراً وعلناًء فتأكد لديه 
صحة ماادعاه القنصل وترجمانه. ولذلك. قاصص الطرف الآخر بنفي الشيخ «ابراهيم حكيم»». 
قاضي اللاذقية مع مفتيها إلى جزيرة أرواد حيث أقاما فيها مدة. فاستاء المسلمون من سلوك 
ابن المن وحنقوا عليه وزعموا أنه نصيري وأشاعوا الخبرء وراحوا يتحينون الفرصة للفتك به. 
وقد سنحت لهم هذه الفرصة, عندما أقدم ابن المن على أمرين: الأولء عندما قام بعزل أحد 
أبناء الطريفي من وظيفة مسؤول الضابطة الأمنية «تفنكجي باشي»'' (نطعدظ زولمعنا1) والثاني. 
عندما دخل شهر رمضانء أرسل منادياً ينادي في الأسواقء أن كل من يجلس في القهاوي ويقامر 
بالورق فجزاؤه الحبس. فجلس بعض أبناء الطريفي وأخذ يقامر تعرضاً. وعندما سمع الباشا 
خبره. أرسل فحبسه. فهاج أبناء الطريفي وساروا إلى الشيخ «محمد المغربي» يستشيرونه في 
قتله. فأوماً إليهم بيده أن اقتلوه. فاندفعوا وتبعهم جمهور كبير من المسلمين وهجموا عليه في 
دار الحكومة وقتلوه وقتلوا معه كاتبه. 


مصطفى بربر اغا يضرب الانكشارية فى اللاذقية 

تأتى هذه العملية في إطار حركة الإصلاح والتجديد. التى كانت السلطنة قد 
شعرت بضرورتها منذ أواسط القرن الثامن عشر. ورأت أن تبدأ هذه العملية بإصلاح شؤون 
المؤسسة العسكرية وأن هذه المسألة يجب أن تتقدم على سائر الشؤون الأخرى لسببين: 
الأول» هو أن نظام السلطنة هو نظام عسكري وفساد أمورها قد بدأ بفساد نظام جيشها. 


الثاني» وهو أن تفوق النظم الأوروبية في الحكم على النظام العثمانيء كانت آثاره المادية 


0 تفنكجي باشي: عبارة تركية تعني ضابط الحرس الخاص الذي يحضّر بندقية السلطان لرحلات الصيد والرمي. وهو 
يتمتع بامتياز السير إلى جانب حصان الصدر الأعظم في المناسبات والمواكب الرسمية. ويمكنه أن يتولى مهمة 


مسؤوا ل الضابطة الأمنية. 1 .2 1١‏ 101226 نأك .م0 ...كاطع 12اتء100. 


53 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


تظهر إلى العيان مباشرة خلافاً للشؤون الأخرى. فمدفعيتها ‏ على سبيل المثال ‏ باتتت تنزل 
بالجيش العثماني خسائر فادحة عن بُعد شاسع لا تصل إليها نيران الأسلحة العثمانية. وجيوشها 
صارت تتغلب على الجيش العثماني» حتى عندما تكون أقل منه عدداً. وهنا لا بد من الإشارة 
إلى أنه بالرغم من الحاجة الملحة لإصلاح شؤون المؤسسة العسكرية وبداهة الشروع بهذه 
المسألة. فقد اصطدمت بفرق الجيش الانكشاريء التي أعلنت ثورتها على النظم الجديدة. 
وخاصة في شأن التعليم العسكريء. بحيث كانت الانكشارية تنكر فائدته. خوفاً من انتفاء 
الحاجة إليها بعد أن أصيبت بالترهل والانحطاط. وفي مواجهتها لحركة إصلاح الجيش كان هؤلاء 
يقولون: «إن ولي الله الحاج بكتاشء كان بارك جماعة الانكشارية ‏ عند تأسيسها ‏ ودعا لها 
بالنصر الدائم». وكانوا يزعمون أيضاً «أن بركة ذلك الولي ودعاءه يغنيها عن كل تعليم»”". وأكثر 
من هذاء فقد تصدت وبالقوة للسلاطين والرجال القائمين بالإصلاح وخاصة بإصلاح الجيش. 
وبذلكء. باتت الانكشارية «قوة متخلفة مضادة» (عتنقصصمءة6: عتنهةة0ه6: »»:10): فبدل أن ترهب 
أعداء السلطنة. راحت ترهب السلاطين وتزج بهم في السجون. وكان أول ضحاياهاء السلطان 
سليم الثالث 1807-1789, الذي خلعته وأدخلته إلى السجنء ليتسلطن بعده مصطفى الرابع» الذي 
لم يبق في موقعه أكثر من سنة (2)1808-1807. ومع ذلكء فقد بقيت فكرة الإصلاح حية في 
التفوس: ومن أجل اعاتها: أخرع السلظان سليم.:من السجق إلبى الإغداة كما أخترج معه 
شريكه في السجن محمود الثانيء. ليتسلطن من (00)1839-1808. 


() ساطع الحصري. البلا العربية والدولة العثمانية. مرجع سابق. ص 77-76. 

2) ساطع الحصري. البلا العرية والدولة العثمائية. مرجع سابق. ص 280؛ 350 .مال بمره كنمءعتسعم2. 

(3) أشار البرت حورانيء إلى خلع السلطان سليم الثالث. المؤيد للإصلاح والى سجنه هو ومحمود الثاني» قبل أن يصبح 
هذا الأخير سلطاناً. غير أنه لم يشر إلى قتل سليم ولا إلى ارتقاء مصطفى الرابع العرش بعده. حول هذه المسألة, 
يراجع: البرت حورانيء الفكر العربي في عصر النهضة. مرجع سابق. ص 61 - 62؛ أما ساطع الحصريء فقد أشار إلى 
مقتل السلطان سليم الثالث. من دون أن يسميه؛ كما أشار ايضاً إلى ارتقاء السلطان مصطفى الرابيع عرش السلطنة 
مدة سنة؛ وهذا ما أشارت إليه أيضاً الوثائق الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية. ولمزيد من الايضاح حول هذه المسألة. 
يراجع: 
ساطع الحصري. البلاا العربية والدولة العثمانية. مرجع سابقء ص 74-73 وص 280. 


0 .2 .نأك .02 ,1 401226 ,...كاع2ثتاء100آ - 


54 


ملاحظات 2 دد منها 


يبدو أن السلطان محمود. لم يرهبه السجن ولم يتأثر بإخفاق سلفه وإعدامه. فقرر أن لا 
ينتظرء فتتأخر عملية إصلاح شؤون المؤسسة العسكرية. ورأى أن يضرب الانكشارية في أماكن 
انتشارها أولا بعيداً عن المركز حيث تتركز قوتها؛ وأن يعمل على إسقاط هيبتها ونزع الهالة 
التي أحيطت بهاء عنها. ولذلك. فقد جرى وضع خطة من أجل ضرب القوى المعارضة لتوجهات 
السلطنة بالإصلاح. هذه الخطة تقوم على مبداً أن لا شيء تخسره السلطنة فيما لو اعتمدت 
بتنفيذ خطتهاء على مراكز القوى المحلية المعارضة لها أحياناً. لأن الربح في كل الأحوال مضمون 
لها. وعلى هذا المبدأ قامت خطة ضرب الانكشارية ومنها انكشارية اللاذقية. ومن المفيد في 
هذا المجالء أن ندخل إلى بعض تفاصيل هذه الخطة بالاستناد إلى ما أشار إليه الياس صالح 
اللاذقيء. وما هو متوافر لدينا من معطيات بعض المصادر والمراجع. والخطة على مستويين: 

1 مستوى السلطنة والولاة. وفي هذا المجال يمكن القولء إنه في عام 1808 م 1223 
ه تولى سليمان باشا على أيالت طرابدلس الشام”". وتولى «كنج يوسف باشا»». على «أيالت 
الشام». في نفس هذا العام©. وفي عام 1809 م 1224 هف تولسى سليمان باشا على «أيالت 
عكا»”. وفصلت طرابلس عن هذه الأيالت لتلحق بأيالت الشام©. وبذلكء. باتت طرابلس 


الشامء. من أعمال «كنج يوسف باشا». وهنا استغل قائد الحامية العسكرية في قلعة 


)21 .0 .2 كك .02 ,1 ©1012 ,...كاتاء طنتء 100 
)2( .9 .2 مأك .2ه 1 ©1012 ,...كاتاء طنتء 100 
)3 .7 كك .02 ,1 10126 ,...كاتاء تانئاك 100 


69 أشار انطونيوس ابو خطار في كتابه مختصر تاريخ حبل شنانء ان حصار مصطفى بربر آغا كان في عام 8+ وعنكه 
اخذ خالد مصطفى مرعب. ولمزيد من الإيضاح والمقارنة مع ما أوردناه أعلاه. يراجع: خالد مصطفى مرعب. الإمارة 


المرعبية. مرجع سابق. ص 195. 


55 


آثار الحقب في للاشّبة العرب 


طرابلس الشام ومساعده «مصطفى بربر آغا» فوضى هذه التولية ‏ على حد قول صاحب كتاب 
«الامارة المرعبية» ‏ وعملا على الاستثثار بالسلطة. وهنا لا نستبعد أن يكون «سليمان باشا». هو 
المشجع على هذه الخطوة الانفصالية. ولذلك. لم يبق أمام «كنج يوسف باشا». الا أن يعمل على 
تثبيت سلصطته على المقاطعات المتمردة. فحاصر القلعة تطبيقاً لأوامر الباب العاليء بمساعدة 
علي بك الأسعد المرعبي من عكارء وإسماعيل حاكم حماه وغيرهم من حكام المقاطعات. مدة 
خمسة أشهر. لكن. لم يؤد ذلك إلى النتيجة المرجوة”". وفي عام 1810م/1225ه أعفي «كنج 
يوسف باشا» من مهام إدارة أيالت الشام؛ وطلب منه أن يشاركء في حملة ضد الوهابيين؛ وفي 
الوقت نفسه وجهت أيالت الشام على سليمان باشاء علاوة على أيالت عكا؛ ويذلك عادت 
طرابلس تحت متولية سليمان باشا أيضاً©. 

د فستوق البولاة والمتسلامين: عدن هحذا المسبعوى: واهنة: الخظة قصب الور غلئن 
الشكل التالي: توسشّط سليمان باشاء لدى كنج يوسف باشا للتدخل من أجل فك الحصار 
عن مصطفى بربر آغا لإخراجه حياً من القلعة. وفعلاً كان لسليمان باشا ما أراد. هذه 
الأمور كلها كانت تجري بعلم السلطنة وأمرها ولم تكن بدون ثمن. وإذا كنا لا ندري ماذا 
كان نصيب كنج يوسف باشاء فإن حصة سليمان باشا هي إضافة أيالت الشام إلى متوليته؛ 
وما وعد به علي بك الأسعد بمتسلمية طرابلسء كان من نصيب مصطفى بربر أغا الذي فك 
عنه الحصار وأخرج من القلعة سالماً ليعود ويتسلم اللاذقية بالإضافة إلى طرايلس؛ أما علي 
بك الأسعد المرعبي فقد منح لقب باشا وتولى حكم عكار. وهنا يمكن القول بأن الخطة 
على هذا المستوى باتت جاهزة وبدأت عملية تنفيذ خطة ضرب الانكشارية في اللاذقية 
على يد مصطفى بربر آغا. فقد ولّى هذا الأخير من طرفه «عثمان آغا طرطوسي» على 
اللاذقية, ونفى «ابراهيم أغا الصاغصون» و «مصطفى أغا هارون». وهما من الانكشارية. 


00 لمزيد من الايضاح» يراجع: 9 مه 370 بم« ,1 عصرم ,..فمءصيعم2 ؟ وخالد مصطفى مرعساء الامارة المرعسية. مرجع سابق» 
ص 195. 


)2( خالد مصطفى مرعباء المرجع السابق» ص 195؟ و 379 اء 370 .جع .1 26نم ,...ساتاء طنتء 1070 


56 


ملاحظات 2 دد منها 


ولحق مصطفى بربر اغا بعثمان اغا طرطوسي؛ إلى اللاذقية عام 1810 بصحبة فرقة عسكرية. 
وعندما وصل إلى مدخل المدينة خرج وجوهها لاستقباله. فدخلها باحتفال عظيم ليلة عيد 
الفطر. ولما قابله الانكشارية رحب بهم ووعدهم بإنعامات وعلوفات وافرة؛ وأمرهم أن 
ينصرفوا نهار العيد متمنياً لهم الحظ السعيد والسرور الدائم؛ وطلب منهم أن يأتوه. ثاني أيام 
الفطر؛ وعندما حضرواء دبّر لهم خطة أوقعت بهم ومكنته من نزع أسلحتهم واقتيادهم إلى 
السجن ونفي قادتهم. هذه الضربة؛ كانت على ما يبدو واحدة من الضربات التي تلقتها 
الانكشارية في هذا الوقت في أكثر من مكان. هذا ما أشار اليه صاحب آثار الحقب في 


دشة د '. هذه الضرية كانت بداية لتوحصه الضربة القاضة - 6»؛ بعد أن 
للاقبة العرب2) الضربة كانت بداد عيه الضربة القاضية اليهم في عام بعد أز 


فشلوا في قمع انتفاضة اليونان ضد السلطنة العثمانية في عام 1821). ومن الجدير بالذكر 


هناء أن السلطان محمود الثانيء الذي أمر بالتخلص منهم. قد توفي في عام 21839 وفي ظروف 


(10) 


(2) 


مما يؤكد أن الانكشارية. قد تلقت أكثر من ضربة في أكثر من مكان غير اللاذقية» ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي 
وهو أن «حسن آغا شومان». بيرقدار الانكشارية في اللاذقية. كان حين وقوع حادثة الايقاع بهم من قبل مصطفى 
بربر آغاء في قرية «دمسرخو»». التي كانت في التزامه؛ ذلك لأن آغاوات الانكشارية» كانوا يأخذون قرى ساحل اللاذقية 
بالالتزام ويستولون على حواصلها. فلما بلغه ما وقع برفاقه في المدينة. ركب جواده واطلق له العنان قاصداً الاستانة 
بنية تقديم الشكوى إلى رئيس «الأرطه» (الفرقة). التي كانوا تابعين لها. فلما بلغ الاستانة. رأى أن الدولة قد أوقعت 
بجميع الانكشارية؛ وأن ذلك جرى بعهد من السلطان محمود لقرضهم من المملكة؛ عندها استولى عليه الرعب 
والخوف. ورضى من الغنيمة بالاياب. فرجع متنكراً إلى طرسوسء حيث راح يترامى ويكاتب من يتوسط لدى الحكومة 
في اللاذقية. حتى اذن له بالعودة إليها والاقامة فيها بصفة تاجرء وعاد إليها لازماً حذه. 

لمزيد من الإيضاح حول انتفاضة اليونانيين وفشل الانكشارية في قمعهاء يراجع: لوتسكيء تاريخ الاقطار العردية 
الحديثء ترجمة عفيفة البستانيء دار الفارابي بيروت 1980 ص 123-112 سنشير إلى هذا المرجع لاحقاً: لوتسكي» 
المرجع السابق. ص... أما حول الضربة الساحقة التي وجهها السلطان محمود إلى الانكشارية في عام 1826, فقد أشار 
البرت حوراني: «وفي عام 1826 آنس السلطان محمود في نفسه القوة الكافية فأقدم على خطوة الإصلاح الاولى. 
التي كان لابدٌ منهاء فحل فرق الانكشارية وأبادهاء دون أن يرتفع صوت واحد للدفاع عنهاء حتى بين المتدينين 
المحافظين». البرت حوراني» تاريخ الفكر العربي في عصر النهضة. ص 94. 


57 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


غامضة. أحدثت بلبلة في صفوف الأسرة العثمانية الحاكمة. فهل كان مقتله من قبل فلول 
الانكشارية. بدعم من التيار المحافظ في قلب السلطنة؟ إننا لا نستبعد ذلك. 

وفي عهد متسلمية مصطفى بربر آغا على طرابلس واللاذقية. لا بد من الإشارة إلى 
مسألتين: الأولى» قيام النصيرية بالعصيان. فجرّد عليهم حملة عسكرية قتلت منهم خلقاً كثيراً 
وأرسل بعض وجوههم إلى الاستانة. الثانية. وهي أن عثمان آغا طرطوسيء قد بقي مدة طويلة 
متسلماً على اللاذقية. وفي أيامه ذل النصارى وأمرهم أن يلبسوا السواد المحض من العمامة إلى 
الحذاء. غير أنه لم يكن يبلصهم أو يعذبهم وكان عادلاً في الحكم. هذا على حد تعبير الياس 
صالح اللاذقي في «آثار الحقب في لاذقية العرب». 


البرطيل والرشوة جزء من سياسة السلطنة 

جرى تناول هذه المسألة بالإشارة إلى الزلزال الذي ضرب اللاذقية في عام 1796, وأدى إلى 
تصدع جدران كنائسها الخمس والى سقوط بعض هذه الجدران. وبذلك فقد باتت هذه الكنائس 
بحاجة إلى ترميم. وحول هذا الأمرء أورد تفصيلات كثيرة حول طلب الالتماس الذي رفعه أبناء 
طائفة الروم الارثوذكس إلى المسؤولين في اللاذقية وطرابلس والاستانة» من أجل الموافقة على 
ترميم ما خربه الزلزال. كما أشار إلى المراجعات التي جرت بهذا الشأن على مختلف المستويات 
الإدارية من أجل إخراج هذه الموافقة إلى حيز الوجود لمباشرة عملية التنفيذ. وفعلاً فقد تمت 
هذه الأمور في عام 1822. وجرى ترميم الكنائس بسرعة ودفعة واحدة خلال عشرين يوماً. كان 
خلالها مسؤولو الطائفة على حد تعبير الياس صالح اللاذقي ‏ يستعطفون خاطر الكبير والصغير, 
من المشايخ وغيرهم من شخصيات المسلمين. علماً أن ما دفع من برطيل لإنجاز هذا العمل قد 
بلغ سبعة آلاف قرش. وهذا ليس رقماً قليلاً بالنسبة إلى ذلك الوقت. ويستدل من التفصيلات 
التي أشار اليهاء أن روح ذلك العصرء كان يتداخل فيها البرطيل بالابتزاز والرشوة والبلص. وأن 
ربط الموافقة على أصغر الأمور بالمراجع الإدارية العليا في طرابلس والاستانة. لم يكن مسألة 


58 


ملاحظات 2 دد منها 


صدفة «محكومة بالحرص دائما». ناهيك عن أن وجود مسؤول واحد متعصب دينياً في أي موقع 
إداري كان يلحق الضرر والإساءة بسمعة الحكم ويزيد من المعاناة. وتعقيد الأمور. 
الصدف في تاريخ اللاذقية 
الصدف في تاريخ اللاذقية كثيرة ومن أهمها: 

الأولى» تتعلق بتوسيع أبرشية اللاذقية الارثوذكسية. وقد تمت الإشارة إلى هذه المسألة 
بالاستناد إلى مصادر كنسية:. مفادها أنه في النصف الثاني من القرن السابع عشرء قام على 
الكرسي الأنطاكي بعد وفاة البطريرك «مكاريوس الحلبي» بطريركان في وقت واحد: كيرسء 
وهو حفيد المتوفىء والآخر «ناوفيطوس»». مطران حماة. وبعد منازعات طويلة بينهماء تنازل 
ناوفيطوس عن البطريركية. وقد توافق هذا التنازل مع وفاة المطران الذي كان وقتئذ على 
اللاذقية. فأعطيت أبرشيتها إلى البطريرك المتنازل مضافاً اليها «جسر الشغور والسويدية» ليعيش 
بوارداتها». وقد جاء ناوفيطوس إلى اللاذقية عام 1683؛ غير أنه توفي بعد أربع سنين. لكن 
الجسر والسويدية بقيتا ملحقتين بأبرشية اللاذقية منذ ذلك الحين. صاحب «الحقائق الوفية 
في تاريخ بطاركة الكنيسة الأنطاكية». الخوري ميخائيل بريك. أشار إلى هذه المسألة. فركز 
على الانقسام وأسبابه بعد وفاة البطريرك مكاريوس ابن الزعيم عام 1672؛ وعلى دور المال في 
هذه المسألة؛ كما أشار إلى أن باشا دمشق وقف إلى جانب كيرلس. في حين دعم بطريرك 
القسطنطينية انتخاب ناوفيطوس. أما أسباب رضوخ هذا الأخير إلى الأمر الواقع: فقد رده إلى 
نتيجة ما تراكم عليه من ديون جراء هذا الوضع الشاذ. والى تعهد كيرنّس بسداد هذا الدينء 
بموجب سند كتب بينهما لهذه الغاية'". 


0 جعل الياس صالح اللاذقي تاريخ الخلاف بين كيرلّس وناوفيطوس في أواخر الجيل السابع عشرء من دون أن يحدد في 
أية سنة؛ وجعل مجيء ناوفيطوس إلى اللاذقية حوالى سنة 1683: أما وفاته فهى بعد أربع سنوات» أ في العام 1687. 
أما صاحب «الحقائق الوضة...» الخوري ميخائيل بريك. فقد حدد انتخاب ناوفيطوس في عام 1672 وتاريخ انتخاب 
رميق ومدة مسؤوليته فقد جعلهما 1720-1694. وهذا يعني حسب هذه التواريخ التي ذكرها الطرفان أن كيرلس لم 
يعاصر ناوفيطوس. لمزيد من الايضاح حول هذه التواريخ وللمقارنة يراجع الياس صالح اللاذقي آثار الحقب في للاقة 
العرب. والخوري ميخائيل بريك. الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية. دار النهار بيروت 2006, ص 157. 


59 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الثانية» تتعلق بطريقة تحويل التبغ المعروف «بالجبلي»» إلى أبي ريحة في عام 1844. 
يومها لم يتمكن سكان جبال النصيرية من بيع محصولهم من التبغ» بسبب العصيان الذي 
أعلنوه على الحكومة. ولذلك. فقد بقي التبغ معلقاً في أسقف البيوت. فأسود لونه من أدخنة 
النار التي كانوا يشعلونها في أيام الشتاء للتدفئة. وفي العام التالي اشترى التجار المحصول 
بثمن بخس لاسوداده وتغيّر هيئته؛ وأرسلوه ‏ على جري عادتهم إلى «دمياط» في مصر؛ فوافق 
طعمه ورائحته مذاق المصريين وراجت سوقه عندهم. بعدها صار التجارء يطليون من الأهالي 
أن يعرّضوا هذا التبغ لأدخنة النار. 

الثالثة. تتعلق بزيارة البطريرك الأنطاكي «فيلمون» إلى اللاذقية ووفاته ودفنه فيها في 4 


تموز 0177 
الثانى: المعارف التاريخية عن لواء اللاذقية 


يمكن إدراج المعارف التاريخية» التي ساقها الياس صالح اللاذقي لمواطنه عن لواء اللاذقية 


تحت عدد من العناوينء التى تتناسب مع محتوى ما يتحدث عنه. من هذه العناوين: 


0 حول هذا البطريرك. أشار صاحب «الحقائق الوضِة...» أنه البطريرك فيليمون الأولء وأن ترتيبه هو الرابع والأربعون 
بعد المئة. رسم بطريركاً في مدينة القسطنطينية نهار الأحد الجديد (الأحد الذي يلي عيد الفصح) في آخر نيسان 
6. من أعماله: السماح للمطارنة والرهبان بأكل اللحم جهاراً ونهاراً وهذه عادة لم تكن موجودة في القديم؛ وعقد 
مجمعاً تألف منه ومن سبعة مطارنة كانوا موجودين في دمشقء فوضعوا أحد عشر قانوناً دونت في صك بختم 
البطريرك المذكور وامضائه وامضاوات المطارنة... في شهر آذار من عام 1767 خرج من دمشق ليطوف في أنحاء 
الابرشيات ويتفقد أحوالها؛ ولما انتهى إلى اللاذقية انتهت ايام حياته ومات ودفن فيها نهار الخامس من تموز. كانت 
مدة اقامته في سدة البطريركية سنة وشهرين وخمسة أيام. ولمزيد من الايضاحء يراجع: الخوري ميخائيل بريك. 
الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الاتطاكية. مرجع سابق» ص 169-168. 


60 


ملاحظات 2 دد منها 


عصر جديد مع الحكم المصري 


لقد جعل الحكم المصري المحاكمات بيد مجلس مؤلف من جميع الطوائف. والإجراءات 
التنفيذية للحكومة. صارت مقيدة بما يصدر عن هذا المجلس. وبذلك. يكون هذا الحكم قد 
ساوى بين الطوائف أمام هذا المجلس. لقد أدى هذا الإجراءء إلى ارتياح المسيحيينء ومنحهم 
الأمان على حياتهم وحريتهم وأملاكهم ومتاجرهم وموجوداتهم؛ والى امتداد سطوة القناصل. 
لكنء في الوقت نفسه أدى إلى تقليص نفوذ المسلمين بشكل عام. ولا سيما المتنفذين منهم 
بشكل خاص. مما دفع بهذه الفئة إلى كره حكم ابراهيم باشا والعمل ضده بتحريك سكان 
الجبال النصيرية والمسلمين ودفعهم إلى التمرد والعصيان. واستغلت هذه الفئة غياب العساكر 
المصرية عن اللاذقية لتدفع بسكان الجبال للنزول إلى الساحل ومداهمة المدينة والانتشار في 
أسواقها عام 1834, ودخل بعضهم بيوت النصارى الموجودة على أطراف المدينة. كما حاصر 
جماعة من النصيرية متسلم اللاذقية في داره. 


ابراهيم باشا يفرض الأمن بالقوة 

لقد بلغ ابراهيم باشاء ما قام به النصيريون من عصيان وما جرى في اللاذقية. ولذلك, 
فقد قرر أن يحسم الأمر بالقوة. وبهذا الاتجاه قام بإجرائين: الأول عسكريء. فقد جمع 
العساكر المصرية ومعها عساكر أمراء جبل لبنان". وعندما توجهت القوة إلى اللاذقية هرب 
النصيريون منها. وخيمت العساكر في قرية «البهلولية». ففر النصيريون منها ومن مقاطعتها. 
وبذلك. فقد غنمت العساكر مواشيهم وغلاتهم وأمتعتهم. وأحرقت بعض قراهم القريبة من 
المعسكر؛ ثم أحرقوا لهم حوالى ثلاثين قرية إثر محاولة النصيريين الدفاع عن أنفسهم؛ كما 
هاجمت العساكر قرية «جبلايا» وأحرقت لهم قرى كثيرة؛ وذهبت قوة من البهلولية إلى 
مقاطعة «صهيون» وكان سكانها قد تحصنوا في قلعتهاء فتم إخراجهم بالقوة. وعلى الأثر 


(*) من امراء جبل لبنان» الذين شاركوا مع ابراهيم باشا: الأمير خليل ابن الأمير بشير الشهابي» الأمير فنديء الامير جهجهاه. 


الأمير سعد الدين والأمير احمد. وقد شارك هؤلاء الأمراء برجالهم. 


61 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


حضر أهالي مقاطعة «دريوس» واستسلموا. وانتقلت العساكر إلى مقاطعة بيت الشلف. فحضر 
أهل «المزيرعة» و «العمامرة» واستسلموا. وكان أهالي «بيت ياشوط» و «السرامطة» و «التراحلة», 
قد رابطوا على نهر السن وهزموا قوة للأمير بشير الشهابي فأنجدها المعسكر بقوة هزمت 
المرابطين. واندفعت العساكر من تلك المقاطعات تنهبها وتحرقها. فما كان من أهل مقاطعة 
«القرداحة». إلا أن استسلموا وتعهدوا بتسليم أسلحة المقاطعة جميعها. غير أن ما سلموه 
كان سلاحهم فقط واعتذروا عن تسليم الباقي؛ وعلى الأثر قامت العساكر بحرق بعض قرى 
من المقاطعة وانهزم النصيريون إلى الجبال ونهبت القرى وأحرقت. ثم صعدت العساكر إلى 
«الشعرة» وأحرقوا نحو خمسين قرية. وبعد هذه الأعمال رجعت العساكر الآتية من جبل لبنان 
إلى مكانها في الجبل؛ أما العساكر المصرية فقد بقيت حتى سويت شيئاً فشيئاً مسألة تسليم 
أسلحة أهالي الجبال. 

الإجراء الثانيء كان إدارياً. فقد عزل سعيد آغا عن متصرفية اللاذقية. وعيّن «يوسف بك 
شريف» أحد أعيان حلب مديراً للاذقية وطرابلسء وكانت إقامته في اللاذقية. وبإدارته جرت 
الأحكام وضرب عنق «عبدالله آغا عدره». وتم جمع السلاح من النصيريين وقتل معظم أشقيائهم 


ورؤسائهم. 


خروج الحكم المصري من سوريا 

لقد أجبر التحالف الدوليء (انكلتراء وروسياء والنمسا ويروسيا). مع السلطنة العثمانية. 
الحكم المصري على الخروج من سوريا عام 1840. وبعودة السلطنة إلى بلاد الشام. عاد 
معها النظام الإداري القديم. فقد عينت «محمد آغا خزندار» متسلماً لكنها عادت وعزلته 
عام 1841. وجعلت الإدارة الحكومية في اللاذقية مقسومة إلى إدارتين مستقلتين: إدارة ضابطية 
وإدارة مالية. وفي عام 1843. تحولت الحكومة إلى قائم مقامية وجعلت المصالح المالية 
تحت إدارة مدير بمعية القائم مقام؛ أما المجالسء فقد بقي ترتيبها كما كان عليه في عهد 


الحكم المصري؛ وقد أدى بقاؤها على ما كانت عليه إلى نتيجتين هامتين: الأولى وهي 


62 


ملاحظات 2 دد منها 


أن المسيحيين كانوا مرتاحين لهذا التدبيرء الثانية وهي أن المسلمين كانوا غير مرتاحين له. 
لأنه يساوي بينهم وبين المسيحيين. ولذلك: فقد عادوا إلى التعدي على النصارى وعلى أبناء 
الملل الإسلامية الأخرى» غير مكترثين للتحولات التي جرت على الصعيد المحلي في عهد الحكم 
المصريء ولا لتلك التي جرت على الصعيد الدولي بعد خروج هذا الحكم. وكان من جراء ذلك. 
أن تعرضوا للقصاصء الذي كانت تبدو مع تنفيذه روح التشفي والانتقام وغلبة الطرف المعتدى 
عليه على الطرف المعتدي" ."ا 


انعكاسات حرب القرم 1854 على لواء اللاذقية 


ما بين عامي 1854 و1860, كان اللواء مسرحاً لعدد كبير من الحوادث والوقائع, التي تدل 
على حالة الضعفء التي أصيبت بها السلطنة بشكل عام والحكم في لواء اللاذقية بشكل 
خاص. ومن أهم هذه الحوادث كثرة التعديات على النصارى وازدياد الحمايات الأجنبية, 
حتى بات المحميون يشكلون العدد الأكبر من نصارى المدينة. وباتت هذه الحمايات مصدر 
شكوى المسؤولين عن تطبيق ما تتطلبه من التزاماتء ولا سيما بعد أن تجرأ التجار على 
حجز مطلوبات الجمرك للاستعاضة عن مبالغ أخذت منهم بدون وجه حق”". وأحياناً كان 
هؤلاء يلعنون هذه الحمايات ويتهددونهاء لأنهم كانوا يجدون أنفسهم محرجين سواء عملوا 
بها أو لم يعملوا. «فنعيم أفندي» ‏ على سبيل المثال ‏ الذي عيّن مأموراً نتحصيل مطلوبات 
الجمرك التي احتجزها التجار. قد وجد نفسه أمام ثلاث مجموعات منهم: تجار مسيحيون 
من رعايا السلطنة مشمولون بنظام الحماية ضايقهم من أجل إنفاذ مأربه بهم دون طائلء لأن 


(*) من العلامات التي تدل على أن روح العصر قد تغيرت بعد خروج الحكم المصري من بلاد الشام عما كانت عليه قبله. 
هي أنه في عام 1846 توفي «قسطنطين ويتالي». قنصل هولاند! وسردينياء فرفع الصليب أمام جنازته. وكانت المرة 
الأولى التي يتجرأ فيها نصارى اللاذقية على الخروج بالصليب أمام موتاهم في الأزقة والشوارع. 

(**) خفضت السلطنة العثمانية الرسوم الجمركية» غير أن المسؤولين في إدارة جمارك سورية اخفوا التعرفة الجديدة 
واستمروا في استيفاء الرسم بحسب التعرفة القديمة. وقد دام ذلك نحو خمس سنين دفع فيها التجار زيادات باهظة 
قبل أن يشتهر امر التعرفة الجديدة وتاريخ العمل بموجبها. 


63 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


هؤلاء لم يكن للحكومة سلطة على أحد منهم., إنما كانت تلتزم أن تلتفت إلى قناصلهم في 
جميع ما يتعلق بهم عند الاقتضاء. وتجار مسيحيون غير محميين وتجار مسلمون من أتباع 
السلطنة. هاتان المجموعتان استحصل منهم على كل ما هم حاجزوه بعد مضايقة شديدة كانت 
تتسبب له بالإحراج. كذلك. راحت تكثر حوادث القتل لأسباب تافهة بين أهالي القرى ذات 
المذاهب الدينية المختلفة. كما ازداد الجور والظلم على أهالي القرى المسيحية في مناطق 
معينة. لدفعهم إلى الرحيل عن قراهم”. ولا نستبعد أن يكون ذلك مرتبطاً بالإعلانز عن صدور 
«نظام الطابو العثماني». لتسجيل الأراضي وامتلاك رقبتها.هذا من جهة. ومن جهة أخرى من 
أجل دفع المسيحيين باتجاه بيروت لخدمة المخطط الدولي بتحويلها إلى «مدينة عالمية» (177116 


»أناومةج:و20) جامعة لأجناس مختلفة بأكثرية مسيحية. 


لواء اللاذقية في فتنة 1860 الطائفية ودور القناصل فيها 

لقد تشارك نصارى لواء اللاذقية. مع النصارى الآخرين المنتشرين في مختلف أنحاء 
سورياء في حالة الهلع والخوفء التي أحدثها شيوع خبر مذبحة دمشقء من قبل قبطان 
إحدى السفن الحربية الإنكليزية. لقد جاء هذا القبطان إلى اللاذقية وأبلغ الخبر إلى حاكمها 
وحاول معرفة مقدار استعداده وتكفله بوقاية نصارى اللاذقية. كما عرض عليه المساعدة بالعتاد 
وبالرجالء وإلا فإنه يريد منه تعهداً خطياً بضمان هذه الوقاية. وإزاء إصرار قبطان السفينة 


(*) في عام 1859 صادر مدير ناحية «الخوابي» أهالي قرية «بهرميل». وهم من الروم الارثوذكسء بمال غير شرعي. 
فنفروا من القرية بنسائهم وأولادهم؛ وجاءوا إلى اللاذقية يتظلمون إلى الحكومة. فلم يلتفت إلى ظلامتهم أحد. لا 
سيما بعد أن وقف القائم مقام ومن معه من اعضاء مسلمين في المجلس إلى جانب مدير الناحية. وقد تدخل في 
هذه المسألة وكلاء قناصل الدول الأوروبية. وجرت بينهم وبين القائم مقام مراسلات بهذا الخصوص لم تزد في هذا 
الأخير الا التصلب والتعصب مع موقف مدير الخوابي؛ ولم يجدهم نفعاً ما كتبه القناصل العامون في بيروت عن هذه 
المسألة. ولذلك: فقد استمر اهالي بهرميل مشتتين في اللاذقية يقاسون شدائد البرد والجوع مدة الشتاء؛ كما أنهم 
لم يروا بعد ذلك فائدة من طول اقامتهم. وفي الربيع ذهب كل منهم إلى مكان طلباً للرزق؛ ثم ما لبثوا أن هجروا 
قريتهم بشكل كلي. هذا ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي. 


64 


ملاحظات 2 دد منها 


على تحميل القائم مقام. ما قد يحدث ضد نصارى اللاذقية. طلب هذا الأخير بضع ساعات 
من الوقت لإعطاء الجواب. وففي الحال. جمع أعضاء المجلس المسلمين وقص عليهم الخبر 
وما يطلبه منه القبطان. وطلب منهم ضمانة العاقبة إذا أرادوا منه ألا يقبل المساعدة. وفعلاً 
فقد أعطوه الصك المطلوب وقام هو بدوره بإبلاغ القبطان بعدم الحاجة إلى مساعدة خارجية, 
وتعهد له كتابة بحماية النصارى من كل خطر. 

وبعد قدوم عشرة آلاف جندي فرنسي إلى بيروت للحفاظ على الأمنء. صارت السفن 
الحربية الأجنبية تتناوب على زيارة كل مدينة من مدن سوريا البحرية. وكان في أكثر الأيام, 
يوجد في مرسى ميناء اللاذقية بارجة أو أكثر. وقد دام ذلك إلى أن هدأت النفوس واستقر الأمن 
في سوريا. وقد أشار الياس صالح اللاذقي بشكل واضح إلى مسؤولية «خورشيد باشا». والسي 
صيد! ‏ بيروت. وإلى «أحمد باشا» والي دمشقء عن هذه المذابح. كما أشار إلى أن السلطنة 
العثمانية عاقبتهما؛ الأول حجز عليه وحكم بالنفي بعد أن جرّد من رتبه لاشتراكه أو لتقصيره في 
الحوادث؛ والثاني حكم عليه بالإعدام. 

وأثناء التحقيق بشيوع خبر الفتنة عثر على أوراق مكتوبة بلا إمضاء أمام باب قنصل 
روسيا وفي أماكن أخرى من حارات النصارىء تتضمن احتقاراً وشتماً للدين المسيحي وتهديداً 
للنصارى عموماً وللقنصل بشكل خاص. وقد أعلم القناصل القنصليات العامة التابعين لها 
بهذه المنشورات. وبعد الكشف على الورق والتحقيق الذي أجري بهذا الخصوص. من 
قبل معاوني فؤاد باشاء تبين أن كاتب هذه الورقة هو «مخائيل استور يعقوب». ولذلك. 
فقد أودع «استور» والد مخائيل في السجن عدة أشهر.ء لأنه هو صاحب الحركة. أما ابنه 
ميخائيلء الذي كان «رؤوف بك». يريد القبض عليه. لم يتمكن من ذلك. لكونه وجد من 
بين حمايات قنصلية فرنسا. كما أجري تحقيق مع القائم مقام. «مظهر أفندي». المسؤول 
عن تهجير نصارى «بهرميل» و «عبد الرزاق أفندي». شريكه في الجرائم والرشوة. وحكم 
عليهماء الأول بحرمانه من الإفادة من خدمات الدولة. والثاني بالنفي المؤبد عن اللاذقية. 


65 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


لكن ما لبث كل منهما أن استحصل على عفو من الاستانة2”. وفي ربيع عام 1861. برزت بوادر 
فتنة في جبل الأكراد. ضد نصارى قرية «كنسيا». والسبب هو أن «محمد آغا يونسو». أحد 
أغوات الجبلء وأكثرهم سطوة ونفوذاً, كان حينذاك في «جسر الشغور» مديراً وجاء إلى جبل 
الأكراد لأجل قطع سعر الدخان مع السماسرة من نصارى «كنسبا» وبعض تجار اللاذقية من 
النصارى أيضاً. فلم يوافق هؤلاء على السعر الباهظ الذي حدده محمد آغا. فاغتاض منهم 
وتهددهم وهيّج أغوات جبل الأكراد والأهالي ضد كنسبا. وكان فؤاد باشا ما زال في سورياء وهذا 
ما دفع النصارى إلى الخوف أكثر من عاقبة الرفض. ولذلكء فقد كتبوا إلى المطران والقناصل 
يعلمونهم بالقصة. وبعد جهود بذلت من أطراف متعددة. أدت المفاوضات إلى تحديد سعر 
الدخان بقيمة مناسبة لجميع الأطراف. والى الحصول على صك من أغوات جبل الأكراد بضمانة 
سلامة مسيحيي كنسبا من الخطر. وهنا لا بد من الاشارة إلى الأمور التالية: 

1 في عام 1861 ألقي القبض على مقدمي القرداحة. وأرسلوا إلى بيروتء فتبعهم القس 
«ضدس» الأميركاني. وتوسط لأمرهم بواسطة المأمور الذي كان من قبل دولة انكلترا في قومسيون 
إصلاحات سوريا الدولي. وقد أطلقوا وعادوا إلى القرداحة. 

2 -إنْ حكومة حلب تحققت من مظالم وتعديات «محمد آغا يونسو». وعلمت أنه 
بنى حصناً في قرية «شنبر». وذخَّره بالبنادق والرصاص. ولذلك. فقد أرسلت اليه العساكر 
وقبضوا على ابنه ونهبوا الحصن وهدموه. أما هوء فقد هرب إلى اللاذقية والتجاً في بيت 
«كريرسن». قنصل انكلترا. وعندما طلبه «عمر بك الداغستاني»». قائم مقام اللاذقية, رفض 
القنصل أن يسلمه إياه. عندها أرسل عسكراً يحرس منافذ البيت كي لا يهرب. وراحت 


(*) من الذين أبدوا مآثر حميدة من المسلمينء في زمن خوف النصارى في اللاذقية. «محمود آغا خزندار». فقد أبدى هذا 
الرجل كل مشاعر المروءة والغيرة عليهم. أما بالنسبة إلى مخائيل استور يعقوب. فهو العضو الذي كان يمثل الأرمن 
في مجلس دعاوى اللاذقية. وعندما اخلي سبيل والده استورء كان الحكم يشترط عليه أن لا يعود إلى اللاذقية. لكنه. 
بعد مدة تمكن بشكل من الاشكال أن يستحصل على عفو مطلق وعاد إليها. 


66 


ملاحظات 2 دد منها 


قضية محمد أغا يونسو تتفاعل. فكتب كل من القائم مقام والقنصل يخبر مسؤوله في بيروت 
عن واقعة الحال. ونظراً للارتكابات التي قام بها ضد الأهاليء. طالب أبناء جسر الشغور بإرساله 
إلى أنطاكيا لمحاكمته فيها على المظالم التي ألحقها بهم. كون انطاكيا مركز مديرية الجسر 
وقريبة منهم؛ أما هو فكان يرفض أن يؤخذ إلى انطاكيا. وأخيراً قرّ الرأي بين الولاية والقنصلية 
العامة أن يسلم إلى الحكومة. شرط أن تصير محاكمته في اللاذقية. وهكذا بقي مدّة في سجن 
اللاذقية تحت الاستنطاق والمحاكمة. ثم أرسل إلى بيروت حيث أقام مدة. ثم جرت تخلية 

إننا إذ تشهر الى هذه التفاصعل: فمق أجل التأكبك:غلى مسالة أساسية: يحت أن تؤغنذ 
بالحسبان من قبل المهتمين بتاريخ الطوائف هنا وهناك وفي كل مكان. وهي: إن الحماية الأجنبية 
لتابعية ورعايا السلطنة العثمانية, لم تكن مقتصرة على أبناء الديانة المسيحية بكل طوائفها.ء إنما 
كانت تشمل أيضاً أبناء الديانة الإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها. لكن. إذا كانت الحماية الأجنبية 
مكشوفة ومعلنة بالنسبة لأبناء الديانة المسيحية فهي بالنسبة لأبناء الديانات الأخرى كانت غير 
مكشوفة ولا تصبح علنية إلا بعد أن يفتضح أمرها. كما هو الحال مع «محمد آغا يونسو» الذي 
شغل المسؤولين على مختلف مستوياتهم من أجل أن لا يمس وتطاوله العدالة. 

3- خلال فتنة 1860. أدرك المسؤولون العثمانيون أهمية الوقت والسرعة في إيصال 
المعلومات والتعليمات والأوامرء وضرورة تسهيل الاتصالات فيما بينهم.ء ولا سيما خلال الأحداث 
والفتن الدامية. ولذلك. فقد جرى تمديد السلك التلغرافي من اللاذقية إلى طرابلس فبيروت. ثم 
من اللاذقية إلى حلب وديار بكر. وكانت هذه الأخيرة تصل بين بغداد من جهة والاستانة من 
جهة أخرى. وبذلك. فقد باتت اللاذقية متصلة بالاستانة وديار بكر بشكل غير مباشر في كانون 


67 


آثار الحقب في للاشة العرب 


حملات عسكرية على النصيرية 1867 1870 

شنت هذه الحملات على النصيرية. تحت عنوان فرض الأمن والإصلاح في الجبال وجباية 
القراتي الساهرة ذف هذا المسال:ستفى إلى السملعين الكيرقي اللقيزق فاه يوسا العسؤولون 
العثمانيون. والى ما تمخض عنهما من نتائج. 


- حملة خورشيد باشا 1367 10( 


لقد بدأت أسباب الحملة تتجمع. بتكاثر الشرور والفتن في جبال النصيرية» وبانتشار 
اللصوص في الطرقاتء ويتفاقم التعديات والخطف على عابري السبيل. وكانت الأمور تتفاقم أكثر 
فأكثر بسبب تفريق قوة اللواء العسكرية السابقة على الأقضية الجديدة. فالقوة الواحدة باتت 
مجموعة قوىء, كل واحدة منها ضعيفة على حدتها. هذا من جهة,. ومن جهة أخرىء كان عدم 
وجود التنسيق بينهاء يسمح للمرتكبين أن يفلتوا من القصاص في الوقت المناسب. بمعنى أنه. 
إذا ارتكبت مجموعة من قضاء جرائم في قضاء آخر, لا يتوصل حاكم القضاء الذي عاث عنده 
الأشقياء إلى محاسبتهم وتأديبهم إلا بعد فوات الأوان» لكونهم تحت سلطة حاكم غيره. 

إنْ تفاقم الوضع بهذا الشكلء. قد بات لا يطاقء. ودفع حكومة اللاذقية إلى التشكي» 
والى مجيء خورشيد باشاء متصرف اللواء بنفسه مسن طرابلس إلى اللاذقية من أجل إصلاح 
الوضع. وبعد أن أقام في اللاذقية عدة أيام, سار إلى جبله. حيث أقام فيها معسكراً من الجنود 
النظامية ومن أهالي المقاطعات الإسلامية. الذين استدعاهم المش عبن انه صدم من نتيجة 
الجولة الأولى من القتال. فقرية «البودي» في «جبل بني علي»». ألحقت به هزيمة منكرة 
وأجبرته على طلب النجدة من الولاية. ثم عاد إلى دهم القرية مرة ثانية. فقتل منها خلق كثير 


0 أشار الملحق رقم 7: وهو عبارة عن قائمة بالولاة الذين حكموا طرابلسء أن خورشيد باشا كان والياً على طرابلس 
عام 1283ه 1867م. وهذا يعنى أن خورشيد باشا لم دكن مسؤولاً عن طرابلس في هذا العام حسب هذا المصدر. 


1001111316 1115..., 101226 1. 8 


68 


ملاحظات 2 دد منها 


وأحرق جانباً منهاء ثم عاد إلى جبله تغمره زهوة النصر لإنزاله الرعب على جمهور النصيرية. 

لقد أدت هذه المعركة إلى عدة نتائج: 

1 لدى عودة خورشيد باشا إلى جبله. تقاطر اليه بعض المقدمين لتقديم الطاعة والخضوع. 
فألقى عليهم القبض بالحنكة والحيلة. وانتقل إلى صهيون واستدعى اليه جميع مقدمي ورؤساء 
النصيرية. على أساس أن له معهم مذاكرات عائدة لخيرهم. ولما اجتمعوا عنده أمر بالقبض 
عليهم. وساقهم إلى جبله وجاءته باخرة عثمانية نقلتهم إلى طرابلسء. حيث أودعوا في قلعتها. 
وقد بلغ عددهم اثنين وسبعين شخصاًء كلهم من المقدمين والوجوه. وكانت هذه هي المرة 
الأولىء» التي يقع فيها هذا المقدار من مقدمي ووجموه النصيرية من جميع المقاطعات دفعة 
واحدة في يد الحكومة”". 

أوسحل في 5 جماد الثاني 1284 ه «بيورلدي» 7 (1لاسحوس8) إلى قائم مقاميتي جبله 
واللاذقية. ضمنه تعليماته وأوامره. وقد توجه بها إلى القائم مقامين وعبرهما الى: النائبء. 
والمفتيء وأعضاء مجلس الإدارة. وأعضاء مجلس الدعاوىء وأعضاء مجلس التجارة والبلدية. 
وقومسيون الأملاك. وأصحاب الرفعة والفتاوى والحمية. والأفندية, والأغاواتء والمختارينء وأعضاء 
مجلس الدوائر وعموم اختيارية الأهاليء وعبر كل هؤلاء الذين أشرنا اليهم: إلى أهالي قضائي 
جبله واللاذقية. 

لقد بدأ هذا الكتاب بشرح أسباب الحملة وظروفها وملابساتها. وأشار بأنها قد جاءت بناء 
على توجهات السلطنة. لقد أسمى هذا «البيورلدي» «دستور العمل». وضمنه الأوامر التالية: 

العمل بمبدأ الكفالة المتسلسلة في القرية. حتى لا يبقى أحد بدون كفيلء وعلى هذه 


الصورة لا ييبقى أي شخص مجهولا. 


(*) كان من جملة من قيض عليهم في هذه الحملة: المقدم «الشيخ ابراهيم سعيد»»: أكبر مشايخ فرقة الكلازية. 
0 بيورلدي: لفظة تركية تعني الأمر الصادر عن الصدر الأعظم أو الوالي العالي الشأن. هذا الأمر يوجب على الموجه 
إليهم أن ينفذوه بسرعة. وبعد تنفيذه يصبح عرفاً. 


.7 مأك .ص0 1 ©0126] ,...ماقء طلتاء 100 


69 


آثار الحقب في للاقة العرب 


- أن تتكفل كل قرية من قرى القضاء عبر المختارين والاختيارية بأن لا يكون بينها أو في 
بيت عندها جماعة أغراب أو سارقون؛ واذا وجدوا وجب عليها إخبار الحكومة وتسليمهم اليها. 

- منع نقل سلاح مخالف للشروط الضبطية. 

- منع نقل حانة من قرية إلى قرية بدون رخصة. 

منع الانتقال من قضاء إلى قضاء بدون تذكرة سفر. وعلى القرية التي يأتي اليها شخص 
من قضاء آخر أن تحيط الحكومة علماًء وعلى الخصوص التدقيق بقضية نظام المرور فوق الغاية 
بنفس البلدة وعلى الذين يحضرون أو يتوجهون براً وبحراً. 

جلب المدعى عليهم إلى مركز القضاء متوقف على أخذ تذكرة إحضارية بيد المدعي 
من جانب الحكومة. 

إلغاء لنفظة «مقدم» وعموم التلفظ بهاء والمخالف يتعرض للمساءلة. 

وأعطى مهلة عشرين يوماً لتنفيذ مضمون هذه الأوامر والتعليمات. وطلب الإفادة عن 
واقع الحال بعد التنفيذ. 

3- بناء على وعد بالمساعدة من خورشيد باشاء كتب أهالي اللاذقية عرضاً إلى الوالي 
وقدموه اليه برفقة أعضاء مدينتهم. ومن أهم ما تضمنه هذا العرض هو المطالبة بجعل اللاذقية 
مركز لواء ولو إلى حينء لأجل التجربة وتلمس الفرق بين أن تكون مركزاً للواء أو لقضاء. وقد 
جرت المذاكرة بهذا العرضء وقرٌ القرار على إلغاء قائم مقامية صهيون فقط والحاقها باللاذقية. 
وبتعيين «رفعت بك» ابن خورشيد باشا على قائم مقامية جبله؛ كما ألغيت قائم مقامية المرقب 
وضمت هذه الأخيرة إلى قضاء جبله. وبذلك. فقد صرف خورشيد باشا النظر عن مساعدة الوفد 
بتحويل اللاذقية إلى مركز لواء. وهكذا بات لواء اللاذقية التاريخي مقسوماً إلى قائم مقاميتين: 
قائم مقامية اللاذقية وقائم مقامية جبله. 

ب - الحملة العسكرية الثانية 1870 

قاد هذه الحملة والي ولاية سوريا «راشد باشا» (1866 -1870) وترجع. أسباب هذه الحملة 

إلى عدة عوامل منها: 


/0 


ملاحظات 2 دد منها 


1 توقف تنفيذ الخطة التي أعدها خورشيد باشاء ولا سيما بعد أن أطلق تباعاً زعصاء 
ومقدمي جبال النصيرية الذين سجنهم في قلعة طرابلس وجرى عزله. وكانت عملية إطلاق 
سراح هؤلاء قد اقترنت بشائبة الرشوة والابتزاز. ولذلك فقد باتت الإجراءات التي اتخذها قليلة 
الجدوى من جهة. ومن جهة أخرىء فقد هان على هؤلاء الذين أطلق سراحهم أن يرجعوا إلى 
ما كانوا عليه. من عدم طاعة الحكومة والاستنكاف عن الخدمة العسكرية ودفع الضرائب. لسبب 
بسيط يرجع إلى ما تولد عند هؤلاء الزعماء من قناعة تستند إلى أن كل ذنب مهما عظم يغفر 
بواسطة المال؛ وإن القصد من القبض عليهم وسجنهم. كان الانتفاع الذاتيء بعد أن رأوا أنه لم 
يفرّق بين المذنب والبريء".'" 

2 - ساعد على هذه العودة إلى الفوضىء إهمال سكان الجبال من منافع الحكومة. بالإضافة 
إلى ضعف شخصيات المسؤولين الذين لم يحسنوا التعامل معهم. 

3 بالإضافة إلى هذه العواملء راح خلل أحوال الجبال يتفاقم نتيجة ما كان يجري بين 
أهالي «بيت الشلف» النصيرية وبين أهالي صهيون السنة من تعديات وإخلالات بالأمن. وفي 
عام 1869 نشبت معركة بين أهالي بيت الشلف ومحازبيهم من جهة وبين أهالي صهيون 
من جهة أخرى”. وتوسع القتال حتى بات المسؤولون غير قادرين على الإحاطة به. ووضع 


(*) لتوضيح القناعة التي تكونت لدى الذين اوقفوا في القلعة وأخرجهم خورشيد باشاء أشار الياس صالح اللاذقي إلى 
الحادثة التالية: فيما كان ابن «عبدالله آغا الطريفي». مدير مقاطعة المهالبة وبيت الشلف موجوداً في عمامرة بيت 
الشلف مع بعض العساكر النظامية والفرسان لأجل تحصيل الأموال» قابله أهالي بعض القرى بالسلاح باغراء المقدم 
«محمد خليل»» الذي كان قد اطلق حديثاً من قلعة طرابلس. ولو لم يستدرك الأمرء لاشتبكت معركة بين الفريقين. 

(*) حول سبب انفجار الوضع بين صهيون وبيت الشلفء أشار الياس صالح اللاذقي بأنه سارت لصوص من صهيون ليسرقوا 
بيت الشلف. فأحس بهم أهلها واطلقوا عليهم الرصاصء فقتلوا رجلاً منهم وفرٌ اصحابه راجعين إلى صهيون. فثار 
أهالي صهيون جميعاً وحشدوا للأخذ بثأر المقتول. وكان أهالي بيت الشلفء. قد ضجروا من تعديات لصوص صهيون 
عل قراهم: فقصدوا الانتقام أيضاًء وتجمعوا وانحاز إليهم جمعة من مقاطعات النصيرية الأخرى. وذهبوا فدهموا قرية 
«تفيل» ‏ المتاخمة بيت الشلف ‏ من صهيونء فقاتلهم رجال صهيون واشتبكت المعركة بين الفريقين. 


71 


آثار الحقب في للاقة العرب 


حد له. ولذلك. حضر رؤوف باشا متصرف لواء طرابلس إلى اللاذقية, وكان قضاء اللاذقية وقضاء 
جبله تابعين له. وبعد معاينته حقائق الأوضاع القائمة» أخبر الوالي راشد باشاء فحضر هذا الأخير 
بنفسه إلى اللاذقية في 8 أيار 1870. واستعداداً لمعركة حاسمة: قام بعدد من الإجراءات العسكرية 
والقضائية والوقائية. وسنتوقف هنا عند بعض الإجراءات القضائية والوقائية والاستراتيجية البعيدة 
المدى. 

فعلى الصعيد القضائيء أمر بإجراء محاكمة المقبوض عليهم من النصيرية. ومما قام به 
في هذا المحال: 

1 شكل مجلساً مؤلفاً من ضباط عسكريين ومأمورين ملكية. تحت رئاسة رؤوف باشا. وقد 
أصدر هذا المجلس حكماً بالقتل على أربعة منهم وهم: «اسبردرويش» و «اسماعيل عثمان» من 
مقدمي القرداحة. و «سلطان فاضل» مقدم البودي و «تامر هويجه» من «بيت ياشوط»؛ وعلى 
أربعة عشر رجلاً بالنفي؛ وجرى إطلاق الباقينء الذين وجدوا أبرياء. 

وياضرق تق الأربعة المحكوم عليهم بالقتل سحر يوم الثلاثاء في 4 حزيران 1870. أحدهم. 
تامر هويجه في اللاذقية. والثلاثة الباقون في جبله. 

وحول تنفيذ هذه الأحكام. أشار الياس صالح اللاذقي بقوله: «إنه من الاتفاق الغريبء أن 
هؤلاء الثلاثة وهم اسبردرويش واسماعيل عثمان وسلطان فاضلء. قد شنق آباؤهم في وقت واحد 
أيضاً في عهد الحكومة المصرية. 

وعلى الصعيد الوقائيء قام راشد باشا بعدة تدابير في وقت واحد منها: 

1 لقد فرض على النصيرية: أن يتعهدوا بتقديم ثمانية آلاف قطعة سلاح للحكومة؛ وقد 


2 - قبل أن يغادر جبله عائداً إلى مركز الولاية. أعطى تعليمات تتعلق بمتابعة الإجراءات 
والإصلاحات ليعمل بموحبها. 


3- نشر إعلاناً أسماه مرسوماً. توجه من خلاله إلى النصيريين في جبال جبله واللاذقية 
والسواحل البحرية بوحة العموم. وهو أشية بالإنذار لهم ولأمثالهم. ولكل من تسول له نفسه 


712 


ملاحظات 2 دد منها 


أن يتطاول على السلطنة أو يتجرأ عليها. وطلب منهم أن يسلكوا من الآن فصاعداً مسلك التابعين 
والرعاياء منقادين دائماً للطاعة وإنفاذ أوامر الحكومة العلية. مثابرين على إيفاء المترتبات 
الأميرية والقرعة العسكرية والشرعية. 

وفي هذا المجال أيضاًء كان لأهالي اللاذقية مساهمتهم؛ فقد قدموا عرضاً عن أوضاع 
الجبال وحملوا أهلها مسؤولية الفلتان الأمني والسرقات والتعديات. وشكروا راشد باشا ورؤوف 
باشا والسلطنة على الإجراء الذي تم؛ كما ثمنوا عالياً الجهود والتضحيات التي بذلوها من أجل 
إقرار الأمن والسهر على الأحوال الأمنية والراحة العامة. 

ومن التدابير الاحترازية البعيدة المدى, التي اتخذت بعد انتهاء هذه الحملة: 

1 بقاء فرقة من العساكر في قرية «ديفة». مركز مديرية بيت الشلف؛ وقد انتقلت اليها 
من قرية «عفارة» المجاورة لهاء تحت إدارة قائم مقام اللاذقية؛ وبقاء فرقة أخرى في جبله 
تحت إدارة قائم مقام القضاء. 

2 - بقاء العساكر مقيمة في الجبال إلى أوائل الشتاء. مما ساعد على استتباب الأمن. 
والخوف من شوكة الحكومة. 

3 - تقرر الحزم والشدة في قمع كل حركة مخالفة للتعليمات. ولذلك. عندما جرت حركة 
من هذا النوع في ناحية «دريوس». سار اليها قائم مقام اللاذقية بالعساكر الذين تحت إمرته. 
وقمعها بشكل عنيفء فأحرق بعض قراهاء وألقى القبض على مقدمها «بدران بدور» وعدد من 
وجوهها؛ كما أنه ألقى القبض تدريجياً على أكثر المقدمين وأشقاهم وجرى نفيهم إلى قلعة 
عكا. 

4 - بقاء رؤوف باشا في اللاذقية من أجل تنفيذ التعليمات وتوطيد ما سمي إصلاحات. 
وفي هذا المجال شرع ببناء مراكز في الجبال لإقامة العساكر النظامية. من هذه المراكز: 
مركز في قرية المزيرعة من ناحية بيت الشلف؛ كما شرع ببناء قشلة عسكر الرديف. 
المعروفة «بالديبو» في اللاذقية شرقي قشلة العسكرية العمومية عام 1870. ومنذ ذلك الوقت 
راحت الحكومة تجمع أنفار الرديف من أهالي القضاء كل سنة حيث يجري تعليمهم الحركات 


/3 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


العسكرية مدة شهرين. وجرى نظير ذلك في جبله أيضاًّ حيث بنيت فيها «ديبو» محاذية لدار 
الحكومة. 

5 من أجل تسهيل المواصلات وتحركات القوات العسكرية. شرع بفتح طريق حماة. 
وطريق بين اللاذقية وحماة مبتدئاً من جبله مخترقاً جبال النصيرية. 

وهنا لا بد من تسجيل الإشارتين التاليتين: 

الأولى» وهي أن هذه الاجراءات قوّت من شوكة العساكر النظامية» ولا سيما الفرسان منهم.: 
الذين راحوا يتسلطون على الناس بغير وجه حقء من أجل بلصهم وابتزازهم. 

الثانية. وهي أن الحملة. لم تقاصص أهالي صهيون. ولم تقبض على أحد منهم., مع أن 
لصوصهم كانوا هم أصل الفتنة الأخيرة التي نشبت بينهم وبين أهالي بيت الشلف”2.'" وهذا 
يعني بشكل من الأشكال انحياز السلطة اليهم بشكل غير مباشر. كما أنه يطرح علامة استفهام 
حول ما إذا كانت هناك علاقة بين لصوص صهيون والسلطة لجر النصيرية للوصول إلى ما وصلوا 
البه. 


بروز سياسة الضغط على المسيحيين والأجانب 1 1873 


حول بروز هذه السياسة:» أورد الياس صالح اللاذقي كماً كبيراً من الحوادث التي حصلت 
خلال هذه السنوات الثلاث وأراد لمواطنه أن يعرفها. وتتميز المعارف التي ينقلها عن هذه 
الحوادث بدقتهاء ولا سيما أنه عايشها وكان في قلب الكثير من هذه الحوادث. وهنا لا بد من 
الإشارة إلى عدد من الوقائع التي كانت سنداً مساعداً دعم بروز مثل هذه السياسة: 


(*) حول بروز الخوف من العسكريين بروزاً مميزاً في جبال النصيرية» أورد الياس صالح اللاذقي ما يلي: «انتشر الأمن 
والراحة في الجبال انتشاراً عاماً وسطا على أهاليها الخوف من شوكة الحكومة. حتى أن فارساً واحداً من فرسانهاء كان 
يخيف أهالي قرية برمتهم»... إلى أن يقول: «إن الفرسان كانوا يتجاوزون حدود الاعتدال في سلوكهم مع النصيرية 
لنفع الذات كما هو دأبهم. فكثيراً ما كان بعضهم يتعدى على من يراه من النصيرية أو يتعرض له مخصوصاً ويقبض 
عليه مدعياً أنه مرسل ليقوده إلى المعسكر ولا يطلقه حتى ينال منه رشوة». 


74 


ملاحظات 2 دد منها 


1 في مطلع عام 1871. واستكمالاً لعملية تطوير شبكة الاتصالات. جرى مد سلك التلغراف 
بين اللاذقية وجزيرة قبرص في البحر. وعيّن مركز تلغراف اللاذقية لإدارة الملفات الافرنجية. 

2 -إِنْ التطورات التي حصلت إثر الحملة العسكرية على جبال النصيرية عام 1870. راحت 
تأخذ منحى آخر بعد وفاة الصدر الأعظم «عالي باشا»" وحلول خليفته «محمود نديم باشا» 
(1871 - 1872). فقد اتجهت سياسة هذا الأخير إلى كسر شوكة القناصل والأجانب وإضعاف 
المسيحيين. وقد انتشر هذا التوجه في كل أنحاء السلطنة عموماً وفي سوريا بشكل خاص. 
فكيف تجلت هذه السياسة على أرض الواقع: 

على صعيد ولاية سورياء جرى عزل الوالي محمد راشد باشاء ليخلفه عبداللطيف صبحي 
باشاء 1288ه/1871م. وعندما استقر هذا الأخير في منصبه قام بعزل متصرف لواء طرابلسء الذي 
كان يتابع خطة رؤوف باشا في اللاذقية وجبله؛ كما عزل قائم مقام اللاذقية وقائم مقام جبله. 
اللذين كانا ينفذان الخطة. ولذلك توقف العمل بشق طريق حماة وحماة ‏ اللاذقية؛ وأهمل بناء 
مركز الحكومة. الذي كان قد شرع ببنائه في قرية المزيرعة؛ كما ألغيت جميع المشروعات التي 
كانت قد تقررت إثر الحملة. 

وأصدر الوالي صبحي باشا أوامره لكل الألوية بتغيير أعضاء المجالس جميعها. ولدى إعادة 
تجديد هذه المجالسء. جرى تقديم هذا واستبعاد ذاك. مما جعل هذه المجالس صورية لا قيمة 
لها ولا صوت, مختزلة بالمتصرف والقائم مقام. كما جرى عزل كثيرين من الموظفين النصارى 
في الولاية بحجة أنهم من «الفرامسون» (ماسون). 

3 - جرى التعامل مع القناصل بشكل غير مألوف”. 


() عالي باشاء هو محمد أمين عالي باشاء صدر أعظم 1831-9. 
.7 .7 ,1 تنما ...ماضع طتئتاء 120 
(*) أشار الياس صالح اللاذقي في هذا المجال إلى ثلاث مسائل تدل على هذه الحالة. الأولى» وهي أن 
قائم مقام اللاذقية «صالح أفندي». لم يحتفل بالقناصل عندما زاروه للمرة الأولى من أجل السلام 
عليه؛ وأكثر من ذلك فقد طالبهم بالمال المحجوز منهم على الجمرك وتهدد بعضهم بالحبس. الثانية, 


75 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


4 قيام قائم مقام اللاذقية «صالح أفندي», بعدة محاولات لكسر شوكة الأجانب7". 


5 جرى الضغط على النصيرية. ومن خلال هؤلاء على الأجانب ومسؤوليهم الذين يدعمون 


هه 


هذه الطائفة” 2. 


وهي أنه فيما كان المتصرف في اللاذقية اقتضى لنائب القنصل الأميركي أن يزور القائم مقام. وبعث يخبره بذلك. 
فأجابه بالاستعداد لقبول الزيارة» لكنء لما ذهب القنصل المذكور إلى دار الحكومة. لم يرى القائم مقام في قاعة 
الاستقبال. ولم يشاهد أحداً من المأمورين يستقبله. فعاد إلى منزله معتبراً ذلك اهانة عليه. أما المسألة الثالثة» فهي 
تتمثل بالموقف الذي اتخذه قائمقمام اللاذقية من زيارة قنصل دولة اميركا في سورية إلى اللاذقية. 
فهو لم يستقبله بنفسه. بل ارسل إليه أنفار الضبطية وفرسان الحكومة لاستقباله في المرفاً. ولدى اعتذار صالح أفندي 
عن اللقاء به رفض القنصل العام هذا الاعتذار مشيراً بأنه قد جاء إلى اللاذقية من أجل اللقاء به هو بذاته. ولذلك 
قام القنصل بإرسال تلغراف إلى الوالي يطلب منه أن يأمر القائم مقام بالنزول من الجبل لاستقباله كي يبحث معه 
المسائل التي جاء من أجلها. وهذا ما حصل. 


(**) نذكر من هذه المحاولات التي أشار إليها الياس صالح اللاذقي. فبعد أن عاد القنصل الأميركي إلى منزله. انتظر ثمانية 


ايام. بعدها ارسل خطاباً إلى القائم مقام يخبره فيه عما امره به قنصله العام. فاذا لم يأت إلى بيته ويعتذر منه على 
ذلك القصور الذي أجراه بحقه. فهو سيرفع العلم الأميركي ولا ينزله حتى تسترد كرامته... جرى رفع العلم وكتب كل 


من الطرفين إلى مسؤوله. واستمر العلم مرفوعاً نحو اربعين يوماً. 


1 - في آب 1873 سعى قائم مقام اللاذقية. صالح أفنديء لاقفال مدرسة الأميركانء التي كانوا قد افتتحوها في قرية 
البهلولية» لتعليم اولاد النصيرية. ومن أجل ذلكء استدعى اهالي القرية موبخاً اياهم بسبب وضع ابنائهم في تلك 
المدرسة. وبواسطة الضغط عليهم. حصل على طلب خطي لأبطال المدرسة وترحيل المعلم من قريته بحجة انهم 
لا يريدون أن يعلموا أولادهم المبادىء المسيحية. ثم استدعى معلم المدرسة. وأمره أن يغادر القرية» فأجابه بأنه 
لا يستطيع ذلك بدون اذن رؤسائه المرسلين الأميركان في اللاذقية. ولذلك قام القائم مقام بارسال كتاب إلى نائب 
القنصلء يطلب منه اقفال المدرسة ‏ يومها كان الياس صالح اللاذقي في هذا الموقع ‏ مشيراً إلى أنه يتجه لاقفال 
مدارس المرسلين المفتوحة لتعليم أولاد النصيرية. ذلك من أجل ازالة أسباب دخولهم في النصرانية. كما ارسل كتاباً 
إلى اهالي قرية «كيمين»». ينهاهم فيه عن وضع أولادهم في مدرستها. وحذر جميع النصيرية» الذين تحت سلطته 
من تعليم أولادهم في مدارس المرسلين وتهددهم بالقصاص إذا سلكوا بخلاف ذلك. 


76 


ملاحظات 2 دد منها 


6 اعتماد سياسة دعم المسلمين السنة. على حساب أبناء المذاهب والطوائف الأخرى. 
وقد انتشر هذا الاتجاه في كل أنحاء الولاية. ولا سيما في طرابلس واللاذقية, نظراً لأهمية هذه 
المنطقة الساحلية المختلطة من المسلمين والمسيحيينء ولكثرة الوجود الاجنبي فيهاء ولميل 
المتصرف «حقي بك» وقائم مقام اللاذقية «صالح أفندي» إلى هذا المبدأ. وهنا نؤكد. على أن 
هذا الاتجاه. كان منتشراً في كل أنحاء السلطنة. وذلك. لسبب بسيط وهو: إن العمل كان جارياً 
بتطبيق أحكام قانون الأراضي وقانون تمليك الأجانبء, وإن تسجيل الأراضي كان جارياً على قدم 
وساق. هذا من جهة. ومن جهة أخرىء كان الوالي صبحي باشاء والصدر الأعظم محمود نديم 
باشا من أنصار هذا الاتجاه. وقد لمس الياس صالح اللاذقي سريانه في منطقة اللاذقية من 
خلال متحارسات كتدرة أاقفان البهنا؛ 

7 المعاملة الجديدة وغير المألوفة للمسيحيين. هذه المعاملة أدت إلى نشر روح 


التعصب ضدهم في صفوف المأمورين والأهالي المسلمين. وقد برزت هذه المعاملة 


2 -عندما احرق راشد باشا جبل النصيرية عام 1870 وأجبرهم على الاستكانة والخضوع ورأى حالتهم المزرية. استحصل 
لهم على أمر سام باعفائهم من البقايا الباهظة المتراكمة عليهم منذ ثلاثين سنة. وبالسماح لهم أن يقسطوا البقايا 
لاجال معلومة تناسب امكانية تحملهم. وعندما تولى «صبحي باشا» عاد وثبت البقايا والغى التقاسيط. وشرع صالح 
أفندي يطالبهم بها دفعة واحدة. فكان ذلك سبباً للضرر عوضاً عن النفع للحكومة. لأن الأهلين بعد أن كانوا يدفعون 
كل قسط يستحق عليهم من البقاياء تخلفوا عن الدفع بالكلية. 

3 - في أب 1873. استدعى قائم مقام اللاذقية المعلمين الوطنيين الموجودين في مدرسة قرية «بحمرا»؛ وكانوا من 
النصيرية الذين تنصروا منذ أكثر من 20 سنة. فجاءوا إليه ومعهم تلميذ اسمه حازم. ولما قابلهم. طلب منهم أن يرتدّوا 
عن النصرانية فابواء فزجٌ بهم في السجن وتهددهم. ولما لم يجده ذلك نفعاً أمر بحبسهم. واذ قرر حازم انه ليس 
مسيحياًء اطلقه في حال سبيله. وبعد يومين ارسل المعلمين إلى جبله. ومنها سيقا إلى دمشق وادخلوا في السلك 
العسكري. عندها تداخل بقضيتهم قنصل انكلترا وقنصل اميركا العام في سورية. مع الوالي صبحي باشا لأجل اطلاق 
سراحهمء لسبب بسيط وهو انهم مسيحيونء والمسيحيون غير مسموح لهم أن يدخلوا الأسلاك العسكرية في السلطنة 
العثمانية. وبالتالي يجب أن يعامل هؤلاء المعاملة التي يعامل بها مسيحيو السلطنة. فأجابهم أن تنصرهم هذا لا 
يعفيهم من الخدمة العسكرية المفروضة عليهم. لكونهم لم يولدوا من أصل مسيحي. 


77 


آثار الحقب في للاقّة العرب 


في أكثر من مكانء وفي أكثر من موقع إداريء أشار إليها صاحب «آثار الحقب في لاذقية 
العرب». من أجل دفعهم إلى اليأس والقنوط. ونشير هنا إلى بعض من جديد هذه المعاملة: 

1 الطلب منهم وبتشده أن يدفعوا المال المحجوز لحساب الجمرك مع بقايا «ويركو 
العسكرية» دفعة واحدة مع كونها مقسطة لأجال معينة. ونتيجة عدم إمكانية دفعها دفعة 
واحدة. وضع القائم مقام كثيرين منهم في السجن وجمع أكابرهم عنده ورفض أن ينتظر إلى 
مجيء المطرانء الذي كان غائباً في انطاكياء مشيراً أن ليس للمطران مداخلة في ذلك, وأن المال 
المطالب به. لا يطلبه إلا منهم. 

2 - بلصهم والتنكيل بهم والاساءة إلى رؤسائهم الروحيين''. 

3 التعسرض لهم بالإهانات والتعديات من أطراف مسلمين؛ وهذه التعديات كانت كلها 
مقرونة بغض الطرف عنها من القائم مقام. وكان من نتيجة هذه المعاملة الجديدة. أن اجتمع 
أبناء الطائفة الارثوذكسية وممثلوها وكتبوا إلى المطران «ملاتيوس الروماني» يستدعونه من 
انطاكية على وجه السرعة ليساعدهم في تلك الظروف الصعبة. التي عجزت عن دفعها عنهم 
مداخلات الأجانب وسطوة القناصل. 


إحباط مؤامرة عزل مطراني اللاذقية وعكار وإبعادهما عن رعيتيهما 


بعد عودة المطران ملاتيوس من انطاكية. اجتمع بأبناء الطائفة الارثوذكسية. فأخبروه 


(*) من الأمثلة على ذلكء ما قام به «محمود بك»» مدير ناحية بيت الشلف. عندما ذهب ومعه كاتبه «علي آغا شومان» 
وعساكره إلى قرية المزيرعة. طالبين من مسيحييهاء أن يدفعوا مئتي غرشء على أساس أنها بقايا اعانة عسكرية. وكان 
المسيحيون المذكورون يعلمون أن ليس عليهم بقايا من هذا القبيلء بمقتضى الايصالات التي كانت بيدهم وأبرزوها 
لهما. ومع ذلك فلم يقبلا لهم قولاً. وأمر المدير الفرسان بضرب بعضهم وحبسه؛ وعندما اعترض كاهن القريةء على 
ما يقوم به المدير. ضربه هذا الأخير بحجر واطلق عليه الطبنجا ولكنها لم تنطلق. ولدى تقديم شكواهم للقائمقمام 
تعصب هذا الأخير للمدير وتغرّض في الاستنطاقء وحرّر مضبطة نفى فيها الذنب عن المدير وخطأ الخوري والآخرين 


ولم يأخذ بيدهم في هذه الدعوى. هذا ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي. 


78 


ملاحظات 2 دد منها 


بالتعديات الجارية عليهم والتمسوا منه أن يرفع تشكياتهم إلى المسؤولين حتى ولو وصل الأمر 
إلى الباب العالي. ونزولاً عند رغبة رعيته. كتب إلى المتصرف حقي بكء طالباً منه أن يعمل 
على إزالة هذه الظروف وهذه الشدة والمحنة التي يعاني منها المسيحيون؛ وأن يعاملوا بالإنصاف 
والعدل. شأنهم في ذلك. شأن كل أبناء المنطقة التي يعيشون فيها. وكرر المطران رسائله إليه 
بهذا الشأن. غير أن حقي بك اعتبر الحوادث الواقعة إنما هي حوادث فردية: لا أهمية لها في 
الوضع العام؛ وأنها من الوقائع التي تحدث في كل مكانء ولم يلتفت إلى تشكياته. عندها اضطر 
أن يكتب إلى الوالي فالصدر الأعظم. وكانت النتيجة أن عُزل المطرانء. ثم أعيد إلى أبرشية 
طرابلس فإلى ابرشيته مجدداً. فكيف جرى ذلك؟ 

هذا السؤال أجاب عنه الياس صالح اللاذقي بحادثة حصلت هنا وحدث جرى هناك. ولذلك 
نرى أنه من المفيد في هذا المقام, أن ندخل إلى تفاصيل وترتيب سياق بعضهاء حتى تتوضح 
الرؤية أكثر عن طبيعة ممارسة المسؤولين عندما يجافون الحقيقة ويبتعدون عنها. لقد ترافقت 
ممارساتهم بالدهاء في التخطيط والمكر والخبثء مما أدى إلى نقل المسيحيين من وضع مكشو 
منه. إلى وضع لم تعد تنفع معه الشكوى. بل إلى الوقوف في وجه الظلم والتصدي له. وهذه 
أهم محطات هذا الحدث الذي طبعت الممارسة فيه بالسلمية والهدوء والروية. 

1 - بعد التشكيات التي قام بها المطران لدى القائم مقام ‏ بدون جدوى ‏ والكتابة 
إلى المتصرف أكثر من مرة, جاءت حادثة تلطيخ باب كنيسة القديس «جاورجيوس» في 
اللاذقية بالغائط 1872 وتهاون القائم مقام بتعامله مع هذه المسألة. كتب المطران مججدداً 
إلى المتصرف. وهنا راحت الأمور تتعقد. فقبل أن يببعث بكتابه. حصلت على صعيد السلطنة 
العثمانية تدابير إدارية جديدة ومتلاحقة,. دفعته أن يبقي الرسالة معه بانتظار أن يرسو الوضع 
الإداري على حالة من الأحوال وفي هذا الإطار. جرى استدعاء المتصرف حقي بك إلى 
الاستانة. ليكون وكيلاً لصديقه مدحت باشاء الصدر الأعظم الجديد. وحل صالح أفندي وكيلاً 
لحقي بك في مركز متصرفية طرابلس. وفي هذه الحالة سيتسلم ‏ المشكو منه ‏ رسالة 


09 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المطران. وبالتالي تصير الرسالة بدون جدوى. وهذا ما دفع المطرانء إلى أن يرفع الشكوى إلى 
الوالي «صبحي باشا». الذي تغاضى عن الإجابة مدة, ولم يظهر من قبله أي إجراء يستدل منه 
على أنه مهتم بالأمر. وعندها كتب المطران إلى الصدر الأعظم كتاباً يشكو فيه صعوبة الأحوال 
الواقعة على رعيته في اللاذقية ومخاطرها عليهم. وأرسله عن طريق البطريرك الانطاكيء الذي 
كان موجوداً في الاستانة. فأحيل الكتاب من الصدر الأعظم إلى الوالي صبحي باشا للتحقيق 
وإزالة أسباب التشكيات. وهكذا بات الكتابان بين يدي هذا الأخير. 

2 - أرسل إلى اللاذقية «أسعد أفندي». مدير تحريرات لواء طرابلس الشام. ليحل وكيلاً عن 
صالح أفندي. فاستفاد هذا الأخير من الوضع الجديد. إذ بعد وصول أسعد أفندي إلى اللاذقية, 
طلب من مجلس الدعاوى مضبطة تتضمن تكذيب تشكيات المطرانء والشهادة بحسن سياسة 
القائم مقام صالح أفندي. فحصل عليهاء وختم فيها عضوا طائفة الروم في المجلس المرقوم. 

3- عاد حقي بك من الآستانة ملقباً بلقب «باشا»؛ وبذلك بات في وضع أقوى مما 
كان عليه. وبوصوله إلى طرابلس استحصل من مجلس الإدارة والدعاوى فيهاء على مضبطة. 
ضد مطرن اللاذقية ومطران عكار. الذي كان هو الآخر قد اشتكى أيضاً للصدارة العظمى 
من التعديات التي كانت حاصلة على مسيحيي أبرشيته التابعة للواء طرابلس. وعندما 
استلم صبحي باشا المضبطة”,. أرسلها على الفور إلى الباب العالي. لقد تضمنت المضبطة 
رد مجلس إدارة طرابلس الشام بشكل يدحض صحة تشكيات مطران عكار ومطران اللاذقية. 


(*) تبدأ المضبطة بالقول: «لقد تشرف مجلس العجزة بقراءة الأمر نامه السامي الصادر من جانب عالي الصدارة العظمى 
المؤرخ في 6 رمضان 1889 و22 تشرين الثاني 1889». أي باعتماد شهر هجريء وشهر ميلادي وسنتين ميلاديتين. والأصح 
6 رمضان 1289ه 229 تشرين الثاني 8 مالية. لسبب بسيطء وهو أن اعتماد التواريخ الواردة في المضبطة بشكلها 
الراهن. يضع الأحداث والشخصيات خارج المرحلة التي تتحدث عنها المضبطة وهي سنة 1872. علماً أن المضبطة 
تحمل في نهايتها تاريخاً وهو 9 شوال 289 و26 تشرين الثاني 8. وهنا لابد من الإشارة إلى أن السلطنة العثمانية قد 


اعتمدت السنة المالية في عام 1255ه - 1839م. 


50 


ملاحظات 2 دد منها 


ثم ما لبث البطريرك الانطاكي «ايروثيوس». أن أبلغ المطران ملاتيوس خبر عزله هو «وصفرونيوس» 
مطران طرابلس وعكار عن ابرشيتيهما في 18 شباط 1873. وأمره وهو يبلغه هذا الخبرء أن يسلم 
موجودات المطرانخانه إلى وكلاء وأن يستعد لمبارحة اللاذقية إلى دير «مار جاورجيوس الحمراء». 

4 - نفذ المطران ملاتيوس أوامر البطريرك بدون إبطاء. فسلّم موجودات المطرانخانه إلى 
أعضاء الجمعية الارثوذكسية في اللاذقية أنفسهم. وكتب إلى البطريرك رسالة تلغرافية أفاده 
فيها عن تنفيذ الأوامر. غير أنه استأذنه بالسفر إلى الشام. وبعد موافقته على سفره استقبله 
استقبالاً حسناً وأظهر له تأسفه وكدره مما حدث له. وبعزل ملاتيوس مطران اللاذقية. دخلت 
مسألة رفع الظلامة عن طائفة الروم الارثوذكس إلى مرحلة جديدة. فقد صمم أبناء الطائفة على 
عدم الاستكانة والتسليم بعزل مطرانهم. وفي هذا الاتجاه حملوا المطران رسائل إلى البطريرك 
الانطاكي ملتمسين أن يصير العمل بسرعة من أجل إعادته. كما أنهم أقاموا عمدة مؤلفة من 
أعضا جميعة المطرانخانه وبعض وجمه الطائفة وتم توكيلها بموجب كتاب خطي موقع من 
العمومء وكالة مطلقة بإجراء كل المساعي الآيلة لعودة المطران المشار إليه. وعدم قبول سواه 
مطلقاً لا بالأصالة ولا بالوكالة. 

وهنا يشير الياس صالح اللاذقي إلى أن سبب عزل المطران ملاتيوس والمطران صفرونيوس 
بقي مكتوماً. ولم يعلم ما إذا كان العزل قد نشأ بناء على مضبطة حكومة طرابلس أو عن 
رغبة غبطة البطريسرك الانطاكي. علماً أن المطرانين المعزولين كانا ضد قرار مجميع بطريرك 
القسطنطينية”" وعملا ضده من خلال مجمع المطارنة الذي عقد في بيروت”" من أجل مسألة 
الكنيسة البلغارية. والأرجح أن عزلهما نشأ عن اتحاد السببين المذكورين معاً. وأنه عندما اجتمع 
السببان اتفق البطريرك «أيروثيوس» مع الوالي صبحي باشاء وبالتالي مع الباب العالي والبطريرك 
القسطنطيني على عزل هذين المطرانين. حيث قصد كل من الفريقين التأثير لغايته. 

5 -لم تطل فرحة حقي باشاء متصرف لواء طرابلسء وصالح أفندي قائم مقام اللاذقية, 


081 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


بعزل المطران ملاتيوس. فقد حل «حالت باشا»”" والياً على سوريا بعد عزل صبحي باشا©. 
وكان المطران على علاقة جيدة بالأول. فعندما زاره المطران للتهنئة بالولاية ‏ بعد عزله ‏ أكرمه 
الوالي وأظهر له الأسف عما حصل معه. وبعد أن أشار إلى أنه ليس له علم بالمضبطة التي 
رفعت ضده. أظهر له ميله بالمساعدة. وعلى الفور أرسل بطلب المضبطة من حقي باشا. 
ولما وصلت إليه أرسلها إلى المطران عبر البطريرك الانطاكي فقرأها وأجاب عليها بعرض 
مسهب ‏ ليس هنا مجال لذكره ‏ قدمه إلى الوالي حالت باشاء الذي قال بعد أن اطلع 


جو 


عليه: «إن مطران اللاذقية لم يعامل بالإنصاف» ووعده بالمساعدة. وما لبث أن اتفق الوالي 


مع البطريرك على إجراء مبادلة بين المطرانينء. تقوم على نقل ملاتيوس إلى طرابلسء 


(0 


دعا بطريرك القسطنطينية: إلى مجمع يعقد عنده فى القسطنطينية. بشأن المسألة البلغارية» فالبلغار كانوا يطالبون 
بأن يُسام عليهم اساقفة من جنسهم لا من اليونان. وقد دعي إلى هذا المجمع بطاركة: الاسكندرية» وانطاكية 
واورشليم ورئيس أساقفة قبرص واأساقفة الكرسي القسطنطيني. وقد سافر ايروثيوس لحضور المجمع بدون علم 
اساقفة الكرسى الانطاكى. فكتب إليه ثمانية اساقفة رسالة فى حزيران 1872. حضّوه فيها على أن يكون فى المجمع 
وسيط الفة واتحاد. وحذروه من الخلافء فلم يعبأ بهم ولا برسالتهم. وقد اعتبر المجمع أن ما يطالب به البلغار هو 


الانشقاق. فحرموهم. وكان المطران ملاتيوس وغيره من أصحاب الرسالة ضد هذا القرار. 


(**) بعد أن عاد ايروثيوس من المجمع. جرى اتصال بين الاساقفة. الذين كتبوا إليه ولم يحترم رأيهم. وقرٌ قرارهم على 


010 


(2) 


عقد مجمع في بيروت في أواخر تشرين الثاني 1872. وفي الموعد المحدد حضر أربعة: ملاتيوس مطران اللاذقية, 
صفرونيوس مطران طرابلسء غبرائيل مطران بيروت» متوذيوس مطران زحله؛ واربعة لم يحضروا: اثنان منهم من أصل 
يوناني هما: مطران حمص ومطران عكار, واثنان وطنيان هما: مطران حماه ومطران صور وصيدا؛ لكن هؤلاء الأربعة 
ارسلوا وكالة من قبلهم. لقد أدان هذا المجمع قرار الحرمان. واعتبره الطرف الآخر موجهاً ضد الباب العالي وضد 
المجمع القسطنطيني. واعتبره ايروثيوس موجهاً ضده. 

محمد حالت باشاء هو الوالي الخامس لولاية سورية» تولاها عام 1873م/1289ه مدة سنة وسبعة أشهر. عبد العزيز 
محمد عوض. الإدارة العثمانية في ولابة سورية 1914-1863 ملحق رقم 6» ص 343. 

صبحي باشاء هو عبد اللطيف صباحي بأشاء الوالي الرابع لولاية سورية. تولاها عام. 1872 م 1288 ه مدة سنة وثلاثة 


أشهر. عوض المرجع السابق؛ و 381 .م 1[ 20126 ..عاصء تتتاء120. 


82 


ملاحظات 2 دد منها 


وصفرونيوس إلى اللاذقية. وقدم إنهاء بذلك من الولاية إلى الباب العالي. وفعلاً فقد خرج من 
الآستانة أمرء من الصدارة العظمى لوالي سوريا مضمونه إجراء المبادلة بين المطرانين بناء 
على الإنهاء الذي تقدمت به الولاية. لكنء ما أخرّ تنفيذ هذا القرا. هو أن نظارة الخارجية 
في السلطنة العثمانية وجهت كتاباً في أوائل أيار/مايو 1873 تطلب من الولاية وقف التنفيذ 
ريثما يصلها أمر آخر يتضمن إعادة كل من المطرانين إلى أبرشيته السابقة. وفعلاً. كانت تجري 
مداخلات واتصالات على مستويات رفيعة. من أجل استصدار قرار آخر وفق آلية أخرى. يطلب 
فيها البطريرك من نظارة الخارجية عودة المطرانين. وبناء على الطلب الذي رفعه البطريرك 
وافقت الصدارة العظمىء وبعد عدة أيام صدر قرار العودة وأبلغ للمطرانين. وبذلك. انتهت 
رحلة الألم التي أبعدت المطران ملاتيوس عن رعيته بعد أن دامت خمسة أشهر. وفيما كان 
في بيروت. أتته رسالة من البطريرك «ايروتيوس» في 21 تموز/يوليو 1873» يطلب منه أن يرافق 
المطضران «جرمانوس» إلى «مرسين». وأن يجتهد باسترضاء الشعب فيها لأن البطريرك قد سامه 
بدون انتخاب. 


لواء اللاذقية 1874 1878 


أشار الياس صالح اللاذقي في هذه المدة إلى مجموعة كبيرة من الأحداث والوقوعات. 
ومن أهمها: 

1 جوع أهالي الجبال وبيع الأولاد. متناولاً في هذا المجال الأسباب الكثيرة المباشرة: 
التي أوصلت اللواء إلى هذا الوضع. فقبل بداية الشتاء عام 1874 تدخل أصحاب الغلال مع 
المسؤولين من أجل إعادة العمل برخص الشحن. فش حنت الحبوب والغلال. وبظرف مدة 
قصيرة. لم يبق في اللاذقية الكميات الكافية, التي تحفظ دوام الاستهلاك من جهة. وتحافظ 
على ثبات الأسعار المعتدلة من جهة أخرى. وكان شتاء ذلك العام قاسياً جداً بغزارة أمطاره 
وتساقط ثلوجه. وخروج وحوشه البرية. فالنباتات ماتتء. وانقطعت الطرقات. وقّت فرص 
العملء وإمكانية ورود الحبوب من مناطق ولاية حلب. وبذلك. فقد قضي على موارد رزق 
المواطنينء وارتفعت الأسعار بشكل لا مثيل له. فقد وصل ثمن كيلة الحنطة إلى 53 غرشاً 


053 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وكيلة الشعير إلى 35 غرشاً"". مما أدى إلى ازدياد الفقر والعوز والحاجة. كل ذلكء كان يدفع 
الفلاحين من رجال ونساء وأولاد إلى طرد النسور والغربان عن جيف الحيوانات النافقة ليأكلوا 
لحمها؛ والى انتشار عملية بيع الأولاد في أسواق اللاذقية وجبله””. 

2 - في عام 1876» تعرضت السلطنة لهجوم عسكريء من قبل الصرب والجبل الأسود. وبهذه 
المناسبة كان على لواء اللاذقية. أن يتحمل قسطاً من المساهمة فيها. ففي هذا العام ورد إلى 
اللاذقية أمر السلطنة بجمع عساكر الرديف. وتنفيذاً للأمر. فقد جمع من قضاء اللاذقية طابور 
سافر في 25 تموز. وطابور من جبله سافر في 18 آب. على البارجة «مدار توفيق». وكان بينهم 200 
من اللاذقية فقط؛ وقد تهرب من هذه المهمة عدد كبير دفعوا بدلا نقدياً قدره خمسون ليرة 
عثمانية عن الشخص الواحد. ناهيك عن الذين قدموا بدلاً شخصياً. لقد أثر هذا الإجراء على 
الأوضاع الأمنية في مختلف أنحاء اللواء. فقد اضطر المسؤولون الأمنيون أن ينزلوا من معسكر 
قرية «حبيت» إلى اللاذقية ثلاثة بلوكات. وباتت أعمال القوة الباقية في حبيت مقتصرة على 
تحصيل الأموال الأميرية. أما الأوضاع الأمنية. فقد بقيت على ما كانت عليه من فلتان. ولذلك: 
كانت أوضاع الجبال النصيرية قد ازدادت اختلالاً وازدادت أعمال اللصوصية في كل جهة على 
الطرقات؛ وكثر عبث اللصوص في قرى الساحلء وازدادت تعدياتهم على عابري السبيل. حتى كاد 
الأمن أن يفقد تماماً. كما امتنع أهالي الجبال عن أداء الأموال الأميرية وتأدية الخدمات العسكرية 
المطلوبة منهم في أعمال عساكر الرديف. ولذلكء بدأت عملية التحضير لسوق حملة عسكرية 
إلى الجبال والمناطق التي اختل فيها الأمن. 


() كيله. هي وحدة كيل لقياس الحبوبء. ويختلف وزنها حسب المناطق وحسب نوع الحبوب 
2 كك .هه ,1 16ئله) ركاه ءتتتاء1020 
(*) كانت الفتاة تباع بمئتي غرش على الأكثر. ومن أجل التخلص من المسؤولية» كان البيع يتم بتموجب حجة مضمونها 
أن أبا الفتاة أو عمها أو جدها أو احد قومها أجرها مدة ثلاثين سنة بمبلغ كذا وكذا. هذا ما أشار إليه الياس صالح 
اللاذقي. 


)2( طابور 4 كتيبة من الجنو د 320 .ير كك .ره ,1 ءتتنه) .كاه طتتاء100. 


84 


ملاحظات 2 دد منها 


3 - بينما كانت الاستعدادات جارية لسوق الحملة العسكرية: ورد إلى اللاذقية خبر إعلان 
روسيا الحرب على السلطنة العثمانية في 13 نيسان 1877. وبالتالي فقد اضطرت القوات» التي 
كانت قد تجمعت في قرية «ديفة». أن يذهب قسم منها إلى اللاذقية وقسم آخر إلى جبله؛ 
وأصبحت إمكانية هذه القوة محدودة. ولم تعد إمكانية فرض الأمن في الجبال متوافرة. وهكذاء 
فقد اثرت الحرب الروسية على السلطنة العثمانية بشكل سلبي جداً على الأمن» بحيث كثرت 
أعمال السطو واللصوصية والسرقة والقتل. وخاف المسيحيون كثيراً من هذه الأوضاع. وباتوا 
قلقين على مصيرهم ومصالحهم. ولا سيما الذين يقطنون على الساحل حيث جرى التركيز عليهم 
هذه المرة أكثر من مسيحيي الجبال. 

4 في 17 شباط 1878, قدمت إلى ميناء اللاذقية باخرة نمساوية من «سلونيك» (عدونمه501)): 
حاملة معها جركساً مهاجرين من بلاد البلغار. وهؤلاء الجركس., كانوا قد هاجروا أولاً من بلادهم., 
عندما تمّ لروسيا أن تتغلب عليهم وتأسر أميرهم الشيخ «شامل المشهور». إثر «حرب القرم» 
024 عل أ»رعد6 1.5) عام 1854. لقد دخلوا السلطنة العثمانية. فوطنت منهم ألوفاً في أملاكها 
بأوروبا. ولما ظهرت الحركة البلغارية المطالبة باستقلال بلغاريا عن السلطنة, قام هؤلاء بأكثر 
الأعمال فظاعة ضد البلغاريين. هذه الفظائع التي ارتكبها هؤلاء. كانت واحدة من الأسباب 
التي دعت روسيا إلى إعلان الحرب على السلطنة العثمانية في ذلك الوقت. وعندما انتتصرت 
روسيا في هذه الحرب. ووطنت عساكرها في أراضي «ولاية الطونة» و «ولاية أدرنة». ووصلت 
إلى أبواب الاستانة» لم يسع الجراكسة إلا الهرب من تلك البلاد خوفاً من القصاص والانتقام. 
ولذلك. وخوفاً من وقوع مذبحة بهؤلاءء فقد أرسلت ألوفاً منهم إلى سورياء وكان من جملتهم 
هؤلاء القادمون, الذين تسببوا بالإرباك والخوف والحذر لقائم مقاميتي اللاذقية وجبله؛ ثم إلى 
التوجس خيفة منهم. وأمام هذا الواقع. جرت المخابرة بشأنهم بين كل من القائم مقاميتين مع 
المتصرف في طرابلس. والوالي في دمشقء ولا سيما بعد المشاجرات والإشكالات التي راحت 
تنشأً بينهم وبين أبناء البلاد. وبعد أخذ ورد بين المسؤولين بهذا الشأن. تقرر ترحيلهم إلى حلب 


85 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وأضنة وقونية وعكا بحسب اختيار كل عشيرة منهم, شرط أن يدفع الأهالي القاطنين عندهم 
نفقة تر حيلهم. 


لواء اللاذقية 1881-1879 


إنْ ما أشار إليه الياس صالح اللاذقي من معارف. خلال هذه السنوات الثلاث. يمكن أن 
تندرج تحت العناوين التالية: 

1 اللاذقية تستيعد مركز المتصرفية. في هذا المجال يمكن القول بأن قدوم «مدحت 
باشا» والياً على سوريا في أواخر عام 1878». كان عاملًا مساعداً وحاسماً. فقد امتاز هذا الوالي 
عن غيره من الولاة والوزراء العظام. بالحزم والعزم والإقدام وحبه للإصلاح. واشتهر بوضع 
القانون الأساسي لدولة السلطنة العثمانية. في عام 1876 م. حين كان صدراً أعظم. فلدى 
قدوم هذا الوالي إلى دمشق ليتسلم مهام منصبه. التقى عدد من أعيان اللاذقية مع وكيل 
قنصل دولة اسبانيا”». وتباحثوا في الأحوال الناشئة في قضائي اللاذقية وجبله. وبعد أن 


0 أشارت الوثائق الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية. أن «أحمد جودت باشا». قد تولى على ولاية سورية في عام 
228 وأنّْ «مدحت باشا». الذي تولى بعده هذه الولاية. قد تولاها في عام 1878م/1295هء وأن «أحمد 
حمدي باشا». الذي تولاها بعد هذا الأخيرء كان في 1878م/1296ه وهذا ما لا يتفق مع السنوات الميلادية على الأقل. 
1 بو لك يزه باءضنه؛ ,عام ءتسووط. . أمأ عبد العزيز محمد عوضء فقد جعل تولي هؤلاءء كما يلي: أحمد جودت باشا 
5ه/1879م» مدة ولايته تسعة أشهر وثلاثة أيام؛ مدحت باشا 1295ه/1879م, مدة ولايته سنة وثمانية أشهر وعشرة 
أيام؛ أما أحمد حمدي باشاء فقد تولاها عام 1296ه/1880م مدة ولايته 5 سنوات و14 يوماً. وهذا ما لا يتفق لا مع 
السنوات الهجرية التي أشار إليهاء ولا مع السنوات الميلادية» ولا مع المدد الزمنية. عبد العزيز محمد عوضء المرجع 
السابق. ص 343. أما وكيل القنصل الفرنسي العام في بيروت» فقد أشار إلى أن وصول مدحت باشا إلى بيروت قادماً 
من دمشقء كان في 25 تشرين الثاني 1879؛ وهذا يعني أن مدحت باشا قد تعين والياً على سورية في عام 21878 وليس 
في عام 1879 كما أشار عبد العزيز عوضء ولمزيد من الايضاحء تراجع رسالة هذا الوكيل القنصليء التي بعث بها من 
بيروت. إلى وزير الخارجية الفرنسية. بتاريخ 29 تشرين الثاني 1878 64 .ه ينف .زه ,14 عصره؛ .كتمع سسهوط. 


(*) الذين التقوا وتناقشوا بالأوضاع الناشئة في منطقة اللاذقية هم: الياس أفندي صوياء وابراهيم أفندي 


86 


تداول المجتمعون بأحوال الوضع القائم. رأوا أن يستفيدوا من علاقة الود التي كانت قائمة 
بين وكيل القنصل ومدحت باشا”". وذلكء. بأن يعمل هذا الوكيل على إحاطته بوضع هذين 
القضائينء ويشرح له الأسباب الموجبة لجعلهما متصرفية تكون اللاذقية مركزها. ويبدو أن الأمور 
قد اتجهت وفق ما رسموه لها. فقد قام وكيل القنصل المشار إليه بما هو مطلوب منه لدى 
قدوم هذا الوالي إلى طرابلس وشرح له أوضاع منطقة اللاذقية واقتنع الوالي بما عرض عليه 
وأعلن عن نيته أمام الطرابلسيين بضرورة فصل لواء اللاذقية عن طرابلس ليكون مرتبطاً مباشرة 
بمركز الولاية في دمشق. كما أعلن عن قراره بالذهاب إلى اللاذقية. 

وهنا يمكن القول بأن الياس صالح اللاذقيء قد أراد لمواطنه أن يعرف عنه أنه كان في 
قلب هذا الحدثء؛ عندما قرر أن يعد لاتحة لتقدم إليه من قبل أهل المدينة لدى قدومه إليها 
لزيارتها. وفعلاً فقد أعد هذه اللائحة وثبت نصها كاملاً في مخطوطه وبخط ريشته. وما يمكن 
قوله حول هذه اللائحة. هو أنها مرافعة مهمة. غنية بالمعارف التاريخية, التي تبين أهمية 
الموقع الإداري ودوره في تحقيق الازدهار والتنمية؛ كما تبين مدى ما يحدثه فقدان هذا الموقع 
من تراجع في مختلف مجالات الحياة؛ وقد جاءت وقائعها مقنعة لمن يريد أن يقتنع. لقد كان 
الياس في هذه اللائحة محامياً بارعاً في تشخيص الأضرار التي لحقت باللاذقية منذ العام 1864 
عندما جعلت منطقتها أقضية مرتبطة بطرابلس؛ وفي تبيان الفوائد عندما تكون مركزاً لمتصرفية 
وتعود مقاطعاتها إلى الارتباط بها مجدداً. لقد رفعت اللاتئحة إلى مدحت باشا بواسطة «شارل 
بجوزوسكي». وعلم بعد ذلك أن هذا الوالي: قد أنهى إلى الباب العالي بوجوب تحويل اللاذقية 
إلى متصرفية. وعندما شاع الخبر في المدينة, أدى إلى حصول ردتي فعل: 

الأولى» من قبل أولئك الذين كان الجو خالياً لهم في قضاء جبله. لأنهم كانوا منتفعين 


- حكيم والياس صالح اللاذقي مؤلف هذا التاريخ. أما وكيل القنصل الاسباني في اللاذقية فهو: «شارل بجوزوسكي». 
(**) تعرف شارل بجوزوسكي» على مدحت باشا واكتسب محبته. عندما كان هذا الأخير والياً على ولاية الطونه وولاية بغداد. 


87 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ببقاء الحالة الراهنة, التي مكنتهم من جمع ثروة عظيمة. ولذلكء. فقد تقدموا بعرائض تحريرية 
وتلغرافية إلى الولاية والى الصدارة العظمى مضادة لهذا المشروع. في محاولة لإبقاء الوضع 
على ماهو عليه. 

الثانيةء من قبل أولئك الذين طالبواء مؤيدين في ذلك من وجوه وأعيان المدينة. كمفتي 
اللاذقية ورؤساء باقي الطوائف الروحيين. فقد قدم هؤلاء عريضة تلغرافية ممضاة عنهم.: أرسلت 
إلى مدحت باشا. وفي أوائل حزيران 1879» ورد إلى هذا الأخير أمر الصدارة العظمى يعلن 
صدور الإرادة السنية السلطانية بقبول إنهائه بتحويل اللاذقية إلى مركز متصرفية. وهكذا عادت 
المدينة إلى ما كانت عليه واستعادت مركزها الإداري التاريخيء وراح أهلها ينتظرون تنفيذ هذه 
الإرادة بتعيين متصرف للوائهم الجديد. وفعلاً. فقد أنهى الوالي هذا الانتظار بتعيين «أحمد 
أفندي الصلح»». الصيداوي الأصل (من صيدا). وكان أول متصرف تعيّن للاذقية بعد إعادة لوائها. 
وقد وصل إليها على متن «الوابور الفرنساوي» في 26 تموز 1879. وبهذه المناسبة جرى له 
استقبال رسمي وشعبي. وفي صباح الخميس 9 آب 1879 قدم مدحت باشا إلى اللاذقية. وجرى 
له أيضاً احتفال رسمي وشعبي مهيب. وبعد ثلاثة أيام من الاستقبالات والدعوات إلى موائد 
الطعام. والزيارات هناك. عقدت اجتماعات عمل تقرر فيها تقسيم الأقضية وتخصيص المعاشات 
والمصارفات المقننة لكل قضاء. وأعطيت الأوامر اللازمة للعمل بموجبها. وجرى تقسيم المتصرفية 
كما يلي: 

1 - متصرفية اللاذقية. ضمت: مقاطعة البهلولية وقرى الساحلء. وجعلت البايروالبوجاق ناحية 
على رأسها مدير مرجعه مركز المتصرفية في اللاذقية. 

2 قضاء صهيونء تألف من عدد من المقاطعات: جبل الأكراد. وصهيون. وبيت الشلف» 
والمهالبة. ومركزه قلعة «بابنا». 

3- قضاء جبله. تألف من مقاطعات: القرداحة. وبني عليء والسمت القبليء وقرى الأوقاف 
والشمسيات. وساحل جبله. وجعل مركزه في قصبة جبله. 


88 


ملاحظات 2 دد منها 


4 قضاء المرقبء تألف من مقاطعات: المرقبء وزمرين. وجرد العليقة: والضهر الغربى؛: 


والخوابي. ومركزه قلعة المرقب. أمما مقاطعة القدموسء. فقد جعلت مديرية قائمة بذاتهاء على 
رأسها مدير تابع لمركز القضاء”". 


وهكذاء باتت ولاية سوريا مؤلفة من تسعة ألوية في عام 1879. بعد أن كانت ثمانية في 


عام 1868. أي بإضافة لواء اللاذقية, الذي اقتطع من لواء طرابلس الشام. أما هذه الألوية فهي: 
ولواء عكاء ولواء القدسء ولواء نابلس2. 


2 - إنشاء جمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية: لم يكن إنشاء هذه الجمعيات في اللاذقية 


سنة 1880. حالة مفردة مقتصرة على هذه المدينة فقط. بل كان جزءاً من توجه عام. عملت 


السلطنة العثمانية. على تنفيذه فى كل أنحاء ولاية سورياء وربما فى مختلف أنحاء السلطنة. 


وقبل أن نبدأً ببحث هذه المسألة. لا بد من الإشارة إلى عدة أمور مهمة,. قد تساعد على 


(10) 


(2) 


لمزيد من الايضاح حول تركيب هذا اللواء. يراجع: ملحق رقم 4 المرفق بالدراسة. 

الألوية الثمانية التي كانت تتشكل منها ولاية سورية عام 1868 هي: 

١‏ لواء دمشق الشام, يتألف من ثمانية اقضية. وهي: وادي العجمء ووادي برد واقليم البلانء وجبل القلمونء وراشياء 
وحاصبياء والبقاع الشرقيء وبعلبكء والبقاع الغربي. 

2 لواء حمص وحماه. تألف من خمسة أقضية هي: جبل حزورء وجبل الكلبية. وجبل الحوله. ومعرة النعمان. وحصن 
الأكراد. 

3 - لواء طرابلسء تألف من ستة أقضية: اللاذقية. جبله. وطرطوسء والمرقبء وصافيتاء وعكار. 

4 لواء حوران» تألف من أربعة أقضية: حيدورء وجبل عجلونء واللجونء والحوله والجولان. 

5 لواء بيروت» تألف من أربعة أقضية: صيداء وصورء وهونين وتبنينءو مرجعيون والشقيف. 

6 لواء عكاء تألف من سبعة أقضية: حيفاء والشاغور. وعتليت» وشفا عمرو والناصرة» وصفد. وجبل ترشيحاء وطبرية. 
7 لواء القدسء تألف من خمسة اقضية: بيت لحمء وغزه. والخليلء واللد والرملة» ويافا. 

8 لواء نابلسء تألف من أربعة أقضية: جنينء وبنو صعبءو السلطء والكرك. 


ولمزيد من الايضاح.ء يراجع: عبد الكريم غرايبه.» سورية في القرن التاسع عشرء القاهرة 1962 ملحق و ص 233. 


89 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


رؤية السياق العام الذي أنشئت فيه هذه الجمعيات وأسباب إنشائها وحلها والتهمة التي 
وجهت إليها والأسلوب الذي اعتمد في حلّها. من هذه الأمور: 

الأمر الأول» هو أن القرارات التي صدرت عن السلطنة العثمانية: تنفيذاً لأحكام «التنظيمات 
الخيرية» و «الهمايونية»» قد جعلت لكل طائفة دينية من غير المسلمين مجلساً مدنياً ومجلساً 
روحانياً؛ وحددت سلطات كل منهما؛ وأوضحت كيفية تأليفهما مع كيفية انتخاب رؤساء الطوائف 
وتعيينهم. وتركت جميع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية لأبناء الطائفة؛ إلى هؤلاء الرؤساء 
وتلك المجالس. وتركت لهم كذلك جميع الأمور المتعلقة بأوقاف الأديرة والكنائس وشؤون 
المدارس والمؤسسات الخيرية الخاصة بالطائفة. وجعلت البطريركيات والأسقفيات مسؤولة عن 
رعاياها أمام إدارات السلطنة. وبالتالي» فقد بات أبناء هذه الطوائف. تحت رقابة إدارات السلطنة 
بشكل غير مباشرء عبر رؤساء هذه الطوائف ومجالسها الملية. أما المسلمون. فلم يكن لديهم 
أمثال هذه التشكيلات. ولذلك. فقد بقيت أمورهم كلها موكولة إلى السلطنة مباشرة ‏ بوصفها 
دولة الخلافة الإسلامية ‏ بدون أن يكون بينها وبينهم جماعة وسيطة”. 

الأمر الثاني الذي تجدر الإشارة إليه أيضاً. هو أنه في أواخر عام 21878 دخلت منطقة 
الساحل الشرقي للبحر المتوسط والداخل السوريء إلى محطة جديدة من تاريخ علاقتهما 
بالسلطنة العثمانية. عندما أرسلت هذه الأخيرة مدحت باشا والياً على سوريا بتوجهات 
عملية من أجل إصلاح شؤون هذه الولاية. وكان هذا الوالي غير العادي. من أنصار «حزب 
الإصلاح» على الصعيد الداخلي لإدارة البلاد. فأمام وضع السلطنة المفلسء وتلبية للنداءات 
التي كانت تصدر عن المسلمين هنا وهناك. كي تهتم السلطنة بأوضاعهم عامة: وبالتعليم 
بشكل خاصء من أجل اللحاق بركب الطوائف غير الإسلامية في تلبية متطلبات أسواق 
العمل الجديدة؛ ولمواجهة المخططات الدولية ‏ التي كانت تنخر في جسم هذه الولاية ‏ 


)21 لمزيد من الايضاح حول هذه الأفكار يراجع: 
ساطع الحصري» الملاد العرسة والدولة العثمانشة. مرجع سابق» ص 96-89. 


590 


ملاحظات 2 دد منها 


العاملة على استمالة أبناء الطوائف الإسلامية. من أجل كل هذاء عمل مدحت باشاء على تنفيذ 
توجهات السلطنة؛ بإنشاء «جماعات إسلامية». على غرار الجماعات غير الإسلامية. كي تهتم 
بالشؤون المحلية للمسلمين. وفي هذا السياق تأتي الجهود التي بذلها مع أعيان من المسلمين 
وأولي الأمر منهمء من أجل تنظيمهم في جمعيات ذات مقاصد خيرية وعلمية. تألفت من 
مسلمين (سنة) دون سواهم. وهكذا أمكنه أن يؤسس ‏ خلال مدة ولايته ‏ في مننوزنا عند منث 
هذه الجمعيات, التي شملت كل أنحاء الولاية ولاسيما مدنها الكبرى. علماً أن مصادر السلطنة 
الرسمية. قد أشارت إلى هذه الجمعيات بأسماتها وأسماء أعضائها. ومن خلال هذه المصادر. 


جمعية المقاصد الخيرية في بيروتء تكونت من أربعة وعشرين شخصا”". 

جمعية صيدا للمقاصد الخيرية» تكونت من ستة عشر شخصاً". 

جمعية طرابلس العلمية الخيريةء تكونت من تسعة عشر شخصا”". 

الجمعية الخيرية في اللاذقية. تكونت من ستة عشر شخصا". 

جمعية عكا الخيريةء تكونت من ستة عشر شخصا". 

جمعية نابلس الخيرية. تكونت من اثني عشر شخصا". 

الجمعية الخيرية في ناحية جنينء. تكونت من ثمانية أشخاص””. 

الأمر الثالث. هو أن الحكومة العثمانية. قد عملت منذ أن أنشأت هذه الجمعيات- 


على منح المدارس التي أسستها هذه الجمعيات مساعدات مالية؛ وخصّتها بعدد من 


(10) 


(2) 


(03) 


04) 


(5) 


(6) 


(0) 


سالنامة ولإبة سورية لعام 1298ه دفعة 13 ص 149. 
المصدر السابق. ص 161. 
المصدر السابق. ص 183. 
المصدر السابق. ص 183. 
المصدر السابق. ص 195. 
المصدر السابقء ص 216. 
المصدر السابقء ص 218. 


91 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الملكيات الوقفية. كما أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1909-1876) نفسه. خض مدارسها 
في بيروت بمبلغ سنوي. علماً أن أعضاء هذه الجمعيات. كانوا من وجهاء القوم وأثريائهم. في 
المناطق التي تشكلت فيها هذه الجمعيات”". ولذلك: ما أن سنحت لهؤلاء فرصة بروزهم. حتى 
باتوا من العناصر الفاعلة والمؤثرة في محيطهاء ولا سيما أعضاء جمعية بيروتء الذين باتوا من 
أكثر الأعضاء تأثيراً وفاعلية. فهم الأكثر ثقافة ويتمتعون بدعم شعبي واسع. إلى جانب أنهم 
يحملون مشاعر كره تاريخي للعنصر التركيء الذي تغافل عنهم وعن مصالحهم. هذه الجمعية 
كانت بشكل من الأشكال ‏ تقود الجمعيات الأخرى في مدن الولاية, بما فيها تلك التي في 
دمشق. فبالرغم من أن هذه الأخيرة «كانت مدعومة من قاعدة شعبية واسعة جداً فهي لم 
تكن تتمتع بنفس التأثير الذي كان لجمعية بيروت في البلاد»2. على حد تعبير القنصل الفرنسي 
العام في بيروت. 

الأمر الرابع. وهو أن غاية السلطنة الحقيقية من إنشاء هذه الجمعيات. كانت خافية 
عن أعضائها؛ ولذلكء. كانت توجهاتها تختلف كلياًّ عن تلك التي كان أعضاؤها يتطلعون 
إليها ويطمحون إلى بلوغها. القنصل الفرنسي العام في بيروتء. السيد «بتريمونيو» (.11 
هندهصتئة2).: أشار في رسالته. إلى رتيس مجلس الوزراء. وزير الخارجية الفرنسية: السيد 
«دي كليرك» :ماعن .36). بتاريخ 8 ايلول 1882. بأن ما كانت تريده السلطنة من إنشاء 
هذه الجمعيات. هو في أن «تعتمد عليهاء من أجل الدعاية للجامعة الإسلامية, والعمل 
ضد النزوع باتجاه الأفكار الأوروبية التي تدخل إلى البلاد»". أما «أحمد عارف الزين» 
صاحب «تاريخ صيدا». فقد رأى حول هذه المسألة. أن الجمعية. «قد وضعت أمامها هدفاً. 


هو التعاضد والتناصر لمنافع الوطن. وأخذت تهتم بإنشاء المدارس الإسلامية لتخريج جيل 


6 للتعرف على أسماء اعضاء هذه الجمعيات. يراجع: الملحق رقم 5: المرفق ربطاً بالدراسة وهو عبارة عن كشف بأسماء 
أعضاء هذه الجمعيات أعد بالاستناد إلى المصدر المذكور والصفحات المشار إليها أعلاه. 
)2( 7 .2 ,1973 رطاناهظا8 ,14 10126 ...عاض طتتاء 100 


)3( .418 بج مأك .جه ,14 101226 ...عات طتتاء 100 


92 


ملاحظات 2 دد منها 


من المتعلمين يكون عضداً للتجار المسلمينء بعد أن كانت مدارس الإرساليات الأجنبية والجمعيات 
الدينية المسيحية. قد سبقتها شوطاً بعيداً في هذا المضمار»”". غير أن الياس صالح اللاذقي» 
أشار في «أثار الحقب في لاذقية العرب». حول هذه المسألة إلى أن «غاية الجمعية الحقيقية 
كانت إحياء العصابة الجنسية العربية ضد التركء والعصابة الدينية الإسلامية ضد المسيسحيين 
وترشيح تلامذة منهم لمأموريات الحكومة واستقلالهم بها». 

إِنْ ما يهمنا من أمر هذه الجمعيات, هو جميعة اللاذقية. وما جرى إنشاؤه حولها من 
جمعيات ولجان. فالمتصرف «أحمد أفندي الصلح» وإبناه منح أفندي ورضا أفنديء كانوا على 
ما يبدو على علاقة وثيقة بمدحت باشا. فقد سعى هؤلاء إلى تأليف هذه الجمعية. التي 
دعيت «الجمعية الخيرية». وقد تألفت من وجوه مسلمي المدينة؛ وعيّن منح أفندي الصلح 
رئيساً لها وصائب أفندي شيخ المولوية نائب رئيس. أما ما تبقى من الأعضاء فهم: ابن هرون 
محمود آغاء وابن أوسطه محمد أفنديء وابن المفتي فيض الله أفنديء وابن شواف قاسم أفندي. 
وابن المحمودي عبد الفتاح أفنديء وابن الدجاني أديب أفنديء وابن المفتي علي أفنديء وابن 
الصوفي محمد صالح أفنديء وابن فتاحي عبد الفتاح أفنديء وابن رويحه محمد أفنديء وابن 
عجان عبد الحميد أفندي. وابن قواف ابراهيم أفندي, وابن حكيم محمود أفنديء وابن هرون 
اسعد آغا©. 


من أعمال هذه الجمعية. أنها انشأت مدرسة لصبيان المسلمين. فرضت نفقتها على 


)2 علي محمد حويليء التطور الثقافي لمدينة ديروت منذ الفتح المصري لبلاد الشام وحتى الحرب العالمية الأولى» 1831- 
4 وهي اطروحة دكتوراه غير منشورة. اعدت باشراف د. مسعود ضاهرء كلية الآداب والعلوم الإنسانية. الفرع الأول 
بيروت 0 ص 181-179. 

() سالتامة ولاإية سورية لعام 1298ه دفعة 13. ص 183. 

(*) الأعضاء العشرة الذين اختيروا وفوضوا بوضع ضرائب ورسوم: اسماعيل أفندي صالح. ومحمد أفندي رويحة: هؤلاء 
من المسلمين؛ وميخائيل أفندي سعاده. والياس صالح اللاذقي» وهما من الروم الارثوذكس؛ والخواجه بطرس يازجي 
من الموارنة؛ والخواجه جفروا قنصل روسيا والمجر من الفرنساويين؛ والخواجه باسيلي ويتالي من التبعة اليونانية 
عن الأجانب؛ والشيخ سليمان حاتم والشيخ سعيد قسمين من النصيرية؛ ليكوّنوا قومسيوناً تحت رئاسة منح أفندي 
الصلح. 


59 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الوجوه وذوي الشروة بواسطة اشتراك كل منهم بقدر معلوم على حسب استطاعته. يدفعه شهرياً 
إلى صندوق الجمعية. وبالإضافة إلى ذلك. فقد سعت الجمعية إلى تحويل واردات بعض الأوقاف 
المضبوطة إلى صندوقهاء كما أسعفتها الحكومة في مهماتها بعناية ودعم مدحت باشا. وإلسى 
جانب هذه الجمعية الخيرية: فقد تألفت من هؤلاء أيضاً جمعية ثقافية. دعيت «الجمعية 
الأدبية». وعْيّن رضا أفندي الصلح رئيساً لها. 

وبتشويق من مدحت باشا أيضاًء حول أهمية الطرق في الشأن العام والعمل على تسهيل 
المواصلات بين اللاذقية وحلب. فقد جرى جمع أعيان اللاذقية ووجوهها من مختلف الملل 
ووكلاء القناصلء فانتخبوا عشرة أعضاء برئاسة «منح الصلح» للاهتمام بالطرق بين حلب واللاذقية 
وتنظيف المرفاً. وقد فوضت هذه اللجنة من قبل الأهلينء. بوضع ضرائب ورسوم معتدلة على 
البضائع الصادرة والواردة وعلى اللحم.ء بإشراف وتصديق مجلس الإدارة. لتأمين المصاريف اللازمة©. 

لقد أقدم مدحت باشا على هذا الاجراء» لاعتبارات كثيرة. نذكر منها على سبيل المثال لا 
الحصر: 

1- لقد أرسل مدحت باشا إلى سوريا تحت عنوان اصلاح شؤونهاء لتكون مثالاً للعبور 
منه إلى بقية ولايات السلطنة العثمانية. ولا سيما من أجل تغذية خزانتها العامرة". وكان 
يدرك بعد أن أوقف السلطان عبدالحميد الثاني العمل بالدستور ‏ بأن الحزب المحافظ في 


0 أشار السيد «دي لابورت» (»«دمداء< .80 » القنصل الفرنسي العام في بيروتء بتاريخ 10 أيلول 21879 أنه في الوقت الذي 
كان فيه مدحت باشا منهمكاً بورشة اصلاح شؤون ولاية سوريةء ويطلب من السلطنة المساعدة المالية» ارسل الباب 
العالي إلى سموه 9©:ع:اه ده:) أمراً يطلب منه أن يقتطع 33906 من مخصصات ومعاشات العاملين والمستخدمين في 
كل انحاء الولاية. من أجل تحقيق الوفر الاقتصادي في خزانة السلطنة. وطلب منه أن يتشدد في تنفيذ الأمر قائلاً: 
«لقد كانت ولاية سورية على الدوام ولاية متميزة في اعطاء المثل الجيد. ويأمل الباب العالي من مدحت باشا تنفيذ 


الأمر بسرعة وقوة وحزم. لأن تنفيذه سيكون مثالاً ستشيعه الولايات الأخرى». 6 .7 مأك .[9 ,14 1012826 ...عاق تطتاء100. 


94 


ملاحظات 2 دد منها 


السلطنة, المعارض للإصلاح ممثلاً بهذا السلطانء كان يعمل على إبعاده من أجل إفشاله والخلاص 
هنك . 

2 - إن الترحيب المحلي بقدومه. الرسمي منه والشعبيء الذي لقيه لدى قدومه في كل 
أنحاء سورياء كان مؤشراً على درجة الثقة التي تستحقها شخصيته من جهة. وعلى عظم الآمال 
المعقودة عليه من جهة أخرى؛ وعلى المسؤولية الكبرى التي ألقيت على كاهله من جهة ثالثة. 
وهذا ما جعله يشعر بأن فشل مهمته يعني فشله هو بالذات. وهذا بالنسبة إليه أمر ممنوع, 
عبّر عنه بصوت عال في الزيارات المتبادلة التي التقى فيها بالسلك القنصلي في بيروت”". 

3 - إِنْ الخطوات الإصلاحية التي قام بهاء خاصة اقتطاع سنجق اللاذقية من سنجق طرابلس» 
كان يأمل من خلاله أن تساعده السلطنة ‏ على الأقل ‏ بالأموال اللازمة لتأمين مستلزمات هذا 
الفصلء ولاسيما أنه سيساعد على توقف النصيرية عن العصيانء الذي كاد أن يكون متواصلاً. 
وهؤلاء ‏ حسب رأيه ‏ كانوا لا يريدون غير الهدوء والسكينة. علماً أنهم قد أهينوا واستغلوا بشتى 
الطرق والوسائلء سواء من قبل المجموعات العسكرية التي أرسلت ضدهم. أم من قبل القائم 
مقام البعيد جداً عن مركز الولاية. وعن عيون المراقبة. إِنْ خطوة الفصل هذه. كان مرتاحاً لها. 
ويجب تثبيتها رغم محاولات دفعه إلى اليأس والإحباط2. 

4 - العجز السنوي المزمن في موازنة الولاية. البالغ 55000 ليرة تركية سنوياً. هذا العجز 
السنوي في موازنة الولاية» كان يترافق مع لجوء الباب العالي إلى الاستدانة من دائنيه من دون 


أن يرد إليهم هذا الدينء. هذا من جهة. ومن جهة أخرىء فقد سبق له أن ارسل دائنيه إلى 


فى بيروت. «السيد برتيه» (عنء 6< .20), إلى وزير الخارجية الفرنسية. «السيد ودينغتون» (دمعع م100 .031). > بتاريخ 
29 كانو 5 الأول 8 64-65 .رج كك .2ه ,14 ©1012 ,...كاتتء طنتاء00آ. 


)2( 6 .2 ,18 2ت عتااء1 يأك .جه ,14 1012876 ,..كاضع تتاء 100 


95 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


خزانة الولاية وهم يحملون إشعارات الدفع الفوري لهم من خزانة هذه الولاية". 


5-إِنْ الحزب المحافظ الواقف إلى جانب السلطنة في القسطنطينية: كان يرفض له كل 


طلباته تقريباً. وليس هذا فحسبء بل ويعمل على وضع العراقيل في وجهه. بهدف شل إرادة 
الإصلاح لديه. ومنعه من تحسين وضع الولاية التي عهدت إليهء ولاسيما أنها تحتاج إلى حاجات 
كت 06 


من أجل هذه الاعتبارات وغيرهاء عمل على تشكيل لجنة فرض الضرائب والرسوم في 


اللاذقية. فالإصلاح بحاجة إلى المالء ولا سبيل إليه ‏ في الوضع الذي خُشر فيه إلا عن هذا 


الطريقء بعد أن استنفدت السخرة جهود العاملين على الطرقات7©. 


3 - حل جمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية 


لم يتناول الياس صالح اللاذقي مسألة حل جمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية. علماً أنه 


عاش هذه المرحلة وشهد أحداثها؛ وإنه من غير المعقول أن لا يكون قد علم بهذا الأمر. 


(10) 


(2) 


(3) 


أشار القنصل الفرنسي العام في بيروتء في رسالته إلى وزير الخارجية الفرنسية» بتاريخ 29 حزيران 1879, ان من دائني 
السلطنة في القسطنطينية. «السيد ظريفي» (5نمه .36) وغيره كثيرونء قد حؤلوا إلى خزانة الولاية بارساليات من 20 
الف ليرة و30 ألف ليرة تركية. مع اشعار بالدفع فوراً. 

76-7 .7 ,12 هذا عتكاء1 مأك .0 ,14 101226 ...عاض 7زتاء 170 
المصدر السابق» ص 77. 
أشار «السيد دي لابورت» 0:ءدمداء< .26). القنصل الفرنسي العام في بيروتء في رسالته إلى «السيد وذينغتون» (0 
:م2211 وزير الخارجية الفرنسية. بتاريخ 0 ايلول 1879 أن سفر مدحت باشا في دورته التفقدية. من دمشق إلى 
طرابلس» مروراً بحمص وحماه واللاذقية» قد جرى بالعربة للمرة الأولى» على طرقات شقت بالسخرة بمبادرة خاصة 
منه. وهذا بالتأكيد امر مفرح بالنسبة إليه. فقد تمكن خلال وقت قصير أن يفتتح طريقاً للعربات» في بلاد ربما لم 
تشهد ذلك منذ عصر الرومان. كان من الطبيعي أن اهنأه وسموه يبدي شيئاً من الفخار بنفسه. غير أن الاستنتناج» بأن 
هذه الطرقات قد باتت من الآن في حالة تسمح بتنظيم رحلات للعربات عليهاء امر يجب التحفظ عليه. لأنه لا مكان 
للجسور عليها. فهذه لا يمكن إنجازها بالسخرة وبوقت سريع. فهي بحاجة إلى أساسات وبناء. ولذلك» من الصعب أن 


نحدد مدة لإنجازها , 91-92 .مم ,18 مس عشاعا كل بره ,14 عصبها كامعدسءه2. 


596 


ملاحظات 2 دد منها 


فكل ماأشار إليه حول هذه المسألة هو أن السلطنة العثمانية, «قد أوجست أخيراً أن مدحت 
باشاعامل على إنشاء مملكة أو امارة مستقلة عربية فعزلته وحولت الولاية لعهدة أحمد حمدي 
باشا» (1885-1880). وهو صدر أعظم سابقا”". وسبق له أن تولى ولاية سوريا. صحيح. إِنّ تناول 
هذه المسألة, قد يبعدنا قليلاً عن أجواء «آثار الحقب في لاذقية العرب». لكنء. من المفيد 
أن نتوقف عند هذه المسألة لسبب بسيطء وهو أن حل هذه الجمعيات. قد جاء في سياق 
وضع عام,. كانت تمر به السلطنة العثمانية ومنطقة الساحل الشرقي للبحر المتوسط؛ واللاذقية 
وجمعيتها الخيرية لم تكن خارجة عن هذا السياق. 

لقد وصل «أحمد حمدي باشا» ليتسلم مهام الولاية. عبر بيروت في 10 أب 1880. وفي اليوم 
التالي ‏ على متن نفس السفينة العثماينة الحربية «عز الدين» ‏ غادرها مدحت باشاء بعد أن 
انقلب عليه السلطان عبد الحميد الثاني. فبعد أن خلع:؛ اقتيد بشكل يشبه الإطاحة به. علماً 
أنه لم يكن في حسابه يوماً أن تكون نهايته على هذا الشكل. فقد سيق مخفوراً «بعد أن 
عومل كمجرم بحق الدولة» 4'8040 اعصنستى ده 6انهئ مزه[ وؤرمة). وكان لايزال في بيروتء عندما 
ازيلت الحجارة المزخرفة. من على واجهة دار اليتيمة في دمشقء التي تحمل العبارة المشهورة: 
«مدحت خديوي سوريا» (عتترة عل 6ذل16 :31102):» على حد تعبير القنصل الفرنسي العام في 


. (3) 
ببجرونا .: 


() تولى أحمد حمدي باشا منصب الصدارة العظمى عام 1295 ه 1878 م فترة قصيرة من الزمن. ومن الجدير بالذكر هناء 
أنه خلال هذا العام المذكور. قد تولى هذا المنصب عدد من الوزراء العظامء وهم على التوالي: أدهم باشاء أحمد 
حمدي باشاء أحمد وفيق باشاء صادق بأشاء مرسم محمد رشدي باشاء صفوت باشاء خير الدين باشا. أي بمعدل اقل 
من شهرين لكل واحد منهم خلال هذا العام. وهذا ما يدعو إلى التساؤل والبحث. 358.م نلك .زه ,اعضبم .مع صيعمط. 

تقولى أحمد حمدي باشا منصب ولاية سورية في عام 1292 ه 1875 م. هذا ما أشارت إليه المصادر الفرنسية. -نههم 
81 .م ,1 عه ...وتمعص. ؟ غير أن مؤلف «الإدارة العثمانية في ولإدبة سورية» جعل العام الميلادي الموافق لعام 1292 ه 
هو 1876. وجعل مدة ولايته سنة واربعة اشهر. عبد العزيز محمد عوض. المرجع السابقء ص 343. 

(3) كان القنصل الفرنسي العام في بيروتء. السيد سينكيا ويكز (20.5:»016«12)» يرصد جيداً حركة وصول أحمد حمدي 
باشا إلى بيروتء ورحيل مدحت باشا عنها. وحول هذه المسألة, أشار في رسالته إلى وزير الخارجية الفرنسية «السيد 
فريسينا» (0»دنب:< .81). بتاريخ 14 آب 1880: أن مدحت بأشاء كان يبدو حتى اللحظة الأخيرة مليئاً بالثقة بنفسه؛ وأنه 
قد أكدٌ له قبل ثلاثة أشهر من هذا التاريخ» بأنه سيعود يوماً إلى سورية كإنسان عادي لا أكثر؛ وأنه كان يجهد للافصاح 
عن آماله المخبأة بكلمات مختارة؛ وأنه يعتمد دائماً على ما يمكن أن يحصل في القسنطينية. ,14 ءسه؛ .عام عمط 


212-3 بصم. 


597 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


إننا إذ نشير إلى هذه التفاصيلء فمن أجل أن نؤكد., أن أحمد حمدي باشاء الذي أبدى 
كل لياقة تجاه سلفه المخلوع: كان يعرف جيداً الغرض الذي جاء من أجله والمهمة المكلف 
تنفيذها. فبعد أن باتت الولاية بين يديه. بات عليه أن ينفذ ما يطلب منه؛ وهو وضع حد 
لجمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية, وأن يضع مدارسها في قبضة السلطنة. ولا سيما بعد أن 
وجد أن هذه المدارس تحذو حذو مدارس الإرساليات الأجنبية وتتعامل معها في تطوير وتعديل 
برامجها؛ وأنها تبتعد شيئاً فشيئاً عن مناهج وبرامج السلطنة. 

وهكذاء وبالتشسيق مع الباب العاليء راح الوالي الجديد يضايق هذه الجمعيات ويراقب 
مدارسهاء منتظراً ما سيصدر عن السلطانء الذي انتهى إلى قناعة بأنه لم ينجح في عملية ضبط 
عمل هذه الجمعيات وحصر تأثيرها لمصلحته الخاصة بالاتجاه الذي كان يريده. وهو الاعتماد 
عليها من أجل الدعاية للعصبة الإسلامية. والعمل ضد الأفكار الأوروبية التي تدخل إلى البلاد. 
في حين أن ما وصل إليه من خلال إنشائهاء هو أنه منح العنصر العربي وسيلة يتمدد بواسصطتها 
تأثيره ونفوذه. وإذا كان صحيحاً أن أعضاء هذه الجمعياتء كانوا يلتقون فيما بينهم.: قبل أن 
ينتسبوا إليهاء فقد باتوا أعضاء في جمعيات مجبرين على اللقاء والتباحث والتعاونء وأن يعتمدوا 
على بعضهم البعض. وهذا ما لا يتفق مع سياسة السلطنة وتوجهاتها القائمة على مبدأ «فرّق 
تسد». وعلى ضوء هذه القناعة باتت مسألة وضع حد لهذه الأمور والخلاص من هذه الجمعيات 
بشكل رسمي مسألة وقت لا أكثر. 

القنصل الفرنسي العام في بيروت. «السيد بتريمونيو» (منصمصتئةط .30): رأى في 


رسالته التى وجهها إلى السيد «دي كليرك» (0:هءن2 .34)» رئيس مجلس الوزراء. وزير 


58 


ملاحظات 2 دد منيا 


الخارجية الفرنسية» بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 1882, أن حل هذه الجمعيات بالنسبة للسلطنة العثمانية, 
قد حان إثر معركة «التل الكبير» التي خاضتها بريطانيا في مصر ضد «أحمد عرابي باشا» 
ورفاقه في الحركة الوطنية المصرية بتاريخ 14-13 أيلول/سبتمبرء ودخول طلائع هذه القوات إلى 
القاهرة في الخامس عشر من ذلك الشهر. يومها هزم أحمد عرابي وحوكم ونفي هو ورفاقه 
إلى جزيرة سيلان. لقد أدت هذه الهزيمة الصاعقة إلى نقمة إسلامية عارمة. والى حالة عامة من 
الذعر والوجوم. وقد أكد هذا القنصل في هذه الرسالة. أنه في هذا الجو من الإحباط «تلقى 
الوالي (أحمد حمدي باشا) من القسطنطينية أمر حل الجمعيات المسماة خيرية؛ المؤسسة من 
مدحت باشاء كما «أمر أن ينتزع منها ما كان قد خصص لها من منافع وقفية»2. وهكذا تكون 
السلطنة قد قامت بما هو مطلوب منها تجاه حل هذه الجمعيات؛ وبقي أن يقوم الوالي بما هو 
مطلوب منه. وهو إيجاد السبب المباشر لإبلاغ القرار إلى أصحابه المعنيين به. ومن أجل ذلك, 
فقد استدعى إليه قاضي بيروت ‏ كان هذا الأخير قد عاد حديثاً من القسطنطينية ‏ من أجل 
التشاور معه بمسألة تنفيذ أوامر الباب العالي. ويسدو أن واحداً من الأعمال التي أثارت القلق 
لدى القسطنطينية. هو إلقاء القبض في مياه بيروت. على حمولة خمسة وثمانين برميلاً من 
البارود على سفينة عثمانية» يمتلكها أحد المسلمين المدعو «سالم طرباي»». الذي ألقي القبض 
عليه. ووضع في السجن. وراح الوالي يرسل الأمر تلو الآخر لتحريك الدعوى من أجل إيجاد 
المشكوك بأمره. علماً أن الوالي كان يعتقد جازماً أن الحمولة تخص جمعية المقاصد الخيرية في 
بيروت» وأنها هي التي ستدفع ثمنها. أما الغاية ‏ حسب رأيه ‏ فهي أن الحمولة ستستخدم ضد 
السلطات التركية. في حال أن الاعمال الحربية في مصر اتخذت وجهة أخرى لصالح العرب. 
ومهما يكن من أمرء فقد تابع الوالي أوامره لمواصلة التحقيق. لكنء: بدون جدوى. لأن 
كل مسلمي بيروتء. سواء منهم من في الدوائر الإدارية أو القضائية. كانوا يبذلون جهدهم 


1 المأروي | 1 


)21 .416-418 .جزم ,107 هحص عطاء1 ,14 عتنه] ,..كاصع طتتاء 100 


99 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


من أجل تخليص المتهم ليصبح حراً من جهة:. ولإسقاط التهمة المنسوبة إليه. التي لم تثبت 
ل" 

وعلى أي حالء ما لبث الواليء أن أبلغ قرار حل الجمعيات إلى أصحابه المعنيين في 27 
تشرين الثاني 2+؟؛ وشكل لإدارة مدارسها ‏ ولا سيما في بيروت ‏ «شعبة معارف» مركزها بيروت؟ 
وظلت تحت سلطة الدولة العثمانية حتى نهاية حكم السلطان عبد الحميد 1909. وخلال هذه 
الفترة. كانت مدارسها قد أهملتء وتدنى مستواها العلمي بشكل ملحوظ7. 

وفي ختام هذا الحديث على أسباب حل هذه الجمعيات الخيرية بالارتباط مع سقوط 
مصر بيد بريطانياء لا بد من الإشارة. إلى عدد من الاراء. التي رفعها السيد «سينكيا ويكز» (.11 
2 القنصل الفرنسي العام في بيروت. في رسالته إلى السيد «فريسينا» (عصنهترء»ظ .30)) 
وزير الخارجية الفرنسية: بتاريخ 14 آب 1880 من بيروت. 

الرأي الأول وهو رأي هذا القنصل نفسه. وهو أن مدحت باشا انكليزي التوجه حصراً 
وأنه أبلغ هذا الأمر إلى المعني به عبر أناس يرتبطون به ارتباطاً وثيقاًء والرأي الثاني يتردد 
في بيروت. وهو أن سقوط مدحت باشا هو أكثر من فشل مهين لانكلترا؛ والرأي الثالث 
وهو لعدد من الشخصيات الأكثر صلة بالوضع.ء يرون أن مدحت باشا قد بات عائقاً بالنسبة 
للإنكليز أنفسهه”. 

على ضوء هذه الآراء التي أشرنا إليها. يمكن أن نطرح التساؤل التالي: 

ألا يمكن أن تكون القوى المحافظة القيّمة على رأس السلطنة. قد عقدت صفقة بينها وبين 
بريطانيا للخلاص من المطالبين بالإصلاح في مصر وسوريا؟ 

إن كل القرائن والمعطيات التي بين أيديناء تدل على وجود مثل هذه الصفقة. بحيث 


00 418-419 .مع نأك .هه ,14 10126 ...عاض دتتاء100 
لبلا الشام وحتى الحرب العالمية الأولى (1914-1831): أطروحة غير منشورة. مرجع سابق ص 181-179. 


)3( 13 .7ر54 هد عتاع1 ,14 ترما ...عاض طتتاء 100 


1[00 


ملاحظات 2 دد منها 


توجه بريطانيا ضربة ذات طابع عسكري للحركة الوطنية المصرية. وتوجه السلطنة ضربتها إلى 
مدحت باشاء تأخذ طابع الانقلاب علس نفسهاء من خلال الإطاحة بشريكها في الحكم. التيار 
الإصلاحي ممثلاً بمدحت باشاء ثم توجه ضربة إلى جمعيات المقاصد الخيرية فتحلها. هذا 
بالإضافة إلى أنها تؤجج الصراع بين بريطانيا وفرنسا ولا سيما أن هذه الأخيرة كانت تحضّر خطة 
لاحتلال مصر. ولنتبين صورة هذه الصفقة. لا بد من الإشارة إلى الأمور التالية. ليتوضح مشهد 
ما جرى وما كان يجري في كل من مصر وسوريا: 

1 في مصر حركة وطنية مصرية. مناهضة لحكم «الخديوي توفيق» (1892-1879).: المرتمي 
في أحضان الإنكليز. هذه الحركة كانت تتمثل بأحمد عرابي باشا ورفاقه من ضباط الجيشء 
واستطاعت عبر نضالاتها أن تفرض وجودها على الخديويء. الذي لم يعد قادراً على الحكم من 
دون مشاركتهاء أو على الأقلء الوقوف على خاطر قادتهاء والموافقة على مطالبهم المتمثلة: بتشكيل 
حكومة وطنية تعزز الجيش عدداً وعدة وإعداداً؛ وبتشكيل «مجلس شورى النواب». لدراسة 
موازنة البلاد وتدقيق حساباتها وأرقامها؛ وفتح سلم الترقي أمام الضباط المصريين للوصول إلى 
أعلى المراتب في الجيشء أسوة بغيرهم من الضباط الجراكسة الأغراب من غير المصريين؛ ورفض 
التدخل الأجنبي في شؤون مصر... ولذلك. فقد باتت هذه الحركة عائقاً مشتركاً أمام السلطنة من 
جهة. وأمام بريطانيا من جهة أخرى. علماً أن هذه الأخيرة, كانت تخطط أيضاً لاحتلال مصرء منذ 
أن شقت قناة السويس من قبل شركة فرنسية عالمية. أسسها المهندس الفرنسي «فرديناند دي 
ليسبس» (1.655655 06 24 منل») 7. لقد بات الخلاص من هذه الحركة من مصلحة بريطانيا وفرنساء 
بقدر ما هو من مصلحة الخديوي والسلطنة العثمانية, ولا سيما القوى المحافظة فيها. وكان دخول 


بريطانيا على خط منافسة فرنسا في مصر, قد زاد من منسوب حدة التناقض بين الدولتين. 


(*) اصدر الخديوي محمد سعيد (1863-1849) ارادته بمنح المهندس الفرنسى «فرديناند دي ليسبس» حق تاسيس الشركة 
العالمية لقناة السويس (2عنة عل لقصف نل علاعومءعتصي 506:6 )فى 0 تشرين الثانى 4؟؛ وأصدر السلطان عبذ المجيد 
(1861-1839) فرمان موافقته على انشاء هذه الشركة فى 19 آذار 1856؛ ودشنت أعمال الملاحة فيها فى 17 تشرين الثانى 


9 332-333 .2 1 10126 ,...قتتاء تناع 100. 


101 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وهذا ما استفادت منه السلطنة إلى أقصى حدود الإفادة. من أجل بقائها والحفاظ على سلامتها. 

2 بعد انقلاب السلطان على مدحت باشاء وإزاحته من منصب ولاية سورياء بقيت 
الجمعيات التي تختلف توجهاتها عن تلك التي أنشئت من أجلها. تلك التوجهات التي كانت 
السلطنة وبريطانيا تعملان من أجلهاء وهي إحياء العصبة الإسلامية. من أجل إثارتها في وجه 
فرنساء لإفشال مخططاتها في احتلال سوريا ومصر وما تبقى من بلدان شمال افريقيا. ولذلك. 
عندما شبت هذه الجمعيات, عن الطوق المعدٌ لهاء باتت هي أيضاً عائقاً مشتركاً أمام السلطنة 
وبريطانياء وكان لا بد لهما من الاتفاق على إزاحة هذا العائق. 

3 - لقد وازن السلطان عبد الحميد. رأس السلطنة المحافظ بين أمرين ليختار واحداً منهما: 

الأمر الأول» وهو أن تبقى الحركة الوطنية في مصرء وجمعيات المقاصد الخيرية في سوريا 
تقضان مضجعه. ويتراجع أمامهما ليفرض عليه الإصلاح عاجلاً أم آجلاً. 

الأمر الثاني وهو أن يقتسم مصر مع بريطانيا ليستبقي سوريا تحت سلصطته ولمصلحته. 
على أن يصار إلى إخراج حركة الإصلاح من المعادلة في مصر. 

بالطبع: لقد اختار السلطان الأمر الثاني. وتمت الصفقة على حساب العرب عامة 
والمسلمين منهم خاصة. وعلى ضوء هذه الصفقة. ضربت بريطانيا الحركة الوطنية المصرية 
واحتلت مصر. أما السلطنة. فقد قامت بما هو مطلوب منها ولمصلحتها الخاصة كما رأينا. 
وهكذاء لم ينفع الحركة الوطنية المصرية. ولا جمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية كون أعضائهما 
مسلمين في علاقتهما مع السلطنة العثمانية, دولة الخلافة الإسلامية. لسبب بسيطء وهو أن ما 


يحكم العلاقة بين الدولء هو المصالح المتبادلة بينهاء وليس أي شيء آخر. 


في نهاية هذه المقدمة. لا بد من الإشارة إلى عدد من أهم الاستنتاجات. التي خلصنا 
إليها من خلال هذا الكتاب: «آثار الحقب فى لاذقية العرب». من هذه الاستنتاجات: 


102 


ملاحظات 2 دد منها 


1 -لقد التزم الياس صالح اللاذقي بمنهجه. الذي حدده لنفسه في مقدمة كتابه. فقد راعى 
مبدأ الابتداء بالأخصء ومنه انتقل إلى الأعم فالأشملء عندما كتب عن لاذقية العرب أولاًء ومنها 
انتقل للكتابة عن لوائهاء وعن ارتباطهما ببعضهما البعض من جهة. وبالشعوب المحيطة بهما من 
جهة أخرىء عبر مختلف عصور التاريخ. 

2-إنْ المؤلف. الذي آمن بأن من واجب الإنسانء أن يعرف تاريخ مدينته ووطنه. قبل أن 
يعرف تاريخ المدن والأوطان الأخرىء قد التزم بهذا المبدأ. وقدم لمواطنه الأحداث بإحساس 
المواطن المسؤولء عما يجب أن يعرفه عن مدينة اللاذقية ولوائها. 

3- منذ عام 1840 أطلقت الدول على السلطنة لقب الرجل المريض. فلم تعد بعد هذا 
العام سيدة نفسها على شعوبها وأراضيها؛ ولا سيما بعد أن تشكل «القومسيون الدولي للإصلاح 
في سوريا»» وسمح للأجانب بامتلاك الأراضي. وبالتالي فإننا لا نغالي إذا قلنا بأنها باتت لاعباً من 
جملة اللاعبين بمصير هذه الشعوب وهذه الأراضي. 

4 إن المعرفة التي قدمها لمواطنه. هي معرفة شاملة. في الجغرافيا والاجتماع. وفي 
الاقتصاد والآثار.ء وفي الإدارة والتاريخ. وإذا كان صحيحاً أنه اعتمد فرع التاريخ الحوليء ولا سيما 
في الجزء الثاني من الكتابء فالصحيح أيضاً أنه لم يترك شيئاً ناقصاً لمن يريد أن يبحث 
ويكتب ويربط الأحداث التي أشار إليهاء بالتاريخ الإقليمي والدولي. 

5 -يغطي الكتاب فترة طويلة من تاريخ مدينة اللاذقية ولوائها. غير أن أهم ما فيه. هي 
تلك الفترة الممتدة خمسين سنة 1881-1831. فهي تمتاز بدقة ما أشار إليه وتحدث عنه. بدليل 
أن مصادر أخرى رسمية وشبه رسمية قد أشارت إليه أيضاً. 

6 -يعتبر هذا الكتاب مصدراً هاماًء من مصادر إعادة كتابة التاريخ العربي بشكل أدق. 
ولا نعتقد بعد اليوم: بوجود هذا الكتابء بجدية أية دراسة. عن منطقة الساحل الشرقي للبحر 
المتوسطء أو القطر العربي السوري في العصر الحديث, بدون أن يكون هذا الكتاب مصدراً 
أشاهما 3 مضا ةرهنا: 


حلبا فى 2012/8/9 


3. الياس جريج 


103 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


1014 


صل احظات ل دد عنيها 
ملحق رقم 1 


حكام لواء اللاذقية في المرحلة الانتقالية 


حجاؤق وسويداني» 
اسماعيلي: أمير قاعة 


القدموس 


اسماعيلية: الحجاوية 


والسويدانية 


من بني مطرد وبني 
عثمان: نصيري: مقدم 
قرية الحضان؛ ومن 
بني عاصيء تصيسريه 
مقدم: عين قيسطىو؛ 
ومن بنى جحجاح. 
الحماغ؛ ومن البشالدة 


بعيدا ودير بعبدا 


حلّة بني باشوطء حلة 
الحمام حلة السرامطة 


ومن بني غريبه 
تنصيريء» مقدم قرية 
الدالية. 





105 


اثر الحقب في للاضّة العرب 


هصطتثورء ساخهخل أ 
القرداحة 


106 


من بني احم تنصيرى»: 
مقدف بتنبول؛ وبني 


جركس: نصيريه مقدم 


مرج معيريات؟ بني علي 
نصيريء مقدم. القرداحة؛ 
وبني العيلة وشياب الدين 
نصيري: مقدم القرداحة؛ 
وبني حصورل» نصري 
مقدم بشلاماوالبراج؛وبني 
علوش,نصيري مقدمقرية 





صل احظات ل دد عنيها 


مسلم.: أجناذ. الحفة؛ 


اجنات. شير القافة 

وبنى الجندي ابراهيف 

مسلم.: اجناث منجيل؛ 
اجناد: الزنقوفة 








107 


اثار الحقب في لثاضّة العرب 


ملحق رقم 2 
تركيب لواء اللاذقية في نظام الإدارة الانتقالية  1840(‏ 11865" 
1[ قضاء اللاذقية 


ساحل اللاذقية وقرى الجسرين 118 
البهلولية 34 466 


البايروالبوجاق : 7 3 0550 
صهبون : ' ١‏ 1760 
جبل الأكراد 112 

بيت الشلف ْ 7366 
المهالبة 3664 





2 - قضاء حمله 


اغداد نفوس الطوائف 
و | صني | مسحة | ضيه | 


قرق الأوقاف والتمسات 
السمث قبلة 
القرداحة (أو الكلبية) 








0 نظم هذا الجدول بالاستناد إلى: الياس صالح اللاذقي, أثار الحقب في لاذقية العرب. صفحات عديدة. 


108 


ملاحظات ا دد هنيها 


ملحق رقم 3 
لواء اللاذقية الملغى في تقسيمات ولايه سوريا 165 1" 


عدت القرق اعداد |00 اعداةطوائف السكان 000000 السكان 
| 


1 12010 
1! 2 
2010 


نالجةة 








(1 نظم هذا الجدول بالاستناد إلى: الياس صالح اللاذقيء أثار الحقب قي لاأقية العرب. صفحات عديدة. 


109 


كار الحقب في لنأضِة العرب 
ملحق رقم 4 


تركيب لواء اللاذقية فى آب 18729 7 


الولاية ومركزها الناحية وعدد القرى 


لواء اللاذقية ْ تتبع مركز 
المتصرفية 


البايروالبوجاق 63 


جبل الأكراد 121 
بيت الشلف 113 
المهالية 47 
القرداحة 58 
بني علي 22 
السمت قبله 59 
الوقف والشمسيات 


والساحل 36 


القدموس 58 على رأسها مدير يتبع مركز 
القضاء. 








جرى إعداد هذا الجدول بالاستناد إلى الياس صالح اللاذقي: أثار الحقب في لاذقية العرب» صفحات عديدة. 


110 


ملاحظات لا دد منييا 
ملحق رقم 5 
كشف بأسماء أعضاء جمعيات المقاصد الخيرية الإسلامية0) 


جمعية المقاصد الخيرية في بيروت 


محرم بك رئيساً أحمد دويان أفنديء بديع اليافي أفندي. حسن الطرابلسي أفنديء راغب 
عزالدين أفندي. سعيد طربيه أفنديء عبدالله الغزاوي أفندي. عبد القادر قبانى أفندي, عبد 


الرحمن الناعماني أفندي. محمد ديه أفنديء. مصطفى بشارة أفنديء محمد اللبابيدي أفند 


دا 


3 


6 


محمد أبو سليم المغريل أفندي. بشير البربير أفنديء حسن بيهم أفنديء سعيد الجندي أفند 


م)ء 


طه النصولى أفنديء عبد القادر سنو أفندي, عبد اللطيف حماده أفندي, محمود < 


ّ 
١ 


فند 


6 


جمعية صيدا للمقاصد الخيرية 


كامل أفندي المغربي ركيسناء عبد الفتاح أفندي ميقاتي.» حسين أفندي جوهريء عبدالله 
أفندي لطفيء عبد السلام أفندي زنتوت. عمر أفندي نحوليء منيب أفندي الصلح. محيي الدين 
أفندي جوهريء. حسن أفندي جوهريء محيي الدين أفندي حشيشوء؛ محمد أفندي زنتوت. محمود 
أفندي حلميء عبداللطيف أفندي لطفيء. محمد أفندي نعمانيء ابراهيم أفندي قطبء ناصيف 
بك الأسعد. 


جمعية طرابلس العلمية الخيرية 


ابن الميقاتي الشيخ علي أفندي رشيد رئيساً. عبد القادر أفندي المنلاء الشيخ خيرالدين 


(1) اعد هذا الكشف بالاستناد إلى سالنامة ولاية سورية لعام 1298ه دفعه 13 ص 149 161, 183 2195 2216 218. 


111 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أفندي ميقاتي, الشضيخ محيسي الدين أفندي اليافسي» محيسي الدين أفندي سلهب» الحساج محمد 
أفندي القرقء عثمان أفندي علم الدينء. محمود أفندي المنلاء عبد العزيز أفندي سلطان. الكاتب 
عبد الرحمن شريف بكء الشيخ عبدالرحمن أفندي الصوفيء الشيخ عبد الغني أفندي البارودي, 
الشيخ عبدالله أفندي البركه. عبدالله أفندي العكاري. محمد أفندي مراد. عبدالقادر أفندي الزين. 
عثمان أفندي الحداد. أحمد أفندي الزوقء أمين الصندوق مصطفى أفندي عز الدين. 
الجمعية الخيرية في اللاذقية 

ابن الصلح السيد منح أفندي رئيساًء رئيس ثاني ابن المولوي صائب أفنديء ابن هرون 
محمود اغاء ابن اوسطه محمد أفنديء ابن المفتي فيض الله أفنديء ابن شواف قاسم أفندي, 
ابن المحمودي عبد الفتاح أفنديء ابن الدجاني اديب أفندي.ء ابن المفتى علي أفنديء ابن 
الصوفى محمد صالح أفندي, ابن فتاحى عيدك الفتاح أفندي, ابن رويحة محمد أفندي, ابن عجان 
عبد الحميد أفنديء ابن قواف ابراهيم أفندي, ابن حكيم محمد أفنديء. ابن هرون اسعد آغا. 
جمعية عكا الخيرية 

رئيس مصطفى أفندي صبري ومعاونه محمد أفندي عرابيء شكري أفندي الصفديء سليمان 
أفندي فضه. رشيد أفندي الصفديء عبد الرحمن أفندي شعرء عثمان أفندي حسينء محمد أفندي 


خليفة محمود أفندي ابو العلى. مصطفى أفندي عوينيء أحمد أفندي عبدو. امين أفندي جراح.: 
محمد علي أفندي كرديء الكاتب أحمد أفندي حنوشء مصباح أفندي سعاده. امين الصندوق 


امن أفندي الصفدي. 


جمعية نابلس الخيرية 


الشيخ مصلح أفندي صلاح رئيساً. عبد الرحيم أفنديء الشيخ منيب أفندي زيد. الشيخ 


112 


ملاحظات للا دد هنها 
محمد أفندي؛ الشيخ عباس أفنديء درويش بك طوقان.ء عبد القادر آغاء امين أفندي القاسم., 
محمد أفندي الصادقء محمود أفندي الطاهرء حسن أفندي النابلسيء بدوي أفندي عاشور. 
الجمعية الخيرية في ناحية جنين 
عبد الحميد أفندي رئيساً راغب أفندي غروقه. محمد أفندي عبوشء سعيد أفندي المحمد. 


مصطفى أفندي الصباح. محمود أفندي الحاج حسن. مصطفى أفندي الصغيرء امين الصندوق 


113 


اثار الحقب في لثاضّة العرب 


جدول رقم 6 


المسؤولون عن لواء اللاذقية الملغى من عام 71833 (0 


أ- خلال الحكم المصري 1840-1832 


5 
سعيد آغا عنتابلي افتدت مدة فتسلميته إلى عام 1833 
من أعيان حلبء عين من قبل ابراهيم باشا على اللاذقية وطراباسء سكن 
في اللاذقية. علماً أن اللاذقية كانت تتبع مديرية طرابلس وكانت هذه 


الأخيرة تابعة مديرية صيدا ومركزها بيروت. 


محمود حلفي بك ؛ مسؤول الإدارة الضابطية وشاكر أفندي مسؤول الإدارة المالية 


فضلي بك مسؤول الإدارة الضابطية وصالح أفندي مسؤول الإدارية المالية. ثم غيرت السلطنة الألقاب فبات مسؤول 
الضابطية «قائم مقاماً» والمالية «مدير مال» 


000 أسيس إسيدسييك‎  هيسسإ‎ #١ 





(*) اعتمد في إعداد هذا الكشف على: الياس صالح اللاذقيء آثار الحقب في لاذقية العرب. صفحات كثيرة. 


114 





ملاحظات ا دد هنيها 





لوأك 


ج- عام 1852 كان محمد أمين باشا والياً على أيالة صيداء عزل عندما كان في اللاذقية يقوم ببعض 
المهام. فسافر منها وعين مكانه وافق باشا 


ان مقع 


| وكالة نعاونة لين مال 


طرابلسي» جاء هن الأستانة بمعية محمود نديم باشا الذي عن والياً 
على ايالة صيدا 


وم 
نم مق 
« |تعواضى ا سمشم يتسيش 0000| 


عبدالقادر تاجى باشا 


يعاونه مدير مال. وفى هذا العام عزل خورشيد باشاء والى ايالة صيداء 


بيروؤت» بعد التحقيق معه بسبب الفتسة الدموية: من قبل اسماعيل باشا 

المجريء مندوب فؤاد باشا وقد حكم عليه بالنفي بعد أن صودر وجرّد 

من رتبه. كما حكم على أحمد باشا والي ولاية سوريا بالإعدام. 
اسك سم امس ا 
مق | بعلت مد مالف اساي ب 


وفي هذا العام صدر نظام اللسيع الويالات وقانون تشكيلها. 





115 








ار الحقب في للاضِة العرب 


جدول رقم 7 


القائم مقامون في قضاء لواء اللاذقية الملغى مع من ارتبطوا بهم من متصرفي لواء طرابلس وولاة ولاية 


سوريا 81-1865ة 11/01 


قائمقامو أقضية لواء اللاذقية الملغى 


قبتقضة د آغا 


0. 


علي آغا هروة 


| في عام 1865 اعتمدت السلطنة ترتيبا 
إدارياء فأسمت مسؤول اللواء قائم 
مقاماً ومسؤول القضاءء: مديراً ومسؤول 
| مالية القضاء كاتب مال. وفي أواخر 
| عام 1867 غيرت هذا الترتيتب فبات 
مسؤول اللواء متصرفاً ومسؤول القضاء 


| قائم هقاماً وكاتب مالية القضاء هدير 


|:مالى. وقن :نهدا الغا 2867 الحقت 


من تور أفندي | قضاء صهبولن نقضاء اللاذقية: وقضاء 
| المرة قضاه . 








ف نظم هذا الكشف بالاستناد الى: الياس صالح اللاذقي. آثار الحقب فى لاذقية العرب. صفحات كشرة ومتفرقة؛ وعيد العزيذ 
محمد عوض» الإدارة العثمانية فى ولاية سورية؛ 4 -1861ء مرجع سأبق» ملحق قء صن 343 ق ممتاعجره ,[ عنما ...أ ريع يصون 


1 اه 1-32 37.رم 


116 


ملاحظات لا دد هنيها 


عبدالحليم باشا ثم 


فى أوؤائل شهر حزيران 18759 


عاذت اللاذقية مركز متصرفقبة 
وباتت مركز لواء اللاذقية وعادت ١‏ 


أحمد أفندي الصضلح المناطق التي ارتبطت بها تاريخياً 


حمفادة 
2 لترتيط بهامن جديد 


أحمد أفندي ابازة 


هتصرف 





117 


اثآر الحقب في للاشِّة العرب 





لماه ا العزاتب_ شه 


71 ا هه 
ف 3 1 


قباس الرحم ١‏ تُفيدو مترات 





118 


119 





صلاحظات لذ مد منيدا 


120 





هش احظات 08 هذ عنفا 





صورة المرحوم الياس صالح اللاذقي 


ولد في كانون الثاني سنة 1839 وتوفي في 15 أيلول سنة 1885 


11 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


122 


مقدمة 


الحمد لله الذي اخضع العباد. لحكم ما جرى به القلم. وجعل في تقلبات أحوال البلاد 
اسراراً في طيّها حكم. أما بعد فيقول راجي عفو مولاه الغفور الصافح الياس بن موسى بن 
سمعان صالح. أنه لما كانت فوائد التاريخ غنية عن البيان. وكان من القواعد الواجبة المراعاة 
الابتداء بالأخص ثم الانتقال منه إلى الأعم كان من الواجب على كل إنسان أن يعرف تاريخ مدينته 
ووطنه قبل معرفة تاريخ المدن والأوطان الأخرى. ولما كنت مولوداً في مدينة لاذقية العرب 
ومعدوداً من ابنائها افرغت كنانة جهدي في البحث للوقوف على أخبارها القديمة والحديثشة 
فلم أعثر إلا على ما قل وندر بالنسبة إلى قدميتها وشهرتها في الأعصر الأولى والمتوسطة وذلك 
لعدم وجود من اعتنى بحفظ تاريخ مستقل لشيء مما حدث فيها في جيل من الأجيال فلذلك 
لم اتوصّل إلا للوقوف على ما عثرت عليه مما ورد بالعرض في التواريخ العمومية في ذكر 
أخبارها في الأجيال السالفة وما رُوي لي من اخبار جيلنا الحاضر ممّن شهدوا الوقائع أو نقلاً 
عمن شهدوها فجمعت ما تفرق في التواريخ المختلفة وما التقطته عن الرواة في مجموع واحد 
ليكون تاريخاً لهذه المدينة يغني ابناء الوطن عن كثرة المراجعات ومشقة البحث والتفتيش 
وصممت ان الحق به على التوالي ما يجدٌ في أيامي من أخبارها إلى ما شاء الله معتمداً 
على ما حدث ويحدث في عصري على سمعي وعياني وقسمته إلى قسمين الأول في جغرافية 

اللاذقية ووصفها الحالي والثاني في تاريخها وسميّته آثار الحقب في لاذقية العرب. 
وبالله بالتوفيق 


123 


كار الحقب فى للاقة العرب 


124 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


القسم الأول 


في جغرافية اللاذقية ووصفها الحالي 


125 


أثار الحقب في للاقة العرب 


126 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الفصل الأول 
فى نفس المدينة وعدد سكانها ومنازلها 


لاذقية العرب مدينة على ريف البحر المتوسط في اقليم سوريا في 35 درجة و25 دقيقة 
من العرض الشمالي و33 درجة 429 دقيقة من الطول الشرقي وفيها من السكان على موجب 
عدد الأنفس الذي اجرته الحكومة سنة 1866 مسيحية 11200 نفس منهم 9 نفساً مسلمون و 
45 نفساً روم اروثوذكسيون 1009 نفس ارمن غريغوريون و350 نفس موارنة و65 نفساً لاتينيون 
وبروتستانت وأقدم هؤلاء الطواكف وجوداً في المدينة هم المسلمون والروم أما الأرمن فقد 
ابتدأوا أن يستوطنوا فيها منذ أوائل الجيل الماضي وقد كان من جملة سكان اللاذقية في الجيل 
الماضي عائلات من اليهود وكان لهم كنيس موقعه في محلّة الصّليّبة إلا أن الجور والمظالم 
مرّقتهم فإن بعضهم نزحوا وبعضهم قتلوا وكان انقراضهم في أوائل هذا الجيل. وتنقسم المدينة 
إلى جهتين شماليه وقبليه ففي الشماليه ثلاث محلات وهي محلة الشيخ ضاهر ومحلة العوينه 
ومحلة القلعه وفي القبليه ثلاث أيضاً وهي محلة الشحاذين ومحلة الصباغين ومحلة الصّليَّبة 
وفيها - 1364 دارا و8528 دكاناً ومخزناً واحد عشر جامعآً وتسعة عشر 1 ومولويه واأحده 
وخمس كنايس للروم الأولى على اسم ماري نيقولاوس وهي الكاثدرا والثانية على اسم انداروس 
الرسول والثالثة على اسم ماري جاورجيوس والرابعة على اسم نياح السيده العذراء. والخامسة 
على اسم ماري سابا وهذه الأخيرة هدمت منذ بضع سنين وجُدّت ثم هُدمت ثانيةً قبل أن 
يكمل بناؤها فجُعلت عرصتها مقبرة عمومية لطائفة الروم وانحصر فيها دفن موتاهم بعد أن 
كانت كل عائلة منهم تدفن موتاها في كنسية مخصوصة من الكنايس الخمس. وبخارج كل من 
كنيستي ماري نيقولاوس والسيدة دير يسكنه الفقراء. وفي المدينة كنيسه واحدة للأرمن وواحده 


127 


كار الحقب فى للاقة العرب 


للاتينيين وهي في دير للرهبان الفرنسيسكانيين وكنيسة واحده للموارنة وثمانية خانات وستة 
حمّامات وسبع عشرة طاحوناً تديرها البغال وسبعة عشر فرناً وسبع معاصر للسمسم وخمس 
مصابن ومعملان بخاريان لحلج القطن وثلاثة مكابس لكبسه وفيها أربع مدارس اثنتان للبروتستانت 
تحت عناية المرسلين الأميركان احداهما للذكور والأخرى للإناث يُعلَّم فيهما اللغة العربية 
والإنكليزية وبعض العلوم الرياضية وللاناث اشغال اليد أيضاً وواحده للروم تحت عناية المطران 
للذكور يُعلّم فيها اللغة العربية والفرنساوية واليونانية والتركية وبعض العلوم الرياضية وواحده 
للاتينيين للذكور أيضاً تحت عناية الرهبان الفرنسيس كانيين يُعلَّم فيها اللغة العربية والايطليانية 
والفرنساوية وجميع هذه المدارس تقبل تلامذة من جميع الطوائف والمرسلون البروتستانت 
يقبلون في مدرستهم الذكور والاناث من أولاد النصيرية ويقدمون لهم الطعام والملابس ولوازم 
النوم مجاناً ولذلك تُعتبران ثابتتين ومجانيتين بالنظر إلى التلامذة النصيرية وأما بالنظر إلى 
التلامذة الذين من الطوائف الأخرى فهما يوميتان كمدرستي الروم واللاتينيين وتأخذان اجرةً 
إلا من الفقراء نظيرهما. ثم يوجد عدا ذلك للروم والموارنة مكاتب للذكور والاناث يُعلّم فيها 
القراءة العربية البسيطة وكتابتها وبعض أشغال اليد للاناث وأما المسلمون فهم مكتب رشدي 
مصارفه تُدفع من صندوق الحكومة يُعلَّم فيه اللغة العربية والتركية ولهم مكاتب أخرى للعربية 
البسيطة وجميعها للذكور. 

ثم أن المدينة واقعة على طرف لسان وتحيط بها أشجار أكثرها زيتون وهي منفصلة عن 
أسكلتها الواقعة على غربيها بمسافة نحو ربع ساعة ومن وراء المدينة إلى الشرق بميلة إلى 
الشمال تل عظيم مغروس بأشجار الزيتون وكانت عليه قلعة المدينة القديمة وهي قلعتان ولا 
يزال الأهالي إلى الآن يدعونه القلعة. وعند ارادة التمييز يسمونه قلعة الزيتون فلما هدم الملك 
الأشرف القلعة ومحا أثرها كما سيأتي في محله اقتسم الأهالي أراضيها وغرسوها بالزيتون. 
وعلى الطرف الجنوبي من الجهة الغربية من هذا التل وراء المدينة جامع الشيخ محمد 
المغربي وهو جامع جميل البناء شاهق يظهر للقادمين في البحر من مسافة بعيدة فيزيد 
رونق منظر المدينة أما الأسكله فليس فيها سكان وإنما هي مركبز التجار وفيها نحو 60 مخزناً 


128 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


كبيراً وسوق صغير وجامع وخان وعدة مكاتب ومصابن وهذا جميعهٌ داخل في العدد الذي 
مرّذكرة عن المدينة. وكان في الاسكله حمام وفرن فهدمتهما زلزلة حدثة سنة 1822 ولم يبق 
لهما الآن أثر. أما ميناؤها التي كانت تسع في الزمن القديم أكثر من الف سفينة على ما ذكر 
في التواريخ فقد طُمّ الجانب الشرقي منها وتحوّل إلى بساتين مغروسة بالأشجار ولم يبقّ منها 
سوى بركة تراكمت فيها الرمال فلا تحمل مياهها أكثر من عشر أو اثنتي عشرة سفينة صغيرة أما 
البرج الذي على الجانب الشمالي من مدخلها ويسمونه الآن قلعة الميناء فقد هدم اكثرهة وهو 
الآن في حالة الخراب. 

أما منازل المدينة وأماكنها العمومية فجميعها مبنية بالحجر وأكثر بيوتها يتأنف من 
طبقتين السفلى معقودة بالكلس والأحجار والعليا مسقوفة بالدف والمسمار وسطوحها مغطاة 
بما يدعوثه بلّة أو عدسه وهي اخلاط من الكلس والقصرمل (رماد زبل) ودقاق الحصى تُبسَط 
وثّرشٌ بالماء وتُخبّط بالمخابيط حتى تشتدٌ وتتحجَّر وهذه البيوت غالباً قليلة المخادع بالنسبة 
إلى فسحاتها السموية الفسيحة فإن الأهالي كانوا يعتنون بتوسيع الفسحة ولا يهمّهم كثرة 
المخادع وذلك أن عائلة كاملة كانت تكتفي بمخدع واحد تستخدمة لجلوسها واستقبال ضيوفها 
واكلها ونومها معاً ولذلك كنت ترى أكثر البيوت يسكنها أكثر من عائلة واحدة وأما في أيامنا 
هذه التي اقتبس فيها الأهالي ولاسيما النصارى بعض عوائد الافرنج التي منها تفرّق العائلة 
في مخادع مختلفة عند النوم وافراد مخادع مخصوصه للأكل والجلوس واستقبال الضيوف فترى 
كل من يبني ويجدد بيتاً يعتني بتكثير مخادعه بقطع النظر عن سعة الفسحة أو ضيقها على 
أن الفسحة ايضاً لا يتركها سموية بل يسقفها غالباً ولا يدع شيئاً من البيت يذهب سدىًّ وقد 
اقتفى أيضاً هولاء المجدّدون للبيوت اثر الافرنج بجعل سطوحها محدّبة وتغطيتها بالقرميد عوضاً 
عن العدسة لخفته على الخشب ووقاية من الدلف. وأحسن بيوت المدينة هي بيوت النصارى 
فإنهم يحبون الترفه في المعيشة فيعتنون في تحسين بيوتهم وترخيمها وتزجيجها واتقان الآأثاث 
والمفروشات واما بيوت المسلمين فلم تزل على الحالة القديمة إلا نادراً. 


129 


كار الحقب فى للاقة العرب 


الفصل الثاني 
فى ما يوجد فى اللاذقية من الآثار القديمة 


انه لما كانت اللاذقية كثيرة الزلازل كان قلَّما يُنتظران يُرى فيها ثبوت للأبنية القديمة وكلما 
يُرى فيها من ذلك الآن إنما هو بناء مربّع يُدعى الكنيسة المعلّقة. وقد تحوّل الآن مسجداً وهو 
واقع في طرف المدينة من جهة الجنوب الشرقي عليه كثير من أنواع النقوش الرومانيه كصور 
الخوذ والأتراس ومقابض السيوف وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه قوس نصر أقيم مكرمة إلى 
سبتيموس سيفيروس. وبناءً آخر إلى شمالي هذا البناءء يُعرّف بكنيسة العواميد وهو قائم على 
اربعة أعمدة عظيمه قيل أنه فضلات هيكل على اسم باخوس اله الخمر ولا يبعد أن يكون هذان 
المحلان قد تحؤلا إلى كنيستين بعد انتشار المذهب المسيحي ثم انتزعهما من أيدي المسيحيين 
المسلمون بعد فتحهم المدينة فاستمرٌ يُطلّق على كلٍ منهما اسم كنيسه. وفي بعض جهات المدينة 
بقايا رواقات وصفوف اعمده وفي خارجها ولا سيما في الشمال الغربي منها مغاير وكهوف 
منحوتة في الصخور يُظَن أنها كانت مدافن للرومانيين وكثيراً ما يعثر الحفارون من المسلمين 
على آثار قديمة فيطمرونها ثانيةً لجهلهم قدرها أو يهشمونها إذا كانت صوراً مجمّمة لاعتقادهم 
بتحريم وجودها مطلقاً ومما عثروا عليه سنة 1848 ناؤوس من رخام وجد ترابة مختلطاً يذهب 
وذلك في أرض يُقال لها خربة النصارى على بعد نحو ساعة ونصف من المدينة شمالاً وفي سنة 
49 فيما كانوا يحفرون في البستان المعروف ببستان ماري تقلا (نسبةً إلى مغارة فيها يعتقد 
الروم أن القديسه تقلا تعبّدت أو ظهرت فيها) الواقع خارج البلد إلى جهة الشمال الغربي وجدوا 
مغارةً طولها 8 أذرع وعرضها 5 أذرع على حيطانها الأربعة صور نافرة بعضها على شكل رؤوس 
بقر وبعضها على شكل رؤوس بشر وغير ذلك وفي احد زواياها سرج كثيرة من الخزف ظريفة 


1130 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الشكل وقد ذهب بعض من رأى هذه المغارة إلى أنها هيكل وثني وقد يعثر الحفارون على 
أبنية أو أقبية كاملة وعلى انتيكات (مصكوكات قديمة) مختلفة منها ما عليه صورة امرأة عارية 
جالسة على صخرو هو رمز اللاذقية في الزمن القديم ولا ريب أن الانتيكات التي من هذا النوع 
إنما هي من مصكوكات اللاذقية قديما. 


:؟ ىو 


131 


كار الحقب فى للاقة العرب 


الفصل الثالث 
في الهيئة الاجتماعية العمومية في اللاذقية 


أما الهيئة الاجتماعية العمومية في اللاذقية فهي كباقي مدن سوريا أو بالحري البلاد 
العثمانية على غير ما يُحَبّ ويُرتضيّ وعلة ذلك اختلاف المذاهب الحاجز للائتلاف فيما بين 
المسلمين والنصارى ولئن كانوا يتظاهرون لبعضهم بالائتلاف والتودّد أحياناً ومع أن كثيرين من 
النصارى يعرفون الواجبات الوطنية والأضرار الناجمة عن هذا الانقسام ويودُون لو يزول هذا الروح 
الخبيث من بين الفيئتين فيكاد لا يوجد واحد من المسلمين يهتدي إلى معرفة اضراره ومنافع 
الاتحاد ويرغب فيه بل جميعهم يجتنبون في الغالب مخالطة النصارى ولا يخلصون لهم الموده 
والصداقة وعندما تساعدهم الظروف لا يقصرون في الحاق الأضرار بهم ولا يطيقون أن يروهم 
متقدمين وناجحين ولذلك ترى النصارى دائماً تحاذرهم ولا تركن إليهم فهذا التباعد الكائن بين 
الفيئتين كثيراً ما يحرمهما منافع مشتركة وهو الذي يضيع الحقوق ويمكّن بعض الحكام الباغين 
أن ينفذوا مآربهم فيها جميعاً على أن المضرات الناتجة من ذلك يمس أكثرها المسلمين لا النصارى 
لأن أكثر معتبري النصارى قناصل وتراجمين فليس فقط لا تقدر يد التغلب أن تتمكّن منهم لا بل 
يلتزم الحكام لاعتبارهم دائماً ومراعاتهم في أكثر الأحيان. على أن جهل أكثر المسلمين يقودهم 
إلى التوهم بأن احترام الحكام للقناصل والحمايات الذي يمتد معنوياً إلى عموم النصارى إنما 
يجريه الحكام بالاختيار عن غير حزم وصواب رأي ولا يدرون أنهم أنما يجرونة بالاضطرار إيجاباً 
للحقوق التي تمنحهم اياها المعاهدات الدولية ولذلك يلومونهم ويغرون من ينقاد إلى اغرائهم 
منهم لجهله أو تعصبه على السلوك بالعكس ومع أن من يجاريهم على ذلك لا يلبث أن يجبره 
القناصل على الرجوع عن سلوكه وعدم مس حقوقهم واعتبارهم ويجعلوهُ ملوماً من أولياء 


1232 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


أمره فهم مع ذلك لا ينكشف عن بصائرهم برفع التعصب فيعرفوا أن دوس هذه الواجبات ليس 
هو في امكان الحكام بل انما هم مجبورون على القيام بها فلو أدركوا ذلك لعرفوا أن كراهتهم 
للنصارى وتعصبهم الشديد ضدهم لا يجديانهم نفعاً ولرأوا أن مصافاتهم لهم كما يليق بابناء 
وطن واحد والتعاضد والتكاتف معهم على الالتفات إلى إيجاد أو تدبير ما ينفع الوطن عوضاً 
عن الانقسام المضر والسعي بما فيه قيام ونجاح مصلحة الطرفين التي يتوقف عليها راحة 
العموم وخير الجميع هو أولى لهم. ولما كانت الحال على هذه الصورة كان لا بد في وصف 
الهيئة الاجتماعية والعوائد عن التكلم على كل من الفيئتين على حدة. 


133 


كار الحقب فى للاقة العرب 


الفصل الرابع 
في هيئة المسلمين الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم 


أن المسلمين مؤلفون من متوظفين في الحكومة واصحاب أملاك وتجار وعطارين وبرّازين 
وارباب صنائع ومنهم تتألف الضابطة البلدية كما تتألف العسكرية كما أن منهم الخبازين 
واللحامين والسقائين والحدادين والتنكاريين والحجارين وعدد الأوباش فيهم متوسط وقد كانوا 
فيما سلف أكثر عدداً منهم الآن إِلّا أن حرفتي قطع الأحجار والغوص على الاسفنج اللتين وجدتا 
منذ عهد غير بعيد أوجدتا شغلاً لكثيرين منهم عن الاشتغال في أسباب القبائح والشرور 
فانقطعت مذ ذاك إلا نادراً سرقة البيوت والحوانيت التي كانت كثيرة الوقوع في المدينة التي 
قبل انتشار معرفة قطع الأحجار فيها كانت المنازل الجديدة تبتَى فيها بأحجار المدينة القديمة 
التي يستخرجها الحفارون من الأماكن المختلفة داخل المدينة وفي جوارها حيثما لا تخلو منها 

أما حالتهم العلمية فمتأخرة وعدد الأميين منهم أكثر كثيراً من عدد الذين يعرفون 
القراءة والكتابة ومعارفهم مقصورة على القراءة والكتابة وبعض مسائل فقهية ولغوية وقليلون 
منهم يعرفون قواعد اللغة العربية كما ينبغي ومع أن كثيرين منهم يدرسون الصرف والنحو 
فقليلون منهم من تنفتح عليه اسرارهما وذلك لاعتمادهم في الدرس على الكتب الإسلامية 
القديمة الصعبة المراس فربما يدرس التلميذ منهم فيها خمس أو ست سنين ولا تنفتح 
عليه أبواب رموزها لغموض عبارتها على المبتدئين وعدم جودة ترتيب أكثرها ولا سيما 
بتقدم النحو على الصرف أو باختلاطهما فيها غالباً خلافاً للتآليف الحديثة التي يعتمد عليها 
النصارى المؤلفة من علمائهم فانها سهلة المراس واضحة العبارات جيدة الترتيب يتمكن 
التلميذ من فهمها وحفظها بوقت غير طويل ولا يرغب مسلمو المدينة في مطالعة غير 


134 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الكتب والمؤلفات الإسلامية فلا يقرأون الكتب الحديثة المؤلفة بالعربية والمترجمة إليها من 
النصارى من اللغات الأجنبية ومع كثرتهم لا يوجد فيهم واحد مشترك في جريدة من الجرائد 
النافعة ولذلك تراهم لا يعرفون أحوال العالم ولا نصيب لهم بالوقوف على معارف العصر. 
أما حالتهم المعشرية فمتأخرة أيضاً فإن بيت كل منهم مقفول غالباً دون غير عائلته وقلما 
يزورون بعضهم إلا في الأعياد السنوية وانما كل رجل منهم يصرف أوقاته نهاراً في شغله إذا كان 
له شغل معيّن ويقتل الوقت عند الفراغ من الشغل أو في الليل في احدى القهاوي التي يوجد 
منها نحو خمسين في المدينة تغصٌ بجماهيرهم ولاسيما في الليل. على أنه يوجد منهم أشخاص 
معدودة من الأغاوات والأفندية منازلهم مفتوحة لقبول الزائرين فيجتمع عند كل منهم جماعة 
يصرفون الوقت بالأحاديث المختلفة. وهم قليلوا الميل لرفاهية المعيشة والطرب والانشراح فقلما 
تحدث أفراح أو تعزف الآت الطرب في بيوتهم إلا في بعض الأعراس الحافلة ولذلك لا يوجد في 
المدينة نوبة كاملة متقنة إذ لا يتيسر لأربابها تحصيل معاشهم فيها حيث الدخل الذي يحصّلونة 
من النصارى القليلي العدد وحدهم لا يقوم بأودهم وإنما يوجد فيها نوبه واحده غير تامة 
ولا متقنة تعزف في بعض القهاوي ليلاً وهي غير أهل للتطريب في المحافل المعتبرة وأحياناً 
نادرة تزورها بعض نوبات غريبة لكنها لا تمكث فيها سوى مدة قصيرة. وفي فصل الربيع تتألئف 
من المسلمين زمر من الرجال كل زمرة منهم تختار محلاً من الأماكن المنتزهة خارج المدينة 
فتخرج إليه كل يوم عند العصر وتصرف فيه ما بقي من النهار وتتعشى سوية على نفقة جميع 
أعضائها أو على نفقة واحدٍ منهم بطريق التناوب وغالباً يكون عشاؤهم مقصوراً على نوعين أو 
ثلاثة أنواع من الطعام أحدها من الحلوى وهم في طريقة أكلهم لا يزالون على العوائد القديمة 
فيأكلون جلوساً على الأرض حول خوان أو صدر ويتناولون الأطعمة بأياديهم وبالملاعق ويشتركون 
بالأكل من صحن واحد وبالشرب من اناءٍ واحد والنادر منهم من يجلس على كرسي ويأكل 
على طاولة عالية واندر منه من يستخدم الشوكة والسكين وفي الغالب يأكل الرجال وحدهم 


135 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


والنساء وحدهنٌ وربما كان طعام الرجال ممتازاً عن طعام النساء عند بعضهم أو أكثرهم وقليل 
منهم قد يتفنن في الطعام ومن دأبهم الحرص وبعضهم يتجاوزون فيه حدود الاعتدال والأكثرون 
لا يأكلون لحماً إلا مرة في الجمعة مع كونهم مقتدرين وكم من غني منهم عائش عيشة فقير 
وقلما يوجد في بيت واحد منهم ما خلا أكابر أعيانهم خادم أو خادمه وإنما هم يخدمون 
أنفسهم. ولما كانت البساتين والحدائق التي حول المدينة جميعها لهم إِلَّا النادر كان لا يخلو احد 
منهم من أن يكون له حديقة كاملة أو حصة في حديقة أو في بعض أشجار منها وكثيراً ما توجد 
شجرة واحدة يشترك فيها أكثر من اثنين. ولذلك اصحاب الطبقة السفلى منهم يصرفون مدة 
الصيف في تلك الحدائق فيعيشون من ريعها فإن بعض شجرات من التين تعول عائلة كاملة 
منهم لأنهم يكتفون بالخبز والتين مدة الصيف وهم جميعاً يحبون الشغل ولعلٌ ما عؤّدهم 
على ذلك سد أبواب العطاء عند أكابرهم. فإن أبوابهم إِلَّا النادر مغلقة دون الشحاذين ولذلك 
ترى فقراهم جميعاً عايشين من كذّهم وقلما ترى منهم أحداً بلا شغل حتى أن الولد الصغير 
منهم يشتغل بقطف الحشيش أو جمع الخرق البالية وعظام الحيوانات وما شاكل ذلك وبيعه 
ليساعد بثمنه أبويه على معاشه ولهذا كان الشحاذون فيهم قليلين على أنهم مع قلتهم يضطرون 
للاستعطاء وطلب القوت من بيوت النصارى. ثم أنهم لا يتعيرون بالشغل فانك ربما ترى أحدهم 
غنياً معتبراً مرفوع المقام وترى من بعده أولاده يشتغلون بأدنى الأشغال ولا يمنعهم من ذلك 
ذكر قدر ابيهم ورفعة شأنه بل قد نرى بعضهم من المنسوبين إلى العائلات المعتبرة في حالة 
الغني والثشروة حال كون اخوتهم فعلة حقيرين ولا يرون في ذلك عاراً يبعثهم على اسعافهم بما 
يمكنهم من تعاطي شغلٍ أرفع شأناً من شغلهم. هذا ومع كون شرب المسكرات محرم عندهم 
تحريماً مطلقاً يوجد بينهم سكيرون كثيرون وهم إذا شربوا بالغوا وتناهوا في السكر. 

أما ملابسهم فهي غالباً على الهيئة القديمة فإن زمر العلماء والمشايخ والأفندية ومن 
جرى مجراهم منهم يتعممون بالعمائم ويلبسون الملابس الطويلة الواسعة كالجبه والقنياز 
وأكثرهم يتباطأون في حركتهم معلقين امر الرزانة الأدبية على الرزانة الطبيعية وأما زمر 


136 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الأغاوات وغيرهم فيلبسون السراويل والدامر والطربوش وحده أو مضافاً إليه المنديل وقليلون من 
الأفندية والمشايخ يلبسون في أرجلهم المست كما أن الأغاوات وقليلين غيرهم يلبسون الجوارب 
والباقون جميعهم يتركون أرجلهم مجرّدة. وجميعهم يحلقون شعور رؤسهم والمشايخ والأفندية 
وكثيرون غيرهم ويطلقون لحاهم. 

أما نساؤهم فمقضيٌّ عليهنّ بالحمس عن مخالطة الرجال والاحتجاب عن عالم المعاشرة 
وهن مسلوبات الحرية والاعتبار الممنوحّين لهنْ من باري الطبيعة على أن التضييق عليهن 
بهذا المقدار لا يحصن من لم تكن محصّنة طبعاً منهن كما لا يخفي بل قد يزيدها شبقاً وقد 
ورد في الأمثال الصادقة أن كل محجوب مرغوب ولذلك من يحسن المراقبة يراهن أشد شوقاً 
وتطلعاً إلى الرجال من اللواتي لم يُحكّم عليهنٌ بالحجاب. ولما كان الرجال المسلمون غيورين 
بهذا المقدار على نسائهم وقليلي الأركان اليهنّ كانوا يسيئون الظن في اجتماع الرجال بالنساء 
عند النصارى هذا وأنهم لا يعلمون بناتهم القراءة والكتابة اعتقاداً أن ذلك للمرأة شر وكثيراً ما 
يعامل الرجل منهم امرأته بالضرب الأليم إذا اغتاظ منها. أما خروج نسائهم من بيوتهن فنادر 
وهنّ إذا خرجن التحفن بالازر وسدلنَ على وجوههنٌ المناديل أما ملابسهن فهي غالباً كملابس 
نساء النصارى مما سيّذكّر في محله ما خلا ارجلهنّ فانهنٌ يتركتها مجرّدة إلا إذا خرجنَ من 
بيوتهنٌ فيلبسنَ فيها المسوت والجوارب. أما أعراسهم فقلما تكون احتفالية بل غالباً تقضَى بالهد 
والصمت والنادر منهم من يجري عرساً حافلاً فيضرب الطبل أمام بيته يوماً أو أكثر قبل الزفاف 
فيجتمع الرجال والشبان من غير دعوة ويرقصون بالسيف والترس أو بدونهما ولا بد لكل راقص أن 
يدفع اجرةً للطبال يسمونها نقطة ثم يدعو أهله ومعارفه إلى ليلة الطرب أو إلى الحمام وكذلك 
نساء البيت يدعون صواحبهنٌ ومعارفهن من النساء قبل الزفاف أو بعدة إلى يوم أو ليلة طرب 
أيضاً فيجتمعن دون أن يُسمّح لذكر أن يدخل اليهنّ وتطرّب بين ايديهنّ المغنيات ثم ترقص كل 
واحدة منهنّ بدورها بعد أن تدفع النقطة للمغنيات وإذا كانت الدعوة نهاراً فلا بد أن يُقدَّم فيها 
غداءً أو عشاء للمدعوات أما أهل العروس من النساء فقبل الزفاف ببضعة أيام يأخذن العروس 


137 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


للحمام ويدعون إليه صواحبهنٌ ومعارفهنٌ فيتحممن جميعاً على نفقة أهل العروس ويغنينَ 
ويهاهينَ (أي يقرظنَ العروس والعريس بالهاهيات واحدتها هاهية وهي نوع من المواليا مؤلف 
من أربعة أبيات يرنمنها بلحن مخصوص واصوات مرتفعة وكلما رنمنَ هاهية ختمتها بالنقران 
(وهو الزلاغيط بلسان العامة) وقبل الزفاف بيومين أو ثلاثة أيام يُنقَل جهاز العروس إلى بيت 
العريس محمولاً على الأيدي كل حاجة لوحدها ومطوفاً به في الشوارع معروضاً لنظر الناس 
بالفناء وترنيم الهاهيات وليلة الزفاف تخضب النساء أيدي العروس وقدميها بالحنّاء ويلبسنها 
لباس العرس ويشؤّهن وجهها بكل أنواع التصنعات حتى انهنّ يلصقنّ به أشياء برّاقة أيضاً بحيث 
تتبدّل هيئتها تماماً ولا يعود يُعرّف حقيقة شكلها ثم يطوف الرجال بالعريس في الشوارع عل 
ضوء المشاعل بالأغاني والآت الطرب والنساء بالعروس بترنيم الهاهيات والنقران ثم تُرَفْ عليه 
وبذلك غالباً تنتهي احتفالات العرس 

أما معالجة مرضاهم فهي غالباً موكولة للطبيعة وقليلون منهم من يستدعون الطبيب وأكثر 
هؤلاء لا يستدعونه إلا متى اشرف مريضهم على الخطر واذا مات لهم ميت بكوا عليه ما دام 
عندهم فاذا دفنوه كفُوا البكاء. وتعرّوا بحيث لا تعود تظهر عليهم امارات الحزن أما الحداد فلا 
يستعملونه بالكلية. 


138 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الفصل الخامس 
في هيئة النصارى الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم 


لقد كان النصارى في الجيل الماضي في هيئتهم الاجتماعية وملابسهم وسائر عوائدهم لا 
يفرقون عن المسلمين ففي أوائل هذا الجيل ابتدأوا بتغيير بعض تلك العوائد متنقلين شيثاً 
فشيئاً حتى انتهوا إلى ما هم عليه الآن. وهم مؤلفون من متوظفين في الحكومة في دوائر 
القلم وعضوية المجلس وأصحاب أملاك وتجار وبزازين وبقالين وأصحاب صنائع ومنهم البناؤون 
وحالتهم العلمية متقدمة وعدد الذين يعرفون القراءة والكتابة هو أكثر من عدد الذين لا 
يعرفونهما وقد نشأت عندهم الرغبة في العلم منذ نحو عشرين سنة فجعلوا يضعون أولادهم 
في المدارس. وفضلاً عن المدارس الموجودة في اللاذقية التي تلامذتها جميعاً مؤلفون من أولاد 
النصارى يُُرسل في كل سنة عدة تلاميذ إلى مدارس بيروت وقد كانوا في أول الأمر لا يحسنون 
طريقة التعليم فكانوا يعلمون أولادهم أحدى اللغات الأجنبية وغالباً الفرنساوية مقتصرين عليها 
دون أن يعلموهم قواعد اللغة العربية التي هي لغة البلاد فكان علمهم ناقصاً وفوائده قاصرة 
أما الآن فقد انتبه اكثرهم لهذا الخطأ وجعلوا يعلمون أولادهم قواعد اللغة العربية أولاً ثم 
بعض اللغات والعلوم وأكثر الشبان الآن يتكلمون اللغة الفرنساوية إِلّا أن الذين يتقنونها منهم 
قليلون. وللنصارى رغبة في تحصيل الفوائد والوقوف على احوال العالم ولذلك ترى كثيرين منهم 
مشتركين في الجرائد ولا يستنكفون من مطالعة أي كتاب كان مهما تكن ديانة واعتقاد مؤلفه 
معتبرين في ذلك الجوهر وهو تحصيل الفائدة. 

أما حالتهم المعشرية فقد تجاوزوا فيها حدود الاعتدال فإن بيت كل منهم مفتوح في 
كل يوم وساعة لقبول الزائرين الذين يدخلون بيت المزور بلا استئذان ولا إعلان ولذلك وجب 
عليهم أن تكون بيوتهم وأهلها في حالة لائقة على الدوام لاستقبال الزائرين وان يستخدموا 


139 


آثار الحقب في للاقة العرب 


خداماً عدة للقيام بخدمة البيت والضيوف فإن اعضاء العائلة غالباً لا تخدم في البيت بخلاف 
أكثر النصارى في باقي مدن سوريا ولهذا كل منهم ما خلا الفقراء لا بد من أن يكون في بيته 
خادم وخادمة على الأقل ولو كانت عائلة مؤلفة منه ومن امرأته فقط فيصرفون أوقات البطالة 
في بيوت بعضهم سوءً كان نهاراً أو ليلاً ولذلك قليلون منهم يجتمعون في القهاوي. 

ولنصارى اللاذقية ميل غريزي للّهو والطرب. وقد تكلم عن ذلك موسيو بوجولا السائح 
الفرنساوي الذي زار اللاذقية سنة 1831 وكانت النصارى إذ ذاك تئنُّ تحت احمال الجور والاضطهاد 
فقال ما ترجمتة «ان مَن يرى مسيحيبي اللاذقية منهمكين هكذا بالملاهي والطرب لا يتصوّر أن 
سلطة المسلمين تحمّلهم أحمالاً ثقيلة. وكثيرون من شبانهم يعرف كل منهم قطعة أو أكثر من 
قطع الموسيقى فيؤلفون نوبة كاملة يكون عليها مدار الحظ في الاجتماعات الأهلية. 

أما معيشتهم فهي غالباً ذات ترفه اعضاء العائلة رجالاً ونساءً وأولاداً على مائدة واحدة 
والأكثرون يأكلون جلوساً على الكراسي حول طاولة عالية ويستخدمون مع الملعقة الشوكة 
والسكين وكل منهم يأكل في صحن ويشرب من اناءٍ على حدة إِلَا أنهم وللّه الحمد لم 
يقتبسوا عادة عدم غسل الأيدي والفم بعد الطعام ونرجو انهم لا يصلون من التمدن إلى 
درجة اقتباس هذه العادة وأمثالها المغايرة لمبادىء النظافة. والأكثرون منهم يتفننون في المآكل 
ولا بد لكل منهم ماخلا الفقير أن يأكل لحماً كل يوم وفي الأصوام التي تؤكل فيها سمك 
لا بد لكل منهم من أن يشتري سمكاً (اذا كان صائماً) مهما كان غالياً وإذا قابلنا بين مسيحي 
ومسلم متساويين في الدرجة والغنى وعدد العاتلة نجد مصروف المسيحي يفوق مصروف 
المسلم أضعافاً مضاعفة. وقد فشا فيهم حب المناظرة والتقليد فترى الصغير منهم يساوي 
الكبير في سعة المعيشة والتفنن في الملابس وغيرها وهم يميلون إلى التجارة ولهم فيها 
باع وقد جمعوا بها اموالاً غزيرة لو حفظوها ولم يستعملوا الاسراف لكان أكثرهم يُحَدٌ من 
الطبقة الأولى في الغنى بين أهالي سوريا وقد لا يتنازلون إلى الاشغال الحطيطة فإن حط 
بمن كان من العائلات المنظورة منهم الدهر لا يتنازل إلى تعاطي شغلٍ ادنى من شغله الأول 


110 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


لاهو ولا أولاده ولو اتصلوا إلى ادنى درجة من العوز والاحتياج بل يتكلون على مساعدة أقاربهم 
ومعارفهم وينتظرون أن يقوم بهم الدهر وابن التاجر منهم يستنكف أن يكون من ارباب الصنائع, 
وفقراؤهم كسالى لا يحبون الشغل فاذا جاعوا دخلوا البيوت وطلبوا طعاماً فلا يُمتّع عنهم وهم 
يفتكرون ان إخوانهم المسيحيين الأغنياء ملتزمون بهم في كل الأحوال فيستغنون بهذا الفكر عن 
السعي في طلب الرزق الذي أوجبة اللّه تعالى على جميع عباده ولذلك ترى شحاذي النصارى 
كثيري العدد يطوفون كل وقتٍ صباحاً وضحىّ ومساءً وعشيةً على بيوت المسيحيين رجالاً ونساءً 
كباراً وصغاراً يطلبون طعاماً أو دقيقاً أو إداماً وملبوساً أو غير ذلك منه كلما يحتاجون إليه وترى 
الأولاد في الأزقة والشوارع كلما رأى أحدهم مادًا من المسيحين ذا اقتدار يعترضة في طريقه 
ويمدٌ إليه يدهُ طالباً خماسية فاذا حصل عليها اشترى بها فاكهةً أو نقلاً لا قوتاً أو ربما نفقها 
في سبيل بعض الألعاب وكثيرون من هؤلاء الأولاد يصلحون للخدمة ولكنهم لا يخدمون كما أن 
كثيرين من ذوي العائلات الفقيرة لهم بنات وبنون يصلحون للخدمة وسوق الخذام رائجة لكنهم 
يستنكفون من أن يجعلوهم خداماً ومن العجب العجاب أنهم لا يستنكفون من أن يستعطوا لهم 
كأنما الاستعطاء أشرف من الخدمة وجميع هذه الأحوال ناشئةً من الشفقة غير المرتبة التي 
يستعملها المقتدرون فتكون واسطة لتعليم الكسل ولا تكسبهم اجراً ولا حمداً ولعلٌ العطاء للفقير 
الذي باعث فقره الكسل! ثم كالمنع عن الفقير الذي باعث فقره العجز. 

أما ملابسهم فنوعان الأول جروا عليه منذ زمان حكومة محمد علي باشا المصرية إذ 
خلعوا العمامة والملابس الطويلة وهو السروال والدامر والزنار والصدره وهو لباس الأكثرين 
والثاني لباس الافرنج ما خلا كسوة الرأس فانها الطربوش عندهم في كلا النوعين وقد شرعوا 
في الانتقال إليه منذ نحو عشر سنين ولعلَّهُ بعد مدة ليست بطويلة يتم انتقال عموم 
النصارى في جميع سوريا إلى لبسه وسبب ذلك إنما هو اعتبار ذوي اللباس الافرنجي في 
اعين الولاة والحكام وأرباب المناصب حتى أن كثيرين من معتبري سوريا اضطروا للانتقال 


إليه لما رأوا أن لباسهم الأول قد وجد باعثاً لاحتقارهم ممَّن لا يعرفهم من بعض رجال 


141 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ومتوظفي الحكومة. وجميعهم يلبسون الجوارب ويطلقون شعور رؤوسهم والنادر منهم من يطلق 
لحيته وأكثرهم يعتنون في اتقان ملابسهم. 

أما نساؤهم فقد كُنَّ في الجيل الماضي كنساء المسلمين مقضياً عليهنّ بالحبس والاحتجاب 
ففي أواخر الجيل الماضي ابتدأت أن تعطّى لهنّ الحرية والاعتبار. والذي مهِّد لهنّ الحصول على 
ذلك حضور بعض عائلات من الافرنج إلى اللاذقية واستيطانهم فيها ولما كان رجال النصارى في 
المدينة سهلي المعاشرة يحبون اكرام الضيوف والغرباء: عاشروا هؤلاء الافرنج وامتزجوا معهم 
وأخذوا عنهم عادة ازالة الحجاب عن النساء. ولما كان أكثرهم متصلين بالقرابة مع بعضهم 
انتشرت عندهم هذه العادة بسهولة وعما قليلٍ صار ظهور النساء للرجال عمومياً إلا أنه كان 
محدوداً. ففي الأفراح وليالي الطرب لم يكن يختلط الرجال بالنساء وإنما كان كلّ من الفيئتين 
يجتمع في حجرة على حدة ثم مع التوالي صارا يختلطان في الجمعيات والأفراح ثم صارت 
النساء ترقص أمام الرجال ثم صار الرجل والمرأة يرقصان معاً كما هي الحالة الحاضرة. وللنساء 
الآن درجة لائقة من الاكرام فيكاد لا يوجد امرأة منهنّ تُضرّب من رجلها. وخروجهنٌ للزيارة كثيرٌ 
ومن النساء من لا يمر عليها يوم لا تخرج فيه من بيتها ومنهنّ من تخرج مرتين وثلاث مرات 
في اليوم نهاراً وليلاً ولذلك ترى الجمعيات غير منقطعة ومن أراد التسلي يمكن أن يجد في 
أكثر الأوقات في بيت من البيوت جمعيةً مؤلفة من الرجال والنساء يصرفون الوقت بالحديث أو 
الملاهي أو الغناء والطرب وفي أيام الربيع تجري اجتماعات كثيرة على هذا النمط في الحدائق 
والبساتين حيثما غالباً يتعشون ويصرفون جزءاً من الليل أيضاً وإذا اجتمعت جمعية في مكان 
مايأتي إليها كل من يسمع بها فإن الجميع يحسبون أنفسهم أعضاء الجمعية مالم تكن دعوةٌ 
فلا يأتي إليها غير المدعوين ولذلك قلما يقدر الآلاف أن يتمتعوا بحرية في اجتماعات صفائهم 
وانشراحهم ثم أنه في الزيارات الرسمية كزيارة المعائدة والتهنئة مثلاً لا بد من تقديم الحلوى 
المعروفة بالمربا أو الطاتلي للزائرين وأما في باقي الزيارات فيُكتقّى بتقديم النارجيلة والسيكاره 
والقهوة فقط. وفي زيارات النساء إذا كانت الزائرة قليلة الزيارات لبيت المزورة فلا بد من أن 


142 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


تقدم لها مربا أو شربات أو كليهما وربما قدمت لها شيئاً أو اشياء من النقل والفاكهة. هذا 
ولا يوجد فرق بين الابكار والمتزوجات من جهة المعاشرة فإن البكر تظهر وتخرج للزيارات 
المختلفة (ما خلا التهنئة في زواج أو ولادة ونحوهما) وتحضر في الجمعيات وترقص مع الشبان 
كالمرأة المتزوجة وقبل أن تبلغ البنت منهنّ مبلغ النساء تجتهد امها في تزيينها وعرضها في 
الجمعيات واذا دعيت الأم إلى ليلة طرب أو عرس ولم تُدّع معها ابنتها ولو كان سنها دون الاثنتي 
عشرة سنة عتبت على أصحاب الدعوة وربما امتنعت عن الذهاب إلى دعوتهم وهي تظهر أن 
بروز ابنتها في الاجتماعات والمحافل المختلفة أمام الشبان يجعل لها منهم نصيباً قريباً ولعل 
الأمر بالعكس. 

ولا ريب أنه كما أن قلة الائتتلاف والمعاشرة والتفريط في حجب النساء مؤاخران لانتظام 
الهيئة الاجتماعية وينشاآن عن الخشونة وعدم التمدن كذلك الإفراط في المعاشرة وكثرة الاختلاط 
مضران بنظامها وينشآان عن التسيب وعدم الحزم وقد قيل أن خير الأمور أوسطها ولا أريد أن 
اعني أن الهيئة الاجتماعية عند نصارى اللاذقية مشوبة بما يخلّ بالآداب كلا لا بل انني أقرٌُ أن 
الطهارة محفوظة فيها أكثر مما في غيرها مما تقل فيه الاجتماعات والاختلاط ولعلٌ كثرة الاختلاط 
والجمعيات عندهم هي السبب لحفظ الطهارة أكثر مما في غير مدن كما هو مشاهد ومحقق 
إذ لا يتيسّر العاشقين منهم أن يجتمعا على انفراد على غير حذر من عيون كثيرة ولكنني أريد أن 
اعني انها لا تخلو من اضرار كثيرة. مادية ومعنوية للرجال والنساء والشبان والشابات. أما للرجال 
فلكون الرجل الذي تقضي امرأته أكثر أوقاتها بالزيارات والجمعيات تكون معيشته خالية من كل 
هناء وترتيب ويتكلف مصاريف غير ضرورية لأن امرأته لا بد من أن ترى حيناً بعد حين في 
بعض تلك الزيارات الكثيرة شيئاً جديداً من الملابس أو الحلى على غيرها فتقترح عليه مشترى 
مثله لها على غير لزوم. وأما للنساء فلكون خروجهنٌ من بيوتهنّ للزيارات في بعض الأوقات 
واشتغالهنَ في بعضها الآخر باستقبال الزائرات يشغلاهنٌ عن ترتيب بيوتهنٌ ومناظرة الخدّام 
والاعتناء بأولادهنْ فإن أكثر الأطفال والأولاد مهملون من امهاتهم وحتى دب الطفل تستأجر له أمه 


143 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


خادماً يحمله ويطوف به في الشوارع أكثر النهار وذلك بعد أن تكون قد أعطتة ما يشتري 
له به فاكهة أو نقلاً فتعوده على التبذير والاسراف مع الرضاعة ومتى درج ومشى تطلعه من 
الصباح إلى المساء للُعب في الأزقة والتبذير لكي تخلو لها الأوقات فيمكنها أن تصرفها بالزيارات 
واستقبال ومسايرة الضيوف فلذلك ترى أكثر البيوت قليلة الترتيب والنظافة وأكثر الأولاد مبذرين 
قليلي الحشمة والتربية وهذا عار عظيم على المرأة ومخلٌ بقدرها واعتبارها في عيون الغرباء 
فضلاً عن أنه ربما كان سبباً لوقوع التناكد بينها وبين زوجها إذا كان محباً لترتيب البيت والاعتناء 
بالأولاد. وأما للشبان فلان كثرة الاختلاط تجعل مَن لم يكن منهم ذا تعقلٍ كاف لضبط نفسه 
يصرف كل أيام شبابه بالجمعيات والتهافت على وسائل الحظ والانشراح والتبذير عوضاً عن أن 
يعرفها بتحصيل الفوائد الأدبية والمادية التي تمكنه من أن يعد بها لأيام شيخوخة عيشةً مقرونة 
باللذة والسعادة ولا يتأسف عليها حينئذ إذ يكون قد اضاعهما في أيام شبابه العزيزة والثمينة. 
وأما للشابات فلأنه ظهور الشابة كل يوم وحضورها في الجمعيات بلا انقطاع وادمانها على 
محادثة الشبان تجعلها في اعينهم كشيءٍ اعتيادي تشبع منه العين فتزهد فيه النفس فتقلٌ 
بذلك رغبتهم فيها ويتعسر وجود طالب لها. ولما كان كثيرون من الرجمال العقلاء يتشكون من 
هذه العوائد المضرة فعسى أنهم يتمكنون من أبطالها شيئاً فشيئاً ويجعلون للزيارات والجمعيات 
ضابطاً واحداً واجباً يحسّن الهيئة الاجتماعية عوضاً عن أن يفسد نظام المعيشة كما تمكنوا في 
هذه السنين الأخيرة من تخفيف رغبة النساء في المصوغ والحلى مما كن لا يعرفنَّ الاكتفاء 

هذا وأننا قد نظرنا في التكلم عن هذه العوائد نظراً اجمالياً ولذلك لا بد من أن نقول 
أن كثيرين من الرجال والسناء غير جارين عليها بل هم متّبعون طريقةً مناسبة في المخالطة 
والمعاشرة. 

أما تعليم النساء فقد ابتدأوا أن يشعرو بوجوبه منذ بعض سنين وأكثر الآباءء. الآن يعتنون 
بتعليم بناتهم القراءة والكتابة وشغل اليد والظاهر انهم سيتقدمون في ذلك شيئاً فشيئاً 
ولعل ذلك سيكون الواسطة لابطال العوائد المضرة إذ تتمكن المرأة بواسطة العلم ان تميز 


144 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


المباديء الصحيحة وتقتصر على التمسك بها فأنه معلوم أن من الأمور التي تكاد تكون مستحيلة 
إمكان اقناع المرأة الجاهلة ولذلك تكون مانعاً كبيراً في اصلاح العوائد. 

أما ملابسهنٌ فقد صارت كملابس الافرنج إلا أنهن ما زلنَ يرغبنَ في لبس الأثواب البراقة 
والمزركشة بالقصب ولدى خروج إحداهنّ من بيتها تلتحف بالأزار إِلَّا أنها لا تسدل منديلاً على 
وجهها بل تكتفي بستره بيدها بطرف الازار. 

أما اعراس النصارى فقلما لا تكون احتفالية ومنهم من يجعل الخطبة احتفالية أيضاً 
فيدعو الناس إلى بيته في الليلة التي يعتمد فيها على وضع عربون الخطبة ولدى اجتماعهم 
يذهبون جميعاً رجالاً على حدة ما خلا الخطيب نفسه إلى بيت الخطيبة وبعد جلوسهم 
وشربهم النارجيله واكلهم المربا يعطي أحد الاكليروس المدعوين أبوي الخطيبة العربون المقدّم 
من الخطيب علامةً لعقد الخطبة ثم يعودون إلى بيت الخطيب ويصرفون تلك الليلة بالغناء 
والطرب أما العربون فيكون غالباً خاتماً ومنديلين أو قطعة أخرى من المجوهرات عوض الخاتم 
وقد اجتهد بعض القوم منذ بعض سنين بأن يُقتصّر في العربون على منديلين وخاتم فضة 
أو ذهب خال من الحجارة الكريمة عند العموم دفعاً للمضار التي تلحق بغير المقتدرين 
من تقديم ماهو فوق طاقتهم مساواةً للآخرين فجرى على ذلك كثيرون. ومن عوائدهم 
أن الخطيبة لا تتكلم مع ابوي خطيبها وأقاربه الأدنين ولا ترقص أمامهم ولا تزور بيته ومنهنّ 
من لا تمرّعن بابه أيضاً. وقد كانت العادة قديماً أن تحتجب الخطيبة عن خطيبها إلا أن 
هذه العادة بطلت وفي أيامنا هذه يكاد الخطيب لا يفارق خطيبته. أما العرس فيبتدىء قبل 
الاكليل بأسبوع ويسمون تلك الليلة ليلة المشورة فيذهب أقارب العريس والمدعوون إلى 
بيت العروس ويعلنون لهم أن الاكليل سيكون بعد سبع ليالٍ ثم يعودون إلى بيت العريس 
ويصرفون ليلتهم بالغناء والانشراح وتستمر الافراح قائمة على قدم وساق في أغلب الأوقات 
في بيت العريس مدة ذلك الأسبوع وقبل الاكليل بليلتين تكون ليلة تُدعى ليلة الكتبة يذهب 
فيها أقارب العريس والمدعوون إلى بيت العروس فيُفتّح أمامهم جهازها قطعة قطعة, ويُقيّد 
جميعه في قائمتين مبيّتاً فيهما ما قدمه كلّ من العريس والعروس على حدة وتعطّى احدى 


145 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


القائتمتين لابوي العروس والأخرى للعريس ثم يُحمّل الجهاز إلى بيت العريس ويعود إليه المدعوون 
وبعض ملبوسات فاخرة. وأما ما تقدمه العروس فقد يكون مؤلفاً من بعض المجوهرات والحلى 


ومن أعدادٍ كثيرة من كل نوع من الملابس المختلفة اكثرها أربعة وعشرون عدداً وأقلها سبعة 


285 4 


وقد اجثهد في هذه السنين المتأخرة في الاقتصاد بذلك. وحصر ما يقدمه العريس في قيمة 
معلومة غير باهظة وكذلك ما تقدمه العروس مع الاقتصاد فيما تقدمه من الملبوسات على 
سبعة اعدادٍ فقط من كل نوع منها اتباعاً للمبدأ المار ذكره عند ذكر الخطبة وان من يريد من 
الآباء أن يقدم مع ابنته أكثر مما ذكر فلهُ أن يعطيها قيمته نقداً بعد زواجها عوضاً عن تقديمه 
جهازاً. على أن هذه المبادي لم تتمكن بعد كما ينبغي. ثم في الليلة المعيّنة للاكليل تضرب 
منذ المساء آلات الطرب بألحان السرور والافراح وتصدح النساء بترنيم الهاهيات وقد يكون مثل 
ذلك في بيت العروس أيضاً وعندما ينقضي الجزء الأكبر من الليل يضيع العريس وذلك بأنه 
يختبىء فوق السطوح أو في احدى حجر البيت فيطلبه أهله والمدعوون فلا يجدونة فيصرخون 
قد ضاع قد ضاع فهلموا لنفتش عليه ثم يخرج بعضهم ويفتشون عليه واذ يجدونه يضجون 
بأصوات التهاليل والأغاني ثم يأتون به. إلى وسط البيت حيثما يخلع بعض أثوابه في حضرة 
الجمهور ويلبس أثواب العرس على نغم التراتيل الكنايسية ثم تَفرّق على المدعوين الشموع 
فيوقدونها ويخرجون رجالاً ونساءً سائرين بالعريس على نغمات الموسيقى وربما يضرب الطبل 
أيضاً مع ترنيم الهاهيات من النساء وعندما يصلون إلى بيت العروس تتقدم النساء القادمات مع 
العريس ويصطففن واقفات امام العروس التي تكون جالسة في صدر القاعة على وسائد فاخرة 
يسمونها المرتبة مغمضة العينين (وهذا نادر الآن) أو مطرقة إلى الأرض مغطّاة بخمارٍ شفَاف 
احمر وأبيض اللون فيقرَظنَ حسنها وجمالها بترنيم الهاهيات برهة ثم يجلسنَ وبعد تقديم 
النارجيلة والمربا والقهوة يجري الإكليل في بيت العروس أو في احدى الكنائس ثم يعودون 
بالعريس والعروس واقربائها ما خلا أنها (لأن مرافقتها لابنتها شؤم في زعمهم) إلى بيت العريس 


146 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


بالتهليل والأغاني كما أتوا ويقود العروس في اثناء الطريق امرأتان الواحدة عن يمينها والثانية 
عن يسارها وكلما وصلوا إلى أمام بيت من بيوت المعارف يخرج بعض أهل ذلك البيت ويرش 
العريس والعروس والمدعوين جميعاً بماء الزهر وتخرج النساء منةٌ ويكشفنَ وجه العروس 
لينظرنَ رونقها وبهاءءها وعندما يصلون إلى بيت العريس تُعطّى العروس قطعةً من العجين 
لتلصقها على ساكف الباب معتقدين أن ذلك فأل حَسَن ثم يرجع المدعوون إلى بيوتهم ما 
خلا بعض نساء من قريبات العروسء يأتين معها ويرقدنَ عندها تلك الليلة وفي الضحّى يأتي 
المدعوون ثانية إلى بيت العريس ويجلبون العروس وذلك بأن تخرّجٌ من غرفتها لابسة قبقاباً 
عالياً مغمضة العينين تقودها امرأتان عن يمينها ويسارها ويؤتى بها إلى قاعة الاستقبال على 
ضرب الموسيقى وترنيم الهاهيات ثم تُجِلّس في صدر القاعة على المرتبة غاضة الطرف صامتة 
واذا هي تعبت من الاغماض أو الاغفاء ذَغيّر هيئة جلوسها فيٌدار وجهها إلى الحائط وظهرها 
إلى الجماعة ثم من ساعة إلى اخرى يقودها بعض النساء إلى غرفتها ثم يرجعنَ بها لابسةً 
بدلةً غير التي كانت عليها بحيث تظهر ذلك اليوم في أكثر بدلاتها وفي اثناء ذلك يتقدم أبو 
العريس واقرباؤه ويقدم كل منهم للعروس هدية من الحلى والنقود ويسمونها نقطةً (وهذه 
العادة ألغيت من عهد قريب) هذا ولا يزال الغناء والرقص وترنيم الهاهيات متصلة إلى المساء 
وحينئذ يمد السماط للمدعوين فيأكلون ثم يشربون القهوة ويمضي كل منهم إلى حال سبيله. 
ومن العوائد القبيحة أنة إذا افتضٌ العريس عروسة يُشهّر دم بكارتها على خرقة تُرسَّل إلى 
بيت ابيها ليطمأنوا على انها ظهرت بكراً ويكاد يكون مثل هذه العادة في القبح أنه كلما 
جاء زائر ليهنىء العروسين تبادر العروس لتقبيل يده رجلاً كان ام امرأةً إشارة إلى أنها قد 
افتْضَت فأنها ما لم تفتض لا تلثم بواحد من الزائرين. على أن هاتين العادتين تكادان تبطلان 
في أيامنا هذه. ثم في سابع ليلة من ليلة العرس تأتي ام العروس لزيارة ابنتها وتدعى تلك 
الليلة ليلة الأسبوع فيُدعى إلى بيت العريس جميع الذين كانوا مدعوين في ليلة العرس غالباً 
ويقضون تلك الليلة بالغناء والطرب أيضاً وبعد أيام تذهب العروس إلى بيت أبيها وهذه 
الزيارة الأولى تسمى عندهم ردّة الرجْل فتصدح لزيارتها نغمات الفرح والسرور عندهم ثم 


147 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أن كلاً من العريس والعروس يلتزم برد الزيارة لكل من أتى لتهنئتهما ويُقدَّم للعروس في كل 
بيتِ ترد له الزيارة شربات وحلويات ونقول ثم يقدّم للعروسين كل من أقربائهما وليمةً أو ليلة 
طرب حافله وهكذا ترى أن العرس عندهم يكون له ذَنَبٍ طويل جداً على أنه في هذه السنين 
المتأخرة قد ترك اكثرهم كثيراً من العوائد هذه. 

أما ليالي الطرب التي تُقدَّم للعروس أو لباعث آخر من البواعث المسرّة فيبتديء المدعوون 
بالاتيان إليها نحو العشاء وفي الغالب تكون هذه الليالي حافلة حتى يغصٌ البيت بالمدعوين 
وذلك ناشىء من انتشار القرابة واتساع الالفة بين أكثر النصارى حتى أن صاحب تلك الليلة 
يكاد لا يترك عائلة من أمثاله دون أن يدعو بعضها أو جميعها فيجلس المدعوون مصطفين طبقات 
وصفوفاً رجالاً ونساء في القاعة المعدَّة لذلك على المقاعد المرتفعة والكراسي والبسط المفروشة 
فوق الحصر في أرض تلك القاعة بحيث لا يبقى فيها موضع خالٍ سوى فرجة صغيرة مستديرة 
في وسطها لأجل الرقص وكثيراً ما يكون عدد كبير من هؤلاء المدعوين صبياناً وبناتِ في سن 
الاثنتي عشرة سنة أو دون ذلك ومع كل هذا الازدحام تُقدّم للمدعوين النارجيلات فتوضع بين 
الجلأس وكثيراً ما يصادف بعضها صدفة فتسقط نارها فتحرق البساط أو أثواب الجالس إلى 
جانبها وقد أجتُهد كثيراً في أبطال هذه العادة وجَعَل شرب النارجيلة في حجرة مخصوصة 
منفردة فحال دون المرام اعتياد النساء على شربها واستثقالهن من كثرة الخروج والدخول فيطلبنَ 
أن يُؤتى بها اليهنّ حيثما هن جالسات. ثم تضرب النوبة فصلاً كاملاً ويجري تقديم القهوة 


وبعد ذلك يبتدىء رقص النساء فيتقدم لاستدعائهنّ احد الشبان ويأتى إلى امام كل واحدة 


فيكرر عليها الدعوة والرجاء مراراً حتى تنهض وتأتي إلى الوسط فترقص على ضرب الموسيقى 
والغناء نحو عشر دقائق ثم تعود وتجلس في مكانها فيتقدم الداعي ويدعو غيرها وهكذا 
حتى ترقص جميع المتزوجات فيلتفت إلى دعوة البنات العزب حتى يرقصنّ جميعاً ثم بعد 
ذلك قد تضرب النوبة فصلاً أو لا تضرب ثم يبتديء رقص الرجال مع النساء فيتقدم رجلٌ منهم 


148 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


ويدعو امرأة يختارها متزوجة كانت أم عزباء لترقص معهٌ ثم يقف كل منهما في جهة في فسحة 
الرقص مقابلاً للآخر ويرقصان منتقلين لجهة اليمين غالباً تابعاً أحدهما الآخر حتى إذا انتهيا 
وجلسا ينهض شاب آخر ويرقص مع فتاة أخرى وهلمّ جرًا وقد يرقص رجلان وامرأتان معاً على 
هذا النمط مقابلاً كل رجلٍ منهما امرأةً هذا وأن عادة رقص النساء مع الرجال أو بحضرتهم غير 
مألوفة عند سوى نصارى اللاذقية وبعض نصارى حلب ولذلك الذين يسمعون بها من نصارى 
المدن الأخرى فضلاً عن المسلمين يستهجنونها وهذا ناشىء من عدم اتتلافهم أو من قياسهم 
رقصة نساء نصارى اللاذقية على رقصة نساء بلادهم ذات الحركات المقرونة بالخلاعة المتطرفة 
المخلة بالأدب التي ينفر منها الطبع السليم والحال أن من أمعن النظر برقصة نساء نصارى 
اللاذقية يرى أنها لسيت إلا عبارةً عن تنفّل بسيط خالٍ من حركات الخلاعة يُطاف به في دائرة 
الفسحة المعدّة للرقص على ايقاع معلوم يُعرّف عند أهل الموسيقى بالسفيان المصري فليس 
فيه شيء مما يخل بآداب الهيئة الاجتماعية. وهذه الرقصة تسمى عندهم الرقصة الاعتيادية 
ولهم رقصة أخرى تدعى العرجه وفي حلب تدعى الرقصة اللاذقانية وهي أن يقف الرجل بجانب 
المرأة عن يمينها ممسكاً يدها اليمنى بيده اليُسرى ثم يقدمان رجليهما اليسريين ويطأان بهما 
يميناً ثم شمالاً من غير أن ينتقلا ثم ينتقلان لجهة اليمين خطوتين ثم يعودان لتقديم الرجلين 
اليبسريين وهلم جرًا. وقد يرقص هذه الرقصة عدة رجال ونساء معاً دفعة موحدة مصطفين 
صفاً طويلاً. 

هذا وقد يتخلل الرقص والغناء تقديم أنواع من الحلويات والنقول يُطاف بكلٍ منها في 
دوره على المدعوين وفي ختام هذه الأنواع تقدم القهوة فتكون مؤذنة بالانصراف وقد يمتد 
السهر في بعض هذه الليالي إلى ما بعد طلوع الشمس. 

ثم أن من مزايا نصارى اللاذقية الحميدة محبة الغريب واكرامه فمتى زار مدينتهم 
غريب معروف بالسماع أو بالعيان فلا بد من أن يكون ضيفاً لأحد منهم كما أنه لا بد من أن 
يزورهُ جميعهم أو أكثرهم ليهنئوة بالسلامه ويتزاحمون على معاشرته إذا كان مقبول المعاشرة 
وكثيرون منهم يصنعون له الولائم واذا كانت له قرابة مع احدى العائلات أو كانت معة امرأته 


149 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


يستدعونة إلى ليالي طرب حافله ويجتهدون بإرضائه بكل طاقتهم. 

وإذا مرض عند أحدهم مريض لا يلبث أن يستدعي له الطبيب وينفق كلما يجب انفاقه على 
معالجته وإذا مات يتقاطرون أفواجاً أفواجاً إلى مأتمه فيجلس الرجال وحدهم والنساء وحدهن 
واما الميت فيوضع في وسط الحجرة التي تجتمع فيها النساء فيصطففنَ حولة ويطفق أهل 
الميت منهنَّ بالبكاء والنوح والولولة والندب وكلما أتت امرأة استقبلتها بالنوح والعويل وإذا كان 
الميت عزيزاً يحللنَ عليه شعورهنّ ويلطمنَ على وجوههنّ وصدورهنٌ ويستأجرنَ نساء مخصوصات 
ليساعدنهنٌ على الندب والعويل وهذه العادة أي استئجار النوادب لم تكن موجودة قبلاً في 
اللاذقية لكنها استعملت منذ عهد قريب اقتداءً ببعض مدن سورياء ولا بد لكل امرأة تحضر إلى 
المأتم من أن تغطي رأسها بمنديل أسود ويستمررنَ على النوح والبكاء بدون تعقل ولا شفقة على 
صحتهنْ حتى يحين وقت تجنيزه وربما قضينَ على هذه الحالة من حين موته إلى حين تجنيزه 
مدة اثنتي عشرة ساعة أو أكثر إذا كان موته قد وقع في الليل ثم يُتقّل من بينهن إلى التابوت 
على أصوات اللطم والعويل من جميع أهله رجالاً ونساء ثم يشيعه إلى المقبرة الرجال فقط 
دون النساء فأنهنّ يلبثنَ في البيت منتظرات رجوع الرجال من الجنازة وقد كانت العادة قبلاً 
أن تخرج النساء مع الميت ويشيعنة بالعويل والولاول لكنها ألغيت منذ سنة 1858. وعندما يرجع 
الرجال من الجنازة تستقبلهم النساء بالولولة والبكاء فيمكثون ريثما يشربون القهوة ثم ينصرفون 
وتستمر النساء تتوارد وتنصرف والبكاء والنوح جاريين على الأسلوب المار ذكره طول ذلك النهار 
وعند المساء يجلس أهل البيت للعزاء فيأتي الناس ويعزونهم وهكذا في الليلة الثانية والثالثة 
أيضاً. أما النساء فيكررنَ المأتم في اليوم الثالث والتاسع والأربعين والشهر السادس والتاسع وتمام 
السنة وفي كل من هذه الأيام نحو الظهر تجلس نساء البيت ويستعدون للبكاء والنوح فتتوارد 
النساء إلى تلك المناحه وكلما وفدت وافدة منهنّ يستقبلنها بالبكاء والعويل ثم يصطففنَ جميعاً 
ويفتح أهل الميت وذوات قرابته فصلاً من البكاء فتندبه كل واحدة منهنّ بدورها حتى إذا انتهينَ 
تشرع كل مَّن مات لها ميت من الحاضرات تندب وتذكر ميتها وتحمّل الميت الجديد أحمالاً من 


11530 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


السلام له ولئن كان قد مضى على موته سنون كثيرة وكلما انتهت النادبة إلى مقطع بكت 
وبكى معها الحاضرات وبعضهنّ يسترنَ أوجههنٌّ بالمناديل متباكيات لا باكيات حقيقة (ولاسيما 
إذا كان الميبت مسناً أو غير عزيز فإن هذه المآتم تجرى له حينئذ اتباعاً للعادة وتتباكى النساء 
فيها عوض البكاء وبعضهنّ يتمازحنَ ويتضاحكنَ سراً) ثم عندما ينتهي ذلك الفصل يستدعينَ 
بالنارجيلات وتدور بينهن الأحاديث المختلفة هنيهةً ثم يؤمرون برفع النارجيلات ويشرعنَ في 
فصل بكاء ثانٍ على الأسلوب الأول وهكذا إلى العصر إذ ينفض المجلس بعد شرب القهوة التي 
تَقدّم في الفناجين وحدها دون الظروف كما هي العادة في المآتم عندهن. 

أما الحداد فجار عندهم بأن يلبس أهل الميت واقاربه السواد رجالاً ونساء واذا كان عزيراً 
يُفرّش بيته بالفراش الأسود أيضاً وينقطع الرجال عن حلق الوجه أسابيع والنساء عن الحمام 
أشهراً كما ينقطعون جميعاً عن سماع الغناء والطرب وعن تقديم زيارات التهاني بأنواعها. وليس 
لمدة الحداد قانون ولا حدود معيّنة عندهم بل كلّ يحد المدة التي يستصوبها فكره وخاطره 
على أن الغالب أن يحدٌّ الذكر لأبيه أو أمه أو أخيه مدة سنة والانشى سنة ونصفاً أو سنتين وهلم 


ا 


جرا. 


151 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفصل السادس 
فى لواء اللاذقية 


أن لواء اللاذقية كان ممتداً من حدود طرطوس جنوباً إلى حدود الجبل الأقرع شملاً 
ومساحته من الجنوب إلى الشمال نحو 70 ميلاً ومن الغرب إلى الشرق نحون 25 ميلاً وهو 
مؤلف من 14 مقاطعة أو قضاء الأولى مقاطعة الخوابي في حدود اللواء الجنوبية وكان حكامها 
مسلمين من بني عذرا ويسكنون قلعة الخوابي ويلقبون اغاوات وفي هذه المقاطعة 83 
قرية أهلها نصيرية واسماعيلية ومسلمون وروم ارثوذكسيون الثانية مقاطعة المرقب وهي إلى 
الشمال الغربي من الخوابي وكان حكامها من بني عذار ايضاً ويسكنون في قلعة المرقب وهي 
تنقسم إلى ناحيتين ناحية زمرين وفيها كة قرية وناحية المرقب وفيها 44 قرية وسكان هذه 
المقاطعة نصيرية ومسلمون ونصارى من الروم الارثوذكس والموارنة الثالثة مقاطعة القدموس 
وكان حكامها اسماعيلية وهم طائفتان الحجاوية والسويدانية وكلهم يسكنون القدموس ويلقبون 
امراء وكان صاحب الولاية منهم يسكن في قلعة القدموس وهذه المقاطعة تنقسم إلى ثلاث 
نواحي ناحية القدموس وفيها و5 قرية وناحية جرد العليقة وفيها 58 قرية وناحية الظهر 
الغربي وفيها 30 قرية أما أهل هذه المقاطعة فاسماعيلية ونصيرية وهي إلى جهة الشرق 
من المرقب الرابعة مقاطعة السمت القبلي ويُقال لها السمت قبله وهي إلى الشمال من 
مقاطعة القدموس وتنقسم إلى ثلاث حلل حلة بني ياشوط وكان حكامها من بني مطرد وبني 
عثمان وهم يسكنون في قرية الحضان وبني أبي عاصي ويسكنون في عين قيسطو وحلة 
الحمام لبني جحجاح وهم يسكنون في قرية الحمّام وحلة السرامطه لطائفة البشالده وهم 
يسكنون قرية بعبدا. ودير بعبدا وبني غريب وهم يسكنون قرية الداليه وجميع هذه الطوائف 
نصيرية ويلقبّون مقدّمين وفي هذه المقاطعة 59 قرية أهلها نصيرية الخامسة مقاطعة بني 
علي وكان حكامها بني أبي شلحة من طائفة النصيرية وهم يسكنون في قرية عين الشقاق 


152 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


ويلقبون مقدمين وفيها 22 قرية أهلها نصيرية. السادسة مقاطعة القرداحة وكان حكامها بني أحمد 
ويسكنون في قرية بتنبول وبني جركس في مرج معيربات وبني علي في قرية القرداحة وبني 
العيله وشهاب الدين فيها أيضاً وبني حصون في بشلأما والبراج وبني علوش في قرية كلماخو 
وجميعهم نصيرية ويلقبون مقدمين وهي تنقسم إلى أربعة أقسام النواصره والقراحله ومَثُوّر 
وساحل القرداحة وفي هذه المقاطعة 68 قرية أهلها نصيرية السابعة جبله وقرى وقف السلطان 
ابراهيم والشمسيات وفيها 36 قرية أهلها مسلمون ونصيريه الثامنه مقاطعة المهالبه وهي قسمان 
عمامرة المهالبة وساحل المهالبة وكان حكامها من بني غصن ويسكنون في قرية اللدين وبني 
خير بك ويسكنون في قلعة المهالبه وجميعهم نصيرية ويلقبون مقدمين وفي هذه المقاطعة 
7 قرية أهلها نصيرية وفي قرية دباس منها بعض سكان من الروم الارثوذكس التاسعة مقاطعة 
بيت الشلف وهي أربعة أقسام المزيرعه وعمامره بيت الشلف وساحل بيت الشلف وجبل 
دريوس وكان حكامها بني أحمد وبني محمد وبني علي وهم نصيرية أيضاً ويلقبون مقدمين 
وفيها 113 قرية ومزرعة أهلها نصيرية وفي قريتي حبيت والمزيرعه منها بعض سكان من الروم 
الارثوذكس العاشرة مقاطعة صهيون وكان حكامها بني الجندي مصطفى ويسكنون في قرية الحفه 
وطائفة الارشوكية ويسكنون في قرية شير القاق وبني الجندي ابراهيم ويسكنون في منجيلا 
وطائفة الزناقفة ويسكنون في قرية الزنقوفة وجميعهم مسلمون ويلقبون أجناداً وفي هذه 
المقاطعة 53 قرية أهلها مسلمون ونصيريه وفي قرية الحفه وقرية شتبفو بعض سكان من الروم 
الأرثوذكس الحادية عشرة مقاطعة البهلولية وهي إلى الشمال الشرقي من اللاذقية وكان حكامها 
بني علي وبني شمسين وبني منصور وغيرهم وكلهم نصيريه ويلقبّون مقدمين وفيها 44 قرية 
أهلها نصيرية الثانية عشرة مقاطعة جبل الأكراد وهي إلى جهة الشمال الشرقي من البهلولية 
وكان حكامها عدة عشائر من المسلمين يلقبون اغاوات وفيها 121 قرية ومزرعة وأهلها مسلمون 
ونصيريه ما خلا قرية كنسبا فإن أكثر سكانها روم ارثوذكس وقريتي حلوز والهوينيه فإن جميع 
سكانها روم أيضاً وقرى عرامو والغنيميه فإن جميع سكانها ارمن غريغوريون الثالثة عشرة مقاطعة 
الباير وكان حكامها عدة عشائر من التركمان يلقبّون اغاوات وفيها 23 قرية أهلها مسلمون تركمان 


153 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ونصيريه ما خلا قرية القصب فإن سكانها روم الرابعة عشرة ناحية البوجاق وكان 
حكامها عدة عشائر من التركمان يلقبون اغاوات وفيها 30 قرية. أهلها مسلمون تركمان 
ونصيريه وبها تنتهي حدود لواء اللاذقية الشمالية المتاخمة للجبل الأقرع وأهالي هاتين 
المقاطعتين أي الباير والبوجاق التركمان لا يزالون لحد الآن يتكلمون اللغة التركية ولا يُعلَّمِ الوقت 
الذي جاءوا فيه وتوطنوا في هذه الجهات. أما ساحل اللاذقية ففيه 75 قرية أهلها نصيرية. 
وهذه المقاطعات تُدعى جبل النصيرية وكانت تُدعيّ قديماً جبل اللكام وجبال بهراء وتنوخ. 
قال أبو اسحق الاصطخري ويُُسمّى (الجبل الممتد من جبل طورس في آسيا الصغرى) اللكام 
إلى أن يجاوز اللاذقية ثم يُسمّى جبل بهراء وتنوخ إلى حمص (انتهى) وقد علمت مما مر أنه 
كان يحكم هذه المقاطعات كبراء أهلها ورؤساء عشائرهم فأنهم كانوا يتوارثون ذلك خلفاً عن 
سلف على أنهم كانوا يأخذون الولاية بالالتزام بمبلغ معلوم من حكام اللاذقية ويحكمون حسب 
أهوائهم واستمرت هذه الحال إلى حين دخول الحكومة المصرية سنة 1832 فنكلتهم وعزلتهم 
من مناصبهم وولّت متسلمين غرباء ولما استرجعت الدولة العثمانية البلاد من محمد علي باشا 
صاحب الحكومة المصرية سنة 1840 اعادتهم إلى مناصبهم لكن بالمعاش لا بالالتزام واستمروا 
على هذه الحال إلى زمان التشكيلات سنة 1865 إذ نزعت الولاية من أيديهم وولت مديرين من 
قبلّها كماهو جار إلى هذا اليوم. 

هذا وقد وجدت الطبيعة مدينة اللاذقية في مركز جغرافي يستلزم الحاق جميع 
المقاطعات المذكورة. بحيث إذا انفصل عنه شيء منها يعود ذلك بالضرر على كلتا الجهتين 
وذلك لأن اللاذقية قد وجدت في الوضع الطبيعي اليق مركز لتجارة أهل جميع تلك 
المقاطعات لكونها أقرب اليهن جميعاً من كل المراكز المهمة البحرية المعروفة في العالم 
التجاري فهي مرجع حاصلاتهم ومورد احتياجاتهم ولهم ولأهلها صوالح واحده مشتركة نظراً 
لسعة العلاقات والمعاملات بين الطرفين ولا بد لحفظ هذه الصوالح الجسيمة المتبادلة 
من أن يكون لهم جميعاً حكومة واحدة لها مركز واحد متوسط في المسافة بين هذه 
المقاطعات مقتدر على منع وقوع الخلل في هذه العلاقات والصوالح وليس من مركز سياسي 
مناسب لذلك في تلك البقعة سوى مدينة اللاذقية والظاهر أن هذه الحقائق قد غرفت 


154 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


من قديم الزمان حتى أنة يمكن القول أن الحاق هذه المقاطعات جميعها بمدينة اللاذقية قد 
جرى منذ تأسيسها على أنه يكاد يكون من المحقق أنهنّ كنّ ملحقات بها منذ بداية مملكة 
الروم لأنه معلوم أنه في أيام القيصر قسطنطين الكبير قد رتبت السلطة الروحية على ترتيب 
السلطة المدنية وبما أن الابرشية العائدة لكرسي ميطروبوليتية اللاذقية منذ القديم للآن تشتمل 
على جميع المقاطعات الممار ذكرها فيتضح أن جميعها كانت إذ ذاك تابعة في السلطة المدنية 
لحكومة اللاذقية ثم ولئن كانت اللاذقية لم تستمر على حالة واحدة في المرجع وكثيرةً ما كانت 
حكومتها وحكومة طرابلس واحدة يتولاها حاكم واحد لكنه قط لم يخطر ببال واحد من أرباب 
السياسة في تلك الأزمان المختلفة أن يخلٌ بالنظام ويسلب من اللاذقية حدودها الطبيعية حتى 
غيرت الدولة العثمانية ترتيب ولاياتها التغيير المعروف بالتشكيلات سنة 1865 فقسم القومسيون 
الذي تألف في سوريا لترتيب الألوية والقضاوات لواءً للاذقية إلى قضاوات مستقلة كلّ منها 
مرجعة رأساً إلى طرابلس مراعاةً لبعض الصوالح الافرادية كما سيأتي بيان ذلك في محله فنجم 
عن ذلك تأخر للآذقية وأضرار عمومية للقضاوات المذكورة مادية ومعنوية ولذلك التزمت حكومة 
سوريا بعد مدة أن غيرت بعض ذلك الترتيب والغت بعض القضاوات كما أنها لا بد من أن تغيرة 
بتمامه مع الوقت الذي لا بد من أن يكشف لها أن تحويل الأحوال عن مجاريها الطبيعية التي 
شهد بوجوب المحافظة عليها مرور عشرين قرناً ليس هو من سداد الرأي. 

أما القضاوات المقسم إليها لواء اللاذقية الملغى في الحالة الراهنة فهي قضاءان قضاء 
اللاذقية وهي مؤلف من ساحل اللاذقية ومقاطعات البوجاق والباير والبهلولية وصهيون وجبل 
الأكراد وبيت الشلف والمهالبه. وقضاء جبله وهو مؤلّف من مقاطعات أو نواحي (حسب اصطلاح 
الحكومة بعد التشكيلات) القرداحة وبني علي والسمت قبله والمرقب وزمرين والقدموس والضهر 
الغربي وجرد العليقه وقرى أوقاف السلطان ابراهيم والقرى الشمسيات وناحية الخوابي وما يأتي 


هو عدد سكان كل من القضاءين. 


155 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أجمال 
نفوس 
1102 
41200 
21010 
202 
2/0060 
7504 
466 
23664 
42106 
10 


اكاك 


اجمال 
نفوس 
0020 
260016 
3533254 


244 


2058 
244 
7204 
2504 
2224 
2066 
205274 


2100 


264 


(010) 


مسلمون 
نفوس 
16 
00 
2306 
5512 
230130 
1302 
000) 
00 
2044 
19ظ2 


23053 


0 


ل الساره 


مسلمون 


نفوس 
25202 
00 
00 


00 


25032 
358 
2018 

00 
00 
00 
0ظذ10 


2100 


00300 


مسيحيون 
نفوس 
478 
034 
354 
8366 
100 
100 
100 
00 
1166 
2381 


17خذ]1 


العا ى 


مسيحيون 


2 


نفوس 
00 
00 
00 


00 


712 
1134 
14 

00 
00 
00 
20010 


00 


20610 


قضاء اللاذقية 


نصيريه 
نفوس 
158ظ1ظظ11 
41106 
0() 
114 
1/[60 
112 
103066 
2004 
2|0006 
00 


20006 
قضاء جبله 


نصيريه 
نفوس 
28ظ42 
262016 
23254 


24 


1414 
2ة"ظ1 
5512 
2504 
252224 
20066ظ2 
21204 


00 


074ظ12ظ2 


الأصح أن عدد سكان جبله لا يزيدون عن ألفي نفس. 


156 


عدد 
75 
44 
63 
152 
053 
121 
113 
0047 
2.56 
00 


2.5.6 


قريه 
عدد 
46 
59 
22 


68 


43 
55 
82 
58 
58 
20 
451 


00 


451 


10 


00 


10 


ماعل 
اللاذقية 
وقرى الجسرين 
البهلوليه 
الباير والبوجاق 


صهيون 
جبل الأكراد 
بيت الشلف 


المهالبه 


نفس اللاذقية 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


أعلم أن العدد الموضوع في عمود النصيرية لمقاطعات الخوابي والقدموس هو شامل 
للنصيريه والاسماعيليه الذين في تلك المقاطعات وعددهم في مقاطعة القدموس نحو ثلاثة 
آلاف نفس وفي ناحية الخوابي نحو خمسماية نفس. 

واعلم أيضاً أن العدد المرقوم في القضاءين ينقص عن العدد الصحيح فأنه مأخوذ عن 
دفاتر الحكومة وهو معلوم أن الأهالي كتموا نفوساً كثيراً عن المحررين الذين عينوا من طرف 
الحكومة سنة 1866 لتقييد النفوس لكي يقل عدد الأشخاص الذين يُطلبون سنوياً للدخول في 
العسكرية. 


157 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفصل السابع 
فى الآثار والمدن الموجوده فى لواء اللاذقية 


أن من الآثار الموجودة في لواء اللاذقية حصن العيدو ودعاة أبو الفداء في تاريخه 
حصن العبد. والعيدو الآن قرية في جبل الأكراد وكان الحصن على جبل فوقها ولم يبق منه 
الآن إلا رسوم بالية تكاد لا تتحقق وفي قرية العيدو ماء غزير يجري من عين تنفجر من 
اسفل الصخر الذي كان الحصن قائماً فوقه قيل أن ماء هذه العين كان يجري في اقنية إلى 
مدينة اللاذقية ولم تزل آثار بعض هذه الأقنية تشاهد إلى يومنا هذا. ومنها قلعة صهيون 
ذات قلعة حصينة لا ترام من مشاهير معاقل الشام وبقلعتها مياه كثيرة تتجمع من الأمطار 
وهي على صخر أصم بالقرب منها واد ويه من المحمضات ما لا يوجد مثله في تلك البلاد 
وتظهر من عند اللاذقية وبينهما نحو مرحلة (انتهى) قلت ولم يبق الآن للمدينة من أثر أما 
القلعة فقد هدم أكثرها ولم يزل باقياً فيها ابراج قائمة وأقبية ثابتة وفيها صهريجان منقوران 
في الصخر عميقان وواسعان في الغاية أحدهما مظلم والثاني نيّر يُنَرّل إلى اسفل كل منهما 
بسلم منقور في الصخر وهي الآن مهملة موحشة وساحاتها الفسيحة يحرثها اهالي القرى 
المجاورة ويستعملونها للزراعة. ومنها قلعة المهالبة وهي حصن قديم في ناحية المهالبه قد 
خرب اكثرةُ الآن ولعله هو الذي كان يُقال له قديماً حصن بلاطنس ومنها قلعة المرقب وهي 
قلعة حصينة على جبل شاهق يرتفع نحو الف قدم عن مساواة البحر أحدثها المسلمون 
سنة 454 للهجرة قال ابن الوردي وفيها أي في سنة 454 موافقة سنة 1063 م عمّر المسلمون 
حصن المرقب بساحل جبله وباعوة للروم بمال عظيم وقبضوة وجاء من الروم نحو من 
ثلاثماية رجل ليتسلموه فقتلوا منهم وأسروا الباقين وفدوهم بمال كثير وكان بيعه للروم حيلة 
نصبها المسلمون فتمت وهي في شكل مثلث الزوايا واحدى زواياها مقابلة للغرب وحجارتها 


158 


في جغراضة اللاداضة ووصفها الحالي 


تضرب إلى السواد ومحيطها ميل ونصف وفي أعلى جدرانها برجان مستديران الواحد من جهة 
الشرق والآخر من جهة الغرب وقد ضرب اكثرها الآن وفيها كنيسة من أيام الصليبيين قد تحولت 
الآن جامعاً وقد صارت القلعة في هذه الأيام مسكناً لبعض الأهالي ولبني عذرا فيها دور فسيحة 
وعدد البيوت التي فيها 78 بيتاً سكانها مسلمون بينهم عائلة واحدة من الروم وفيها جامع (وهو 
الذي كان كنيسة) و10 دكاكين وفرن واحد. ومنها قلعة الخوابي وهي مأهولة الآن بالسكان وفيها 
1 بيتاً سكانها مسلمون وجامع ودكانان وفرن. 

أما المدن التي فيها فمنها مدينة جبله وهي مدينة قديمة على البحر إلى الجنوب الشرقي 
من اللاذقية وبينهما مسافة نحو 12 ميلاً وفيها الآن من السكان نحو 3100 نفس جميعهم مسلمون 
وعدد بيوتها 288 بيتاً وفيها جامعان وة مساجد وسكة وماية وثماني وعشرون دكاناً وحمامان 
وثلاث طواحين وثلاث أفران ومعصرتان وبخارجها جامع فيه مزار قد اشتهر أنة قبر ابراهيم بن 
ادهم وهو ابراهيم بن ادهم بن منصور الزاهد من بكر بن وائل ولد ببلخ ورابط بالشام وقد 
ذكر ابن الوردي خبر وفاته في حوادث سنة 161 للهجره لكنة لم يعيّن المكان الذي توفي فيه 
وإنما نقل ما حكاه ابراهيم ابن ادهم عن نفسه فقال أنه كان ابن ملك من ملوك خراسان فسار 
منها حتى صار إلى العراق ثم صار إلى الشام ثم قدم إلى طرطوس فاستأجرهٌ شخص ناطوراً 
لبستان فمكث في البستان أياماً كثيرة وأنهٌ لما اشتهر اختفى وهرب من الناس وكان يأكل من 
عمل يده كالحصاد والعمل في الطين وحفظ البساتين (انتهى) وأهالي جبله ينسبون المدينة 
إليه فيدعونها جبله الأدهمية قلت وفي اللاذقية مزار اشتهر أنه قبر ام ابراهيم ابن ادهم واللّه 
أعلم. ولمقام ابراهيم ابن ادهم قرىّ وارضون وُقفت فيما يُقال في عهد المماليك الجراكسة 
سلاطين مصر على تكية في جامعه تَطعَم فيها الدراويش والمساكين وقد استولت الحكومة في 
أيامنا هذه على دخل الأوقاف المذكورة وجعلت نفقة التكية على عهدتها تنفقها على يد متول 
يتقلّد الولاية بالوراثة وتثبيت الحكومة ويُدعَى قائم مقام الأوقاف وهي الآن في بيت علي أديب 
في جبله والمتولي منهم الشيخ يّسين افندي. 

ومن الآثار الموجودة في جبله بقايا مرسح لملاعب الرومانيين وهو على شكل قوس 


159 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


دائرة مقاعده صفوف حول الساحة المتوسطة كل صف منها مرتفع قليلاً عما تحتة ونصف قطر 
الدائرة نحو 150 قدماً والمحيط من خارج نحو 450 قدماً وتحت المقاعد مرابض كانوا يضعون 
فيها الوحوش التي يستحضرونها لتلك الملاعب واهل جبله يسمون هذا المكان قلعةً وبخارج 
عله ذافن ضخوية كتبزة الضيدة: 

ومن مدن اللواء أيضاً قصبة القدموس وفيها 127 بيتاً سكانها اسماعيليه وجامع و92 دكاناً 
وحمام وليس فيها من الآثار سوى قلعتها. 

هذا وقد ذكر المؤرخون القدماء عدة مدن صغار ما بين اللاذقية وطرطوس وهي بالتوس 
ولم يبق منها الآن سوى خراباتها على نهر السن ويدعونها البلده. ثم بنياس وهي على شط 
البحر إلى الغرب الشمالي من المرقب قال أبو الفداء في الجغرافيا «المرقب والبنياس للمرقب 
اسم للقلعة وهي قلعة حسنة البناء مشرفة على البحر وبنياس اسم لبلدتها وبيتها قريب من 
فرسخ وهي ذات أشجار وفواكه. قلت ولم يبق من أثار بنياس القديمة شيء وإنما هي الآن 
اسكلة تحتوي على بعض مخازن حديثة البناء. تُدعَى بانياس ثم مرقيه ودعاها القدماء مراكيا 
ومراتوس وبقايا قلعتها تُشاهّد إلى الآن وأمام قلعتها على مرمى سهمين من البركان في وسط 
البحر برج بُني بعد موت الملك بيبرس وسيأتي ذكر ذلك في محله وهي الآن قرية حقيرة 
جداً وقد عدا استرابون في هذا الخط تسع مدن وهي ارتوسيا (ولعلها طرطوس) وسيميرا 
وانهيدرا وكاراموس وبنياس وبالتوس وغابالا (جبله) وهرقليه وبوسيديون وعدها بلينيوس سبعاً 
وهي سيميرا وماراتوس وانتاداروس وكارني وبانياس وبالتوس وجبله ثم ذكر هرقليه وبوسيديون 
بعد اللاذقية لجهة الشمال وعليه جرى أكثر الجغرافيين وهو الأصح فأنه موقع هرقليه هو بين 
رأس ابن هاني ورأس البسيط ولا يزال لحد الآن يؤتى بحجر من هناك يُدعَى الحجر الهرقلي نسبةً 
لتلك المدينة. وموقع بوسيديون هو البسيط التي هي تحريف لفظة بوسيديون. نعم أن جميع 
هذه المدن لم تكن ذات أهمية إلا أنها استحقت أن تُذكر في التواريخ وجميعها قد عفت وزالت 
ولم يبقّ منها ما هو ثابت بعض الثبات إلا مدينة جبله فسبحان الباقي الدائم الذي لا يزول. 


0ظ10 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 
الفصل الثامن 
في صفات أهالي المقاطعات وأحوالهم 


لقد علمت مما مرّ أن أكثر سكان المقاطعات المار ذكرها نصيريه وهم في حالة يُرثى 
لها من الجهل والغباوة والخشونة وقد جمعت فيهم جميع الصفات الذميمة فإن من صفاتهم 
الكسل والكذب والخداع وحب السرقة وسفك الدماء والخيانة والدناءة وليس فيهم مأثرة 
تُحمّد إلى قرى الضيف وحماية النزيل على أنهم ربما اضافك منهم مضيف وحمى ذمارك 
ما دمت في بيته فاذا انصرفت ارسل فسلبك في الطريق كل ما معك. وهم ينقسمون إلى 
فشائر قناذ1 قشل قتسل مق ادق الفشقاثر قات العشيرة كلها للأفةن نتازة. فين عضيرة القاتن 
واذا تصالح العشيرتان على دية معلومة عن القتيل تجمع عشيرة القاتل الدية من كلٍ من 
أفرادها وتوزعها عشيرة المقتول على كل من افرادها واذا جاء رجل غريب وتعاهد أو كتتب 
دمهٌ كما يقولون هم إلى احدى هذه العشائر كان له كواحد منهم فاذا قتل طالبوا بدمه 
واذا قتل فرضوا عليهم دية المقتول كما أنهم يخصصونة لهم من الدية إذا كان القاتل غيره 
وبهذه النسبة يتمكن النصارى القليلون القاطنون بينهم أن يعيشوا غالباً بأمن واطمئنان فإن 
كل فيئة منهم مشتركة بالدم مع احدى العشائر ثم أن الفتن والقلاقل لا تنقطع من بين هذه 
العشائر فلا تكاد تمضي سنة دون أن تقوم فيها عشيرة على أخرى لأجل أسباب زهيده ويتحزب 
لكل من العشيرتين بعض العشائر الأخرى وتصلّى بينهم نيران الحرب والقتال ولولا خوفهم من 
الحكومة لما هدأوا بعض الأحيان عن الكفاح والنزال على أنهم متى رأوا الظروف تساعدهم 
تمردوا على الحكومة نفسها وتخلفوا عن أداء الأموال ولذلك تضطر الحكومة في أغلب الأوقات 
أن تسوق عليهم العساكر ولن تزال كذلك ما لم تقُمْ قوة دائمة بينهم وذلك بجعل نواحيهم 
قائم مقامية وأكثر مركزها في وسط جبالهم مع تقسيم باقي النواحي إلى قائم مقاميات 


161 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أخرى تُجعل اللاذقية لا غيرها مرجعاً لجميعهن بحسب كونها اقرب مركز مهم لهنّ وعارفة 
ومختبرة احوالهنّ واكثر من غيرها علاقةً مع أهاليهنّ فبواسطة وجود القائم مقاميات بينهم التي 
يتبعها وجود مجالس وضابطة وجانب من العساكر التي لها عادة أن تقيم في نفس اللاذقية 
وجبله وحصول المحاكمات والاجراءات على حقها النظامي بدون مسامحة مع وجود المرجع 
الذي هو مدينة اللاذقية قريباً منهم بحيث ثلاحَظ فيه جميع الأعمال التي تقع في تلك القائم 
مقاميات يضطرون أن يلتزموا الهدوء والانقياد. وأما الاجراءات الموقتة التي اعتادت الحكومة أن 
تستعملها فلا يكون نفعها إلا موقتاً وذلك لأن النصيرية موصوفون بأن عقولهم في عيونهم فإن 
رأوا عقلوا واعتبروا ويزول اعتبارهم بحالما تزول المؤثرات من أمام أبصارهم وهذا من الأمور التي 
عرفت بالتجارب المتتابعة بمقدار تتابع السنين. 

ثم أن كلآً من هذه العشائر تتأنف من ثلاث طبقات الطبقة الأولى المشائخ وهم خَدَمة 
الدين وبينهم تفاوت في الغتّى والعلم والنسَّبَ والطبقة الثانية المقدمون وهم أصحاب الأرض 
والنفوذ وهم على تفاوت أيضاً في الغتّى والجاه والتَسَب والطبقة الثالثة الفلاحون وهم العامة 
المساكين ويُحسَّبون بالنسبة إلى ارباب الطبقتين الأوليين كالعبيد إذ ليس لهم ملك ولا تقدم في 
طائفتهم وعليهم الاتعاب والخدمة ومنهم الانفار العسكرية. 

ومن عادة عشائر نصيرية الجبال انهم عندما تزول الفْتّن والاختلافات من بينهم تشتغل 
لصوصهم في شن الغارة على قرى الساحل وابناء السبيل وسلب كل ما يقع بيدهم وقد 
يشترك مع هؤلاء اللصوص كثيرون من المقدمين والمشايخ ولئن كانوا لا يخرجون معهم 
للسلب فيقاسمونهم على غنائمهم ويحفظون لهم اسلابهم عند الحاجة وجميع ذلك ناشىء 
عن الكسل وعدم حب الشغل فإن الرجال في الجبال قلما يعملون عملاً ومع أن أراضيهم 
جيدة بالنسبة إلى أراضي باقي جبال سوريا وفي أكثر قراهم عيون وينابيع من الماء الغزير 
الفائض فجميع ذلك مُهِمَل وذاهب ضياعاً فلا يعتنون بالحراثة ولا يغرس الأشجار إِلّا فيما 
ندر. ومعظم أشغال أهالي الجبال انما هو في التبغ وهو من أعمال النساء عندهم كما أن 
أكثر الأشغال الأخرى هي من اعمالهن أيضاً ولذلك قد تقوم المرأة عندهم مقام امرأة ورجلٍ 


162 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


معاً مما هنّ عليه من المنزلة الدنية بينهم وعدم معرفتهم قدرهِنّ كما سيأتي ولما كانت حالة 
الرجال في الجبال على هذه الصفة كانت الراحة والبطالة اللتين من نتائجهما الفقر تدعيانهم 
إلى السرقة والسلب والفتن وباقي الأعمال الفاسدة. 

أما رجال قرى الساحل فلما كانوا تحت نظر الحكومة وكانت مواقفهم لا تمكنهم من 
التمرد كانوا غير قادرين أن يجدون ملهى عن الشغل فلذلك هم أقل كسلاً من أهالي الجبال 
واحسن حالاً ولئن كانوا يُحسَّبون كسالى بالنسبة إلى غيرهم أما معيشتهم جميعاً فهي في اقصى 
درجة من الدناءة والخساسة فإن بيوتهم مبنية بالحجارة الصغيرة بغير هندام تَطيّن بتراب الأرض 
وتُسقّف بالبلآن وهي أولى بأن تُسمّى اكواخاً لا بيوتاً ينامون في الشتاء داخلها وفي الصيف على 
سطوحها ومنامهم يكون على حصر أو على لبّاد ويتغطّى أكثر أهل البيت بلحافٍ واحدٍ وقليل 
منهم مَن يوقد مصباحاً في بيته واكثرهم ينامون زمن الشتاء مع حيواناتهم في بيت واحد أما 
مآكلهم فقلما يخالطها لحم وفي أكثر الأوقات يكتفون بأكل الخبز والبصل واشهر مآكلهم ما 
يسمونة المتبّلة وهي تَُعمّل من البرغل المسلوق واللبن الرائب أما ملابسهم فهي القميص الذي 
هو عبارة عن ثوب طويل إلى القدمين والعباءة ويلبسون على رؤوسهم لبادة وعصبة ويتمنطقون 
بحبل من شعر أو صوف وقليل منهم ما عدا النساء من يلبس السراويل وأقل منهم بما فيه 
النساء مَن يلبس الأحذية ولا يوجد فرق كبير بين المقدّم فيهم والراعي من حيث السكن 
والمأكل إِلّا نادراً. إِلا أن المقدمين احسن لباساً من العامة فانهم يلبسون غالباً طرابيش بشرابات 
طويلة ثقلها من 80 إلى 120 درهماً أو لبادات ويتعممون بجملة عصائب أو بزنار حرير ويلبسون 
سراويل أبيض أو من الجوخ أحياناً وزناراً عريضاً ويشكون غالباً أسلحة في مناطقهم وكذلك طبقة 
المشايخ تتميز بلبس العمائم البيضاء التي يسمونها شاشاً ومن طباعهم أنهم لا يبالون بالانتقال 
من حالة رخاء إلى حالة شدة فأنهم إذا اكلوا اكتفوا بأكل الحشيش بالملح وقد رأيت في بعض 
رؤوس جبل دريوس صبياناً منهم عراة الأجسام بالكليه وفي محل آخر امرأةً عريانة تسثّرت من 
المارين وراء شجرة. ولا ريب أن من يرى حالتهم ويشاهد جبالهم وأراضيها ومياهها وقابليتها على 


163 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الخصوص لأنواع الأغراس وما هي عليه من الاهمال يحكم بأنهم من أكسل القبائل واشدهم 
توحشاً. أما الحالة العلمية عندهم في غاية التأخر وقلّ من يعرف القراءة والكتابة منهم ما خلا 
مشائخهم الذين قرآءتهم وكتابتهم في غاية الركاكة والضعف وعندهم أن اللحن فيهما واجب 
وأن الاعراب غير ممدوح ولا يعرفون من الصنائع سوى ندف القطن وغزله غليظاً وحياكته خاماً 
سميكاً وصنعة السكافة وقلما يعرفون غير ذلك مما يستحق الذكر ولما كانت ديانتهم وديانة 
الاسماعيلية من الأسرار الغير المشهورة كان لا بأس من ذكر بعض مبادئها. 

أن النصيرية فرعٌ من الطائفة الباطنية يعبدون بعض الأجرام السموية على أنها الامام علي 
بن أبي طالب الذي ينتحلون فيه الالهية وطقوسهم ممتزجة من طقوس النصارى والمسلمين 
واليهود والصابئين ونسبتهم هي إلى أبي شعيب محمد بن نصير العبدي البكري النميري واضع 
ديانتهم نشأ في أراضي الكوفة في الجيل الثالث للهجرة وكان شيخاً كثير الصلوات والأصوام فاختار 
من اصحابه اثني عشر رسولاً ينذرون بتعليمه ولما شاع أمره قبض عليه الوالي والقاهُ في السجن 
وكان للسجان جارية اخذتها الشفقة على الشيخ حتى سكر السجان ذات يوم واستغرق في نومه 
ففتحت السجن وأطلقت الشيخ ثم ردت المفاتيح إلى مكانها فلما استيقظ السجان رأى أن الشيخ 
قد هرب ولم يجد علامة لفتح السجن فزعم أن ملاكاً اطلقهً واشاع هذا الخبر لكي ينجو من 
غضب الوالي وبلغ الشيخ ايضاً فكان يوكدهُ للناس ويزداد اجتهاداً في اذاعة تعاليمه وكتب كتاباً 
يقول فيه انا فلان الذي يُظَّن بي انهٌ ابن عثمان رأيت المسيح الذي هو كلمة اللّه وهو أحمد بن 
محمّد بن حنيفه من ولد علي وهو أيضاً جبرائيل الملاك فقال انت القاري انت الجمل الحافظ 
الغضب على الكافرين أنت البقر الحامل خطايا المؤمنين أنت الروح أنت يوحنا بن زكريا. قيل 
انطلق هذا الرجل من أرض الكوفه إلى بر الشام واذاع تعاليمة هناك بين الناس الساذجين ثم قام 
بعدهُ رجل آخر اسمهٌ محمد بن جندب وقام من بعد هذا عبداللّه الجنّان الجنبلان وقام بعدهٌ 
الحسين بن حمدان الخصيبي وهو أعظم من كل مَن جاء بعده وهو الذي اكمل صلاتهم وقيل 
انه هو الذي قبض عليه الوالي والقاه في السجن ولما عرضت له فرصة هرب واشتهر بين اتباعه 


164 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


أن السيد المخلص خلصه ليلاً وهم يكنّون عن علي بالمعنى ويلقبونةٌ امير النحل ويعتقدون 
انه خلق الحجاب والاسم وهو محمد وان الاسم خلق الباب وهو سلمان الفارسي وأن المعنى 
والاسم والباب هو ثالوث ويذهبون إلى أن سلمان الفارسي خلق الخمسة الايتام وهم المقداد 
بن أسود الكندي وأبو الدر القفاري وعبدالله بن روامة الانصاري وعثمان بن مصفون النجاشي 
وقنبر بن كادان الدوسي وان الخمسة الأيتام خلقوا كل هذا العالم الموجود وأن ترتيب السماوات 
والأرض بيدهم ويكنون عن المعنى والاسم والباب بقولهم ع م س أو عَمّس وهي أحرف مقتطعة 
من أوائل اسماء على ومحمد وسلمان ويعتقدون أن المعنى أي عليًا ظهر ظهورات كثيرة وفي 
كل ظهور كان معه اسمة وبابهُ فيزعمون أنه في عهد آدم كان هابيل المعنى وآدم الاسم وحواء 
الباب وفي عهد نوح كان الفلك المعنى ونوح الاسم وحام الباب وفي زمن موسى كانت البقرة 
المعنى وموسى الاسم والعصا الباب وهلم جرًا. وانهم في كل ظهوراتهم ما أكلوا ولا شربوا ولا 
تزوجوا وانهم لم يولدوا من نساءٍ بل نزلوا من السماء بدون أجسام وأن الأجسام التي كانوا 
يظهرون فيها انما هي أشباه وليست أجساماً حقيقية وتنقسم النصيرية إلى اربع فرّق الأولى 
الكلازية والثانية الشمالية والثالثة عبدة الشفق ويدعون مواخسة والرابعة عبّدة الهواء ويقال لهم 
غيبيّة وجميعهم يتفقون على أن الشمس هي الاسم أي محمد ويختلفون في المعنى والباب 
فالكلازية يعتقدون أن القمر هو المعنى أي علي بن أبي طالب ويقدمون عبادتهم له وأن السماء 
هي الباب أي سلمان الفارسي والشمالية يعتقدون أن السماء المعنى ويقدمون عبادتهم لها وأن 
القمر الباب وكذلك الطائفتان الأخيرتان كل منهما يذهب في هذين الشخصين مذهباً يوافق 
غرضه ويعتقدون أن علي بن أبي طالب سيظهر من عين الشمس قابضاً على كل نفس والأسد 
من تحته وسيفةٌ ذو الفقار بيده والملائكة خلفه وسلمان الفارسي بين يديه والماء ينبع من بين 
قدميه ومحمد ينادي ويقول هذا مولاكم علي ابن أبي طالب فاعرفوة وسبحوة وعظموة وكبروة 
هذا خالقكم ورازقكم فلا تنكروه ثم انهم يعتقدون بتناسخ الأرواح وأن اتقياءهم عند الموت 
تنتقل أرواحهم من الهياكل الناسوتيه إلى هياكل نورانية فيصيرون كواكب وعندهم أن المجرّة 


165 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أي درب التبانة هي نفس مؤمنيهم وأن الأشرار من طوائفهم إذا ماتوا تحل أرواحهم في المواشي 
التي تؤكل إِلَا إذا كانوا من الخاصة أي رتب المشائخ المرتابين في الديانة فأنهم بعد موتهم 
يصيرون قروداً والذين أعمالهم ممتزجة من حسنة وسيئة ينتقلون إلى هياكل بشرية من الطوائف 
الخارجة عن مذهبهم ويعتقدون أن اشراف المسلمين الراسخين في العلم إذا ماتوا تحل أرواحهم 
في هياكل الحمير وعلماء النصارى في هياكل الخنازير وعلماء اليهود في هياكل القرود وهم 
يتظاهرون لكل طائفة أنهم منها أوانهم أقرب إليها مذهباً من غيرها ويخرّجون ذلك بأنهم هم 
الجسد وباقي الطوائف لباس فأ لباس يلبسة الإنسان لا يضرُهُ وأن مَن لا يتظاهر كذلك فهو 
مجنون لأنه ما من عاقلٍ يمشي عرياناً في السوق. على أنهم في الحقيقة يكرهون كل الطوائف 
وقد كان يُظَّن من عهد غير بعيد أن النصارى أحب إليهم من المسلمين لكن تحقق أخيراً أن 
هذا الظن لم يكن في محله وأنهم شديدوا البغض لهم وإنما تظاهرهم بمحبتهم مكر وخداع 
طلباً لمساعداتهم. وهم يكرهون أبا بكر وعثمان ويسمونهم الأضداد ويشتمونهم في صلواتهم 
كما أنهم يشتمون طلحه وسعد وسعيد وخالد ابن الوليد ومعاويه ويزيد والحجاج وعبد الملك 
بن مروان وهارون الرشيد ويطلبون من علي بن ابي طالب أن ينزل سخطه وعذابه على اسحق 
الأحمر واسمعيل بن جلاد والشيخ أحمد البدوي والشيخ أحمد الرفاعي والشيخ ابراهيم الدسوقي 
والشيخ محمد المغربي والشبل المرجان والشيخ عبد القادر الجيلاني وكل يهودي ونصراني 
والجلند بن كركر وعاقران الناقة قرقيدار وحبيب العطار ويشتمون المذهب الحنفي والشافعي 
والمالكي والحنبلي ولعابي القرود ومسّاكي الحيات السود ويوحنا مارون وكل من يعتقد في عليٍّ 
بن أبي طالب آكلاً أو شارباً أو مولوداً وناكحاً ويطلبون من اللّه ابادة الدولة العثمانية والحكام 
المسلمين واستظهار الطائفة الخصيبية النصيرية. أما الصلوة فمفروضة عليهم في خمسة أوقات 
في اليوم فالفرض الأول صلاة الظهر لمحمد والفرض الثاني صلوة العصر لفاطمة والفرض الثالث 
صلوة الغروب للحسن بن علي والفرض الرابع صلوة العشاء لأخيه الحسين والفرض الخامس 
صلوة الصبح لمحسن سر الخفي ويستعملون البخور والخمر في بعض صلواتهم واذا مرّ بهم أحد 


166 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


خارج عن مذهبهم في وقت صلاتهم تفسد تلك الصلوة فيعودون إلى خلافها واذا حدثهم ا 
يجوز لهم في ذلك النهار ذكرها أما شيوخهم فينقسمون إلى ثلاث رتب الرتبة الأولى رتبة الامام 
والثانية رتبة النقيب والثالثة رتبة النجيب والعامه يطيعونهم طاعةً عمياء ويقبلون كلما يرسمونة 
من الطقوس معتقدين بأنهم معصومون من الغلط وقادرون على منع الضرر كمنع سريان 
الأمراض في جميع الناس والحيوانات مهما كانت ودواؤهم الأحراز والرُقيَ وهم يعيشون غالباً 
من هذه الشعبذة ومن الأوقاف والنذور والزكوة ونحو ذلك ولا يتجاسر أحد من العامة أن يغيظ 
شيخاً منهم لانه. إذا حرمه يمسي بأسوأ حال إذ لا يعود أحد من النصيرية يقترب منه أو يخالطه 
أو يكلمه بكلمة فيضطر إلى استرضاء الشيخ بما عر وهان ليحلّه من رباط الحرم. والنصيرية كافةً 
يعتقدون أن الشيوخ الخاصّة لا يضاجعون نساءهم بل يمرُون من فوقهنّ فيحملنَ وكثيرون من 
عامتهم يعتقدون »أنهم لا يبرّزون أيضاً ومن أقبح طقوسهم التي يمجّها السمع وينفر منها الطبع 
ما ذكرهة صاحب الباكورة السليمانية عن شيوخ الطائفة الكلازية بأنهم إذا زار أحدهم الآخر وبات 
عنده قدم له امرأته ويسمون ذلك الفرض الواجب والحق اللازم وللنصيرية أعياد كثيرة إسلامية 
ومسيحية ووثنية منها ما هو من الطقوس الدينية ومنها ما هو للفرح فأعيادهم الدينية هي عيد 
الغدير في 18 ذي الحجة وعيد الأضحية في 10 منه تذكاراً لاسماعيل بن هاجر وعيد المهرجان في 
16 تشرين الأول وعيد البرباره في 14 تشرين الثاني وعيد ميلاد المسيح في 25 كانون الأول وعيد 
الغطاس في »6 كانون الثاني ثم عيد 17 آذار و1 نيسان و 4 و5 منهٌ أيضاً وعيد الغدير الثاني في و 
ربيع الأول وعيد ليلة نصف شعبان وعيد يوحنا المعمدان ويوحنا فم الذهب والشعانين والعنصره 
ومريم المجدلانيه والليلة الأولى من رمضان والليلة السابعة عشرة والتاسعة عشرة والحادية 
والعشرين والثالثة والعشرين والسابعة والعشرين منهٌ وغير ذلك من الأعياد والليالي وأما أعياد 
الفرح فهي عيد الفطر وعيد النحر من أعياد المسلمين ورأس السنة الشرقية في 1 كانون الثاني 
من أعياد النصارى ويسمونة عيد القوزلة. ولهذه الأعياد أصحاب معلومة تنتقل إليهم بالوراثة خلفاً 


عن سلف فمتى وقع عيد من هذه الأعياد يجتمع الناس إلى بيت صاحب العيد ويأتي الامام 


167 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ويجلس وتوضع أمامه خرقة بيضاء فيها محلب وكافور وشموع وورق الريحان والزيتون واناء 
مملوء خمراً ونقيع العنب والزبيب ويجلس نقيبان احدهما عن يمينه والآخر عن يساره وينتخب 
صاحب العيد نقيباً آخر للخدمة ثم يشرعون في تقديم العبادة والصلوات إلى الامام عليّ 
واجراء طقوس يسمونها قداسات وفي ختام الصلوات والقداسات يقدم لهم صاحب العيد طعاماً 
فيأكلون وينصرفون. 

ومن أهم قواعد دينهم المحافظة على كتمانه كل الحفاظ وعدم اباحته ولو أصبحوا 
في أعظم الخطر حتى خطر الموت وفاقاً لتعليم شيخهم الحسين بن حمدان الخصيبي حيث 
قال إذا قيل لكم ابيحوا وتبرؤوا فعجّلوا بمذ اعناقكم ولذلك لا يسلمون الدين إلى احدٍ ممن 
أولادهم ما لم يبلغ من العمر ثماني عشرة أو عشرين سنة فاذا بلغ هذا السن وعوّلوا على 
تسليمه اسرارهم الباطنة يجتمع منهم جمهور من الخاصة والعامة ويستدعونة إليهم ويجرون 
بعض طقوس ويصلون لأجل قبوله السر وبعد اربعين يوماً يجتمعون ثانية ويسقيه الامام 
كاس خمر ويؤمره أن يقول سرّع م س كل يوم خمسماية مرة ثم بعد سبعة أو تسعة أشهر 
يجتمعون ثالشةً ويستدعونةٌ ويصلُون ويتلون بعض سور من سورهم ويجرون بعض طقوس 
ثم يكلفة منهم اثنا عشر كفيلاً متعهدين بأنهم إذا باح بالسر يأتون به إلى الأمام ليقطعوه 
تقطيعاً ويشربوا دَمهٌ ويكفل هؤلاء الكفلاء كفيلان آخران أيضاً على أنهم يقومون بكفالتهم 
شم يستحلفون الفتى مراتٍ كثيرة بالأجرام السموية وبعض كتبهم الدينية أنه لا يبيح بالسر 
مادام حياً وبعد ذلك يشرعون بتعليمه اسرار عباداتهم وصلواتهم شيئاً فشيئاً. هذا ومن 
اراد الوقوف على طقوس النصيرية وصلواتهم وعقائدهم بأكثر تفصيل فعليه بكتاب الباكوره 
السليمانيه في كشف أسرار الديانة النصيرية تأليف سليمان الأذّني الذي كان من أبناء شيوخهم 
وخرج عن مذهبهم بعد أن سلموة أسراره في مدينة اذنه بخمس سنين وذلك سنة 1856 واعتنئق 
أولاً الديانة الموسويّة ثم تنضّر وجاء إلى اللاذقية وأقام فيها مدةً طويلة ثم سار إلى مرسين 
وهناك شرع. مشائخ النصيرية يستميلونهة ويتظاهرون له بالوداد والحب والترحاب وما زالوا 
مع وعلى هذه الحال حتى أمن وأركن إليهم فجعلوا يدعونه إلى بيوتهم في القرى ويصنعون 


168 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


له الولائم إلى أن توغّل ذات مرة في قراهم فكان ذلك آخر العهد به. 

أما النساء عندهم فليس لهِنْ شيء من الاعتبار حتى أنهم يكتمون عنهنّ معرفة الديانة 
معتقدوق أن التسناء أخظ مدق أن ذكون كانه واعناكاءايتنة وانم] كن تخردين لخدمك ولاسن كنال 
خط الرجال وحفظ التناسل وانهنّ من نسل ابليس اللعين عدو الله فلذلك محرّم عليهنٌ 
معرفة دين الله لك عندهم لا تكاد تكون اسمى من منزلة الحيوانات وكلما زاد عند 
الرجل عدد النساء زادت دائرة أشغاله كما تزيد بزيادة الدواب والابقار مثلاً. وهم يشترون 
النساء بالثمن من آبائهنٌ ويتزوؤجون بهن سفاحاً بدون سنة أو كتاب والثمن من 500 إلى 
0 غرش وقد يكون أقل أو أكثر بالنظر إلى النسب والحسب وتعدد الزوجات مباح عندهم 
فيحل للرجل أن يتخذ منهنّ كل العدد الذي يمكنه أن يشتريه ومنهم من يبيعون بناتهم إلى 
الغرباء كعبدات لأجل الخدمة ولما كانت النساء عندهم كالحيوانات كان من جملة عوائدهم 
البربرية المقايضة بهن فكثيراً ما يتقايض رجلان منهم على امرأتيهما فيأخذ كلّ منهما امرأة 
الآخر وربما كانت احداهما حبلى من رجلها القديم فينتقل معها الجنين إلى حيازة الرجل 
الجديد ومن عوائدهم انه إذا اشترى الشاب منهم بنتاً ليتخذها زوجة وكانت في قرية غير 
قريته يجري عرساً احتفالياً يدعو إليه كثيرين فيغنون ويطربون ويرقصون على ضرب الطبل 
والزمر رجالاً ونساء ثم يذهبون على ضرب الطبل والتهاليل واطلاق البارود إلى قرية الفتاة 
حتى إذا قربوا منها يخرج إليهم أهالي تلك القرية بالعصي والنبابيد والسكاكين قاصدين منعهم 
عن أخذ العروس فينتشب بين الفريقين الخصام والجدال الذي قد طالما يفضي الجلاد وكثيراً 
مايقع من الفريقين عدة جرحى ويستمر القتال منتشباً حتى يتوسط بينهما بعض الوجوه 
والمشايخ فيوفققون يبنهما على أن يؤدّي العريس هبةً مالية إلى أهل قرية العروس وبذلك 
ينتهي الخصام إلا إذا كان مع جماعة العريس بيرق كما جرت عوائدهم فأنهم يمنعونهم عن 
الدخول به إلى القرية مرفوعاً فاذا أبوا إِلّا رفعه عاد النزاع والقتال إلى ما كانا عليه واحتاج 
الأمر إلى تراض ثان وبعد أن ينتهي من بين الفريقين كل نزاع يدخل العريس وجماعة القرية 
ويركبون العروس على فرس ويذهبون بها إلى قريتهم واكثرهم مثخَّنْ بالجراح وفي أثناء 


169 


آثار الحقب في للاقة العرب 


سيرهم يطوفون بالعروس في كل قرية يمرون بها في طريقهم ويوقفونها امام بيت كبير القرية 
ويأخذون في الرقص والغناء حتى يأتي أهل البيت ويعطوا العروس هبة من الدراهم قدرها 
من 5 إلى 20 غرشاً بحسب قدر واعتبار أهل ذلك البيت وعند وصولهم إلى قريتهم يقفون أمام 
بيت الرجل فيصعد الرجل إلى سطح البيت وفي يده قضيب طويل وكذلك كل مَن معه ومع 
العروس وعند دخول العروس البيت يتضارب الفريقان بقضبانهم بقصد أن يضرب الرجل عروسة 
بقضيبه مرةً أو أكثر ارهاباً لها لكي تتمكن هيبته في قلبها. وهذه العوائد لم تنحصر عند 
النصيرية فقط بل سرى بعضها بالعدوى إلى النصارى والمسلمين سكان الجبال أيضاً. واذا مات 
من النصيرية احدٌ يسرعون جداً بغسله ودفنه وبعد أن يدفنوةُ يأكلون فوق قبره خبزاً ويدعون 
له بالرحمة وينصرفون وفي اليوم السابع بعد موته يتخذون وليمة يسمونها اسبوع الميت فإن 
كان فقيراً جمعوا من أقاربه ما تيسّر من المال وذبحوا الذبائح وطبخوا الطعام فيأتي الناس 
ويأكلون ويترحمون عليه وان كان غنياً ومن رتبة عالية عندهم اطلقوا وق قبره مقداراً عظيماً 
من البارود إذ يكون قد اجتمع للاسبوع الوف من الناس ثم يأكلون وينصرفون. 

وللنصيرية مزارات كثيرة تكاد لا تخلو قرية منها فأنهم كلما مات منهم شيخ تقي أو 
رجل مضياف عَدُوهُ وليّا وبنوا فوق قبره قبَّةً وانتشرت بيهم زيارته وايقاد البخور على ضريحه 
ونذر النذور له وهم يعتبرون المزارات بهذا المقدار حتى أنهم قلما يحلفون باللّه إلا كذباً 
لكنهم لا يجسرون أن يحلفوا بأحد المزارات إِلَّا صدقاً على أنه قيل أنه في هذه المدة المتأخرة 
قد افتى شيوخ الطائفة الشمالية في جهة طرطوس وادنه بأن الحانث منهم بيمينه على مال 
النصراني أو مال الحكومة لا جناح عليه وأن هذه الفتوى ارسلت ونُشرت عند هذه الطائفة في 
جهات اللاذقية وأنهٌ شوهد بعد ذلك أن بعضهم حلف كذباً ببعض المزارات التي لم يكونوا قبلاً 
يحلفون بها يميناً باطلاً لأجل أي مسئلة كانت. 

أما الاسماعيليون فهم بقايا الطائفة المشهورة التي كانت منتشرة في بر الشام وكان 
في يدها اشهر المعاقل والحصون وهي فرع من الطائفة الباطنية التي تعتقد بوجود شيء 


10 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


من الالوهية في علي ابن ابي طالب ولا يوجد خبر صريح عن تفاصيل معتقداتهم نظراً لشدة 
احتراسهم على اخفاء كتبهم الدينية ولم يسمع قط أن أحداً منهم افشى شيئاً من أسرار ديانتهم 
غير أنة يقال بتأكيد أن من جملة عقائدهم عبادة الفرج وانهم في الليلة الأولى من كل سنة 
يكون عندهم عيد فيجتمع رجال كل قرية منهم على حدة في بيت يغلقون بابه ويجرون 
بعض صلوات وطقوس على ضوء المصابيح وبعد ذلك يطفثون تلك المصابيح ويفتحون باب 
البيت فتدخل إليهم نساء وفتيات القرية وفي وسط ذلك الظلام يأخذ كل رجلٍ منهم الامرأة 
التي يعثر بها ويضاجعها في ذلك المحل وعلى ذلك قد يتفق أن الأخ يضاجع أخته والابن أمه 
ويسمون هذا العيد القبيح عيد البقبيشه. أما هم فيتظاهرون بأنهم مسلمون ستيون ويصلّون 
في الجوامع ويصومون شهر رمضان ويتممون كل الفروض الإسلامية وهم أنشط وأقل جهالة وشراً 
من النصيرية قيل أن ما يأتي هو سورة من سُوَّر صلوات الاسماعيلية وأنها منقولة عن كتبهم 
وهي هذه بحروفها. 

«اذا جاءت الامرأة إلى عندك فاكشف عن ساقها الايمن يبين لك حبك ومحبوبك وغايتك 
ومطلوبك فاجذبه صوبك وقل وجهت وجهي إلى نور مولاي فاطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً 
وما من المشركين فتجد منهٌ ومن شيخه شيئاً ليناً ثغر المباسم بشفتين وشاربين والعسل ينقط 
من شفتيه الاثنتين فاسجد عليه يا اعرابي لأنهة باب المسجد كانت الجنة لها أربعة انهار من 
عسل مصفى وضبتها سرّتها وأنهار من ماء صلبها هنيئاً لمن شرب من تحت فخذيها وتبتويا 
بتبتو والشعر حوله انبتو يا حج مسعود منك خرجنا واليك نعود فريس المتقى أبن خد المنقى 
يا سيدي هوّن عليٍّ أمور دينك من السرّه إلى الركبه حسو حسّو لا نشرك به أبداً. (انتهى) 

ولنذكر الآن حالة وعوائد الطوائف الأخرى التي في الجبال فنقول أن النصارى لما كانوا 
قليلي العدد ومتفرقين بين النصيرية والمسلمين غالباً فليس لهم عوائد مستقلّة وإنما الذين 
هم بين النصيرية منهم فأكثر عوائدهم تشابه عوائد النصيرية والذين هم بين المسلمين 
فعوائدهم كعوائد المسلمين في الغالب وأما المسلمون فهم أقل جهلاً وأحسن حالةً وعيشة 


1/1 


آثار الحقب في للاشة العرب 


من النصيرية ولأكابرهم بيوت مناسبة واثاث نظيف وحيثما دخلت من قراهم تجد منزلاً عند 
كبير القرية وخصوصاً إذا كان من الأغاوات ومأكلاً مقبولاً وفراشاً نظيفاً فإن من عوائدهم قرى 
الضيف وهم منقادون للحكومة ولا يميلون للتشويش ولا للسرقة وقطع الطرق ما خلا أهالي 
مقاطعة صهيون فانهم ولئن كانوا مسلمين لكنهم ممائلون للنصيرية في دناءة معيشتهم 
وتعدياتهم وحبهم للفتن وميلهم للسلب وقطع الطرق وسفك الدماء وقد طالما أضروا بأبناء 
السبيل وقرى الساحل ومع أن لهم ما للنصيرية من الجرائم والذنوب لم تشهر الحكومة عليهم 
قط عصا التأديب التي طالما اشهرتها على النصيرية وما ذلك الا لتحزب مسلمي اللاذقية لهم 
ومحاماتهم عنهم المحاماة التي تبعثهم إليها العصبية والغيرة المذهبية الغير المرتبة التي يتولد 
عنها تمادي الصهاونة في الفجور وارتكاب المعاصي وبالنتيجة في الخطأ بحق أنفسهم ولاضرر 
بحق عباد الله تعالى على أن الصهاونة مع كل شرورهم يتظاهرون بطاعة الحكومة ويترددون 
إليها في الغالب ولعل الذي يحملهم على ذلك بخلاف النصيرية اطمئنانهم بأن اتحادهم مع 
الحاكم ووجوه البلدة في المذهب يستر مساويهم كما هو الواقع وبواسطة ترددهم إلى 
الحكومة وعدم تمنعهم عن الحضور إليها حين الطلب لا يُنسَب إليهم تمرّد عند أولياء الأمور 
ويتمكن مساعدوهم من ستر زلاتهم وقبائحهم. 


170 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الفصل التاسع 
فى انهر لواء اللاذقية وحيواناته وحواصله 


أما أنهر لواء اللاذقية فاثني عشر اثنان منها شمالي اللاذقية وهما نهر وادي قنديل ونهر 
العرب وأربعة بين اللاذقية وجبله وهي النهر الكبير ونهر الصنوبر ونهر المضيق ونهر الروس 
وستة إلى جنوبي جبله وهي نهر جريصون ونهر الملك ويقال له نهر السن أيضاً وعند مصبه 
إلى الجنوب آثار مدينة بالتوس ثم نهر جوبر ونهر ابن برغل ونهر بانياس ونهر الحسين ومن 
هذه الأنهر ما هو صغير كالسواقي وذلك كنهر بانياس وغيره وجميع هذه الأنهر خالية من 
الجسور إِلّا النهر الكبير فإن عليه جسراً بخمس قناطر بناهُ السلطان صلاح الدين الأيوبي وقد كاد 
يتعطل فرُّمَّم في أيام السلطان عبد الحميد خان بمدة قائم مقامية مظهر أفندي سنة 1859 وأما 
نهر الصنوبر فكان لهُ جسر بقنطره واحدة ولم يزل ثابتاً إلا أن مياه النهر تحوّلت من تحته إلى 
جهة أخرى فأصبح عديم الفائدة وكذلك نهر السن عليه جسر بخمس قناطر صغيرة وأما باقي 
الأنهر فقد كان عليها جسور قديمة إِلا أنها تهدّمت وبقيت بلا ترميم كما هي العادة مع أن أكثر 
هذه الأنهر خطرٌ في أيام الشتاء والربيع. 

وأما حيوانات لواء اللاذقية فمنها الخيل والحمير والبقر والغنم والمعزى والجمال والجاموس 
والغزال والأرنب والخنزير البري والثعلب وابن آوى والضبع والدب ونوع من النمورة في أعالي 
الجبال وفيه كثير من أنواع الطيور الأهلية والبرية والماشية فيه قليلة والشاء التي تذبح في 
اللاذقية للأكل تُجلّبٍ من نواحي حلب. 

أما حواصله فمنها الزيتون والتوت والميس والحور والازدرخت والنخل والجميز 
واللوز والجوز والصفصاف والسرو والآس والقطن والشرانئق والعسل والشمع والاسفنج 
والصوف ومن الفواكه التين والعنب والتفاح والمشمش والكمثشري والخوخ والدراقن 


1/3 


آثار الحقب في للاقة العرب 


والليمون بأنواعه والرمان والصبير ومن الحبوب الحنطه والشعير والعندس والكرسته والخحميص 
والفول والذرة البيضاء والسمسم وهلم جرًا. ومن الرياحين شجر الحناء وأنواع الورد والياسمين 
والقرنفل والفل والنرجس وما اشبه ذلك وفيها أيضاً أكثر أنواع الخضر والبقول التي تُؤكل وفي 
جبالها أنواع من التبغ أكثرها التبخ المسمى مدخوناً أو جبلياً وبُّقال لهُ أبو ريحه أيضاً وسيأتي 
ذكره وفي مقاطعتي البوجاق والباير تكثر أشجار الصنوبر والبلوط فتُقطع منها أخشاب للوقود 
والبناء وتَرسّل إلى القطر المصري. وقيمة هذه الحواصل السنوية تبلغ نحو خمسة وثلاثين مليوناً 
من الغروش. والأصناف التجارية منها التي تُرسَل للخارج هي الحنطة والشعير والتبغ والقطن 
والسمسم والذره البيضاء والاسفنج والصوف والأخشاب والشمع والشرانق. وأما باقي الحواصل 
فلا تزيد عن احتياجات الأهالي وبعضها ينقص أحياناً عن احتياجاتهم. أما الفواكه فأكثرها التين 
وهو أنواع كثيرة ويعتني الفلاحون بغرسه أكثر من غيره لأنهم يقتاتون به رطباً ويابساً أكثر أيام 
السنة إلا أن صناعة تبيبيسه غير متقنة فقليل من اليابس ما تقبل أكله نفوس غير الفلاحين أما 
العنب فهو أنواع كثيرة وقد كانت كرومه في الزمان القديم كثيرة بهذا المقدار في اللواء حتى 
أنها كان يُعصَّر من ثمرها مقادير عظيمة من الخمر فكان للأذقية تجارة واسعة فيه حتى لُقبَّتَ 
بلاذقية الخمر وكان عُظمَاء الاسكندرية في أيام رونقها القديم يشربون في ولائمهم من خمر 
اللاذقية فانة كان أجود الخمور التي كانت تَُرسَّل إلى تلك المدينة الشهيرة من جهات مختلفة 
وما زالت كروم العتب تتأخر في جهات اللاذقية وعصير الخمر يقل حتى زال الآن بالكلية وقد 
قلّ وجود الكروم فيها ولا سيما منذ نحو 15 سنة إذ اصاب أثمارها وباء فاستمرت سنين متوالية 
لاتصح ولذلك قطع الأهالي أكثر الكروم ولم يبق منها إِلَّا القليل وكذلك جرى بشجر التوت 
أيضاً إلا أنهم الآن عادوا لغرس هذين النوعين إذ ظهر أن الوباء قد زايلهما واخذوا يجدّدون 
تربية دود الحرير أما الزيتون فلم يكن منه في اللاذقية سوى الأشجار القديمة العهد التي 
مضى على غرسها أجيال ولم يكن يعتنى به ففي سنة نحو 1840 بدا للخواجه الياس سعاده 


أن يغرس منه وشرع في العمل فغرس شيئاً فشيئاً كمية وافرة فلما ظهرت أغراسه ونمت 


1/4 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


تولدت الغيره عند باقي نصارى المدينة فحذوا حذوة مواظبين الغرس في كل هذه المدة حتى 
بلغ عدد الذي غرسوهٌ لحد الآن نحو ثلاثماية الف غرسه كثير منها قد صار شجراً وابتدأ باعطاء 
الثمر ولذلك لا بد أن يكون في اللاذقبة في المستقبل محصول وافر من الزيت. واكثر هذه 
الأغراس هي في القرى القريبة من المدينة مسلّمة للفلاحين على أن يكون لهم نصف غلتها 
الربع بالملكية تحت خدمتها وفلاحتها على بقرهم لحينما تثمر والربع الآخر بالمساقاة تحت 
جنايتها بعد اعطاء الثمر. ومنها ما يُفلّح على بقر من عند اصحابه الذين يستخدمون لفلاحته 
فلاحين بأجرة مالية لكي يتخلصوا من تمليكهم ربعه. 


1/5 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفصل العاشر 
فى حالة الزراعة فى لواء اللاذقية 


أما الزراعة فولئن كانت قد تحسنت عن السابق بسبب انتقال أراض كثيرة بالشراء من 
أيدي الفلاحين إلى أيدي أهل المدينة والمتمولين الذين يعتنون بتشغيل الأراضي وبذل المال 
على تحسينها واصلاحها طلباً لزيادة الدخل إلا أنها لم تزل غير متقنة كما يجب وما برعت 
على الطريقة القديمة ومنذ ثلاث سنين اعتنى الخواجه شارل بزوجوسكي بإدخال طريقة جديدة 
فاستجلب أوائل للحراثة من المانيا مع عائلتين من الفلاحين الألمانيين واستخدم البغال والخيل 
في الفلاحة عوضاً عن البقر الجاري اصطلاح أهل اللاذقية عليه إلا أن عمله هذا لم يصادف 
نجاحاً واقبالاً. قيل أن سبب ذلك سفر احدى العائلتين إلى بلادها وعدم كفاءة العائلة الثانية 
للقيام بالخدمة اللازمة للعمل. على أنة لا ريب في أنة إذا بزّلت الأوائل القديمة بأوائل جديدة 
صالحة لشق الأرض شقاً بالغاً وتنظيفها من الأعشاب وروعيت بعض ظروف لا بد من مراعاتها 
اتباعاً للمناخ وطبيعة الأراضي تتزايد الناتجات وتتضاعف الفائدة. أما أراضي اللواء فهي متوسطة 
في الخصب وتفّل الواحد سبعةٌ من القمح في السنة المعتدلة في الساحل وأما أراضي الجبال 
فتغلٌ أكشر من ذلك ولعل أراضي الساحل تزيد على ذلك لو لم يكن الفلاحون المؤلفون من 
طائفة النصيرية كسالى لا يخدمونها كالواجب أما اصحاب الأراضي ابناء البلد فأنهم يزارعون 
عليها الفلاحين بربع الخارج لكنّ الفلاحين لا يكتفون بذلك بل يسرقون من البذار ومن علف 
البقر ومن السنابل وقت الحصاد ومن كل ما تصل يدهم إليه في الخفاء كما أن بعضهم يسرق 
بعضاً أيضاً ويطلقون الدواب بلا راع فتدخل الأراضي المزروعة والمغروسة وترعى فيها فتعطل 
الزرع والأغراس وقد طالما اجتهد أهل البلد بإزالة هذه العادة المضرّة فلم يتيسّر لهم ذلك 
لادمان الفلاحين عليها وعدم اعتناء الحكومة والمجلس في تأديبهم. 


176 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الفصل الحادي عشر 
فى صنائع اللاذقية 


أما الصنائع في اللاذقية فلا يوجد منها إلا ما لا بد من وجوده في احقر المدن كالصباغة 
والخياطة والعقادة والصياغة والسكافة وصناعة الحدادين والتنكاريين والتجارة والبناء وعمل الفخار 
وما شاكل ذلك وجميع هذه الصنائع متأخرة لم يبلغ أحد من أربابها درجة الاتقان والمهارة في 
أحداها وكلها جارية على الأصول القديمة التي وؤرثت عن الآباء والأجداد أما صناعة الحياكة فقد 
كان يعيش منها كثيرون قبلاً في اللاذقية ولئن لم يكونوا يحوكون سوى الأقمشة البسيطة كالخام 
والحرير للأقمصة وما شاكلهما لكنة بعد دخول الأقمشة الافرنجية إلى هذه البلاد أخذ يتناقص 
رواج المحوكات البلدية فضعفت فيها تلك الصناعة حتى أنها في أيامنا هذه لا توجد إِلّا نادراً. 


177 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفصل الثانى عشر 
في تجارة اللاذقية 


أن الأصناف التجارية التي تصدر من اللاذقية هي التبغ والحنطة والشعير والقطن والسمسم 
والذرة البيضاء والاسفنج والصوف والأخشاب والشمع والسمن والزيت والصابون وجلد البقر 
والغنم والخرق وعظام الحيوانات» وأهمها التبغ وهو جنسان جبلي وجدار فالجبلي هو ما يُعالّجِ 
بالتدخين فيكتسب اسوداداً مع لمعان ورائحة عطره يستفيدها من دخان الحطب الذي يُوقَد 
تحتهٌ المسمّى عذراً وهو من طائفة البلوط وسيأتي ذكر كيفية الاهتداء إلى معالجته على هذه 
الصفة في محله من التاريخ وهو يحصل في جبل الأكراد ودريوس وعمامرة وبيت الشلف 
وعمامرة المهالبة والنواصرة أما الجدار فهو ما يُترك بعد قطفه وجفافه على حالته الطبيعية 
وتحتهٌ أنواع جدار جبلي ومنقّى ويُقال لهُ شك البنت أيضاً وهما يحصلان في المهالبه وساحل 
بيت الشلف وبايرلي أو انطاكي وهو يحصل في مقاطعتين الباير والبوجاق وطرطوسي وهو 
يحصل في بعض مقاطعات السمت قبله والمرقب والخوابي وأجود هذه الأنواع هو شك البنت 
على أن كلها أدنى قيمةً وأهمية في التجارة من الجنس الجبلي وقد كانت تجارة التبغ في الجيل 
الماضي محصورة في يد أرباب شركة مخصوصه سموها بالكرخانة فكانوا يجمعون كامل حاصلاته 
في خان الاسكله الذي جُّعل وقتئذ مركزاً للكرخانه (ولذلك دعي خان الدخان) وذلك تحت إدارة 
نظار ووكلاء وكتاب منهم وقد اكتسبوا هذا الامتياز بواسطة تعهدهم للحكام بالأموال الأميرية 
التي تُطلّب من الجبال فكانوا يساعدونهم على حصر التبغ بأيديهم بحيث لا يمكن لاحد أن يبتاع 
شيئاً منهٌ من زرّاعه خارجاً عن الكرخانة. وكانت اسماء أصحاب الأسهم في الكرخانة معروفة 
عند الدوله في القسطنطينية فكانت في كل سنةٍ ترسل لكل منهم جبةً مزركشاً على طوقها 


1/78 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


اسمه بقصب الفضة وبهذا الاتفاق كانوا يحصلون عليه بأسعار تناسبهم ومصاريف قليلة وفي 
أوائل هذا الجيل انحلت الشركة المرموقه وألغيت امتيازاتها فصار كل من التجار يتاجر بالتبغ 
على حدة غير أنهم كانوا يقطعون لكل من أنواعه سعراً موحداً عمومياً وذلك أنه في بداية 
موسمه كانت تذهب عمدة من التجار إلى الجبال وتقطع سعرة مع المقدمين والوجوه الذين 
كانت تلتزم غالباً أن تدفع لهم هبةً مالية ليهاودوها في السعر وكان تجار التبغ الجبلي يسلّفون 
غالباً عليه نقوداً وبضائع للزرّاع ويضيفون على ما يدفعونة سلفاً 25 في الماية فايضاً مقطوعاً ولو 
لم يكن قد دُفع الا قبل حلول الموسم بشهرين هذا فضلاً عن ربحهم بما يكونون قد دفعوة 
بضاعة الذي لم يكن اقل من 10 في الماية وعن ربحهم بالتبغ نفسه فحصل تجار اللاذقية من 
هذه التجارة على ارباح جسيمه ونجحوا نجاحاً عظيماً ولا سيما النصارى الذين امتلكوا الحرية 
بالتظاهر والتجارة بعد دخول الحكومة المصرية سنة 1832 واستمرت هذه الحال سالكةً على هذا 
المنهج إلى سنة 1867 وكان يُشْترى التبغ من الزراع بالحمل الذي هو 117 شكاً ومعدل سعره كان 
مابين 0 غروش و80 غرشاً وإنما دعيت كل 117 شكا خملا لأنها كانت في الزمن السابق لا تزيد 
عن محمول دابة ثم ما زال الزراع يصغّرون شكوكه لجرّ النفع بتكثير عدد الأحمال حتى أصبح 
الحمل ما بين 10 و6 أقات فقط ثم منذ سنة 1867 أخذت تجارة هذا الصنف بالتأخر والانحطاط 
وتجشّم تجاره خسارات باهظة بسبب التقلبات التي أجرتها الدولة في رسم كمركه وقد كان هذا 
الرسم بعد خروج الحكومة المصرية من هذه الديار غرشاً ونصفاً على أقة العال وغرشاً واحداً 
على الوسط ثم جعلت الدولة تزيدهٌُ شيئاً فشيئاً حتى بلغت الزيادة ضعف الأصل وذلك قبل 
سنة 1862 وكانت الكمارك في الغالب تَعطى بالالتزم من طرف الدولة لمدة سنة أو أكثر وسنة 
التزام كمرك التبغ تبتدي من شهر حزيران فكان ملتزموهُ في اللاذقية قبل نهاية مدتهم بنحو 
شهرين يتفقون مع التجار على تدنية الرسم في المدة الباقية لهم إلى نصف قيمته الأصلية 
ويعطونهم التسهيلات اللازمة ويدفعون لهم مصاريف قطع السعر ومنهم من كان يقرض التجار 
نقوداً وافرةً بعد احتياجهم لكي يسهل لهم أن امكنه شحن حاصل التبغ الجديد جميعه في المدة 


1/9 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الباقية من سنة التزامه وكانوا يدعون ذلك تمريناً للشروع: غالباً في شهر مارت (ادار) ومع أنه 
من شروط امر التفويض الذي كان يُعطى للملتزمين من قبّل الدولة أنهم لا يُسمّح لهم بأن 
يزيدوا أو ينقصوا فلساً واحداً من الرسم المعيّن من طرفها وإن فعلوا كانوا تحت القصاص فلم 
تكن حكومة اللاذقبة تعترضهم في اجراء التمرين مع علمها به حال كونه يسلب من الدولة 
رسم حاصل سنة كاملة. وفي سنة 1862 ابطلت الدولة عادة اعطاء الكمارك بالالتزام وجعلتها 
شعبةً مستقلة من ماليتها تحت إدارة وزارة مخصوصة في القسطنطينية ورفعت رسم التبغ. أعلاه 
إلى 24 غرش وأدناه 6 غروش على الأقة ثم نحو سنة 1865 جعلتة 12 غرشاً مقطوعةً على كل أقه 
من أي نوع كان ثم سنة 1867 جعلتة 6 غروش فقط وهذا سبّب خسارةً باهظة للتجار لأنةٌ حدث 
في وقت كان فيه عندهم كميات وافرة من التبغ مدفوعاً رسم كمركها 12 غرشاً على الاقة وجرّ 
ذلك إلى افلاس كثيرين من تجاره في القطر المصري فهلك بذمتهم أموال كثيرة لتجار اللاذقية 
علاوة على خسائرهم بسبب تدنية الرسم ومن هذا الوقت ابتدأت تجارة التبغ أن تتأخر في 
اللاذقية وزهد أهالي القطر المصري في استعمال التبغ المدخون ومالوا إلى الكوراني محصول 
جبل لبنان فقلَّتَ قيمته في اللاذقية ولم يعد دخله للفلاحين يسدٌّ بعض احتياجاتهم فضلاً عن 
وفاء الديون التي عليهم للتجار وبهذا السبب هلك للتجار أيضاً بذمة الفلاحين مبالغ وافره 
واقتصروا من ذاك الحين عن اعطاء السلف عليه وصاروا يشترونّه حين حلول موسمه بالنقد 
والوزن من سعر 3 غروش إلى سعر 7 غروش الاقه كما هو الحال الآن وفي سنة 1871 رفعست 
الدولة رسم كمركه إلى 8 غروش على الاقه وهذا مع قلة رواجه في القطر المصري قد زاد تأخر 
تجارته وغدا الربح منة نادر الحصول. 

ثم قد يَرسّل جانب من التبغ الجبلي في بعض السنين ال انكلتره واوستريا وايطاليا وفرنسا 
لا أنه في تلك الممالك لا يُعَدٌ صنفاً تجارياً يعتمد عليه ومقطوعيته فيها محدودة بنوع يستلزم 
أن يكَوَن الكميات التي تُرسّل إليها منهً ذات حد مرنّب ولذلك لا يتجاسر جميع التجار على 
الارسال منة إليها خوفاً من أنة إذا تراكم فيها يصادف أكثرهُ كساداً ينتهي به إلى التلف. 


ا 


1630 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


أما باقي الأصناف التجارية التي تصدر من اللاذقية فمنها هو من الحواصل المحلية 
كالاسفنج والشرانق ومنها ما هو مختلط من المحليه ومن حواصل جهات جسر الشغور وادلب 
كالقطن والصوف والحبوب وقد يُجلبٍ من جهات الجسر وادلب الزيت أيضاً لطبخ الصابون. وقد 
جرى تعديل الأصناف الصادره من اللاذقية وقيمتها سنة 1872 فوؤجدت كما يأتى: 


قيمة تبغ سعر غرش الاقة 
غرقن عرش اق 5 

26000 1000 صادر إلى انكلتره 

114000 2200 صادر إلى اوستريا 

20 22) 2120) صادر إلى فرنسا 
0 2 126600 السك القطر المصري 
0 2 2*0 1200 

1500 100 الى انكلتره 

2650 23000 الى اوستريا 

20070 6300 الى فرنسا 

521760 2626600 الى ايطاليا 

2000) 1200) الى بروسيا 

210 520 66) الى بيروت 

وغيرها من البلاد العثمانية 

1660 1212250 1122250 

حنطه سعر 20 

غرش كيله اسلامبولية 

18000 0200 الى انكلتره 

23000 1550 الى فرنسا 

2600 170 إلى أشاكل :سوضية 
1.200 200600 202240 

سمسم سعر 

غرش اقه 20 

2300 23000 الى فرنسا 

12000 2600 الى القطر المصري 

إلى أساكل سوريه 

9292000 2500 2500 
2110150 

شعير سعر 10 


1531 


آثار الحقب في للاقة العرب 


غرش كيله إسلامبولية 
1500 1050 الى فرنسا 
02700 26500 6250 لق أساكل سشووعة 
27000 7700 
ذرة بيضاء سعر 12 
غرش كيله إسلامبوله 
200000 20000 الى انكلتره 
22000 000 ال أشاكل سورنة 
0 2)22200) 20000 25000 
أسفنج سعر 
غرش أقه 50 
120000 23600 الى اوستريا 
12000 23200 الى فرنسا 
2260 230000 6200 
22000 شرانق صادر إلى فرنسا ال 150000 سعر 40 
0 2) صابون إلى مصر وطرطوس وغيرهما أقه 125000 سعر 5 
120000 صوف إلى انكلتره وفرنسا وايطاليا 
120000 زيت إلى بعض أساكل سوريه وغيرها أقه 24000 سعر 5 
6262210 
0 22) سمن صادره إلى بعض أساكل سوريه وغيرها اقه 6400 سعر 12 
2220 شمع عسلي إلى فرنسا وبعض البلاد العثمانية 
2000) اصناف مختلفة كجلود المعزى والغنم والبقر وغير ذلك إلى فرنسا 
وخرق وعظام إلى انكلترا وأخشاب إلى بر مصر وغيرهن إلى غيرها 
6270© 


أما الأصناف الواردة إلى اللاذقية فلم يتيسر تعديل مقدارها وقيمتها وهي مؤلفة 
من أقمشة الحرير والصوف والقطن المختلفة الأوروبية والرز الافرنجي والمصري والسكر 
والبن وزيت البترول وغير ذلك وقد كان تجار اللاذقية في أوائل هذا الجيل يجتلبون 
الأقمشة الأوروبية من قبرص وحلب ثم بعد ذلك صارت اللاذقية اسكلة لحلب عوضاً عن 
الاسكندرونة بسبب انسلاب الأمن الذي عرض في الطريق هناك فتواردت إليها المراكب 
الافرنجية وصار لتجارها علاقات مع تجار أوروبا فجعلوا يجلبون أكثر الأقمشة رأساً من 


152 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


البلاد الافرنجية واستمر ذلك مدةً طويلة غير أن بعض الوكلاء في اللاذقية سلكوا مسلكاً سلب 
عنهم ثقة تجار حلب بهم فحولوا أشغالهم إلى الاسكندرونة ثانيةً مغتنمين فرصة عود الأمن 
إلى طريقها وفقدت اللاذقية ذلك المركز الذي كانت قد اكتسبتة. وكان أيضاً يُجلّب إليها كميات 
وافرة من الرز المصري وجلد الجاموس والحنّاء فيقصدها تجار ادلب وحلب وكل تلك الجهات 
لمشترى ما يلزمهم من هذه البضائع ولكن في عهد الحكومة المصرية ادخل ابراهيم باشا إلى 
مدينة مرعش ونواحيها زراعة الرز ونما محصوله فيها. مع تمادي الأيام حتى صار يغني قسماً 
كبيراً من الأهالي عن الرز الغريب ثم أضيف إلى ذلك دخول الرز الافرنجي مذ سنة 1860 إلى 
هذه البلاد ووروده إلى حلب عن طريق الاسكندرونه فضعفت بذلك تجارة الرز في اللاذقية 
وأقتصّر منها على ما يكفي المدينة وجهاتها واكثر الرز الذي يُجلب إليها الآن انما هو من 
الافرنجي. أما جلد الجاموس والحنّاء فقد انقطعت تجارتهما من اللاذقية أما الأول فلدخول صناعة 
الأحذية الافرنجية وأما الثاني فلقلة استعماله من هذه الجهات وتحؤل ما يرد منهٌ إلى حلب 
إلى طريق الاسكندرونه فانقطعت بذلك الأرباح الكثيرة التي كانت تحصل لتجار اللاذقية من 
هذه الأصناف وأما الأقمشة والبضائع الافرنجية وغيرها فتجلب في أيامنا هذه من مدينة بيروت 
وكذلك أكبر قسم من الرز الافرنجي والسكر. ومع أن لكثيرين من تجار اللاذقية علاقات أكثر مما 
كان لهم في السنين السالفه من مدن أوروبا نظراً لازدياد الصادرات عن السابق فيستعيضون عن 
قيمة الصادرات بالنقود ولا يستبدلونها بأقمشة وذلك لأن البزازين وغيرهم في اللاذقية لا يميلون 
أن يشتروا مسن تجارها نوعاً أو نوعين من أنواع الأقمشة عندما يضطرون لجلب باقي الأنواع 
من بيروت بل يفضلون أن يستجلبوا منها دفعةً موحدة كل لوازمهم فأنهم قد تعودوا أن كل 
واحد منهم يطلب من عميله في بيروت أصنافاً متنوعة من حاصلات أقاليم مختلفة من أوروبا 
وآسيا بوقت واحد مما لا يتيسّر لتجار اللاذقية أن يتاجروا به جميعه لكثرة أنواعه وعدم امتداد 
علاقاتهم إلى اقليم كل محصول منة. 

أما السفن التي تحمل صادرات وواردات اللاذقية فهي تجارية وشراعية فمن التجارية 


3ظ16 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ماهو منتظم يقدم في أيام معيّنة سائراً في خط معلوم ذهاباً وإياباً وهي البواخر الفرنساوية 
التي لشركة الميساجيري والبواخر الروسية التي للشركة البحرية والطرق الحديدية والتجارية 
والبواخر الخديوية التي لخديو مصر وهذه الأخيرة متوقفة عن المسير في خط سوريا الآن. 
ومنها ما هو غير منتظم يقدم بحسب اللزوم وفي الجدول الآأتي ترى عدد السفن التجارية 
والشراعية التي دخلت مرسى اللاذقية سنة 1872. 


محمولها طونولاتو عددها 


تجارية 
محمولها عددها 
12043 50 فرنساويه 
2133 47 روسيه 
0228) 09 عثمانيه 
02275 05 انكليزيه 
9شظ111 929269 111 
1119 
السفن الشراعيه 
محمولها قدرها 
1600 622 عثمانيه 
0020 002 انكليزيه 
0023) 001 يونانية 
0200) 001 تحت بيرق اورشليم 
2*4 224م12 676 
2102 


154 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الفصل الثالث عشر 
فى دخل الدولة من لواء اللاذقية وخرجها 


أن الأموال السلطانية المرتبة على قضائي اللاذقية وجبله هي أولاً ويركو الأملاك وهو مال 
مضروب على بيوت وسائر مسقفات أهالي المدن ثانياً ويركو التمتعات وهو مضروب على كل 
من أهالي المدن بنسبة دخله من تجارة أو صناعة ثالثاً بدل العسكرية وهو مال مضروب على 
النصارى فقط مقابلةً لاعفائهم من الخدمة العسكرية الشخصية رابعاً عُشر المزروعات والأثمار 
خامساً رسم المعز والغنم وهذان القسمان تعطيهما الحكومة بالالتزام سنوياً على الغالب سادساً 
ويركو القرى وهو مال مضروب على أهالي المقاطعات باعتبار الذكور البالغين سابعاً الرسومات 
الكمركية وهو مال يؤخَذ على الصادرات والواردات من البضائع ثامناً رسم الطابو وهو مال 
يُؤخذ على الأراضي لأجل إباحة حق التصرف بها أو اثبات صحة التفرغ عنها وانتقالها من يد 
متصرفٍ إلى يد آخر. 

أما خرج الدولة في اللواء فهو مؤلف من معاشات المأمورين والكتاب والضابطين والعساكر 
النظامية والمصاريف النثرية وفي الجدول الآتي ترى تعديل دخل الدولة من قضائي اللاذقية 
وحبله وخرجها سنة 1872. 


155 


آثار الحقب في للاقة العرب 


الدخل 


غرش 


لروج6046ة 


2 


24/4590 0 


70782600: 
2 


ليوو6وة] 


2 


00 2*2 
5ظظ0) 
001255 
2062 
000ظظظ1 
160/4ظ1 


2000 


2000 


1000 


)) 00 
)22 70 
)20 


)0000 


دخل قضاء اللاذقية 
ويركو أملاك وتمتعات المدينة 
ويركو القرى 
بدل عسكريه 


ذخائر مرتبة 


رسم كمرك بما فيه جبله 


رسم طابو 


رسم ماعز وغنم 
دخل قضاء جيله 


ويركو املاك وتمتعات المدينة 
ووير كو القرى 
عشر وحاصلات الأوقاف 
والشمسيات”" 
رسم ماعز وغنم 
بدل عسكريه 
رسومات مختلفه 


رسم طابو 


قرى أوقاف السلطان ابراهيم بن أدهم والقرى الشمسيات يؤخذ منها حاملء وهو عبارة عن ضعف العشر ومرتبات 
أخرى على أعمدة البيوت وعتيدها. 


156 


في جغراضة اللالاضشة ووصفها الحالي 


الخرج 

معاشات مأمورين وكتاب وضابطين 
4.2000 شاة وفرسان 

ومصاريف نثرية في قضاء اللاذقية 
1]1[8 معاشات ومصاريف إدارة 

معاشات مأمورين وكتاب وضابطين 
2320000 شاه وفرسان ومعاونين 

مرتبات ونفقات العساكر النظامى 
1210000 فى اللاذقية وجبله فى الظروف المختلفة 


سينا 


بوجه التقريب 
55 ه22 


و 02 *ةظؤ1ؤ2 


2 


لق 122 
2 


فتكون زيادة الدخل عن الخرج أربعة ملايين وثلاثماية واثنين وعشرين الفاً وستماية 


واثنين وعشرين غرشا ونصف غرش. 


157 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفصل الرابع عشر 


فى اعتبارات أخرى متعلقة بجغرافية اللاذقية 


اعلم أن مناخ اللاذقية موصوف بالاعتدال والجودة وهي مركز كرسي مطران للروم 
الارثوذكس تابع للبطريرك الانطاكي وفيها لكل من دول انكلترا وفرنسا وروسيا والمانيا وأميركا 
والنمسا واسبانيا وايطاليا وهولاندا والدانمارك واليونان وايران فيجة أو وكيل قنصل وسنطلق غالباً 
لفظة قنصل في تاريخنا على أرباب هذه المناصب بحذف قبحية أو وكيل للاستغناء عنها وجميع 
هؤلاء القناصل وطنيون أو متوطنون وليس لأحد منهم معاش من الدولة المنصوب من قبلّها بل 
كل منهم يتخذ الوظيفة لتحصيل الشرف والاعتبار وحماية أشغاله وأملاكه. 

وأعلم أيضاً أن كلما ذكر في هذه الجغرافية إنما هو باعتبار الحالة الراهنة سنة الشروع 
في تأليف هذا الكتاب التي هي سنة 1873 مسبحية فاذا حدث تغيير ما في السنين المستقبله 


التي نتصل إلى ذكر حوادثها في مؤلفنا فسنذكر ذلك التغيير في محله من التاريخ. 


158 


في تاريخ لالاضشة العرب 


القسم الثاني 


في تاريخ لاذقية العرب 


159 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


0ظ1 


في تاريخ لالاضشة العرب 

لقد اعلمت التواريخ القديمة انه في المركز القائمة فيه مدينة لاذقية العرب الآن كانت في 
الدهور الأولى مدينة تُدعَى راميثا أي المرتفعة أو على ما في كتاب فيلون الجبيلي راماتاس مركبةً 
من راما واتاس والتأويل الاله السامي وكانت المدينة المتطورة شهيرة بهيكل عظيم كان فيها للزهرة 
وكانت مستقلةً عن فينيقية وبعضهم يحسبها من جملة فينيقية» وهي داخلة في أرض ميعاد بني 
اسرائيل حسب الرأي الأصح التي كان حدّها الشمالي عند جبل الأقرع إلا أن التواريخ لم تخبرنا 
أنها دخلت في حيازتهم والظاهر أنها انحطت أو خربت بالزلازل أو بأسباب أخرى مجهولة فجدّد 
بناءها أحد قواد الاسكندر ذي القرنين وهو سلوقس نيقاتور (أي الغالب) مؤسس الدولة السلوقية 
في سوريا الذي تبوّأ سرير مملكة سوريا سنة 301 قبل التاريخ المسيحي وسماها لادوكية باسم 
امه فقيل في تعريب هذا الاسم اللاذقية وقد بنى الملك المذكور عدة لاذقيات غيرها منها 
لاذقية فيرجيا ولاذقية بيسيديا ولاذقية لبنان وكانت بين حمص ويبعلبك إلا أن اللاذقية التي هي 
موضوع تاريخنا كانت اعظمهنّ واكثرهنّ شهرةً واعتباراً ولأجل التمييز بينها وبين المدن الأخرى 
المسماة باسمها قيل لها في القديم اللاذقية العظمى واللاذقية على البحر كما دعاها استرابون 
ولما افتتحها المسلمون دعوها لاذقية العرب. وقد بنى سلوقس المذكور مدينة انطاكية العظمى 
باسم ابيه وجعلها قاعدة مملكته ومدينة سلوقية التي كان موقعها قريباً من موقع السويدية الآن 
باسمه ومدينة افاميه على نهر العاصي باسم امرأته وبنى أيضاً عدة مدن في مواقع مختلفة 
بهذه الأسماء إِلّا أن المدن المذكورة هنا كانت أعظم كل ما سواها من المدن الأخرى المتفقة 
معها في الأسماء قال استرابون انطاكيه عند رفنه (وهو هيكل قد عفى اثرهً وموقعة يسمّى الآن 


طواحين بيت الماء) وسلوقيه في بياريا وافاميه واللاذقية على البحر هي مدن عظيمة وتسمّى 


1091 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


اخوات لاتفاقها وكانت البقعة المبنية فيها اللاذقية وسلوقية وانطاكيه وافاميه تَدععَى قديماً 
تترابوليس وهي لفظة يونانية معناها اقليم المدن الأربع. واستمرت اللاذقية تابعة للدولة السلوقية 
إلى سنة 64 قبل المسيح إذ أتى الرومانيون تحت قيادة بومبايوس واستولوا عل سوريا فدخلت 
اللاذقية تحت سلطتهم في جملة مدن سوريا وكانت حكومة روميه إذ ذاك جمهورية وبعد ذلك 
بقليل تغلب جوليوس قيصر على رجال المجلس في روميه واستمال إليه الشعب والعساكر 
وسمّى نفسة ملكا وهو أول القياصرة فجعل اللاذقية حرّة وسماها جوليا باسمه على ما رواه 
لاكويان في الشرق المسيحي مجلد 3 صفحة 79 وبعد مدة اتفق بعض الأشخاص المحبين اعادة 
الجمهورية في روميه على قتله وكان رئيسا هذه الفتنة رجلين من أرباب المجلس اسم احدهما 
كاسيوس والآخر بروتس فقتلوه بضرب الخناجر سنة 44 ق. م وبعد قتله هاج اصدقاؤه الذين 
اخصهم مرقص انطونيوس واوكتاقيوس اوغسطوس ابن اخت جوليوس قيصر المقتول وغيرهما 
ونهضوا للأخذ بثاره والانتقام من المذنبين فهرب بروتوس وكاسيوس من روميه واتى كاسيوس 
إلى سوريا فانضمت إليه العساكر الرومانية التي كانت فيها واستولى على البلاد فجاء لمحاربته 
دولابلاً احد القواد الرومانيين مهر شيشرون الفيلسوف الروماني بعمارته البحرية وعساكره وكان 
سكان اللاذقية يقاومون كاسيوس فدعوا إليهم دولابلاً وسلموهُ المدينة ولما بلغ ذلك كاسيوس 
الذي كان إذ ذاك في فلسطين جاءَ مسرعاً إلى اللاذقية وشدّد عليها الحصار براً وبحراً إلى أن 
فتحها عنوةً فقتل حينئذ دولابلاً نفسه لكي لا يقع في يد عدوه ونهبت عساكر كاسيوس المدينة 
انتقاماً من أهلها وبعد موت كاسيوس باثر انتصار انطونينوس وأغسطس عليه تذكر انطونينوس 
ماعرض لسكان اللاذقية فأعفاهم من الجزية. 

وفي سنة 193 مسيحية فقتل القيصر كومودس في روميه من بعض أعوانه ولم يكن 
له وريث من صلبه واختلفت الآراء في انتخاب خليفة له فنادى جنود كل اقليم باسم 
قائدهم قيصراً وكان القائد في سوريا وقتئذ رجلاً يُدِعَى بيشانيوس نيجر (أي الأسود) فبايعه 
عسكرة الملك وكانت العساكر المحافظة على سواحل وايطاليا قد بايعت قائدها سبتيموس 


1522 


في تلريخ لناضشة العرب 


سيقيروس فجدٌ سيقيروس بالمسير إلى رومية وتبوًأ تخت المملكة ولما استقرٌ له الملك قصد 
سوريا لمحاربة نيجر وكانت اللاذقية تناظر مدينة انطاكيه وقتئذ على الدوام ولما كان أهل 
انطاكيه تعصبوا لنيجر تعصب أهل اللاذقية لسيفيروس بغضاً بانطاكيه ولما بلغ نيجر ذلك ارسل 
عساكرة إلى اللاذقية واخربها ولمما وصل سيفيروس إلى سوريا انتشبت بينة وبين نيجر حروب 
رقصت لها الفرائص وانتصر سيقيروس على نيجر فقثل سنة 195 وكانت احدى مواقع الحرب في 
خليج اسكندرونه فكافاً حينئذ سيفيروس مدينة اللاذقية وأعادها إلى رونقها ومنحها الحق الذي 
للمدن الرومانيه وابطل امتيازات انطاكيه لانعطافها على نيجر وسمى اللاذقية سبتيما السيفيريه 
وجعل أهلها يُسمّون سبتيميين نسبةً إليه وَيُظَنْ أنه هو الذي بُنيّت لتذكاره فيها قبة النصر 
المعروفة الآن بالكنيسة المعلّقة وروى لاكويان أن سيقيروس المذكور هو الذي منح اللاذقية شرف 
الميطروبوليتيه تحقيراً لانطاكيه وأنها قبل ذلك لم تكن متروبوليطية. 

ولما استقلت زنوبيا أو زينب المعروفة عند العرب بزبيدة ملكة تدمر بمملكة المشرق 
في سنة 267 كانت اللاذقية تحت ولايتها في جملة سوريا ثم رجعت كباقي مدن سوريا تحت 
حكومة الرومان عندما استظهر القيصر أورليانوس على زنوبيا وقادها اسيرةً إلى روميه سنة 272 
وأعاد مملكتها ولايةً من الولايات الرومانية. 

وقد آمن أهل هذه المدينة بالمسيح في مبتدأ الانذار به وكان أول اسقف عليها لوكيوس 
الذي ذكرهُ بولس الرسول في رسالة روميه ص 16 ع 21. كما روى لاكويان ويُطلّق على مطرانها 
لقب المتقدم على ثيوذورياذس كما يُستفاد من الذيتبيخا الآتية. «(فلان) مطران اللاذقية 
المقدسة الكلي الطهر والفصاحة المنتدب من اللّه والمقدَّم في الكرامة على ثيوذورياذس ابينا 
وسيدنا فلتكن سنوة عديدة» ولم أقف على منشأ هذا اللقب. 

وفي الاضطهاد الذي أثاره على المسيحيين القيصر ديوكليتيانوس الذي تبوأ سرير 
مملكة روميه سنة 284 استشهد في اللاذقية تروفيموس وثالوس (انظر 11 ادار من كتاب 
الميناون) كما أنه استشهد فيها في زمان لا يُعرّف بالتدقيق ديودوروس وذيوميذيس (انظر 1! 


13 


آثار الحقب في للاقة العرب 


ايلول من كتاب الميناون) وذكر مؤلف سوريا المقدسة أن الكنيسة تعيد لقديسين شهيرين 
تاواثيموس وباسيليانوس من اللاذقية وقال أن المؤمنين شيدوا هيكلاً عظيماً على اسمهما على 
شاطى البحر هناك (انتهى) قلت ولعلٌ المزار الذي على الشاطيء المعروف بماري طادروس أو 
ثيودوروس هو قبر الشهيد ديودورس المار ذكره الذي تعيد له الكنيسة الشرقية في 5 نيسان 
وقد التبس على المتأخرين فظنوة ثيودورس. أو هو قبر ثيودورس أبي الفقراء الآتي ذكره. 
ومن أساقفة مدينة اللاذقية اناطوليوس الذي كتب مدققاً في العلوم الفلسفية وقرأ 
أسفاراً عديدة من الكتاب المقدس واشتهر بفضائله كما ذكر أوسابيوس والقديس ايرونيموس 
ثم خلفه جاورجيوس ذكرة ثاودوريطوس وخلف جاورجيوس ثيودورس الذي كني أبا الفقراء 
لمزيد رأفته وحضر المجمع النيقاوي ومن أساففة اللاذقية ابوليّناريوس نبغ سة 360 للميلاد 
وكان معلماً للقديس ايرونيموس وذهب إلى أن التسليم لآريوس بأن الكلمة في طبيعة 
المسيح تقوم مقام النفس الناطقة في شأنه أن يعضد تعليم المجمع النيقاوي ويساعد في 
الرد على آريوس المذكور وبناءً عل ذلك حاول أبوليناريوس هذا أن يدخل القواعد الآتية في 
تعاليم المجمع النيقاوي وهي. أولاً أنه لما كان لا يمكن اجتماع كائنين تامين في شخص واحد 
بدون أن يتولد عن ذلك مسخ كان لا يمكن أن يجتمع في طبيعة المسيح اله تام بإنسان 
تام. ثانياً أنه ليس في المسيح نفس ناطقه فإن الاله التام فيه يقوم مقامها. ثالثاً أنه ليس 
في المسيح الآ طبيعة واحدة وهي ذات جهتين جهة إلهيه وجهة بشرية وأن الاتحاد بينهما 
من شأنه أن يحمل على الحكم بأن لكل منهما من الصفات ما للأخرى. ثم لطّف رأيهٌ هذا 
وقال أن المسيح لم يكن خالياً من كل النفس بل كان له جزءٌ من النفس الحاسة به يبصر 
ويسمع إلا أنه كان خالياً من الجزء النطقي وذلك مأخوذ من فلسفة أفلاطون الذي كان يقول 
ان الإنسان مؤلف من ثلثة جواهر وهي الجسد والنفس الحاسة والنفس الناطقة ويُقَال أن 
أبوليناريوس كان يذهب إلى أن الثالوث اختلافاً في المقام فكان يلقب الروح القدس بالعظيم 
والابن بالأعظم والآب بالكلي العظمة وان من جملة ما ذهب إليه وجوب استعمال الطقوس 


1534 


في تاريخ للاقة العرب 


اليهودية وقد حرم تعليمه في المجمع الاسكندري سنة 11/362 ومما يروى عنة أنة لما شاخ أودع 
الكتاب المتضمن تعليمه احدى تلميذاته في انطاكيه ولما علم بذلك ماري افرام السرياني وهو 
في تلك المدينة استعار ذلك الكتاب من تلك المرأة والصق أوراقه بغراء ثم ردهُ إليها ولما لقيه 
أخذ ماري افرام يجادله عن المواد التي ادرجها في كتابه أمام جمهور غفير واذ كانت الشيخوخة 
قد أضعفت ذهنة قال لماري افرام أن في كتابه رداً على كل اعتراضاته. ولما استحضر الكتاب 
ووجدهُ كقطعة من الخشب لا سبيل ال فتحه استشاط غيظاً وداسه برجليه واعتزل من هناك 
فتبعهٌ الشعب وأوسعوةُ تعييراً وشتماً حتى غاب عن أبصارهم ويقال أنه اغتاظ جداً من تلك 
المعاملة حتى مرض ومات كمداً سنة 390 للميلاد وقد تبعة كثيرون ونسبوا إليه إلا أن اتباعه زادوا 
بعض قضايا على تعاليمه لا محل لذكرها ههنا. وقد رأيت في بعض الكتب العربية المدوّنة فيها 
أخبار المجامع السبعة المسكونية وأسماء الأساقفة الذين حضروا فيها أن ممّن حضر في المجمع 
الأول لفكونيوس اسقف جبله وأنة حضر في المجمع الثاني سنة 362 بيفاسيوس اسقف اللاذقية 
ودومنس اسقف جبله وفي المجمع الثالث سنة 441 مكاريوس اسقف اللاذقية ذهب إليه في 
جملة من ذهب من الاساقفة مع يوحنا البطريرك الانطاكي وفي المجمع الرابع سنة 455 مكاريوس 
اسقف اللاذقية (لعله هو نفسه الذي حضر في المجمع الثالث) وسابا اسقف بالتوس (وهي 
التي خراباتها على نهر السن وتعرف باسم البلده وقد مر ذكرها في الجغرافيا) وبوليكربوس 
اسقف جبله وفي المجمع الخامس سنة 553 استفانوس اسقف اللاذقية ورومانس اسقف جبله 
وفي المجمع السادس سنة 680 ثاوذورس اسقف اللاذقية وفي المجمع السابع سنة 787 ثاودورس 
اسقف اللاذقية. وروى أبو الفرج ابن العيري وذيونيسيوس بطريرك اليعاقبه أن أحد أساقفة 
اللاذقية اسمة قسطنطين كان يدافع عن مذهب القائلين بالطبيعة الواحدة فنفاه يوستينوس 
الملك سنة 518 ذكرهُ الخوري يوسف الدين الماروني في كتابه سفر الأخار نقلاً عن السمعاني 
في المكتبة الشرقية في مقالته في المونوفيزيتيين وجه 00. ويقال أنه في الجيل السادس بُني 
دير الفاروس على اسم القديس جاورجيوس المشهور موقعه الآن ولفظه فاروس يونانية معناها 


195 


آثار الحقب في للاقة العرب 


منارة ولعلة دعي بذلك لارتفاعه. 

وقد افتتح اللاذقية المسلمون العرب سنة 15 للهجرة موافقة سنة 637 مسيحية تحت راية 
أبي عبيدة وكانت في الجيل الرابع للهجرة مقاماً للأمراء التنوخيين وفيها توفي محمد ابن اسحق 
التنوخي الذي رثاة المتنبي بقصيدته التي يقول في مطلعها. 


أكتبي لأعستلحية :والتالبمسية تويز أنه “التتسصوة: و إق: موث" خحدووا 
الى أن يقول 
وجسوايسية ولسكسل بنهاك خنلقفة صعقات موسى يوم ذُكَ الطورٌ 
والشمسٌُ في كبد السماءٍ مريضة والأرن: «اسفية.. قمسكياة: تعيوز 
وحفيف أجنحة الملائك خلفة وفسسسييةن ايبول اياده فسييية مسمور 
صور جمع اصور وهو المائل. يعني أن عيون أهل اللاذقية كانت مائلة إليه أما لأنهم 
يجونة فلا يصرفون عيونهم عنة وأما لأنهم يسمعون حس الملائكة فيميلون نحو الحس الذي 
يسمعون. وقد مدح المتنبي أيضاً الحسين ابن اسحق التنوخي في اللاذقية بقصيدة قال في 
مطلعها 
سو السسن ضف هنا قات الشروائق. . ونا قلي ححئ أنية:فكين تنشارق 
الخرائق جمع خريق وهو الجماعة والمعنى أن البين إذا جرى حكمه فلا تتأنى الجماعات 
عن الفراق ثم خاطب قلبه فقال وأنت أيضاً ممّن افارقة يعني بمصاحبة الأحبة الراحلين. إلى 
أن قال 


لك الخير غيري رام من غيرك الغنى وغغيري بغيراللافذقية لاحق 
هي الفرصٌ الأقصى ورؤيتك المُنى ومنزلكالدنياواًنت الخلائقٌ 

يقول غيري يطلب الغنى من غيرك ويقصد غير اللاذقية مدينتك. وأما أنا فلا أطلبة إلا 
منك ولا أقصد إلا مدينتك التي هي الفرص الأقصى الخ. ومداح أيضاً 


علي ابن ابراهيم التنوخي فقال: 


1546 


في تاريخ للاقة العرب 


احا ام سدس في احاد اميا نتنن] الع فيوة با سادق 
ان الشطر الأول من البيت هو كنايةً عن ليالي الدهر يقول أليلةً واحدة أم ليالي الدهر 

كلها ليلتنا العظيمة التي امتدت إلى يوم القيامة. إلى أن قال. 

وحلم بها الهلاك على اناس لهم فياللاذقية بغي عاد 
الضمير في بها عائد على الخيل التي كنى عنها في بيت قبل هذا 


فنكتنان المقعدري مهبر مدن يناه وكانالشرىقٌ بحرا من جياد 
وقد خفقت لك الرايات فيه فظليموبجٌ بالبيض ‏ الحداد 
الستقتبول وميا كبيجي الاتببل الاشناهها فسقتهم وح ذدذالسيف حان 
وقد مرقت ثوبالغيٌ عنهم وقدالبستهم ثلوبالرشاد 
فماتركوا الامانرة لاختيار ولا انتحلوا ودادك ‏ من ونداد 
ولاافتغلوالزهد في التعالي ولاازنقاوا سروروراً بانقياد 
ولكن هب خوفك في حشاهم هبوب الريح في رجل ‏ الجراد 
ومماتواقبل موتهم فلمًا مننتّاعدتهم قبلالمعاد 

المستفاد من هذه الأبيات أن علي بن ابراهيم التنوخي كان يتولى امارة اللاذقية وأن بعض 
سكانها خرجوا عليه ونازعوةٌُ الولاية فحاربهم واستظهر عليهم وقادهم إلى الطاعة والخضوع له. 

ولما زحفت الجيوش الصليبية من اوروبا سنة 1096 قاصدة فتح سوريا وأورشليم 
واستخلاصها من يد المسلمين كانت اللاذقية على رواية مؤرخي الصليبيين المدينة الوحيدة 
التابعة لمملكة الروم في سوريا وفي ذلك نظرٌ فإنني لم أقف في تاريخ من التواريخ التي 
اطلعت عليها على ذكر كيفية دخولها تحت سلطة الروم بعد ما تملكها العرب ولبثوا فيها 
أجيالاً وكيف أمكنها أن تثبت وهي بعيدة ومنفردة عن مملكة الروم حال كون القوات 
الإسلامية تحيط بها من كل جهة اللّهم إلا أن يكون ذلك جرى بعهد بين قيصر الروم والحكومة 
الإسلامية وكيفما كان الأمر فقد أفادتنا التواريخ الصليبية أنة في أثناء حصار الافرنج مدينة 


157 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


انطاكية سافر دوق نورمانديا احد القواد الصليبيين عن انطاكية وجاء إلى اللاذقية وأقام فيها 
مدة ثم رجع إلى المعسكر المحاصر انطاكيه بعدما استدعاة القواد رفقاؤه ثلاث مرات وفي 
غضون ذلك جاء إلى اللاذقية اثنتان وعشرون سفينةً فلمنكيه قرصانيه وخرج رجالها إلى البر 
ونهبوا المدينة وقتلوا بعض سكانها ثم بعد ذلك جاء إليها قرصاني آخر يُدعى غنيمير دي بولون 
قاصداً النهب أيضاً فاستظهر عليه أهل اللاذقية وأسروهٌ ولما فتح الصليبيون انطاكيه وولوا عليها 
بوهيمند وساروا زاحفين إلى اورشليم كانت اللاذقية مركزاً لاجتماعهم فرافقهم بوهيمند إليها 
فودعهم ورجع إلى ولايته وفي مدة وجودهم في اللاذقية استغل غودافروا دي بوليون الذي 
انثغب فيما بعد ملكا لأورشليم غنيمر القرصاني المار ذكره واطلقه من اسر اهالي المدينة 
فانضم بسفائنه ورجاله إلى الجيوش الصليبية وروى البرت الذي من مدينة اكس المؤرخ الصليبي 
ان غنيمر دي بولون المذكور ينبغي أن يكون هو الذي توصل إلى فتح اللاذقية ثم اهداها إلى 
رايموند كونت طولوزا وان رايموند ردّها إلى قيصر الروم ولكن عل رواية غيره أن اليكيوس قيصر 
الروم هو الذي وهب رايموند كونت طولوزا مدينة اللاذقية كما ذكر ذلك مكسيموس مونروند 
في كتابه الفرنساوي المدعو تاريخ الحروب المقدسة المترجم للعربية بقلم البطريرك مكسيموس 
مظلوم في الفصل العاشر من المجلّد الأول حيث قال «أن كونت طولوزا إذ حلف بأنه لا يعود 
راجعاً إلى أوروبا انفرد في ذاته راجعاً إلى القسطنطينية حيثما اقتبله القيصر اليكسيوس باكرام 
كلي ووهبة مدينة اللاذقية». 

هذا ولا سارت الجيوش الصليبية من اللاذقية حاصروا في طريقهم مدينة جبله تحت 
قيادة غودافروا واسطاكيوس وغيرهما من القواد وكان مستولياً عليها وقتئذ القاضي محمد 
أبو عبدالته بن منصور المعروف بابن صليحه فلم يتيسّر لهم افتتاحها ولما رحلوا عنها 
ارسل صاحبها ابن صليحه إلى طغتكين اتابك دقاق صاحب دمشق يطلب منة مَن يستلم 
منه جبله ويحفظها فأرسل إليها طغتكين ابنة تاج الملك بوري فتسلمها وأساء السيرة فكاتب 
أهلها ابن عمّار صاحب طرابلس فارسل عسكراً فاجتمعوا وقاتلوا بوري فانهزم أصحابه وملك 


اعفار هينه وذخر فى تتعفة اين حاضشة نقاضي غيل وهو ادن مضق عبد اللفحة متصهيدوز 


58ظ1 


في تاريخ للاقة العرب 


بن الحسين التنوخي ان والده منظوراً كان رئيساً أيام كان الروم مالكين لها على المسلمين يقضي 
بينهم فلما ضعف أمر الروم وثب على جبله واستعان بالقاضي جلال الدين بن عمّار صاحب 
طرابلس فتقوى به على من بها من الروم ونادى بشعار المسلمين فانتقل من كان بها من الروم 
إلى طرابلس فأحسن إليهم ابن عمار وصار إلى منصور بن صليحه منها مال عظيم واستمر على 
عادته في الحكم فيها فلما توفى منصور قام ابنة أبو محمد مقامه واحب الجندية واختار الجند 
فظهرت شهامته فأراد ابن عمار أن يقبض عليه فاستشعر منه وعصى عليه وأقام الخطبة العباسية 
فبذل ابن عمار لدقاق بن تتش مالاً ليقصده ويحصره ففعل وحصره فلم يظفر منه بشيء 
وأصيب صاحبه اتابك طغتكين بنشابة في ركبته وبقي أثرها وبقي أبو محمد بها مطاعاً إلى أن 
جاء الافرنج فحصروها فأظهر أن السلطان بركيارق قد توجه إلى الشام وشاع هذا فرحل الافرنج 
فلما تحققوا اشتغال السلطان عنهم عاودوا حصاره فأظهر أن المصريين قد توجهوا لحربهم فرحلوا 
ثانيةً ثم عادوا فقرر مع النصارى الذين بها ان يراسلوا الافرنج ويواعدوهم إلى برج من أبراج 
البلد ليسلموة إليهم ويملكوا البلد فلما اتتهم الرسالة جهزوا نحو ثلاثماية رجل من أعيانهم 
وشجعانهم فتقدموا إلى ذلك البرج فلم يزالوا يرقون في الحبال واحداً بعد واحد وكلما صار عند 
ابن صَليحه وهو على السور رجل منهم قتله إلى أن قتلهم أجمعين فلما أصبحوا رمى الرؤوس 
إليهم فرحلوا عنهٌ وحصروه مرةً أخرى ونصبوا على البلد برج خشب وهدموا برجاً من ابراجه 
وأصبحوا وقد بناهُ ابو محمد ثم نقب في السور نقوباً وخرج من الباب وقاتلهم فانهزم منهم 
وتبعوهُ فخرج أصحابةٌ من تلك النقوب فاتى الافرنج من ظهورهم فولُوا منهزمين وأسر مقدمهم 
المعروف بكند اصطبل فافتدى نفسه بمال جزيل ثم علم ابن صليحه انهم لا يقعدون عن طلبه 
وليس له من يمنعهم عنة فارسل إلى طغتكين اتابك يلتمس منة انفاذ مَّن يثق به. ليسلم إليه 
ثغر جبله ويحميه ليصل هو إلى دمشق بماله وأهله فأجابة إلى ما التمس وسير إليه ولده تاج 
الملوك بوري فسلم إليه البلد. وروى البرت الأكسي المؤرخ الصليبي السابق ذكره انه في أثناء 
حصار أورشليم زحف بوهيمند بعساكره من انطاكية وبمساعدة سفائن الجنويين والبيزاويين التي 


109 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


كان عددها نحو مائتين حاصر اللاذقية ناكثاً بمعاهدات السلم المنعقدة بين الصليبيين وقيصر 
الروم فاستولى المحاصرون على برجين من ابراجها قائمين على شاطىء البحر وقتلوا بعض من 
كان فيهما من الروم وسملوا عيون الباقين وطرحوهم في البحر ثم بنوا جسرين فوق الخندق 
الفاصل بينهم وبين اسوار المدينة وضايقوها حتى كادوا يفتحونها وفي أثناء ذلك كان الصليبيون 
الذين ذهبوا لفتح أورشليم قد تملكوا المدينة المذكورة سنة 1099 وأقاموا غودافروا دي بوليون 
ملكاً عليها وعاد كثيرون منهم راجعين إلى بلادهم فلما وصل هؤلاء الراجعون إلى نواحي 
جبله سمعوا بحصار اللاذقية وكان في جملتهم الكونت رايمونددي طولوزا فاغتاظوا من بوهيمند 
وارسلوا إليه رسلاً يطلبون منه أن يكف عن حصار المدينة احتراماً للاتحاد المنعقد مع قيصر 
الروم الذي يقدر أن يقلق راحة الصليبيين برجوعهم إلى اوطانهم فرفض بوهيمند اجابة الرسل 
ولبث مصراً على عزمه فاعتمد حينئذ الأمراء والجيوش المار ذكرهم ان يدفعوه عن حصار 
المدينة بالقوة إلا أن اسقف بيزا استدرك الأمر بطريقة اخرى فانهة سار وقابل رؤساء عمارة 
الجنويين والبيزاويين وطلب منهم أن ينفصلوا عن بوهيمند فأجابوه لذلك ولما رأى بوهيمند أن 
أعماله قد انحصرت في قوته الخاصة التزم أن يكف عن حصار المدينة وحينئذ جاءت الجيوش 
الصليبية من نواحي جبله ودخلت اللاذقية ومكثت فيها خمسة عشر يوماً في وسط الأفراح 
والحبور حيثما كان عندهم كل شيء غزيراً ثم تفاوض بوهيمند ورايموند بالصلح وعقدت بينهما 
عهود الحب والمصافاة. فعاد بوهيمند إلى انطاكيه وأما رايموند فبقي في اللاذقية. قلت ولعل 
رايموند بأثر ذلك سار إلى القسطنطينية فوهبه القيصر اليكسيوس مدينة اللاذقية كما ذكر آنفاً 
نظراً لما ابداه فيها من الحماسة والغيرة على حفظ عهود السلم ومقاومة بوهيمند. 

ولما استقر رايموند المذكور الذي دعاه مؤرخو العرب صنجيل في اللاذقية زعحف 
بجنوده على جبله وفتحها ثم حصر طرابلس وبنى بقربها حصناً وبنى تحتهٌ مساكن فخرج 
ابن عمار صاحب طرابلس وأحرق المساكن فانهدم بعض السقوف المحترقة برايموند فمرض 
أياماً ومات وثقل إلى اورشليم. ثم تملك الصليبيون شيئاً فشيئاً البلاد والقلاع والحصون 


200 


في تاريخ للاقة العرب 


التي في أعمال اللاذقية كمرقيه وقلعه المرقب وقلعة صهيون وحصن العيدو وذكر أبو الفداء 
أنهم تملكوا القدموس سنة 523 للهجرة موافقة سنة 1129 وانه في سنة 527 موافقة سنة 1133 
اشترت الاسماعيلية حصن القدموس من صاحبه ابن عمرون وروى البطريرك استفانوس الدويهي 
الماروني في تاريخه في حوادث سنة 1130 مسيحيه ان بلدوين ملك اورشليم بعد موت بوهيمند 
والي انطاكيه اعطى ارملته التي كانت ابنة بلدوين المذكور اللاذقية وجبله وجعل انطاكيه تحت 
محافظة أمناء ذكره الخوري يوسف الدبس في كتابه سفر الأضاد وروى أبو الفداء أنه في 
سنة 584 هجرية الموافقة سنة 1188 م سار السلطان صلاح الدين الأيوبي زاحفاً بجيوشه إلى 
مرقيه فوجدها خالية ثم نزل تحت المرقب فوجدة لا يرام فوصل جبله في ثامن جمادي الأول 
وتسلمها وجعل فيها سابق الدين عثمان بن الداية يحفظها ثم حصر قلعتي اللاذقية وملك 
المدينة وسلمها إلى ابن اخيه المظفر تقي الدين عمر فحصنها ثم حاصر صهيون وتسلمها 
بالأمان وسلمها إلى الأمير منكورس صاحب ابي قبيس من أصحابه ثم ملك عسكرهٌ بلاطنس خالياً 
من الفرنج وحصن العيد وحصن الجماهرتين ثم سار السلطان عن صهيون ثالث جمادي الأخرى 
وروى ابن الأثير أن الفاتحين خربوا حينئذ كل أبنية اللاذقية الجميلة ولا سيما الكنايس ونقلوا 
مرمرها ذكرة موسيو بوجولا في رسائل رحلته وقال أن سكان اللاذقية المسيحيين سلموا المدينة 
إلى صلاح الدين بدون قتال وانسحبوا إلى القلعتين وانة في أثناء ذلك جاء إلى مياه اللاذقية 
من جزيرة صقلية عمارة بحرية مؤلفة من ستين سفينة تحت قيادة امير يُدعى مارغاريت 
وتقدمت لتدخل المينا واذ علم أميرها المذكور بتسليم المسيحيين بدون قتال احتدم عليهم 
غيظاً وتهددهم بقتل كل من يصادفه منهم بحد السيف فسلموا حينئذ أنفسهم إلى حكومة 
السلطان صلاح الدين متعهدين بدفع الجزية وذكر العماد الكاتب وهو كاتب صلاح الدين في 
تاريخه المسمّى الفسيح القسي في الفتح القدسي. ما ملخصه أن قاضي جبله وفد على السلطان 
صلاح الدين وهو في جهة حصن الأكراد يحثة على قصدها ويقول أن الاشتغال بطرابلس مع 
استعدادها للحصار يذهب الزمان وأن جبله وما وراءها من المعاقل ليس دونها مانع ولا عنها 
مدافع فسار السلطان بعسكره يوم الجمعة 4 جمادي الأولى سنة 584 قد وصل إلى طرطوس في 6 


201 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


منهٌ وفتحها ودك اسوارها الا برجاً للدواية فانهٌ امتنع عليه فتركه ورحل عنةٌ) 14 الشهر ونزل على 
مرقيه وقد خلت من أهلها فجاز عنها وسار تحت حصن المرقب ولم يكن بد من عبور ذلك 
المضيق وكان الفرنج قد حصنوا في البحر المراكب وسدوا المذاهب وذلك أن صاحب صقلية رام 
ان يكشف عن الفرنج أدبيته فجهز اسطولاً مؤلفاً من ستين قطعة فوصل في تلك الأيام تحت 
رياسة امير يقال له مرغريط فحمى الطريق تحت المرقب بمراكبه فأمر السلطان بحمل الجفاتي 
إلى هناك وتصفيفها وتأليف الستائر واقعد من ورائها على مقابلة سفن القوم الكماة والرماة 
حتى تباعدت تلك السفن فرحل السلطان بعسكره آمناً وجاز على بانياس وقد اجفل عنها الناس 
ووصل إلى نهر السن فازدحم العسكر عند ذلك النهر وليس عليه إلا قنطره واحدة فتصادموا 
على ذلك الجسر وسار السلطان من فوق على سفح الجبل وعبر مع زمزمة عسكره ونزل على 
بلدة وهي على شاطىء هذا النهر حصينة البناء قد حصنها الاستبار وقطعوا عنها سلوك الطريق 
بتعميق ذلك النهر فوجدها خالية من الانس وفي يوم الجمعة/ 18 الشهر أشرف على جبله وكان 
قاضيها قد سبق من المقدمة فخرج مسلموا البلد مستسلمين وعلت على السور الرأيات الناصرية 
ولجأ الفرنج إلى الحصنين اللذين أحدهما على المنيا والآخر في البلد وهو المعقل الأكبر فتوسط 
لهم قاضي جبله في أخذ الأمان بعد قبض الرهائن على أن يعيدوا من استرهنوة في انطاكية 
من أهله ويسلموا كل ما بهم من سلاح وعدة وخيل وذخيرة وعالة انتقل أهل الجبل إلى جبله 
طائعين وكان حصن بكرائيل قد تسلم من قبل فرتب فيه من حكم على ذلك الجانب وأهله 
وكانوا مذعنين لقاضي جبله وأقام السلطان في جبله أياماً حتى ازال شعثها وأكرم قاضي جبله 
ووقف عليه ملكاً نفيساً وصرفه من املاك أبانه وحكمه في ولاية حكمه وقضائه ورحل ثالث 
عشر الشهر يوم الاربعا وبات تلك الليلة بالقرب من اللاذقية وقد لاذ الفرنج من حصنها بجبل 
عاصم وهو ثلاث قلاع متلاصقات على طول التل فهاجمتها عساكر السلطان صبيحة يوم الخميس 
وحاميتها تدافع عنها أشد دفاع حتى أخذت عليهم النقوبء وبلغ النقب من الشمال في الطول 
ستين ذراعاً وفي العرض اربع أذرع ولما عرف من فيها أنهم مدركون وأنهم يؤخذون ولا يتركون 
صاحوا الأمان وذلك يوم الجمعة 25 من جمادي الأولى عشية فصعد إليهم قاضي جبله يوم 


202 


في تاريخ للاقة العرب 


السبت غدوة وسلموا القلاع بما فيها من عدة وذخيرة واسلحة وخيل ودواب كثيرة وأمنوا على 
أنفسهم وأموالهم وانصرفوا بنسائهم ورجالهم وذريتهم وأطفالهم ودخل بعضهم في عقد الذمة 
وانتقل الباقون إلى انطاكية ثم ولي السلطان بالقلاع مملوكه سنقر الخلاطي وركب إلى البلد 
وطافه قال العماد الكاتب فرايتها بلدة واسعة الأقنية جامعة الابنية متناسقة المعاني متناشقة 
المغاني قريبة المجاني رحيبة المواني في كل دار بستان وفي كل قطر بنيان... أمكنتها مخرّمة 
وأروقتها مرخمّة وعقودها محكمة ومعالمها معلمة ودعائهما منظمة ومساكنها مهندسة مهندمة 
وأماكنها ممكنة ومحاسنها مبيّنة ومراتبها معيّنة وسقوفها عالية وقطوفها دانية وأسواقها فضية 
وآفاقها مضية ومعالمها مشرقة ومرافعها موفقة وأرجاءها فسيحة وأهؤاوها صحيحة لكن العسكر 
شعث عمارتها واذهب نضارتها وازعج ساكنيها وأخرج قاطنيها وملك دور المشركين للموحدين... 
ووقع في عدة من الأمراء الزحام على الرخام ونقلوا منة أحمالاً إلى منازلهم بالشام فشوهوا 
وجوه الأماكن ومحوا سنا المحاسن. وقال ما ملخصه وبظاهر اللاذقية كنيسة نفيسة عظيمة 
قديمة بأجزاء الأجزاع مرصعه وبألوان الرخام مجزعة متوازية الزوايا متوازنة البنايا فلما دخلها 
الناس اخرجوا رخامها وشوهوا أعلامها وكسروا أجراسها وحكموا بعد الغنى بأفلاسها وافتقرت 
واقفرت ثم لما طابت النفوس وتجلى عن البلد بفتحة الببوس عادت القوى إلى هذه الكنيسة 
وهي متشعثة ورغب مَّن في البلد من النصارى والأرمن في اعطاء الجزية حباً للوطن فعاد 
مأهول الجناب وبتجار البحار مملو الرحاب وكانت شواني صقليه قد قابلت في البحر اللاذقية 
طمعاً في امتناعها فلم استسلم أهلها قصدت الشواني أخذ مركب من يخرج من أهلها لكونهم 
شغلوا عن حبوبها ببذلها فامتنعوا عن الانتقال وامنوا بعقد الذمة على النفس والمال وكان 
السلطان صلاح الدين يوم الرحيل من اللاذقية راكباً عند ميناها فطلب مقدم تلك الشواني أمانة 
ليصعد ويشاهد السلطان فأمنه حتى صعد فخاطب صلاح الدين بواسطة ترجمان وقال أنت 
سلطان عظيم وملك كريم قد شاع عدلك وذاع فضلك فلو مننت على هذه الطائفة واعدت 
عليها بلادها لطاعوك قريباً وبعيداً وأن اببت وعدت على اهراق الدما جاء منه وراء البحر ملوك 
الفرنج بعساكر لا تقدر أن تقاومها وهؤلاء أهون منهم فاتركهم واصفح عنهم فقال السلطان 


203 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


قد أمرنا الله بتمهيد الأرض ونحن قائمون في طاعته بالفرض ولو اجتمع أهل الأرض لتوكلنا 
على اللّه في اللقاء ولم نبال باعداد الأعداء فعاد المقدم إلى شوانيه ورحل السلطان ظهر يوم 
الأحد 23 من جمادي واتجه نحو حصن صهيون وكان الطريق إليه في أودية من شعاب فقطع 
تلك الطرق في يومين وخيم على صهيون يوه الثلاثاء 29 وهي قلعة على ذروة جبل في مجتمع 
واديين بها محيطين من جانبين والجانب الجبلي قد قُطع بخندق عميق وسور وثيق والقلعة 
ذات أسوار خمسة كأنها خمس هضاب فأحاط العسكر بها يوم الاربعا ونقل السلطان خيمة إلى 
جانب الجبل وأقام الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب منجنيقين فانه اتصل بأبيه 
قبل الوصول إلى جبله من طريق حماه فاظهر على صهيون اليد البيضاء وكان في قرنة الخندق 
موضع لم يكمل تعميقه فتطرفوا من تلك القرية وتعلقوا بها إلى القلعة وتملكوا الذروة وملكت 
منه القلعة ثلاثة أسوار فطلب أهلها الأمان فقرر السلطان عليهم قطيعه وأغلقت دونهم الأبواب 
فجبى منهم القطيعة شجاع الدين طغرل الجاندار ثم خرجوا وسلّم الحصن بجميع اعماله وسائر 
ماحواةُ إلى الأمير ناصر الدين منكورس بن خمارتكين ثم رحل السلطان ثاني يوم فتح صهيون 
وتسلّم قلعة العيدو وقلعة الجماهيريين وحصر بلاطنس وتُدب إلى كل حصن من تسلمة وفي 
جمادي الأخرى سنة 586 قدم الملك المظفر تقي الدين لحفظ مدينة اللاذقية وجبله من عساكر 
ملك الألمان الذي قدم لإرجاع بيت المقدس ولما بلغت تلك العساكر إلى قرب اللاذقية خرج 
عليهم خيل اللاذقية وجبله وناوشتهم في اثناء الطريق. فاغدوا في السير حتى وصلوا إلى 
طرابلس وقد نقص مقدار نصفهم وفي محرم سنة 587 تسلم الملك المظفر تقي الدين ما في 
شرقي الفرات من البلاد التي كانت مع مظفر الدين مضافةً إلى ميافارقين فصارت معةهٌ جبله 
واللاذقية ومعره وحماه وسلميه والرها وحران وسمسياط والموزر وميافارقين. ثم في سنة 1157 
وسنة 1170 مسيحية حدثت زلازل هدم بها جانب عظيم من اللاذقية. 

وذكر مكسيموس مونروند في الفصل السابع من المجلد الثاني من تاريخه ما مفاده 
انه وفي سنة 1197 مسيحية (الموافقة سنة 594 هجرية. كانت اللاذقية وجبله من جملة البلاد 


التي أخلاها المسلمون بأثر انتصار الصليبيين على الملك العادل وامتلاكهم بيروت. وفي 


204 


في تاريخ للاقة العرب 


ذلك نظرٌ فإن ابن الوردي روى في تاريخه في حوادث سنة 618 للهجرة الموافقة سنة 1222 م أن 
الملك الكامل وأخوته بذلوا إلى الصليبيين الذين كانوا وقتئذ قد فتحوا دمياط وتقدموا إلى جهة 
مصر تسليم القدس وعسقلان وطبريه واللاذقيه وجبله وجميع ما فتحه صلاح الدين من الساحل 
على أن يصالحوا ويسلموا دمياط فأبوا ذلك وذكر في حوادث سنة 620 الموافقة سنة 1224 م أن 
الملك الأشرف لما رجع من مصر إلى حلب ارسل عسكراً هدموا قلعة اللاذقية إلى الأرض ومن 
ذلك يستفاد أن اللاذقية كانت إلى ذاك الحين لم تزل تحت تسلط المسلمين وكيفما كانت الحال 
فالمستفاد من التواريخ باتفاق المؤرخين أنها في زمان السلطان قلاون كانت بيد الصليبيين كما 
سيتضح مما سيذكر وكانوا يتحصنون في الأبراج التي كانت على البحر. 

وروى ابن الوردي أنه في سنة 660 للهجرة الموافقة سنة 1262 م وصل عماد الدين ابن 
مظفر الدين صاحب صهيون رسولاً من اخيه سيف الدين صاحب صهيون إلى الملك الظاهر 
بيبرس بهدية جليلة فقبلها وأحسن إليه وانة فسي سنة 667 الموافقة سنة 1269 تسلم الظاهر 
بلاطنس من عز الدين عثمان صاحب صهيون وفي سنة 671 الموافقة سنة 1273 م توفي سيف 
الدين أحمد بن مظفر الدين عثمان بن نكورس صاحب صهيون فسلم ولداه سابق الدين 
وفخر الدين صهيون إلى الملك الظاهر فأكرمهما وأعطى سابق الدين امرة طبلخانات. وفيها 
تسلم نواب الظاهر ما تأخر من حصون الاسماعيلية التي من جملتها القدموس وفي سنة 
9 الموافقة سنة 1281 م استولى على صهيون وغيرها من الحصون سنقر الأشقر وهو قائد 
ارسلة قلاوون امير جيش الملك الظاهر نائباً للشام ثم بعد مدة يسيره تسلطن قلاون في 
مصر وتسلطن ستقر الأشقر في الشام فجهز قلاون العساكر وارسلها لمحاربته فكسرتة فهرب 
من دمشق وسار واستولى على صهيون وغيرها من الحصون كما مرّ. وفيها استأذن سيف 
الدين بلبان الطباخي المنصوري نائب حصن الأكراد في الاغارة على بلد المرقب والفرنج 
فيه... وجمع عساكر الحصون وسار إلى المرقب فانكسر وهربت عساكره وأسر منهم الفرنج 
وقتلوا جماعةً وفي سنة 684 (الموافقة سنة 1286 م نازل السلطان قلاون حصن المرقب في 


205 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أوائل ربيع الأول وهو حصن الاستبار (أي الأوسبيتال أعني الرهبان ضياف الغرباء) عجيب في 
العلو والحصانة لم يطمع أحد من الملوك الماضين فيه ونُصبت عليه المجانيق... ولما تمكنت 
النقوب طلبوا الأمان فأمنهم رغبة في بقاء عمارته وحملوا ما قدروا عليه غير السلاح وصعدت 
إليه الصناجق السلطانية وتسلمة في ثامنة نهار الجمعة تاسع عشر ربيع الأول منها. 

وذكر موسيو بوجولا في رسائل رحلة أن السيد برثولومي صاحب مدينة مرقيه بنى بعد 
موت الملك الظاهر بيبرس (الذي كان قد استولى على مرقيه حسبما روى ابن الوردي) برجاً كبيراً 
في البحر أمام قلعة المدينة أقامهُ على سفن مشحونة بالأحجار أغرقت إلى قاع البحر وجعل 
أحجار جدرانه متماسكة الواحدة بالأخرى بقضبان من حديد وكل رصيف منها يعلوهُ طبقة من 
رصاص وجعلة مربع الشكل ذا سبع طبقات عرضة مقارب لطوله وفارغ كل جهة منة 25 ذراعاً 
ونصف وسمك الحيطان 7 أدرع وبنى في البرج صهريجاً يكفي عند الحاجة لمحافظيه المؤلفين 
من ماية جندي وبنى وراء البرج ركناً يُستخدّم كملجأ عند اللزوم فكان هذا البرج منيعاً جداً 
حتى أن السلطان قلاون الذي استظهر على أقوى الحصون يئس من أخذه لقلة ماعندة من 
السفن اللازمة لحصره في البحر إِلا أن أمير طرابلس الخّ على السيد برثولي بالاستسلام فانتهى 
به الرجا والتهديد إلى أنه استسلم فهدم المسلمون البرج والركن بحيث لم يتركوا لهما أثراً قال 
ومن ذاك العهد يبتدي تاريخ خراب طلعة مرقيه أيضاً التي كانت في موقع ماراتوس التي تكلم 
عنها استرابون (انتهى). 

وروى ابن الورديء انه في سنة 686 للهجرة الموافقة سنة 1288 مسيحية حاصر حسام 
الدين طرنطاي نائب السلطنة صهيون وضايقها بالحصار والمجانيق ثم تسلمها بالأمان من 
سنقر الاشقر وحلف له ثم سار إلى اللاذقية وفيها برج للافرنج يحيط به البحر فعمل طريقاً 
إليه وحاصره وتسلمه بالأمان وهدمة. قال موسيو بوجولا أنه في سنة 1287 اجتمعت جميع 
قوات قلاوون على اللاذقية التي كانت تجارتها وقتئذ تخيف تجار الاسكندرية وكان في وسط 
البحر برج منيع جداً يمنع من الوصول إلى المدينة وكان السلطان يقدّم رجلاً ويؤخر اخرى 
في الهجوم عليها وفي اثناء ذلك حدثت زلزلة هائلة هدمت جانباً من البرج كما أنها 


206 


في تاريخ للاقة العرب 


هدمت برجاً آخر يُدعى برج الحمام ومنارةً كانت تضيء للسفن ليلاً فتشجع قلاون بهذه الحادثة 
معتبراً إياها كعلامة معونة من الله وشدد الحصار على المدينة بآلاته المريعة وكانت هذه 
الآلات منصوبة على رصيفٍ من الحجارة مبني في البحر ولم يلبث أن فتحت له نافذة فحينئذ 
لم يعد المسيحيون يجرون على المدافعة فاستسلموا وخرجوا من البلد بالكنوز التي أمكنهم 
حملها فهدم المسلمون ذلك البرج الكبير الذي كان يقوم مقام قلعة للمدينة من جهة البحر 
إلى الأرض. 

أقول وقد ذكر في بعض النبذ ما ملخصه أن المسلمين لما استخلصوا اللاذقية من يد 
الصليبيين استولوا على كنيسة يوحنا الكبيرة وكنيسة بندلايمون وغيرها من الكنايس الكثيرة العدد 
التي كانت فيها ولم يبقوا للمسيحيين سوى عشر كنايس وهي دير الفاروس وكنيسة الليمون 
وكنيسة اندراوس الرسول ودير ماري نيقولاوس ودير ماري جاورجيوس ودير السيده وكنيسة ماري 
يعقوب وكنيسة ماري سابا وكنيسة توما الرسول والكنيسة المعلقة على اسم السيده. 

وقد زار اللاذقية ابن بطوطه السائح المغربي في أواسط الجيل الرابع عشر وذكرها في 
كتابه المسمّى تحفة النظار في غرائب الأمصار الذي كتبه سنة 1356 مسيحية فقال. ثم سافرت 
إلى مدينة اللاذقية وهي مدينة عتيقة على ساحل البحر يزعمون أنها مدينة الملك الذي كان 
يأخذ كل سفينة غصباً (هو ملك ذكُر في القرآن في سورة الكهف أنه كان على عهد موسى 
النبي) وكنت إنما قصدتها لزيارة الوالي الصالح عبد المحسن الاسكندري فلما وصلتها وجدتة 
غائباً بالحجاز فلقيت من اصحابه الشيخين الصالحين سعيد البجاءي ويحيى السلاوي وهما 
بمسجد علاء الدين ابن البهاء أحد فضلاء الشام وكبرائها صاحب الصدقات والمكارم... وقاضيها 
الفقيه الفاضل جلال الدين عبد الحق المصري المالكي فاضل كريم تعلق بطيلان ملك الأمراء 
(والي طرابلس) فولأَهُ قضاها... وبخارج اللاذقية الدير المعروف بدير الفاروص وهو أعظم دير 
بالشام ومصر يسكنة الرهبان (انتهى). 


و 
7 


وروى ابن الوردي انه في سنة 740 هجرية الموافقة سنة 1340 م شنق ابن المؤيد شرف 


207 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الدين ابو بكر الواعظ المحتسب نائب الوكاله باللاذقية خافوا بطرابلس من طول لسانه واتصاله 
بأعيان المصريين وقامت علية بيّنة بألفاظ تقتضي انحلال العقيدة فحملوا عبد العزيز المالكي 
قاضي القدموس على الحكم بقتله وشارك في واقعة القاضي جلال الدين عبد الحق المالكي 
قاضي اللاذقية (وهو الذي ذكره ابن بطوطه كما مر) فتعب القاضيان بجريرته وقاسيا شدائد. 
وفي سنة 1363 اهتم بطرس لوسينيان ملك قبرص بتجديد حرب صليبيه فلم ينجح اهتمامة 
في أوروبا ومع ذلك غزا بمساعدة جمهورية البندقية وفرسان رودس وبعض أنفار من أورويا 
اسكندرية واحروقها ثم اتوا بعد مدة إلى سوريا فاحرقوا طرابلس وطرطوس واللاذقية وغيرهنٌ 
ثم استمرت اللاذقية تحت ولاية الدولة الجركسية إلى سنة 1517 إذ استفتح السلطان سليم الأول 
العثماني سوريا ومصر فصارت اللاذقية تحت ولاية الدولة العثماينة كباقي المدن السورية. 
قلت وقد بحثت كثيراً لكي أتوصل لمعرفة الزمن الذي خُرب فيه دير الفاروس فلم 
اعثر على ذلك وقد رايت في بعض الكتب ما ملخصه انه في عهد اندرونيكوس قيصر 
القسطنطينية (وهو الثالث بهذا الاسم الذي تملك من سنة 1386 إلى سنة 1392 والظاهر أن 
الروم في تلك الأوقات ولئن كانوا تحت تسلط المسلمين كانوا يلتذون بأن يذكروا القيصر 
الذي يكون متملكاً في القسطنطينية عندما كانوا يريدون تعيين الزمان المقصود منهم) كان 
في دير الفاروس من جملة الرهبان راهب حموي الأصل يدعى سابا فاتفق أن بعض اعيان 
المسلمين ذهبوا ذات يوم إلى الدير لأجل التفرج وفيما هم يجولون فيه ومعهم الراهب سابا 
كدليل وقعت بينه وبينهم مجادلة دينية بعثتهم على أن يغتاظوا منه ويحنقوا عليه فرجعوا إلى 
العذونة مشمريق له السو :فى :لبون النانت جاء ول إل الدمن ضفخل القاقبى ستدعون إلينة 
سابا الراهب المذكور فسار معهم ولما انتهى إلى مجلس القاضي الذي كان موقعه بجانب دير 
السيده ألقيت عليه المسائل التي كانت قد ألقيت عليه في الدير فأجاب عنها بما أجاب به 
في اليوم السابق فاحتدم عليه القاضي والحاضرون في مجلسه غيظاً وألقي في السجن حيثما 


208 


في تاريخ للاقة العرب 


لبث اياماً يُعرّض عليه أن يجحد أقواله السابقة وهو يأبى ذلك ولما لم يتيسر لهم اقناعه قتلوة 

قلت وكان في دير الفاروس انجيل يوناني قديم العهد مكتوب على رق نبش بعد خرابه 
من بين التراب وحخفظ في كنيسة القديس جاورجيوس حيثما هو موجود حتى الآ ن ويُعرّف 
بانجيل الفاروس قيل أنه ناسخة ثاوذوسيوس رئيس الدياره الذي كان في الجيل الخامس وقيل ا 
بل أنة كُتب بعد ذلك العهد. 

وذكر في جغرافية ملطيرون الفرنساويه عند ذكر مدينة اللاذقية ما تعريبة «أن أحد اغاوات 
الأتراك جدّد بناءءها بعد ما خربت خراباً كاملاً باثر الأضرار التي أثارها في الأجيال المتوسطة 
التتر الأتراك. ومن الغرائب أن تجدد مدينة بواسطة مَن من شأنهم الاكتفاء «بالخراب» قلت 
لعلة أشار بالأضرار التي أثارها التتر والأتراك إلى الحروب التي حدثت بين تيمورلنك المغولي 
الذي افتتح سوريا سنة 1400 م وبين الدولة الجركسية ويّقال أن اللاذقية بقيت مدةً طويلة خراباً 
خالية من السكان أو فيها سكان قليلون على الأصح وجُعل مركز الحكومة في جبله وأطلق على 
اللواء لواء جبله. ولما تولى فخر الدين ابن معن أمير جبل لبنان من حدود حلب إلى حدود 
القدس سنة 1624 وجال في بعض مدن ولايته قدم إلى جبله فقدّم له أهلها النفقات ثلثة أيام 
وعشرين الف غرش فطيب خاطرهم ورتب أحوالهم ولما غضبت الدولة العثمانية عليه إذ شمَّت 
منة رائحة العصيان وأرسلت عسكراً لمحاربته وخلعه من الولاية ارسل جعفر باشا وزير البحر 
من بيروت عسكراً إلى قلعة المرقب فاستولى عليها ثم فُبض على الأمير فخر الدين ورجعت 
اللاذقية وطرابلس تحت حكومة وال واحد كما كان الحال قبل ولاية الأمير فخر الدين. والمشهور 
إذ الذي جِدّد بناء بعض ما خرب من اللاذقية وأعادها إلى بعض ما كانت عليه من الأهمية 
هو من بني المطرجي ولعلة أرسلان باشا المطرجي الذي تولى على طرابلس سنة 1693 م أو 
واحد من سلالته ومن نَم أعيد مركز الحكومة من جبله إليها إلا أن الدولة استمرت تطلق على 
اللواء لواء جبله بحسب ما هو مقرر في قيودها إلى حين دخول الحكومة المصرية تحت راية 
ابراهيم باشا سنة 1832 كما سيأتي. 


209 


آثار الحقب في للاشة العرب 


هذا وقد علم من بعض الكتب الكنايسيه أنه في النصف الثاني من الجيل السابع عشر 
قام على الكرسي الانطاكي بعد وفاة البطريرك مكاريوس الحلبي بطريركان بوقتٍ واحد أحدهما 
كترلين حفيد البطريرك المتوفي والآخر ناوفيطوس مطران حماه وبعد منازعات طويلة بينهما 
تنرّل ناوفيطوس عن البطريركية واستقل بها كيرنُس وصاقب ذلك وفاة المطران الذي كان وقتئز 
على اللاذقية فأعطيت ابرشية اللاذقية إلى البطريرك ناوفيطوس المتنزل مضافاً إليها جسر الشغر 
والسويدية ليعيش بوارداتها فجاء إلى اللاذقية نحو سنة 1684 وأقام فيها اربع سنين ثم توفي 
ودُفن في هيكل مار موسى من كنيسة القديس نيقولاوس فشرطن البطريرك كيرنّس شماسة 
اغناطيوس مطراناً على اللاذقية سنة 1688 واستمرت الجسر والسويدية ملحقتين منذ ذاك الحين 
بأبرشيتها واقام اغناطيوس مطراناً فيها خمساً وعشرين سنةٌ ثم توفي سنة 1714 ودُفن في هيكل 
مار موسى أيضاً وخلفه نيكيفورس القبرصي وفي أيامه جرى ترميم كنايس اللاذقية سنة 1722 
وقد وقفت على تاريخ ترميمها ولا بأس من ايراده هنا بعد تصحيح عباراته مع ما فيه من 
التطويل لأن منة يستدل عل روح ذلك العصر وهو أنة في 9 تشرين الثاني 1133 للهجرة في زمن 
ولاية أحمد باشا ابن سوار على طرابلس وولده مصطفى بك على مدينة اللاذقية سقط في 
نصف الليل حائط كنيسة ماري نيقولاوس الشمالي وحدث ارتجاج عظيم في المحلة وفي صباح 
اليوم التالي بعد انتهاء القداس وانصراف المسيحيين من الكنيسة سقط الحائط الغربي بتمامه 
وقال مؤرخ هذه الحادثة. فأخبرنا بذلك الحاكم مصطفى بك فنزل هو والقاضي واغاوات البلد 
وشاهدوا الخراب ثم أمر البك برفع الأحجار وجمعها في جانب الكنيسة ناهياً عن بنائها على 
أنه لم يؤذن برفعها حتى اخذ ميئةً وخمسين غرشاً من المسيحيين. وبعد ذلك سار إليه بعض 
أعيان المسيحيين وترجوةُ أن يصير تقديم عرض حال للدولة يتضمن الاستتئذان بترميم الكنايس 
الخمس الموجوده في اللاذقية ويستحصل لهم به؛ فرماناً شريفاً فأجابهم إلى ذلك وجمع عندة 
مجلساً مولفاً من قاضي اللاذقية خليل افندي ومفتيها عبد الرحمن افندي ومشايخ المدينة فكتبوا 
عرضحال الاستئذان وختموة وأرسلوةُ إلى محمد باشا والي طرابلس وبعثوا إليه بمكتوب قالوا فيه 


210 


في تاريخ للاقة العرب 


أن الذميين لا يقيمون في المدينة بغير كنايس وإذا نزحوا ينقص المال الأميري فلما اطلّع أحمد 
باشا على ذلك صادق على العرض وانفذهُ من جوحه دار إلى الدولة ومكثنا ننتظر أياماً وليالي 
حتى مضت نحو نصف سنة ولم يرد الفرمان وفي أثناء ذلك قدم من القسطنطينية رجل ارمني 
اسمة سنجوس من الصيارفه كان له دين على باشا طرابلس فذهب لزيارة القدس وبرجوعه 
منها مرّ عل اللاذقية فرأينا من الضروري المخابره معه لأجل الفرمان إذ بلغنا أنه مسموع 
الكلام عند بعض أرباب الدولة فدعاةُ الخواجه جرجس لطف الله إلى وليمة عند دعا إليها 
المطران نيكيفورس القبرسي مطران اللاذقية ومن الكهنة الخوري الياس عرنوق والخوري موسى 
كريش (وهو مؤرخ هذه الحادثة في الغالب) ومن العلمانيين نصور خربان وبشاره موسى وفرح 
عقاد وبعد الفراغ من الطعام تداول جرجس لطف الله مع الصراف باللغة التركية في أمر 
الخمس كنايس وحدثة بكيفية تقديم عرض الاستئذان وأبطأ ورود الفرمان وترجاه ان يسعي في 
القسطنطينية للحصول عليه وفوضه بانفاق ما يلزم من الدراهم لأجل ذلك فأجابه الصراف 
بالايجاب وتعهد له باستحصال الفرمان وعند سفره كرّر الرجا له بالحاح أيضاً ثم انتظرنا بعد 
ذلك مدةً طويلة كانت ترد فيها مكاتيب منه تتضمن الوعد بصدور الفرمان من يوم إلى آخر مع 
وصف صعوبة استحصال فرمان كهذا بترميم خمس كنايس دفعة واحدة. ثم بعد تعب جزيل 
ومصاريف وافره صدر الفرمان وورد إلى اللاذقية نهار السبت في 30 كانون الأول سنة 1134 للهجرة 
فاستدعى الحاكم جرجس لطف الله وبشرة بوروده وأرسلة ليبشر المطران ويخبره انة سيرسله 
إلى أحمد باشا ليصدر على موجبه بيورلدي ثم ارسل الفرمان نهار الأحد نحو الظهر إلى طرايلس 
فأعيد مرافقاً ببيورلدي من الباشا وكان ورودهما يوم الخميس «4 كانون الثاني فعزم البك أن يعقد 
مجلساً يوم الجمعة الموافق بارامون الغطاس فالتمس منه مراد الصراف الذي كان وقتئذ صرافاً 
في الحكومة أن يؤخر ذلك إلى ما بعد الغطاس فأجاب التماسه وفي يوم الأحد الموافق عيد 
القديس يوحنا المعمدان استدعى البك المطران نيكيفورس والخوري الياس عرنوق من كنيسة 
ماري نيقولاوس والخوري موسى الكيس من كنيسة ماري اندراوس والخوري نقولا الحبشي من 


211 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


كنيسة ماري سابا والخوري موسى كريش من كنيسة ماري جاورجيوس والخوري سليمان من 
كنيسة السيده. ومن الأعيان الخواجه جرجس لطف الله وبشاره موسى والخواجه سلامه خربان 
والمقدسي عبداللّه الرشيدي فسرنا إلى دار الحكومة وجلسنا في الايوان ننتظر حضور اغاوات 
البلد والمشايخ قال وفيما نحن جالسون بالانتظار جيءَ برجل مسلم إلى أمام البك متهم بذنب 
عظيم فأمر بجلده فجلد أمامنا أكثر من خمسماية جلده ثم نُفي أيضاً. وبعد ذلك عُقد المجلس 
ودخلنا إلى داخل ووقفنا جميعاً. فأخرج البك الفرمان الشريف وأمر بقراءته أمام الجمهور ولما 
تمت قرآءته قال للحاضرين من المسلمين ما قولكم تأذنون لهؤلاء الذميين أن يرمموا كنايسهم 
حسب منطوق الفرمان السلطاني فقالوا جميعاً أن أمر مولانا السلطان مقرون بالسمع و الطاعة 
وكلنا نوافق على ترميم كنايس الذميين لأن منهم فائدة في المال الأميري في المدينة فأمر 
البك حينئذ بالركوب للكشف على الكنايس وركب هو والقاضي والمفتي والاغاوات والمشايخ 
وكانوا أكثر من ماية نفس وسرنا نحن أمامهم مشاة إلى كنيسة ماري نيقولاوس فدخلوا الكنيسة 
وعاينوا المهدوم وخمنوا الترميمات المقتضية لها من داخل ومن خارج وكتبوها في دفتر لكي لا 
يُزاد في البناء حجر واحد على ما كُتب ثم فعلوا كذلك في الكنايس الاربع الأخرى ولما ضمنوا 
ترميمات كنيسة السيده جرت محاوره طويلة لجهة ترميم بيت النساء لأنة كان يستدعي الهدم 
والبناء مجدداً نظراً لكثرة تشعثه وبعد جهد جهيد اذنوا بذلك وهكذا في كنيسة ماري سابا ولما 
انتهى التخمين حصل فرح عظيم عند المسيحيين وفي اليوم الثاني نهار الاثنين /8 كانون الثاني 
صباحاً شرعنا في ترميم حائط كنيسة ماري نيقولاوس وحائط كنيسة ماري اندراوس الخارجيين 
وذهب المطران وجرجس لطف اللّه لكي يستخرجا أعلاماً بالبناء من القاضي فوجداهُ قد عدل 
عما صار عليه القرار من التخمينات بالأمس وقال لهما لا يمكنني اعطاء اعلام حسب التخمين 
لأنني أخشى على نفسي فتوسلا إليه كثيراً فلم ينفعهما التوسل فوقعنا في حيرة وارتباك لأننا 
كنا قد شرعنا في العمل بدون اعلام وهدمنا جانباً من بيت النساء في كنيسة السيدة وفي 
كنيسة ماري سابا فأوقفنا حينئذ العمل للحال وسرنا إلى المفتي وسار جرجس لطف اللّه 


212 


في تاريخ للاقة العرب 


إلسى حسين افندي كاتب الحكومة فاستدعى إليه القاضي وتحاور معهٌ طويلاً بشأن اعطاء 
الاعلام فلم يجبه إلى ذلك. فصرفنا حينئل البنائين من كنيسة ماري نيقولاوس نحو ساعتين 
حتى نستحصل رضى القاضي إلا أن القاضي أنفذ من قبلّه رسولاً يُدعَى قره محمد قامر البنائين 
أن يشتغلوا في الحائط الخارجي إلى حين صدور الأعلام ثم أن حسين افندي دعا النصارى 
فمضيا إليه وكان القاضي لم يزل عندة فطلب منا فتوى كنا قد اخرجناها من المفتي فدفعناها 
له ولما قرأها القاضي قال أنني لا أقبل هذه الفتوى وإنما اريد فتوى تتضمن تسويخغ هدم 
البناء المائل إلى السقوط وتعميره ثانية (مشيراً بذلك إلى بيتي النساء في كنيستي السيده 
وماري سابا) فذهب بعضانا إلى المفتي واخبروة بذلك فأعطاهم فتوى وافية بالمقصود لأنه 
كان مساعداً لنا لأننا كنا قد أخرجنا له العطاء فيما سبق فأخذوا الفتوى إلى القاضي الذي كان 
لم يزل عند حسين افندي فتّرجمت له إلى التركية لأنة لم يكن يعرف العربية فلم تعجبه 
فأظهر حينئذ حسين افندي الغيظ ثم مضى القاضي من عنده إلى بيته فمضينا نحن إلى 
المفتي وأخبرناهُ بما جرى فقام ومضى إلى القاضي وحاورهٌ كثيراً بحدّة وكان القاضي حديث 
العهد بالمجيء إلى المدينة فلم يكن يعرف أحوال ومشارب أهلها ثم بعد العناء والجهد 
الوافر اقتنع وكتب الاعلام نسختين متضمناً الاذن بالبناء على حسب التخمين وفي يوم الأربعاء 
صباحاً جاء نائب القاضي ومعة نسختا الاعلام واستدعانا للذهاب إلسى حسين افندي فسار 
معهٌ المطران وجرجس لطف اللّه فدفع النائب نسختي الاعلام إلى حسين افندي فقرأهما ثم 
دفع واحدةً إلى المطران وأعاد الثانية إلى النائب ليكون ناظراً على البناء لئلاً يحدث فيه 
تجاوز لما هو مقرر وأوصى المسيحيين بالاسراع في اتمام العمل بلا تماهل فانصرفوا من 
عنده وهم يكادون يطيرون فرحياً ثم جرى الشروع بالبناء في الكنايس الخمس في يوم واحد 
بنشاط وهمة لا مزيد عليهما فكان في كنيسة مار نيقولاوس عشرة معلمين وماية فاعل وفي 
كلٍ من باقي الكنايس ستة وسبعة معلمين وخمسون أو ستون فاعلاً وكان نائب القاضي يأتي 
كل يوم صباحاً ويقيم إلى المساء مناظراً للعمل وفي ظرف عشرين يوماً انتهى البناء والترميم 
في الكنايس الخمس وكنا في أثناء هذه المدة نستعطف خاطر الكبير والصغير من المشايخ 


213 


آثار الحقب في للاقة العرب 


وغيرهم من المسلمين وبلغت الدراهم التي بُذلت في سبيل هذا العمل سبعة آلاف غرس عدا 
مصروف البناء (انتهى). 

وفي سنة 1744 مسيحية أظهر أهل الجبال النصيرية العصيان على الحكومة فلم يتمكنوا 
من بيع حاصل تلك السنة من التبغ بسبب انقطاع المواصلة بينهم وبين أهل المدينة فعلقوة 
في سقوف بيوتهم ودخل عليهم الشتاء وهم على هذه الحال فجعلوا يوقدون النار في البيوت 
كعادتهم في كل شتاءٍ للاصطلاء من البرد فالتصق دخانها بالتبغ المعلق بالسقوف فاسودٌ لونه 
وفي السنة التالية اصلحوا أمورهم مع الحكومة. ورجعت المواصلة بينهم وبين أهل المدينة 
إلى ما كانت عليه فاشترى منهم التجار ذلك التبغ بثمن بخس لاسوداده وتغيّر هيئته بالتدخين 
وارسلوة إلى دمياط كجاري عادتهم فوافق طعمة ورائحته مذاق المصريين وراجت سوقه عندهم 
وجدٌ طلبه فلما علمت تجار اللاذقية بذلك أشارت على أهالي الجبال أن يعلقوا محصول السنة 
التالية ويدخنوة كالذي قبله ومن ذلك الحين جعلوا يعالجونه علس هذه الصفة كل سنة وهو 
التبغ المعروف الآن بالجبلي أو الأبو ريحه. 

ويستفاد من الآثار الكنائسية. 4 تموز سنة 1767 توفي في اللاذقية البطريرك الانطاكي 
فيليميون وذفن في هيكل مار موسى من كنيسة القديس نيقولاوس. هذا وأننا لم نعثر على ما 
يُستدل منهة على زمان وفاة المطران نيكيفورس وانما خلاصة ما استدللنا عليه انة في سنة 1783 
كان على اللاذقية مطران يدعى سيلبسترس ثم خلفه يوانيكيوس. 

وفي سنة 1796 حدثت في اللاذقية زلزله هائلة كتب عنها أحد رجال ذلك الزمان ما 
ملخصه «أنة في يوم الثلاثاء خامس عشر شهر نيسان سنة 1796 م الموافق 18 شوال سنة 1210 
هجرية وهي السنة السابعة من جلوس السلطان سليم العثماني على تخت القسطنطينية في 
زمن ولاية عبدالله باشا ابن محمد باشا العظم على دمشق وولاية موسى باشا على طرابلس 
واللاذقبة في الساعة الثالثشة من النهار حدثت زلزله مريعة هائلة في اللاذقية وسمعت 
أصوات مفزعة كالرعد القاصف في جوف الأرض فهُدمت أكثر منازل المدينة وقتل كثيرون 
تحت الردم وكثيرون سقط فوقهم الردم فبقوا تحتهً حتى كأُشف عنهم وأخرجوا سالمين 


214 


في تاريخ للاقة العرب 


ومنهم مَن كسّرت وتعطلت بعض جوارحه وأما عدد الذين ماتوا تحت الردم فلم يُضبَط مقداره 
أما الذين سلموا فهربوا إلى البراري والبساتين وصنعوا لهم خياماً ومظلات أقاموا تحتها أشهراً 
وتَقَل صيادوا السمك الذين كانوا عند مصب النهر الكبير وقت حدوث الزلزله أن مياه النهر غارت 
وقتئذ وحكى غيرهم أن الأرض في بعض الأماكن كانت تنشق وتنفتح كالوديان ثم تنطبق وبعضهم 
رأوا السواقي والينابيع نشفت ثم خرج منها ماء أحمر كالدم. أما معظم الخراب فقد كان في 
الأماكن الواقعة في وسط المدينة إلى طرفها الغربي على أن الأماكن التي لم تسقط تزعزعت 
واضطر أصحابها إلى هدمها وبنائها مجدداً فكانت الرزيئة فيها عامة وأصبحت المدينة وسكانها 
في أسوأ حال وفيما هم في هذه الشدة وفد إليهم متسلماً محمد ابن العكش ابن السباعي 
ملتزماً مال اللاذقية من قبل موسى باشا والي طرابلس واللاذقية ومعة مايتا عسكري فجزعت 
المدينة لقدومه وكان المتقدم فيها ابرهيم آغا أبو بلطه وهو رئيس تجار كرخانة الدخان فسعى 
هو والتجار بجمع دراهم من التركمان والصهاونة وسكان بيت الشلف لأجل ارضائه خوفاً من 
وضوع محذور وفي شهر حزيران سافر المتسلم المذكور إلى حلب ومات فيها بعد شهر وفي 
سنة 1799 طُلبٍ من اللاذقية مال ورجال إلى عكا للمعاونة على طرد بونابارته الذي كان قد أتى 
بالجيوش الفرنساويه لفتحها فذهب ابرهيم أغا ابو بلطه بعدد من الرجال إلا أنة لم يقدر على 
جمع مؤنة كافية لهم فوعدة حنا كبه وهو رجل مسيحي من الروم الأرثوذكس ومتقدم بين 
تجار الكرخانة بأنة يسعى بارسال مؤنة كافية له بعد ذهابه بمدة قصيرة فذهب وجعل ينتظر 
المؤونة الموعود بها فلم تَرسّل اليه فأقسم انه برجوعه إلى اللاذقية سيشنق جميع تجار الدخان 
وفي مقدّمتهم حنا كبه لكنة مات بالطاعون في عكا ولم يبلغ مأربه وفي هذه المدة كان أهالي 
اللاذقية قد ضجروا من حكومة باشاوات الجرده وهم ولاة طرابلس واللاذقية وتضييقهم وشدتهم 
فإن هؤلاء الباشاوات كانوا يلتزمون مال طرابلس واللاذقية من الدولة ببدلٍ معلوم ويتعهدون بقيام 
الجرده أي بتقديم لوازم الحجاج إلى آخر حدود أرض الشام فإذا آن زمان الحج ضايقوا الأهالي 
بطلب الأموال والاكلاف على حسب ما يعن لهم فكان سكان اللاذقية يطلبون طريقة للتخلص من 


215 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


حكومة هؤلاء الباشاوات وكان حنا كبه الذي مرّ ذكرُ رجلاً حاذقاً مقداماً جسوراً محباً للتقدم 
فلم يؤخره كونه مسيحياً عن أن ينتهز الفرصة التي تقضي له بالوجاهة والتقدم فجعل يتخاير 
مع وجوه مسلمي البلدة حتى اقنعهم بوجوب السعي في اكتساب الراحة بكل وسيلة وأن 
يفوضوا الأمر إليه فيستحصل لهم الاستقلال بما عنده من الوسائط والتعهد للدولة بمال اللاذقية 
رأساً بدون واسطة باشاوات طرابلس فوقع كلامه هذا موقع القبول والاستحسان في أعين القوم 
الذين كانوا يئنوّن تحت حمل أثقال وأكلاف الباشاوات فأحابوة لذلك فشرع يستعمل الوسائط 
اللازمة للحصول على المقصود وارسل إلى القسطنطينية ميخائيل ديب أحد مسيحيي حلب لكي 
يسعى في ذلك بواسطة أخيه ثيودور زكي ديب المقيم فيها بوظيفة كاخيه امير الفلاخ والبغدان 
وكانت له وجاهة لدى الوزراء ووكلاء السلطنة فاستحصل فرماناً يتضمن ساخ اللاذقية عن طرابلس 
وجعلها محصلية مستقلة متعلقة رأساً بالباب العالي وتعيين محضّل مسلم بكفالة حنا كبه الذي 
تعهد بتوريد مال لواء اللاذقية (الذي كان نحو مائتين وعشرة آلاف غرش سنوياً) فلما وصل 
الفرمان للاذقية وجرى اعلانه وبلغ ذلك الباشا الذي كان وقتئذ متولياً على طرابلس غضب وجمع 
عساكر من عكار والمرقب وتلك الجهات واتى بها إلى اللاذقية للانتقام من حنا كبه ولما بلغ 
ذلك حنا كبه شرع بعمل سور للمدينة وتحصينها على قدر الاستطاعة وجمع اسلحة و تِ 
ووزعها على الأهالي مسلمين ونصارى ووعد بهبة مالية كل من يقتل شخصاً من الأعداء في 
ساحة الحرب ويأتيه برأسه. على أنه كان خائفاً من كثرة عساكر عدوه واقتدارها فقدّر الانكسار 
واعدٌ سفائن في المينا ليهرب فيها بعائلته اذا دارت الدائرة عليه ولما وصل الباشا إلى خارج 
اللاذقية بعسكره دارت رحى الحرب بين الفريقين وكان حنا كبه ينشط الأهالي ويجود على كل 
مَن أتاهة برأس من عساكر العدو ويعطيه وافره فتولدت الغيرة والحماسة عند الأهالي وثبتوا 
في ساحة القتال إِلَا أن عساكر العدو ازاحتهم أخيراً عن مواقفهم وهجمت على المدينة ودخل 
بيرقدارها وشك البيرق في دار الحكومة وكاد الانتصار يتم إلى الباشا لكن من الاتفاق الغريب أنه 
فيما أن البيرقدار يشك البيرق إذا برصاصة اصابته فخرّ قتيلاً وسقط البيرق من يده فكانت هذه 


216 


في تاريخ للاقة العرب 


الحادثة كافيةً لاجفال عساكر الباشا ورجوعها فتشجع حينئذ الأهالي وهجموا عل عساكر الباشا 
الذين اصابهم الفشل والهلع فاستظهر عليهم الأهالي وما زالوا يفتكون بهم حتى اركنوا إلى 
الفرار فولوا مدبرين وولّى الباشا معهم ولم يزل الأهالي يتبعهونهم حتى مزقوهم كل ممرّق 
وعادوا ظافرين فعظمت بذلك هيبة حنا كبه وامتد صيته وسطوته فدانت له البلاد ساحلاً وجبلاً 
وصار أهلها يأتون له بالمرتبات والأموال الأميرية واستخدم عندة عسكراً مشاةً وأرناوطاً وفرساناً 
واستحضر إليه عمر آغا كوله أحد أغاوات جبل الأكراد وجعله دالي باش أي رئيس الفرسان فكان 
إذا تمردت عليه احدى المقاطعات وتمنعت عن آداء الأموال يسوق عليها عساكره أو ينفذ إليها 
أهالي المقاطعات الأخرى وهكذا تمكن من إدراة الأمور وجرّ جميع سكان لواء اللاذقية وجبله 
إلى الانقياد له ثم شرع في بناء ترميم المساجد والكنايس التي هدمتها زلزلة سنة 1796 وأصلح 
بعض الطرق في المدينة والاسكله وفي غضون ذلك جاء إلى اللاذقية محمد باشا أبو مرق من 
اخصاء الصدر الأعظم يوسف ضياء باشا فاستقبله حنا كبه بمزيد الاكرام وانزلة في منزله وعيّن 
له النفقات والخدم كما يليق بشأنه فسرّ بذلك أبو مرق غاية السرور وكتب إلى الصدر الأعظم 
يعلمهُ بقصته أما الجرّآر فلما بلغة أن أبا مرق ملتجيء عند حنا كبه كتب إليه يطلبه منه فأبى 
حنا كبه تسليمه فحنق عليه الجزار وفي أثناء ذلك وردت الأوامر من الصدر الأعظم باعادة أبي 
مرق إلى يافا كما كان وتحذير الجزار من التعرض له فعاد أبو مرق إلى ولايته وكتب إلى الصدر 
الأعطم يصف له الجميل الذي أولاة اياه حنا كبه ويطنب له بمديحه ويلتمس مكافأته. أما الجزار 
فقصد الانتقام من حنا كبه وكاتب عدره آغا صاحب المرقب يهيجه على العصيان على حنا كبه 
والسعي بهلاكه فأجابه إلى ذلك وتمنع عن آداء الأموال مشهراً العصيان فساق حنا كبه العساكر 
لمحاربته فتحصن عدره آغا في قلعة المرقب ولم يظفر به حنا كبه فرجع عنة وكان عمر آغا 
كوله قد وقع اسيراً عند عدره آغا ولما وصل حنا كبه إلى اللاذقية ذهبت إليه امرأة عمر آغا 
كوله والتمست منه إنقاذ زوجها فكتب إلى عدره يطلبه منة ويخابره بالصلح فانفذه إليه وتقرر 


بينهما الصلح وقيل أن عدره آغا لم يطلق عمر كوله حتى أخذ عليه عهداً وميثاقاً بأنة يقتل حنا 


217 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


كبه. هذا وكان حنا كبه قد قل معة المال وملّ من كثرة المصاريف والوظائف فصرف أكثر 
الفوارس الي كانت تحت قيادة عمر آغا كوله وصرف الارناؤط أيضاً وكانوا مسيحيين فأشار 
عليه بعض أقاربه واصحابه أن لا يصرفهم لأنهم يحمون جانبه فلم يقبل مشورتهم أما عمر آغا 
كوله فأظهر الغيظ والكدر من صرف عساكره وقال أهذه هي المكافأة التي استوجبها على 
اتعابي وأسري في خدمتي له وجعل يستغيب حنا كبه متطاولاً ولما بلغ ذلك حنا كبه لم 
يبال به. وقال انما هو من بعض خذامي ولا يجسر على اجراء شيء ضدي. لكن عمر أغا 
كوله كان قد صمم على قتله وكان عدره في المرقب والمسلمون في اللاذقية يحثونه على 
ذلك ليتخلصوا من حكومة رجلٍ نصراني فنزل ذات يوم إلى خان الاسكله الذي كان يُحرّف 
وقتئذ بخان الدخان وكان مركز اقامة حنا كبه ومقر أشغاله فدخل إليه ومعه بعض رجاله ثم 
طلب من حنا كبه علائف العساكر فوعدهُ بها فلم ينكف عن طلبها معجلاً بقحة فانتهره حنا 
كبه فرفع حينئذ بارودته ليطلق عليه الرصاص لكنة ارتدٌ ولم يفعل فاندفع إذ ذاك رجل يُقال 
له الهيطلي واطلق الرصاص على حنا كبه فقتلة وكان عندهُ رجل اسمة ميتا يوناني الجنس 
غني مرّ مسافراً على اللاذقية فحسَّن له حنا كبه بالاقامة فيها فأجابة إلى ذلك وصار خزنداراً 
عند فلما قُتل قتلوهُ معة وكان قاتله رجلاً يقال له مصطفى الكلّ وحدث ذلك سنة 1803 ولما 
فتل حنا كبه دهموا بيته ومنازله وضبطوا جميع موجوداته وأملاكه ولم يتركوا لعائلته شيئاً 
تعيش به سوى ما أمكن امرأته أن تخبتّه من الحلي عندما فاجأها خبر قتله. وكان إذ ذاك قد 
وصل إلى الصدارة العظمى عرض ابي مرق المتضمن مديح حنا كبه وقبل وصوله كان قد بلغ 
إليها عرض من والي حلب يتشكى فيه من حنا كبه بأنة يهيج علي آغا رستم احد اغاوات 
جبل الأكراد على الاغارة والنهب من الشغر ونواحيها التابعة ولاية حلب وأنة قد كاد يخرب 
تلك الجهات وهو رجل نصراني قد عتا وتكبّر واضرٌ بالمسلمين فلما اطلع الصدر الأعظم على 
هذا العرض احتدم غيظاً إلا أنه فيما هو على تلك الحال ورد إليه عرض ابي مرق الذي كان 
محبوباً منهٌ وثيق بصداقته فلما قرأهُ سُرَّ وقال أن والي حلب كاذب وللحال بعث إلى حنا كبه 
بخلعة سنية ودبوس وغداره مما كان يستعمله البكاوات في تلك الأيام وأنعم عليه بلقب بك 


218 


في تاريخ للاقة العرب 


وجاء بذلك من القسطنطينية بريد مخصوص ولما وصل البريد إلى انطاكيه بلغة خبر قتل حنا 
كبه فضرب بقلنسوته الأرض وجعل يندب سوء حظه على ما فاته من الهبة. ومن الاتفاق الغريب 
ماحكتة لي امرأة حنا كبه نفسها وأعرفها عجوزاً عمياء قد جاوزت الثمانين فقالت أنني في 
ليلة اليوم الذي قتل فيه رأيت في الحلم انني امضيت إلى الحمام ولما استحممت خرجت لكي 
البس ثيابي فلم أجد بينها عصابتي فلما انتبهت من النوم قصصت عليه ذلك الحلم فتشآم منه 
فقلقت لذلك ونهيته عن النزول إلى المينا في ذلك اليوم فلم ينته... قلت ولما قثل حنا كبه كان 
أبوهُ لم يزل في قيد الحياة وكان وحيداً له فحزن عليه الحزن الشديد وحبس نفسهً في بيت لم 
يخرج منة إلى أن مات. وكان لحنا كبه ابنان أحدهما يُدعَى جرجس والآخر ديمتري وبنت تَدعَى 
ايرين فبعد قتله ذهبت امرأته بأولادها إلى طرابلس ثم أشير عليها ان تمضي إلى محمد باشا 
أبي مرق في يافا فلا بد أن ترى منهٌ خيراً مكافأةً لمعروف زوجها معهٌ ثم تزور بيت المقدس 
فاستحسنت هذا الرأي وسافرت بأولادها إلى يافا فاستقبلها أبو مرق أحسن استقبال وعين لها 
النفقات الجزيلة وعاملها أكرم معاملة وقال لها انها ستمكث عندة لأنة سيزوج ابنتها بسمعان 
صالح رئيس كتاب تلك الأياله ويربي ولديها الذكرين ويعلمهما لأنهما عندهٌ بمنزلة ولدين له ثم 
استدعى سمعان صالح واعلمة بالأمر وكان لسمعان صالح خطيبة أخرى فاعتذر فلم يقبل له عذراً 
بل قال له اعط خطيبتك تلك إلى ابنك (وذلك لأن سمعان صالح كان وقتئذ ارمل وله ابن شاب 
من امرأته الأولى يُدعَى سالماً وعدة بنات) وَحُذ أنت هذه فأنها جميلة وكريمة الحسب والنسب 
وهي بمنزلة ابنتي فهل لك أن ترفضها فخجل حينئذ أن يخالفه والتزم القبول أما أرملة حنا كبه 
فقد شق عليها امر التغرب وحنت إلى وطنها وأهلها فتوسلت إلى أبي مرق أن يعفيها من الاقامة 
ويسمح لها بالعودة إلى بلدها فوعدها بإجابة مرغوبها ولما علم سمعان صالح بالأمرء وكان قد 
مال إلى الاقتران بالابنة راجع أبا مرق في ذلك وحمله على الأخلاف بوعده وعدم السماح لأرملة 
حنا كبه بالرجوع ثم جرى عقد خطبة ابنتها على سمعان صالح. هذا وكان الجزار لم يزل يضمر 
السوء إلى أبي مرق وأبو مرق يتأهب للمدافعة فالتمست امرأة حنا كبه من سمعان صالح أن 


219 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


يسمح لها بأن تذهب بأولادها إلى وطنها ثم تعود عندما تسكن الأحوال فأجابها إلى ذلك 
فسافرت إلى طرابلس. 

وفي سنة 1804 شُرطن على اللاذقية المطران غفرئيل خليفةً للمطران يوانيكيوس وفيها توفير 
الجزار وتوجهت ولاية عكا على سليمان باشا فقرّب سمعان صالح وولّى على فلسطين باشا من 
غلمانه يُكنَّى ابا نوت وسكنت الأحوال في تلك البلاد فانفذ سمعان صالح رسولاً إلى طرابلس 
ليذهب بأرملة حنا كبه وأولادها إلى يافا فحاولت التردّد عن الذهاب غير أن معارفها قالوا لها 
لا حيلة لك إِلا بالذهاب لأن سمعان صالح قادر أن يأخذك جبراً نظراً لوجاهته عند سليمان باشا 
فامتثلت وبعد وصولها إلى يافا مع أولادها جرى عقد زواج ابنتها على سمعان صالح وأما ولداها 
جرجس وديمتري فبعد أن أقاما مده في يافا سافرا إلى القطر المصري فتوفي ديمتري فيه شاباً 
غريباً وأما جرجس فأقام عند باسيلي فخر المشهور في دمياط نظراً لصداقة كانت بينه وبين 
أبيه وتثقف على يديه ثم صار يتنقل إلى فلسطين واللاذقية ولما فقتل صهرهٌ سمعان صالح كما 
سيأتي توطن في اللاذقية وقضى حياته فيها غريباً وتوفى سنة 1857 وانقطعت به سلالة حنا كبه 
من الذكور وكان جرجس كبه ظريفاً مرّاحاً لذيذ المعاشرة له مراسلات وتآليف هزلية مضحكة منها 
كتاب روضة العزبان الفه سنة 1824 في مدينة القدس وهو يتضمّن تفضيل حالة العزوبة على 
حالة الزواج وشرح صعوبات الزواج وعواقبه وكتاب كه وكرنه ألفة سنة 1831 في مدينة غزة 
وهو يتضمن بيان الفرق الكائن بين العوائد والملابس الافرنجية والعربية على أسلوب جدال بينه 
وبين كرنبه وهو اسم استنبطٌ لرجل افرنجي ليس له رسم في عالم الوجود ونسب إليه التحزب 
للملابس والعوائد الافرنجية وبنى مناقشته معه. وقد طبع مؤخراً كتاب روضة العزبان في مصر 
ببعض تغيير محذوفاً منه اسم مؤلفه وهذا عيب على من طبعة. ولهذين التأليفين طلاوه مع 
كونهما غير معربين لأن مؤلفهما لم يكن يعرف قواعد العربية. أما أرملة حنا كبه فبقيت في 
فلسطين عند ابنتها مدةً تنوف عن عشرين سنة حتى قتل صهرها سمعان وعلّة قتله أن أبا نيوت 
والي فلسطين بعد أن تولى حكم تلك البلاد مدة طويلة سئمت الرعية من حكومته وافتعلت له 


220 


في تاريخ للاقة العرب 


سبباً أوجبه للذهاب إلى عكا. ولما عاد منها أغلقّت في وجهه أبواب يافا وهاج عليه الناس 
فخاف وفرّ هارباً فثُسبت هذه الثورة إلى سمعان صالح اعتقاداً بأنة لو لم تكن له ارادة بها 
لأمكنة ردع الأهالي وبعد مدة من الزمان تولى على دمشق بطريق الوكالة حسين باشا وكان 
من غلمان سليمان باشا رفيقاً لأبي نبؤت ومحباً له كأخ فلما أقيم وكيلاً في ولاية دمشق وكان 
مرجع حكومة فلسطين إليها قصد الانتقام من سمعان صالح وانفذ إليه أمراً يستدعيه فيه 
بالحضور إلى دمشق لتقديم محاسبة البلاد فاعتذر وارسل ولده سالماً بالمحاسبة فلما وصل 
إلى دمشق وضعهٌ حسين باشا في السجن وأرسل يتهدد والده في قتله إذا لم يأت بنفسه 
إلى دمشق فسرر إليها وبوصوله وضعه في السجن وبعد ذلك بيومين شاع خبر قرب وصول 
الوالي الأصيل وكانت له معرفة بسمعان صالح فخشي حسين باشا من أنة يطلقه بعد وصوله 
فشنقه للحال وشنق معة صهره زوج ابنته قسطنطين برهومه الذي كان قد رافقة من يافا 
ثم لماكان المساء حلا من المشنقة فوجد قسطنطين برهومه لم يزل فيه رمق من الحيوه 
فثرك وبعد شفائه من تأثير الاختناق بُلص بمبلغ من الدراهم ثم العفو عن الاجهاز عليه 
ثم عاش بعد ذلك سنين كثيرة في مدينة الرملة واستمرت جوزة حلقه بارزةً من أثر الشنق. 
وأما سمعان صالح فكان قد قُضي عليه فأمر حسين باشا بوضعه في الحجرة المحبوس فيها 
ولده سالم وقفل الباب عليهما وفي الغد أمر بدفنه ثم أصدر الأوامر إلى يافا والقدس بضبط 
جميع موجوداته ومقتنياته لجانب الحكومة فلم يسلم منها إلا ما خبأته عائلته عند سماعها 
بقتله. وما كان وديعةً في دير الروم ثم أطلق سالم وعاد إلى القدس. وحسين باشا هذاء قد 
كان في زمن ولاية ابي نبّوت على فلسطين مدير كمرك في اللاذقية تحت اسم حسين اغا 
كما سيأتي. أما أرملة سمعان صالح فكانت قد ولدت منة ذكرين وهما الياس وموسى وثلاث 
بنات فلما قتل زوجها صممت على الرجوع بأولادها وأمها أرملة حنا كبه إلى اللاذقية إِلا أن 
سالماً ابن زوجها منعها من ذلك فلبثت تنتظر فرصة وفي أثناء ذلك مات ولدها الياس وهو 
فتىّ ولما زحف ابرهيم باشا ابن محمد على باشا من مصر بعساكره على بر الشام سنة 1831 
كان سالم في عكا فحاصرها ابرهيم باشا وهو فيها فانتهزت حينئذ امرأة ابيه الفرص وسار 


221 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


أخوها جرجس كبه بها وبأولادها وبأمه إلى اللاذقية أما امه فقضت بقية حياتها عندة وعاشت 
طويلاً غير أنها عميت في أواسط عمرها وماتت قبل موته ببضع سنين وأما ارملة سمعان صالح 
فزوجت بناتها في اللاذقية وفي سنة 1837 تزوج ابنها موسى بامرأة أقامت معة أربعين يوماً 
وماتت فتزوج بأخرى وؤلد له منها خمسة بنين ذكور عاش منهم ثلاثة وهم الياس وهو مؤلف 
هذا التاريخ. ولد في 26 كانون الثاني سنة 1839 وسليم ولد في 29 كانون الأول سنة 1844 ويوسف 
ولد في 23 أيلول سنة 1847 ولما كان موسى غير ناجح في اشغاله اضاع كل الميراث الذي خصه 
من ابيه ووقع تحت ثقل الدين في اللاذقية فسافر منها إلى القدس وأقام مع اخيه سالم 
وبقيت امرأته وأولاده في اللاذقية أما أمه فتنزهت في أواخر حياتها هناك وفي سنة 1862 توفي 
سالم في القدس وله ابنان سمعان وصالح وسبع بنات. وكان لسمعان صالح أخ يُدعى خليلاً يتولى 
رياسة كتبة غزة وتوفي فيها قبل قتل اخيه وله ولد ذكر يُدعَس سليمان ويكنّى أبا دواود ثم في 
سنة 1867 توفي موسى والد المؤلف في القدس. هذا ما أردنا ذكرهة من هذا القبيل على سبيل 
الاستطراد ولنرجع الآن إلى ما كنا في صدده من تاريخ اللاذقية فنقول. 

انه لما بلغ الدولة في الاستانة خبر قتل حنا كبه أرسلت محضّلاً إلى اللاذقية فجاء إليها 
وشرع يستقصي عن قاتلي حنا كبه وموجوداته المضبوطة فدعاه أعيان المسلمين إلى وليمة في 
قلعة المينا فسقط منه على أحد حيطانها وقيل لا بل هم دفعوة عنة فوقع في البحر فمات 
وبعد ذلك زحف إلى اللاذقية علي آغا رستم من جبل الأكراد برجاله واستولى عليها وادعى 
ان قصده الأخذ بثأر حنا كبه فجعل يجور على السكان ويصادر النصارى والملسمين فهجم 
عليه المسلمون وقتلوهٌ في دار الحكومة ثم تولى عليها عبد الرحمن باشا وكان يُلقَّب جربان 
باشا لحكّة كانت في جلده وكان قبل ذلك والياً في قبرص فجاء معهٌ منها ألف عسكري من 
الأتراك وفرقة من الارناوط وفي ذات يوم دخل عليه كبير الارناوط وطلب منهة العلائف 
فوعدهةٌ فلم يقبل بالوعد بل أصرّ على الطلب فانتهرة الباشا فخرج إلى خارج فأطلق عليه 
الرصاص فأخطأة فأمر حينئذ جربان باشا بالقاء القبض عليه وقتله وقتل جميع الأرناؤط معة 


222 


في تاريخ للاقة العرب 


فهجم الجنود والأتراك على الأرناؤط وفتكوا بهم وقتلوا أكثرهم وفرٌ الباقون فقطع جربان باشا 
عشرين رأساً من رؤوس الأرناؤط المقتولين وارسلها إلى الاستانة مدعياً أنها رؤوس المتمردين 
الذين قتلوا حنا كبه وغيره من الحكام فانعمت الدولة عليه ورفعت رتبته ووجهت عليه ولاية 
جده فتعين بعدهُ عمر آغا كوله متسلماً في اللاذقية ومصطفى آغا هارون تفنكجي باشي (أي 
رئيس الضابطه) وابرهيم آغا صاغصون كبير انكشاريه وكان هذا الأخير مستبداً بالأحكام وبيده 
الحل والعقد ولم يكن لعمر آغا كوله من المتسلمية إِلَا الاسم وفي نحو سنة 1808 عزل عمر آغا 
كوله وعُين أحمد بك متسلماً مكانه من قبل صهره يوسف باشا والي دمشق وفي أيامه اسلم 
دوجي والعامة يسمونة الغوجي وكان وكيل قنصل انكلترا فيها وسبب إسلامه أنه اعتمّ ذات يوم 
بعمامة بيضاء وخرج إلى السوق فحيّاهُ بعض أعيان المسلمين بتحية الإسلام عن غير روية فرد 
عليه السلام ولما انتبه له وعرفة هاج وهاج معة الحاضرون من المسلمين فخاف دوجي منهم 
واسلم تخلصاً من القتل. وقيل لا بل أنه اسلم عن قبول ورضى ليتزوج بخادمة مسلمة عندهُ كان 
قد احبّها وتعلق بها. ثم بعد ذلك سافر إلى جبل لبنان وارتد فيه إلى النصرانية وقد اسلم غيرة 
كثيرون من النصارى في هذا الحين ومن بعده بسبب الاضطهاد والظلم. أقول ولعلٌ مَن يطلع 
على تاريخنا ويرى فيه أن قنصل انكلترا كان يتعمم بالعمامة يعد ذلك من جملة الأمور المستغربة. 
على انه في الأوقات التي نحن بصددها لم يكن أحد في اللاذقية وغيرها من بلاد الدولة 
العثمانية يجسران يظهر باللباس الافرنجي بدون خطر على حياته من فتك المسلمين به فكانت 
القناصل تلتزم أن تلبس الجبة والقنباز وتعتم بالعمائم كما أنه كان إذا أتى مركب افرنجي إلى 
اللاذقية لا يجسر قبطانه. أن يخرج إلى البر بدون أن يؤخذ له إلى المركب ملابس وطنيه ليلبسها 
قبل خروجه. وفي سنة 1810 وجهت ولاية الشام على سليمان باشا علاوة على ولاية عكاء فأرسل 
عثمان آغا طرطوسي متسلماً للاذقية ولما وصل إليها القى القبض على ابراهيم آغا الصاغصون وعلى 
مصطفى أغاهرون فنفى ابرهيم اغا إلى صيداء وكان ذلك آخر العهد به ونفى مصطفى أغاهرون 
إلى حماه فتعين فيها تفنكجي باشي والأصح أن عثمان آغا طرطوسي إنما تعيّن من قبّل مصطفى 


203 


آثار الحقب في للاشة العرب 


آغا بربر الذي عيّنة سليمان باشا متسلماً لطرابلس واللاذقية وأن نفي ابرهيم آغا الصاعصون 
ومصطفى آغاهرون انما جرى بعد هذا التاريخ وذلك في العهد الذي فيه قرضت الدولة زمرة 
الانكشارية» فانهما كانا منهم وكيفية وقوع القبض عليهما هي أن مصطفى آغا بربر قدم إلى 
اللاذقية ومعه فرقة من العساكر خرج وجمه المدينة لاستقباله فدخلها باحتفال عظيم ليلة 
عيد الفطر ولما قابله الانكشارية ترحب بهم ووعدهم بانعامات وافرة وأمرهم أن يصرفوا نهار 
العيد بالحظ والسرور وأن يحضروا إليه ثاني يوم العيد فانصرفوا من عنده مسرورين ولما جاء 
الميعاد اجتمع ابرهيم آغا الصاغصون ومصطفى آغاهرون وسائر اغاوات الانكشارية واتباعهم 
وساروا بملابسهم الرسمية إلى مصطفى أغا بربر وكان مصطفى أغا المذكور قد وضع عساكره 
في المراكز الموافقة من دار الحكومة فلما وصلت الانكشارية دخل اغاواتهم عليه فاستقبلهم 
بالاكرام وبيعدما جلسوا عندهٌُ برهةً وشربوا القهوة أمر بنزع سلاحهم فانكروا منهُ هذه المعاملة 
وسأله كبيرهم ابراهيم آغا الصاغصون قائلاً: هل أنا أيضاً ممّن ينبغي أن يسلموا سلاحهم فوضع 
يده مصطفى أغا بربر على القربينه التي كانت أمامه مع عدة أسلحة (وذلك لأن حكام تلك 
الأيام كانوا إذا جلسوا يضعون بجانبهم أسلحةً متنوعة). وقال له نعم وأنت أيضاً فهجمت 
حينئذ العساكر وأحاطوا بالانكشارية ونزعوا اسلحتهم وقادوهم إلى السجن ثم جرى نفيهم وكان 
ممّن نفى ابرهيم آغا الصاغصون ومصطفى أغاهرون كما ذكر. وكان حسن اغا شومان بيرقدار 
الانكشارية حين حدوث هذه الواقعة في قرية دمسرخو التي كانت في التزامه (وذلك لأن 
اغاوات الانكشارية كانوا يأخذون قرى الساحل بالالتزام ويستولون حواصلها) فلما بلغه ما وقع 
برفاقه في المدينة ركب جواده وأطلق له العنان قاصداً الآستانة بنية تقديم الشكوى إلى رئيس 
الارطة التي كانوا تابعين لها فلما بلغ الآستانه رأى أن الدولة قد أوقعت بجميع الانكشاريه وأن 
ذلك جرى بعهد من السلطان محمود لقرضهم من المملكة فاستولى عليه الرعب والخوف ورضي 
من الغنيمة بالإياب فرجع متنكراً إلى طرسوس ثم جعل يترامى ويكاتب من يتوسط له لدى 
الحكومة في اللاذقية حتى أذن له بالرجوع إليها والإقامة فيها بصفة تاجر فعاد إليها لازماً حدة. 


224 


في تاريخ للاقة العرب 


وفسي زمن ولاية مصطفى أآغا بربسر على طرابلس وعثمان اغا طرطوسي على اللاذقية 
اظهرت النصيريه العصيان فجرد مصطفى أغا بربر العساكر وزحف بها لمحاربتهم فاستظهر 
عليهم وقتل منهم نحو مايتين وثمانين نفساً وأرسل بعض رؤوسهم إلى الاستانة صحبة تتري 
مخصوص فصدرت الإرادة السنية بالعفو عنهم وكف القتال. 

وأقام عثمان آغا طرطوسي متسلماً في اللاذقية مدةً طويلة وتضاعف في أيامه ذل النصارى 
وقد أمرهم أن يلبسوا السواد المحض من العمامة إلى الحذاء على أنه لم يكن يبلصهم أو 
يعذبهم وكان عادلاً في الحكم. وفي أثناء مدته كان حسين آغا مديراً في كمرك اللاذقية. وهو 
الذي توجه عليه أخيراً لقب باشا وقتل سمعان صالح جد المؤلف في الشام كما مرّ ذكر ذلك, 
وكان حسين آغا يكره عثمان آغا طرطوسي ويعتبر نفسهٌ حاكماً في الأسكله كما أن عثمان آغا 
حاكم في البلد ومما يُحكى أنة كان في أيامه حداد نصراني في الاسكله فمرَّ به ذات يوم فارس 
من المستخدمين عند عثمان آغا وأوصاهُ على نعالٍ لفرسه ثم بعد أيام عاد إليه وطلب النعال 
فاعتذر ووعدهٌ إلى الغد فاغتاظ الفارس منة وشتمه وضربه فسمع حسين آغا الضوضاء. وسأل 
ما الخبر ولما أخبر بالقصة غضب واستدعى بالفارس وأمر بطرحه عن فرسه وخربة بخشية 
القبان حتى غشي عليه ثم القاه في البحر قائلاً هذا جزاء من يتطاول على من كان في حماي. 
وحسين آغا هذا هو الذي بنى السبيل الذي في إدارة الكمرك في الاسكله واجرى إليه الماء 
في أقنية تحت الأرض من بستان ماري يعقوب الذي وراء الخان وبنى السوق الذي بجانب البحر 
من جهة الجنوب ورصف بعض عقبة السفكون التي في الطريق المؤدية من اللاذقية إلى حلب. 

وفي سنة 1816 قدم إلى اللاذقية البطريرك الانطاكي سيرافيم فشكا إليه بعض وجوه 
المسيحيين من اطوار المطران غفرئيل وافراطه في شرب الخمر وطلبوا خلعه وفي أثناء اقامته 
بدالهُ من سلوكه ما رجّح لديه صحة الشكوى واحسٌ المطران بتغيير خاطر البطريرك عليه 
فهرب في حالة سكره من القلاية إلى بيت موسيو لانوس قنصل فرنسا طالباً حمايته ولما علم 
بذلك البطريرك طلبه من القنصل فسلمه إليه فأخذه معهٌ محفوظاً إلى القسطنطينية حيثما أقام 


225 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


سنتين ومع أن المطران المذكور كان غير محبوب من أكثر وجوه مسيحيي اللاذقية قد كان 
محبوباً من العامة والفقراء لأنه كان يحسن إليهم فاتفق أن حنا غالي رئيس سفينة من اللاذقية 
سافر إلى الاستانة فصادف فيها المطران وكان هو ونوتيته يحبونة ففرحوا برؤيته ودعوةُ إلى 
العودة معهم إلى اللاذقية وقدموا عرضاً إلى البطريرك كنواب عن شعب اللاذقية يلتمسون منه 
اعادته فأجابهم إلى ذلك وعند السفر نزل معهم المطران وسافروا به إلى اللاذقية ولما بلغ 
الشعب خبر قدومه اظهروا الرضى بما حصل وعاملوة بالحسنى وكانت عودته سنة 1818. 
وفي نحو سنة 1821 خرج عبداللّه باشا والي عكا عن طاعة الدولة فسلخت الدولة طرايلس 
واللاذقية عن ولاية عكا واعادتهما ايالة تحت حكم والٍ واحد يتعهد بقيام الجرده كالقديم وولت 
عليهما حسين باشا فأقام مدة ثم عزل وتعيّن مكانه محمد باشا ابن المن وفي أيام ولايته مرّ 
رجل فرنساوي في سوق اللاذقية متعمماً بعمامة بيضاء فاعترضة بعض المسلمين واهانة فاشتكى 
إلى قنصله فأرسل القنصل ترجمانه عطااللّه عازار ليكشف الأمر فجاء الترجمان إلى السوق وسأل 
عمّن اهان الفرنساوي ولما اهتدى إليه سأله عن سبب اهانته للفرنساوي فأجابه لكونه متجاوزاً 
حَدّهُ ومتعمماً بعمامة بيضاء فقال له إنما تعمم بها بحق المعاهدات الدولية فاغتاظ الرجل من 
الترجمان وشتم المعاهدات الدولية ثم هاج وهاج المسلمون معة وادعوا على الترجمان انه شتم 
الشرع الشريف وهجموا عليه ففرّمن بين أيديهم فتبعوة فاعتكف من مدخل قريب ودخل بيت 
قنصله أما هم فلم يزالوا ثائرين وسائرين حتى وصلوا إلى أمام بيت القنصل وكان قد أغلق بابه 
قبل وصولهم فأكثروا من الجلبة والصياح والشتايم والتهديدات ثم رجعوا عنة وكان ابن المن 
حينئذ في طرابلس فأرسلوا يعلمونة بالخبر على حسب مدعاهم وأرسل القنصل يعلمه به على 
حسب مدعاةٌ ومدعى الترجمان أما هو فلم يركن إلى احد الطرفين بل وعدهما أنة سيأتي 
ويحقق الأمر بنفسه وبعد مدة جاء إلى اللاذقية وجعل يحقق ويستقصي سراً وعلناً فتأكد صحة 
ما ادعاة القنصل وترجمانه فقاصٌ الطرف الآخر ونفى الشيخ ابرهيم حكيم قاضي اللاذقية مع 
مفتيها إلى جزيرة ارواد فأقاما فيها مده فساء المسلمين سلوكة هذا وحنقوا عليهه ثم زعموا أنه 


226 


في تاريخ للاقة العرب 


نصيري لأنه كان يراعي جانب النصيرية وقيل أنهم تحققوا ذلك من اجتماع النصيرية إليه ومن 
لهجته باللغة العربية فأنها كانت كلهجتهم ومنهم من يقول بتأكيد أنه تزوج سراً باحدى بناتهم 
فجعلوا ينتظرون فرصةً للفتك به وكان الجندي أحمد من أبناء الطريفي تفنكجي باشي فعزلة 
ابن المن ولما دخل شهر رمضان ارسل منادياً ينادي في الأسواق أن كل من يجلس في القهاوي 
ويقامر بالورق فجزاؤة الحبس فذهب بعض أبناء الطريفي وجلس في القهوة وجعل يقامر 
تعرّضاً ولما سمع الباشا بخبره ارسل فحبسه فهاج حينئذ أبناء الطريفي وساروا إلى الشيخ محمد 
المغربي يستشيرونة في قتله. فأومأ إليهم بيده ان اقتلوهُ فاندفعوا حينئذٍ ركضاً وتبعهم جمهور 
كبير من المسلمين. وهجموا عليه في دار الحكومة وقتلوه وقتلوا معهٌ كاتبه عطى اللّه سليمان 
فتولى بعدهٌ سليمان باشا العظم وأرسل متسلماً إلى اللاذقية علي آغا خزنة كاتبي. 

وفي سنة 1822 حدثت في اللاذقية زلزلة هائلة هدمت فيها أبنية كثيرة فهرب الناس 
من البيوت وأقاموا في البساتين تحت الخيام مدة طويلة قال موسيو بوجولا السائح 
الفرنساوي الذي زار اللاذقية سنة 1831 في رسالات رحلته ما تعريبه: «أن مدينة سلوقس هذه 
(اي اللاذقية) قائمة في أرض بركانية والظاهر أنها تتزلزل بلا انقطاع حتى انه يصعب عليها أن 
تبت متمكنة وهي لا تنتهي من الاشتغال في النهوض من سقطة خراباتها وقد كانت زلزلة 
سنة 1822 مشؤومة على هذه المدينة بنوع الخصوص لأن انتقاضها قلب حارات منها برمتها 
حتى أن خانها الكبير لم يتمكن من الثبات... والامكله تتألف من طريقين على جانبيهما 
مخازن عريضة قد خربت نصف خراب في الزلزلة الأخيرة (انتهى) ثم عزل سليمان باشا 
العظم وخلفه علي بك المرعب ويّدعى علي بك الأسعد وهو من عكار فجاء إلى اللاذقية 
نحو سنة 1825 وكان عبدالله الياس أحد وجوه مسيحيي اللاذقية كاتباً ومقرباً عنده ثم غضب 
عليه وقتله خنقاً وضبط موجوداته قيل أن سبب غضبه عليه أنه أمرهٌ أن يكتب له أسماء 
أغنياء البلدة من المسلمين والنصارى ليصادرهم لأجل مصروف الجرده فاعتذر فغضب عليه 
واتفق له من هيج غضبه واغراه بأن يبلصه مطمعاً اياه بأن منهٌ وحدهُ يمكن الحصول على 


227 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المبلغ اللازم من النقود فبلصه بمبلغ وافر ووضعه في السجن ولم يطلقه حتى قبض منة 
المبلخ تماماء ولما اطلقه سّعي لديه أنه عازم على السفر إلى الشام ليشكوة إلى واليها فألقى 
القبض عليه ثم استحضر شاهدين شهدا عليه أنة طعن في الشيخ محمد المغربي وقال أنه من 
الواجب طرده من البلده فحُكم بقتله فقتله خنقاً كما مرّ. 

ثم في سنة 1826 عرزل علي بك المرعب وتولى مكانة امين باشا فعين مصطفى آغا هرون 
كاخيه عنده يُقال أن امين باشا هذا كان من المماليك البحرية الذين كانوا في مصر ولما قتلهم 
محمد علي باشا والي مصر إذ استدعاهم إلى قلعة القاهرة بوسيلة لعب الجريد نجا امين بك 
(حسبما كان يلقب وقتئذ) بواسطة الفرار على جواده إذ اطلق له العنان فوثئب من فوق سور 
القلعة إلى خارجها وعندما اقترب الجواد من الوصول إلى الأرض تفلت منة امين بك وألقى 
نفسه عنهٌ فوصل إلى الأرض سالماً أما الجواد فتحطم وقتل ثم توارى امين بك وفرّ من القطر 
المصري إلى الاستانة حيثما دخل في خدمة الدولة وما زال ينتقل في المناصب حتى وجهت 
عليه مير ميرانية طرابلس واللاذقية. 

وفيها توفي المطران غفرئيل في قرية السويدية ودذفن فيها وذلك في السنة الثانية 
والعشرين من رياسته. وفي سنة 1828 حدث طاعون في اللاذقية مات به كثيرون وممن مات 
الشيخ محمد المغربي وكان عند المسلمين بمنزلة ولي عظيم ولد في سوس من اقليم تونس 
في بلاد المغرب من سلالة أحمد ابن التاجر سنة 1774 ونشأ فيها ثم جاء إلى سوريا وحلّ 
أولاً في مدينة حلب فلم تُقبّل فيها تعاليمه فسار إلى ادلب فطّرد منها ثم جاء إلى اللاذقية 
فصادف فيها قبولاً وترحاباً وكان بشوشاً كثير الصدقات فصيحاً اجتذب إليه الالباب ببلاغة 
الخطّب التي كان يلقيها كل نهار جمعة في الجوامع وقيل أنه كان ذا فراسة غريبة أيضاً وأنهٌ 
كثيراً ما أخبر عن امور قبل حدوثها فحدثت كما قال فعدٌ المسلمون له ذلك من الكرامات 
واعتقدوا به الولاية ورفعوا منزلته إلى الغاية وصاروا يعتبرون أقواله وأوامره ونواهيه كوحي 
ومن جملة تعاليمه أن مال ودم وعرض النصيرية حلال ومنة نشأ هذا الاعتقاد عند مسلمي 
اللاذقية وكانت اقامته في منزل محمد آغا خزنه دار فلما توفي وعُسل ازدحم المسلمون على 


228 


في تاريخ للاقة العرب 


تملية أوعيتهم من غسلته وجعلوا ينضحون بها أجسادهم تبرّكاً فأصابت عدوى الطاعون كثيرين 
منهم وماتوا ثم دفنوه في الطرف الجنوبي من قلعة الزيتون شرقي المدينة وبنوا على قبره 
جامعاً شاهقاً ظريف البناء وهو جامعه المشهور انفقوا على بنائه نحصو الفي كيس. 

وفي تله لأققتاء. أ اختن لتنا ناورة اللعضرة # تسر طلز اتلتسن :وا لااأقينة ضبان الشاقيما إلتى ها 
فعْيّن عليهما متسلماً مصطفى آغا هرون فأقام في طرابلس ووضع ابنه كنج آغا في اللاذقية 
وكيلاً وفي أيامه ورد امر من الدولة بقتل ثلاثين شخصاً من أعيان مسلمي اللاذقية قصاصاً على 
قتلهم محمد باشا ابن المن فأرسل كنج آغا أعوانه إلى ساحل اللاذقية فشرعوا يقتلون كل مَن 
صادفوهُ منفرداً من النصيرية حتى قتلوا ثلاثين شخصاً واتوهُ برؤوسهم فأرسلها إلى والي عكا 
على أنها رؤوس الأعيان المطلوبة وأرسلت من عكا إلى الاستانة وفي سنة 1829 عزل مصطفى آغا 
هارون وخلفه شاهين آغا فأقام محمد آغا خزنه دار وكيلاً له في اللاذقية وورد امر من والي عكا 
بمصادرة مصطفى آغا هارون وولده كنج آغا بألف كيس فألقى محمد آغا خزنة دار القبض على 
مصطفى آغا وسجنه وأما كنج آغا فهرب واحتمى في بيت الخواجه لازري قنصل النمسا. وكان كل 
يوم يصير اخراج مصطفى أآغا من السجن وجلده وطلب المال منة ثم يعاد إلى السجن وفيما 
هو على هذه الحال ورد أمر من عكا بالعفو عنة وتعبينه متسلماً لطرابلس واللاذقية ففرّ محمد 
آغا خزنة دار إلى عكا واقام فيها مدةً ثم استحصل امراً بعزل مصطفى آغا هرون عن طرابلس 
واللاذقية وتعيينه هو متسلماً للذقية وكان محمد آغا المذكور رأوفاً بالنصارى فكانوا يفرحون بتوليته 
لأنه لم يكن يتعرض لضررهم كما كانوا يحزنون بتولية مصطفى آغا هرون وابنه كنج آغا لانهما 
كان يضطهدانهم ويبلصانهم ويعذبانهم العذابات المتنوعة ويُحكى انه في ايام ولايتهما كان يُحمى 
صدر النحاس حتى يصير كالجمر ثم يُحبّس عليه النصراني المقصود بلصه وتعذيبه ويوضع كعبان 
على صدغيه ويشدّان حتى تبرز عيناه وتوضع حلمة ثدي المرأة تحت طبقة صندوق ويُغلّق 
ثم يُقفّل عليها وما شاكل ذلك من العذابات القاسية البربرية التي تقشعر منها الابدان. قيل أن 
مصطفى آغا المذكور القى ذات يوم القبض على رجل مسيحي يُقال له فرح الاسود وأودعة السجن 


229 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وجعل يعذبه بالعذابات المختلفة المار ذكرها فذهبت امرأته وترامت على الخواجه لازري قنصل 
النمسا لكي يشفع بزوجها ويتوسط امره فأرسل القنصل ترجمانه إلى مصطفى آغا يسأله بلطفٍ 
عن ذنب فرح المذكور فلما دخل عليه وجد أمامة مملواً عناباً وهو يأكل منة فحيّاهُ متأدباً فأمر 
له بالجلوس فجلس ثم سأله بتلطفٍ من طرف القنصل عن ذنب المسجون فقال له كل من 
العناب فأكل ثم بعد برهة أعاد عليه السؤال فقال له كل من العنّاب فأكل ثم سأله ثالثةً فقال 
لهُ وما هذا القنصل الذي اتيت من قبَله لعل كل مَن كان افرنجياً ووضع على رأسه منفخاً صار 
قنصلاً هل تريدون أن تعرفوا ذنب المسجون قل لي ما اسمه فقال اسمة فرح قال وما لقبه قال 
الأسود قال أو سمعت قط أن الفرح يكون أسود أو ما كفاة هذا الذنب أذهب وأخبر قنصلك ان 
جزاء هذا الرجل كذا مبلغاً متى أوردها يُخلّى سبيله ثم لم يطلق حتى باعت امرأته كل موجوداته 
وأذت المبلغ المطلوب. ومما يُحكّى انة في أيامه نزل ذات ليلة التفنكجي باشي ومعة بعض انفار 
الضابطه وتسلقوا على جدار كنيسة ماري نيقولاوس وسرقوا ما فيها من الأواني الثمينة فلما 
أصبح الصباح وظهر للمسيحيين وقوع سرقة في الكنيسة عرضوا ذلك إلى مصطفى آغا هارون 
فأرسل التنفكجي باشي نفسه لإجراء الكشف والبحث عن المسروق فلما وصل إلى امام الكنيسة 
اجتمع إليه بعض المسيحيين فجعل يتأمل في الجدران ثم قال لا يوجد محل لتهمة أحد بهذه 
السرقة سوى خوري الكنيسة لأنني لم أرَ مكاناً قابلاً نزول اللصوص منة إليها فقال له واحد من 
النصارى الحاضرين من الممكن أن يكون اللصوص قد تسلقوا ونزلوا إليها من المحل الفلاني من 
الجدار لأنة قابل لذلك فهجم التنفكجي باشي حينئذ عليه وصفعة على وجهه قائلاً ينبغي إذا أن 
تكون انت السارق لأنك عرفت الطريق ثم مضى به إلى السجن حيثما لبث أياماً وكان اطلاقه 
بمقام تعويض عن المسروقات ويُحكّى أيضاً انة ذات ليلة نزل التفنكجي باشي واستدعى قندلفت 
كنيسة ماري اندراوس وطلب منة مفتاح الكنيسة تحت التهديد فدفعه له ففتحها وسلب جميع 
أوانيها الثمينة ثم قفل الباب وأعاد المفتاح إلى القندلفت قائلاً له إذا اخبرت أحداً بما جرى 
فلا تلم إلا نفسك فمضى القندلفت خائفاً ومحتاراً ولما أصبح الصباح وفُتحت الكنيسة افتقد 


230 


في تاريخ للاقة العرب 


خوريها الأواني فوجدها جميعها مسروقة فعرض المسيحيون ذلك للحكومة ومضت أيام ولم 
يحصلوا على ثمرة ثم حدثهم القندلفت تحت السر العميق بكل ما جرى معة فعذروة والتزموا 
السكوت خوفاً على حياته. هذا وقد عرفت مما سبق كيف تدرج مصطفى آغا هرون إلى 
المتسلمية ويقال أنه كان في الأصل قهواتياً ثم صار تفنكجي باشي بعد أن دخل في زمرة 
الانكشارية كما علمت. وأما محمد آغا خزنه دار فقد كان أبوة علي أغا امين خزينه عند بعض 
الباشاوات ثم توطن في اللاذقية وذلك في زمن ابي بلطه الذي كان قبل حنا كبه وكان هو وأبو 
بلطه كأخويه (الأصح أن علي آغا خزنه دار وابرهيم آغا ابا بلطه كانا أخوين نسيبين وهما من 
المماليك). 

ثم في سنة 1831 زحف ابرهيم باشا ابن محمد علي باشا والىي مصر المشهور بعساكره لفتح 
البلاد الشاميه وحاصر عكا فقدم إلى اللاذقية من قبّل الدوله عثمان باشا حاكماً على طرايلس 
واللاذقية وعلوش باشا والياً تنعكا. ومعهما أبو حطب قائداً للعساكر ونحو 8 آلاف عسكري فأقاموا 
في اللاذقية نحو أربعة أشهر وابرهيم باشا على عكاء ثم سار عثمان باشا إلى طرابلس وعيّن 
مصطفى آغا هرون متسلماً للأذقية وبقي علوش باشا في اللاذقية مدة حتى بلغه فتح ابرهيم 
باشا مدينة حلب فهرب إلى طرسوس وسار معة مصطفى آغاهارون فجاءت عساكر ابرهيم باشا 
واستولت على اللاذقية سنة 1832 وعْين محمد آغا خزنة دار متسلماً لها مدةً قصيرة ثم عُزل وتعين 
عوض سعيد آغا عنتابي. واعلم أن جميع الحكام الذين مرّ ذكرهم قبل حنا كبه وبعده كانوا كباقي 
حكام الدولة العثمانية في سائر المدن يأخذون الولاية بالالتزام فيحكمون في الرعية بحسب 
أهوائهم وكان حكمهم قاسياً جافياً فكانت الأهالي عموماً والنصارى خصوصاً في كل وقتّ تحت خطر 
الحبس والبلص والجلد والعذاب والقتل وكان النصارى يُعامّلون بالإذلال والاهانة ليس من الحكام 
فقط بل من الأهالي المسلمين أيضاً فكانوا يعدٌون أنفسهم سعداء إذا اكتفى الحاكم بابقائهم في 
الذل والهوان ولبس السواد وتكرم برفع الضرب وصنوف العذابات عنهم وكان أصحاب الدكاكين 
منهم يصرفون نصف نهارهم في خدمة جيرانهم من المسلمين فكان إذا اقتضى للمسلم حاجة 


231 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


يسخر بقضائها المسيحي الذي لم يكن يتجاسر أن يتأخر عن قضاتها ولو كان في معظم ثقله 
وكان شتم دين المسيحي وملته وصليبه وما شاكل ذلك على أدنى سبب فاشياً ومباحاً حتى 
للسَفَلة الرعاع من المسلمين في الشوارع والأسواق وكانت بعض أبواب الكنايس يوجد مكان 
المفتاح من القفل منها محشوًا بالنجاسة كل صباح أحدٍ وكان كلما مرّ احد الخوارنه في شارع 
من الشوارع يجتمع وراءة أولاد المسلمين ويرشقونة بألفاظ الاهانات والشتائم.. وكانت تعديات 
المسلمين الخفية على النصارى تَلقَى فيها التهمة على النصارى أيضاً فيقاصٌ بعضهم علاوةً على 
مايكون قد جرى على البعض الآخر من التعدي كما علمت مما مر ومما يُحكى انه لما هرب 
الناس في زلزلة سنة 1822 من البيوت واقاموا تحت الخيام في البساتين اجتمع بعض عائلات من 
النصارى وضربوا خيامهم في محل واحد وكانوا كل ليلة يسهر منهم جماعة يطوفون حول الخيام 
لحراستها ففي ذات ليلة نحو نصف الليل فيما كانت احدى النساء منكبّة على السرير ترضع 
طفلاً لها إذا برجلٍ تعلق برأسها قاصداً نزع ما عليه من الحلي فتعلقت بأهداب ثوبه وصرخت 
وكان الحراس قريبين منها فركضوا ودهموا ذلك اللص وأمسكوة واوثقوهُ ولما أصبح الصباح ذهبوا 
إلى الحاكم وأخبروة بالقضّة فأرسل بعض الضابطين ليأتوهُ باللص ومضى المشتكون النصارى في 
حال سبيلهم مؤمنين أن الحكومة تؤدبه ثم بعد برهة جاء بعض الضابطين يستدعي زوج المرأة 
لمواجهة الحاكم فسار معة ولما مثل بين يدي الحاكم قال له يا خبيث أما كفى ان امرأتك 
عاشقة لهذا الرجل وهي التي استدعته ليأتيها ليلاً حتى انكم اتهمتموةٌُ أيضاً بالسرقة وهو رجل 
مسلم تقي ثم قال للضابطين ألقوةُ فألقوهُ إلى الأرض وجلدوهُ حتى غشي عليه فكان ذلك بدلاً 
من جزاء السارق. وما زال النصارى يكابدون شدائد واهانات كهذه إلى حين استيلاء ابرهيم باشا 
المشار إليه. 
انتهى المجلد الأول. ويتلوة المجلد الثاني 


232 


الحراء الثاني من كتاب آثلا الحقب في لااشة العرب 


الجزء الثانى 


من كتاب 


+ 


آثار الحقب في لاذقية العرب 


الياس صالح اللاذقى 


جو 


233 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


234 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


لما استولى ابرهيم باشا على اللاذقية ساوى بين عموم الأهالي فيها كما في سائر البلاد 
التي استولى عليها ورفع عن النصارى الذل والاضطهاد ومنحهم الحرية في أملاكهم وموجوداتهم 
ومتاجرهم فدخلوا من ذلك العهد في عصر جديد منة يبتدي تاريخ تقدمهم وثروتهم وجعل 
المحاكمات وفحص الدعاوي والأمور المختلفة بيد المجالس تتأف من جميع الطوائف فكانت 
الحكومة الاجرائية مقيّدة بهذه المجالس إلا فيما ندر. فتغيّرت الحال مع أهل الإسلام وثقل على 
طبعهم تقدم النصارى وامتداد سطوة القناصل والافرنج فأبغضوا حكومة ابرهيم باشا وحركوا سراً 
سكان الجبال النصيريه والمسلمين على التمرد والعصيان فخلعوا الطاعة وانتهزوا فرصة فروغ 
اللاذقية من العساكر المصرية وجاءوا بجماهيرهم من الجبال ودهموا المدينة ودخلوا دار الحكومة 
وانتشروا في الأسواق ودخل قوم منهم بعض بيوت النصارى المتطرفة ونهبوها فارتاع النصارى 
واختباؤا في بعض البيوت وفي السفن التي كانت راسيةً وقتئذ في المينا. ثم أن النصيرية 
حاصروا سعيد آغا متسلم اللاذقية في داره ولما بلغ خبر ذلك ابرهيم باشا اصدر أمراً إلى سليم 
بك احد امراء اللواء في العساكر المصرية فجاء إلى اللاذقية بفرقه من العساكر ومعة امراء من 
جبل لبنان وهم الأمير خليل ابن الأمير بشير الشهابي المشهور والأمير أفندي والأمير جهجاه 
والأمير سعد الدين والأمير أحمد برجالهم فلما بلغ النصيرية ذلك فروا هاربين من المدينة فجاء 
سليم بك والأمراء بعساكرهم وخيموا في قرية البهلولية ففرٌ النصيرية من تلك المقاطعة فغنمت 
العساكر مواشيهم وغلاتهم ومتعتهم وأحرقت بعض قراهم ثم ارسل سليم بك عسكراً يحرق القرى 
القريبة منهم فالتقاهم النصيرية والتحم القتال بين الفريقين وكانت الدائرة على العسكر المصري 
فولى منهزماً إلى المعسكر فسار إليهم الأمير جهجاه بألف مقاتل فانهزمت النصيرية أمامهم 


235 


آثار الحقب في للاقة العرب 


فأحرقوا لهم نحو ثلاثين قريةً وفي الغد سار الأمير خليل والأمير أفندي والعرب الهنادي وبعض 
الفرسان المصرية وشنوا الغارة على قرية جبلايا فقابلهم النصيرية فقتل من الفرسان المصرية 
ثلشة من حاملي البيارق ثم دارت الدائرة على النصيرية فانكسروا وقتل منهم خمسة رجال 
وأحرقت لهم العساكر قر كثيرة وقتل من عسكر الأمير خليل رجلان ثم نهض سليم بك 
بالعساكر من البهلولية إلى مقاطعة صهيون وكان سكانها قد حاصروا في القلعة فخيمت العساكر 
شماليها فجاء من مقاطعة بيت الشلف نحو ألفي مقاتل ليدهموا العساكر فاشتبكت معركة بين 
الفريقين كانت الدائرة فيها على النصيرية فقتل منهم 15 رجلاً ومن عساكر الأمير خليل رجلان 
ثم هجم العسكر على القلعة وتسلموا ثلاثة أبراج منها ووضعوا فيها نحو ماية مقاتل فأضرموا 
نار الحرب على المحصورين وعند نصف الليل طلب المحصورون الأمان فأعطوهم الأمان ففروا 
هاربين من القلعة ودخلتها العساكر ثم حضر أهل مقاطعة دريوس وسلّموا وانتقلت العساكر 
إلى مقاطعة بيت الشلف فحضر أهل المزيرعه والعمامره وسلموا وكان أهل بيت ياشوط 
والسرامطه والقراحله قد ربطوا نهر السن فوصل إليه خمسماية مقاتل مرسلون من قبل الأمير 
بشير الشهابي نجدةً للعساكر فاشتبكت الحرب بينهم وبين النصيرية فانهزم اللبنانيون وقتل منهم 
6 رجلاً ومن النصيرية ستة رجال فلما بلغ خبر هذه المعركة إلى المعسكر جاء الأمير سعد 
الدين والأمير أحمد بعسكرهما مع ثلثماية فارس مصريين ففرٌ النصيرية أمامهم هاربين فأحرق 
اللبنانيون مساكنهم وقتلوا منهم 8 رجال ومن الغد زحف العسكر على تلك المقاطعات ونهبها 
وأحرق أكثر قراها ثم سلّم أهالي مقاطعة القرداحة وتعهدوا بتقديم أسلحة المقاطعة جميعها 
فقدموا بعضها واعتذروا عن تقديم الباقي فنهض سليم بك بالعساكر للمقاطعة ولما وصلوا إلى 
أؤْلها شرع العسكر ينهبون ويحرقون. فانهزم النصيرية إلى الجبال فنهب العسكر قراهم وأحرقوها 
ثم صعدوا إلى الشعرة وأحرقوا نحو 50 قرية ثم رجعت العساكر اللبنانية إلى بلادها أما العساكر 
المصرية فلبثشت حتى مهدت كل أحوال الجبال شيئاً فشيئاً وجمع جميع أسلحة أهاليها ونشرت 


الأمن في جميع أطرافها بنوع لم يسبق له مثيل. 


2356 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


وفي هذه الأثناء أي في سنة 1834 شُرطن على اللاذقية المطران ارثاميوس خليفة للمطران 
غفرئيل ثم عُزل سعيد آغا عن متصرفية اللاذقية وخلفه خليل آغا ورده الدمشقي. وكان امّياً جاهلاً 
فلم يلبث أن عُزِل وعْيّن الحاج يوسف بك شريّف أحد أعيان حلب مديراً للاذقية وطرابلس 
وكانت اقامته في اللاذقية وجرت الأحكام بإدارته على أتم نظام وفي أيامه تم جمع السلاح من 
النصيرية وقتل معظم رؤسائهم واشقيائهم وقتل أيضاً عبداللّه آغا عدره صاحب قلعة المرقب 
وكان من الرجال المعدودة وسبب قتله أنة أهان ضابطاً من ضباط العساكر المصرية وهو مارٌ 
في ناحية المرقب فشكاة الضابط إلى ابرهيم باشا فأصدر أمره إلى حكومة اللاذقية بقتله ولما 
اطلعت الحكومة المذكورة على الأمر كتمته بالسر العميق واستدعت عبداللّه آغا إلى اللاذقبة 
ولما قدم إليها فيض عليه فضُرب عنقهٌ في وسط السوق وكانت العساكر واقفة في السوق 
فكان كل مَن أراد من أصحاب الدكاكين أن يقفل دكانة طلباً للانصراف عن ذل المشهد تمنعة 
العساكر من الانصراف فكان ذلك اليوم شديداً على المسلمين. وفي هذه الاثناء توفي مصطفى 
آغا هرون وكان بعد دخول الحكومة المصرية من جملة أعضاء المجلس في اللاذقية. 

وفي سنة 1840 اتفق مع الدولة العثمانية بعد أن تبوأ سرير السلطنة السلطان عبد 
المجيد خان دول روسيه وانكليتره والنمسا وبروسيا على اخراج الدولة المصرية من سوريا 
وانتشرت بوارج الدول المتحدة في موانيها لطرد ابرهيم باشا وجاءت منها بارجة انكليزية 
إلى مياه اللاذقية واطلقت المدافع على المدينة اطلاقاً غير مقصود به خرابها بل للتهويل 
على العساكر المصرية لتخرج منها فلم يلحق بالمدينة ضرر وخرجت بقايا الجنود المصرية 
منها وَعْيّن فيها متسلماً من قبّل الدولة العثمانية محمد آغا خزنه دار فاستمر نحو سنة ثم 
عُزل سنة 1841 وجُعلّت حكومة اللاذقية مقسومةً إلى إدارتين مستقلتين إدارة ضابطيه وإدارة 
مالية فعيّن محمود حلمي بك مأموراً للضابطه وشاكر أفندي مأموراً للمالية وفي سنة 1842 
عزل الاثنان وَعْيّن فضلي بك للضابطه وصالح أفندي للماليه ثم عزلا سنة 1843 وجرى تغيير 
الترتيب فتحولت الحكومة إلى قائم مقاميه وجُعلت المصالح المالية تحت إدارة مدير بمعية 


257 


آثار الحقب في للاقة العرب 


القائم مقام وعْيّن بهذاد آغا قائم مقاماً. هذا ولما خرجت الحكومة المصرية ورجعت الحكومة 
العثمانية بقي ترتيب المجالس على ما كان عليه في عهد الحكومة المصرية غير أن مسلمي 
اللاذقية شرعوا يتظاهرون بالتعديات والتطاول على النصارى مفكّرين أنه قد جاء الوقت لارجاعهم 
إلى حالة الذل والاضطهاد القديمة واتفق انه سنة 1844 اسلم الخوري عبداللّه احد خوارنة الروم 
الأرثوذكس فيها وسبب ذلك أنه كان في اللاذقية وكيل قنصل لدولة اليونان يُدعَى ديمتري وكان 
متزوجاً في بلاده فادعى أن زوجته ماتت وطلب الزواج بكاترين ابنة الخوري ميخائيل النحال فلم 
يؤذن له المطران ارثاميوس بذلك ما لم يستحضر ورقة شهادة من مطران مدينته تعلن صحة 
وفاة زوجته فترقب ديمتري فرصة غاب فيها المطران عن المدينة واستحضر الخوري عبداللّه 
فكلّله على كاترين المذكورة واتفق بعد ذلك بأيام قليلة أن حضر ابن لديمتري المذكور من 
بلده وانذهل من زواج ابيه واعلن أن امَّهُ لم تزل حيّة. فلما عاد المطران من سفره وعلم بذلك 
اطلق حرماً كبيراً على ديمتري وزوجته الجديدة وعلى الخوري عبداللّه أشرك فيه معهم كل مَن 
يخالط أحداً منهم أو يكلمه أو يقبله في بيته فكان الخوري عبداللّه يجول من مكان إلى آخر 
في المدينة ويترامى على كبير الطائفة وصغيرها ليتوسطوا أمرهُ فلم يكن أحد يرد عليه جواباً 
بل كان كل من صادفة منها يحوّل وجهة عنهٌ لكي لا يراهُ ولا يكلمه واستمر على ذلك أياماً حتى 
ضاقت به الدنيا بما رحبت ولم يبقّ له احتمال فمضى إلى مشايخ المسلمين واسلم فقبلوة 
بالترحاب واحتلفوا به غاية الاحتفال وبعد أيام من إسلامه طافوا به في المدينة يوم احد بجمع 
غفير لأجل ختانه وهم يعزفون بالآت الطرب ويضربون الطبول ويطلقون البنادق فبلغوا في 
طوافهم إلى امام دير الرهبان الفرنسيسكانيين وكان شعب اللاتين مجتمعاً فيه لاستماع القداس 
فوقف الجمهور أمام الباب وجعلوا يصيحون ويضجون بالشتايم واللعنات فاعترضهم بعض مَن 
كان داخل الدير وسألهم الانصراف فهاجوا عليه وازداد ضجيجهم وصراخهم وهجموا على الدير 
فأغلق بابه دونهم فجعلوا يطلقون عليه الرصاص فانذعر الذين كانوا داخل الدير وكان في 
جملتهم الخواجه لوسين جفروا قنصل فرنسا والخواجه بليه قنصل النمسا والخواجه مازوليه 


2358 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


قنصل روسيا وعائلاتهم وغيرهم من الرعايا الفرنساويين فهربوا إلى دار الخواجه لوسين جفروا 
قنصل فرنسا الملاصقة للدير تسلُّقاً على الجبدران ولما اشعر بذلك جمهور المسلمين الهاتجين 
تحولوا إلى بيت القنصل المومي إليه وحاصروهٌ واستمروا على هذه الحال إلى أن جاء الشيخ 
صالح الطويل أحد معتبري مشائخهم وفرّقهم فاستدعى الخواجه لوسين جفروا بهذاد آغا القائم 
مقام طلباً للأمنية فجاء إليه مع بعض الأعيان والوجوه لكنهم عوضاً عن أن يتلطفوا به وبباقي 
الافرنج ويعدوهم بقصاص أرباب الفتن اظهروا عدم الاكتراث بما وقع لا بل أن الحاج محمد 
صوفان أحد أولئك الوجوه تطاول على الخواجه جفروا بالكلام وانصرفوا من عنده بلا نتيجة 
فأعرض حينئذ واقعة الحال إلى قنصلة الجنرال في بيروت وكذلك قنصل النمسا وروسيا فجاءت 
بعد أيام سفينة حربية فرنساوية وسفينة نمساوية ونقلتا الفرنساويين والنمساويين الموجودين 
في اللاذقية إلى جزيرة أرودا ثم ورد أمر من الولاية في بيروت إلى الحكومة بارسال جماعة من 
الوجوه ورؤساء الفتنة مقيّدين إلى بيروت وكان من جملتهم الحاج محمد صوفان السالف الذكر 
والشيخ مرزوق والحاج مصطفى شريتح وغيرهم فأرسلوا وبعد مدة جاءت سفينة عثمانية من 
بيروت حاملةً المجرمين المذكورين ومعها طابور عسكر وجاء على أثرها البارجتان الفرنساوية 
والنمساوية ومعهما الفرنساويون والنمساويون الذين كانوا في جزيرة أرواد ثم استدعى القائم 
مقام جماعة الفرنساويين والنمساويين وجميع قناصل الدول لأحل اجراء قصاص المذنبين 
بحضورهم حسب الأمر الوارد له فذهب الفرنساويون والنمساويون وتراجمين سائر القناصل إلى 
دار الحكومة مع قبابطين البارجتين وضابطهما وثلي أمامهم الأمر الوارد بقصاص المذنبين وذلك 
بجلد كلٍ منهم عدداً معيّناً ثم ألقي كلّ منهم وجُلد بدوره ولم يكن يُنقّص لأحدٍ منهم عن 
العدد المعيّن إلا إذا استجار بدولة فرنسا أو بالمذهب المسيحي أو بالصليب ولما جُلدوا جميعاً 
ذهب بهم إلى بيت قنصل فرنسا وسُئل إذا كان قد رضي بهذا القصاص فأجاب بالرضى كتابةً ثم 
ساقهم الضابط العسكري الذي كان معهم إلى السفينة فسارت بهم إلى بيروت ليقضوا مدة النفي 
التي حُكم عليهم بها. فكانت هذه الحادثة عبرةً اعتبر بها المسلمون مدة طويلة. هذا وقد 


239 


آثار الحقب في للاقة العرب 


ذكرنا أن الخواجه يوسف مازوليه وكيل قنصل روسيا كان في جملة الذين وُجدوا في الواقعة 
وهو من رعايا دولة فرانسا فلما جاءت البارجة الفرنساوية ذهب هو وعائلته مع من ذهب 
فيها من الفرنساويين إلى جزيرة أرواد ولما بلغ ذلك الخواجه قسطنطين باسيلي قنصل جنرال 
روسيا في بيروت اغتاظ منة لعدم انتظاره امره والتجائه إلى الفرنساويين في هذه المسألة ثم 
عزله من وكالة القونسلاتو فشق ذلك عليه وارسل ترجمانه الخواجه الياس مرقص ليتوسط امره 
عند القنصل الجنرال فذهب ثم عاد وقد تعيّن ترجماناً للقونصلاتو الجنراليه ومدير أشغال وكالة 
قنصلاتو اللاذقية واعتذر للخواجه مازوليه بأنة لم يقبل ذلك إلا بعد أن بذل في أمر اعادته جهد 
المستطيع ورأى أن القنصل الجنرال من المستحيل أن يعيد الوظيفة إليه وانة التزم إذ ذاك أن يمتثل 
أمر القنصل الجنرال باتخاذ إدارة القونسلاتو على نفسه. ثم بعد مدة عْيّن الخواجه الياس مرقص 
المومى إليه اصيلاً في وكالة قونسلاتو روسيا في اللاذقية. ثم عُزل بهذاد آغا من قائم مقامية 
اللاذقية وخلفه خمسة قائم مقامين متعاقبين وذلك من سنة 1845 إلى سنة 1850 وهم حليم 
بك وجعفر بك وشاكر أفندي ومسرور بك وصالح بك وفي سنة 1846 توفي الخواجه قسطنطين 
ويتالي قنصل هولاندا وساردينيا فرُفع الصليب في جنازته وهي أول مرة تجرأ فيها نصارى 
اللاذقية على الخروج بالصليب أمام موتاهم في الأزقة والشوارع وخلفه في قنصلية هولاندا 
ولده الخواجه ثيودوري وفي قنصلية ساردينيا ولده الخواجه اسكندر وفي سنة 1848 انتشر الهواء 
الأصفر في سوريا وامتد إلى اللاذقية واستمر فيها نحو ثلاثة أشهر وفي سنة 1850 عَزل صالح بك 
القائم مقام وخلفه أمين بك وفيها جاء حسين باشا الفريق إلى اللاذقية لاجراء القرعة العسكرية 
وهي أول قرعة عسكرية جرت فيها فأجراها في صهيون وجبل الأكراد ثم انتقل إلى بيت الشلف 
(وباقي مقاطعات النصيرية) فقابلة أهلها بالسلاح فعاد إلى اللاذقية أما أهالي بيت الشلف 
فاستدركوا الأمر وقدموا ضدهة الشكايات إلى الولاية ونسبوا له من سوء التصرف والارادة ما ينشأ 
عنة نفور العامه وعصيانهم فعزل من هذه المأمورية وجاءَ مكانة طاهر باشا فأجرى القرعة في 
بيت الشلف وباقي مقاطعات النصيرية بالتي هي أحسن جارياً على مراد رؤساء المقاطعات ثم 


210 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بعد ذلك أجرى القرعة في نفس اللاذقية وفي سنة 1851 عُزل امين بك القائم مقام وخلفه 
مصطفى أفندي وفيها تُسب إلى كنج آغاهرون ارتكاب الرشوة وكان يتقلد الوظائف في مجالس 
اللاذقية وفي مأمورية تحصيل المال في الجبال فطلب إلى بيروت وحُجز فيها تسعة أشهر ثم 
اتفق أن بعض نساءٍ من عائلة ميساق آغا احد الصيارفة الأرمن المنظورين في الآستانة الذي 
كان ملتزماً كمارك سوريا كنّ مسافراتٍ برًا فخرج عليهنّ بين جبله وبانياس علي الحجاج من 
كبار اللصوص مع جماعة وسلبوهنٌ جميع ما معهنّ فتداخل حينئذ كنج آغا في بيروت متعهداً 
باسترجاع المسلوبات إذا فض إليه امر ذلك فعيّنه الوالي مأموراً لاستردادها وعاد إلى اللاذقية 
بهذه الوسيلة ثم اجتهد باستخدام الوسائط والأساليب اللازمة فاسترجع أكثرها وفي سنة 1852 
عَزْل القائم مقام مصطفى أفندي وخلفه اسماعيل حقي بك وفيها جاء إلى اللاذقية محمد أمين 
باشا والي ايالة صيدا (التي كان مركزها في بيروت وكانت اللاذقية قائم مقامية تابعة لها) وأقام 
فيها نحو 30 يوماً ومما أجراهُ تبديل أعضاء المجلس وابعاد محمد آغا خزنه دار وكنج آغا هرون 
وعبد الرزاق افندي فتاحي النائب ومصطفى أفندي المفتي عن تقلد الوظائف والمأموريات في 
الحكومة قيل وفيما هو في اللاذقية جاءهة خبر عزله عن أيالة صيدا فسافر منها وفي سنة 1853 
عزل اسماعيل حقي بك وخلفه مصطفى بك وفي أيامه جاء أحد أولاد جبور من نصارى قرية 
المزيرعة إلى قرية فديو في ساحل اللاذقية فسَمُ فيها ومات وقد سبق فذكرنا في قسم الجغرافيا 
كيفية ارتباط بعض أهالي الجبال ببعضها بواسطة ما يسمونة كتابة الدم ولما كانت نصارى 
المزيرعة مرتبطة بكتابة الدم مع عشيرة بيت الشلف هاجت العشيرة المذكورة ودهم جماعة منها 
قرية فديو فنهبوها وكانت البلاد فارغة من العساكر النظامية لاشتغال الدولة بالحرب مع دولة 
روسيا المعروفة بحرب القرم فأرسلت حكومة اللاذقية فرساناً غير نظامية من السلك المعروف 
بالباشيبو زوق فنهبوا واحرقوا بعض قرى في بيت الشلف كقصاص على نهبهم فديو وفي سنة 
4 غُزْل القائم مقام مصطفى بك تحت تهمة ارتكاب الرشوة وخلفه علي بك وكان رجلاً عادلاً 
وصارماً يناسب ظروف الوقت الذي تولى فيه فانه بسبب خلو اللاذقية من العساكر النظامية 


241 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


كان قد وقع فيها الخلل وضعفت سطوة الحكومة وطمع المسلمون في النصارى واجروا عليهم 
بعض تعديات فلما تولى علي بك انفذ الأحكام على حقها مستعملاً الصرامة في الاجراءات 
بمقدار ما كانت تستدعي الظروف فانتظمت الحال في المدينة ولزم كل حدَّهُ وفيها جاء إلى 
اللاذقية نعيم افندي نسيب وامق باشا والي أيالة صيدا مأموراً بتحصيل مطلوبات الكمرك من 
التجار وكان التجار قد حجزوها تحت فرق التعريفه وذلك أن الدولة كانت قد وضعت تعريفة 
جديدة للكمارك دنّت فيها رسم كمرك الدخان عن التعريفه التي قبلها فملتزموا كمارك سوريا 
اخفوا التعريفة الجديدة واستمروا يستولون الرسم بحسب التعريفه القديمة ودام ذلك نحو خمس 
سنين دفعت فيها التجار زيادات باهظة ثم اشتهرت التعريفة الجديدة ولُوحظ فيها تاريخ العمل 
بموجبها فانكشف الفرق للتجار فحجزوا ما كان يُطلّب منهم إلى الكمرك تحت هذا الفرق فلما 
جاءَ نعيم افندي ضايق الذين هم من رعايا الدولة العثمانية منهم أشد مضايقة وتهدد الحمايات 
أي الذين هم تحت حماية قناصل الدول الأجنبية الذين كانوا كثيري العدد في ذلك العهد فأنه 
كان لكل قنصل ثلاثة تراجمين أو أربعة ونظيرهم قواسه وكاتب وأمين مخزن وسمسار وعدّة 
خدام ولكلٍ من التراجمين والكاتب سمسار وخدمة كما أن لكل من التبعة الأجنبية سمسار 
وأمين مخزن وخدمة أيضاً فكان يؤلّف من هؤلاء الحمايات العدد الأكبر من نصارى المدينة ولم 
يكن للحكومة تسلط على أحد منهم وانما كانت تلتزم أن تلتفت إلى قناصلهم في جميع ما 
يتعلق بهم عند الاقتضاء ولذلك لم يتمكن نعيم افندي من انفاذ مأربه بهم وأما الذين هم من 
تبعة الحكومة من التجار فقد استحصل منهم كلما هم حاجزوة بعد مضايقة شديدة. وفي السنة 
المذكورة قدم إلى اللاذقية القس لايد الإنكليزي وهو من كنيسة البروتستانت الاسقفية للتبشير 
بين النصيرية بالديانة المسيحية واشترى قطعة أرض في قرية بحمرا من مقاطعة القرداحة وبنى 
فيها مدرسة على مصروفه. وفيها وقع خلاف بين الخواجه اسكندر ويتالي قنصل ساردينيا وبين 
قنصله الجنرال في بيروت فاستعفى من الوظيفة وتولج بها الخواجه لوسين جفروا قنصل فرانسا. 
وفيها دخل رجل من أهالي القرداحة إلى مقثأة في المهالبة وقطف منها خيارة فأطلق صاحبها 


202 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


الرصاص عليه فقتله فهاج أهالي القرداحه وثاروا على المهالبة وعظمت الفتنة وتحزب أهالي 
ساحل بني علي للمهالبة وأهالي بيت الشلف وجبل بني على للقرداحة فجرت بين الفريقين 
وقائع فقتل فيها عدة قتلى وكان وقتئذ القائم مقام علي بك في البهلولية مشتغلاً بتحصيل المال 
ولم يكن عندة من القوة ما يكفي لردع الطرفين وإطفاء الفتنة فأرسل لأحدهما محمود آغا 
خزنة دار وهو ابن محمد آغا خزنة دار وللآخر قره محمد آغا من وجوه البائر وكان كلّ منهما 
دالي باش أي ضابطاً على نحو ماية فارس من الباشيبوزق لكي يستحضر كل منهما وجوه الفريق 
الذي ذهب إليه بالأساليب الحسنة فمضيا ولم يتمكنا من إحضارهم إلا بإعطائهما لهم صك أمان 
على أنه لا يمشّهم ضرر أو اهانة فحضر من القرداحة المقدمون اسماعيل عثمان وحسن الشندي 
وحبيب مخلوف ومن المهالبة محمد هيفا وخير بك وغيرهما مؤملين أن القائم مقام يصالحهم مع 
بعضهم ثم يطلقهم لكنة قد خاب أملهم لأن القائم مقام أرسلهم إلى اللاذقية فؤضعوا في سجنها 
فشق عليهم ذلك وعلى محمود آغا خزنه دار نظراً لصك الأمان الممعطى منه واعتبر سجنهم مخلاً 
بشأنه وشرفه فاستعفى من مأموريته. أما علي بك فكان على ما قيل من نيته أنه عندما يكون 
قد تمم تحصيل المال في البهلولية وصهيون وجبل الأكراد وعاد للاذقية يأخذ عليهم التعهدات 
الكافية بعدم الرجوع إلى الفتنة ثم يطلقهم معتبراً أن ذلك أكثر لياقةً في شأن وسطوة الحكومة 
إلا أنة لم يتم له المقصود فإن صقر فاضل مقدم قرية البودي في جبل بني علي وغيره من 
مشايخ القرداحة جمعوا نحو ثلثماية رجل وجاءوا بهم إلى اللاذقية ودخلوها ليلاً وهجموا على 
دار الحكومة وكسروا باب السجن وأخرجوا المسجونين وذهبوا بهم إلى أماكنهم وقيل أن ذلك 
لم يتم إلا باتفاق بينهم وبين أبي خليل طريفي التفنكجي باشي ولعله لا يبعد عن التصديق. 
أما مقدموا المهالبة فبعد خروجهم من السجن لم يذهبوا لمقاطعتهم لكي لا يتهموا بالاشتراك 
في هذا العمل بل بقي بعضهم في اللاذقية والبعض الآخر توجهوا إلى القائم مقام وأخبروة 
بالحادثة فاحتدم القائم مقام غيظاً لما في ذلك من الخلل على ناموس الحكومة واستأذن من 
حكومة الاياله لأجل جمع نفر عام لقصاص العصاة أهالي القرداحة والمتحزبين لهم ولما حصل 


243 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


على الإذن دعا إليه رجالاً من أهالي المدينة والمقامات فاجتمع عندهةُ نحو الفي مقاتل من 
المدينة وصهيون وجبل الأكراد والباير والبوجاق والقدموس وباقي المقاطعات المنقادة للطاعة 
والتقوا جميعاً في جبله حيثما كان قد ذهب القائم مقام ينتظر اجتماعهم ثم جعل أولاً يخاطب 
العصاة ويحرّضهم بكتاباته على الانقياد طالباً منهم حضور المقدمين للسجن كما كانوا ردًا 
لكرامة الحكومة وأن يتعهدوا بالمال والاقلاع عن الفتن والتعديات لكي يصير العفو عنهم وتخلية 
سبيلهم فكانت ترد منهم أجوبة مبهمة غير وافية بالمرام تتضمن الإقرار بالطاعة والخضوع 
لأوامر الحكومة إِلّا أنها لا تتضمن شيئاً فيما يتعلق بحضور المقدمين والتعهد بالأموال وما شاكل 
ذلك فنهض حينئذ القائم مقام بمن اجتمع عند من النفر العام إلى قرية بشلاما المتوسطه 
بين القرداحه والنواصره وكان معة من وجوه اللاذقية عبد الرزاق افندي فتاحي وعلي آغا هرون 
والحاج محمد صوفان مؤملاً أنه بحلوله في تلك القرية ينتشر الرعب بين العصاة واذا لم يمتثلوا 
نصائحه وانذاراته يدهمهم بالرجال ويفتك بهم إلا أنة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لأنه فيما 
هو مشتغل بالإنذارات والاستعدادات وأهالي القرداحة واحزابهم في اليوم الثالث من حلوله في 
تلك القرية قبل الغروب في الوقت الذي كان فيه كل من النفر العام مشتغلاً بعلف فرسه ولم 
يكن احدٌ منهم متوقفاً أو متأهباً للقتال فلما دهمهم الرجال وانقضوا عليهم باطلاق الرصاص من 
كل جانب استوى عليهم الانذهال وأخذ منهم الرعب والخوف كل مأخذ ولما كانوا خالين من 
كل ترتيب ونظام وليس لهم ضباط أو قواد لم يمكن جمعهم وصفهم للقتال بل هب كلّ منهم 
إلى فرسه والقى نفسهٌ فوقها واطلق لها العنان طالباً النجاة بالفرار وجعل كل واحدٍ يسبق الآخر 
بالهرب وفي لمحة بصر تفرقت تلك الجموع بفشلٍ وخيبة لم يسبق لهما مثال وظهر منهم من 
الخوف والجبن ما لا مزيد عليه فلما رأى القائم مقام علي بك ذلك الفشل اشتعلت به نار الحمية 
وركب جوادهُ واستلّ سيفةٌ وصرخ بالهاربين يشجعهم ويحرضهم على الرجوع إلى ساحة الحرب ثم 
اندفع على العصاة ليحمل جماعة على الاقتداء به فلم يكن منهم من يلتفت لصراخه وتحريضاته 
ولم يبقّ حولةٌ إلا بضعة فرسان من جملتهم قره علي أحد أغاوات مقاطعة الباير الذي تل في 


244 


الحاء الثاني من كتاب أثار الحقب فى للاشّة العرب 


تلك المعركة وفيما كان علي بك على تلك الحال اصابته رصاصة قاتلة فلما أحسَّ بها لوى عنان 
فرسه طلباً للرجوع لكنهٌ لم يقدر أن يتمكن على ظهر جواده بل سقط عنة عما قليل وانطرح 
على الأرض مضرجاً بدمائه فتم بذلك تفرق جماعة عنةٌ وأمسى منقطعاً وحيداً بين زمرة العٌصاة 
الذين سكروا حينئذ بخمرة الانتصار وغنموا موجودات المعسكر واجتمع مقدموهم واصطفوا 
حول القائم مقام وكان على ما قيل لم يزل بين حي وميت وجعلوا يهزأون به ونزعوا عنه ثيابة 
وألبسوه ثياباً من عندهم وما زالوا يحتقرونة ويعيرونة حتى اسلم الروح وفي الغد جيءة بجثته 
إلى اللاذقية وفنت جنوبي جامع الشيخ المغربي رجع كل من النفر العام إلى بيته ثم تولى 
وكالة القائم مقامية رجل يُدعَى محمد آغا مدةً ثم عُيّن عبد القادر ناجي باشا قائم مقاماً وجاء 
من الاستانة بمعية محمد نديم باشا الذي عْيّن وقتئذ والياً لايالة صيدا عوضاً عن وامق باشا ومرّ 
بطريقه على اللاذقية وكان عبد القادر ناجي باشا طرابلسي الأصل شاعراً لبيباً ولكنة لم يكن خبيراً 
بإدارة الأحكام وبعد وصول محمود نديم باشا إلى بيروت ارسل شكري افندي من ارباب مجلس 
الاياله إلى اللاذقية مأموراً بملافاة الأمور ومرافقاً بأمر يتضمن العفو عن نصيرية الجبال فاعلنة 
لهم وتداخل معهم بالتي هي أحسن مكتفياً منهم بالاقرار بالطاعة والوعد بأداء المال والكف 
عن الخصومسات والفتن فذهب بذلك دم القائم مقام علي بك هدراً كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً 
وشمخت أنوف النصيرية ولم يعودوا يبالون بالحكومة البتة وكثر السلب وقطع الطرق والفتن 
فاصطلت نار فتنة بيد أهالي بيت الشلف وأهالي البهلولية وشن رجال بيت الشلف الغارة على 
حرف شقيتا واحرقوا بعض قراهُ وسلبوا اغنامها وأبقارها فهاجت الضغائن بين الفريقين وجعل كل 
منهما يتخذ أحزاباً من أهالي المقاطعات الأخرى فابتدر المقدم ابرهيم جديد من مقدمي بيت 
الشلف وتظاهر بالميل لاطفاء الفتنة واصلاح ذات البين وسار إلى قرى حرف شقيتا مستدعياً 
مشايخها ووجوهها للصلح وبعض مفاوضات كثيرة اقنعهم بأن يذهب سبعة من مشايخهم معة 
تحت عهدته وذمامه إلى بيت الشلف وهناك يتم الصلح بينهم وبين وجوه تلك المقاطعة 
بشروط موافقة للطرفين وكان ذلك منه حيلة عليهم فأنةٌ بعد أن وصل بهم إلى بيت الشلف 


245 


آثار الحقب في للاقة العرب 


هجم أهلها عليهم بالسلاح وقطعوهم جميعاً إرباً إرباً. أما حكومة اللاذقية فلم تتجرأ على 
إطفاء الفتنة بالقوة وإنما نهض القائم مقام بفرقة من العساكر والباشيبوزق ونصب خيام الاقامة 
في بعض قرى الساحل وجعل يرسل كل يوم بعض فرسان من الباشيبوزق ليصادموا رجال بيت 
الشلف لذين كانوا يأتون ليدهموا قرى الساحل فوقع بين الفريقين بعض مناوشات ومعارك 
أعظمها معركة اشتبكت بينهما في قرية القنجره كانت الدائرة فيها على النصيرية وظهرت فيها 
لعبدالله آغا طريفي وجبرا منصور شجاعة فإنهما حصرا بضعة رجال من النصيرية في مزار ولما 
كان المزار غير مسقوف قحما جداره بجواديهما وفتكا بالمحصورين فيه وجاءا برؤوسهم إلى 
المعسكر ثم توسط الجندي عثمان الأحمد مدير صهيون الأمر وهدأت الفتنة وعاد المعسكر 
إلى اللاذقية. وفي سنة 1856 عزل عبد القادر ناجي باشا وخلفه مظهر أفندي وعاد النصيرية في 
أيامه إلى ما كانوا عليه من التمرد والطغيان وجعلوا يعبثون في القرى والسواحل فكان يرسل 
فرسان الباشيبوزق لتحمي بعض الساحل فتشتبك بينهم وبين النصيرية بعض معارك قلما يفوز 
بها الباشيبوزق ومن جملة هذه المعارك معركة التحمت بين محمود أغا خزندار وكان دالي باش 
وبين نصيرية القرداحة وكان محمود اغا قد دهم بفرسانه بعض قرى القرداحة واستاق ماشيتها 
ودوابها وفيما هو راجع إلى جبله دهمه رجال القرداحة واصطلت نار الحرب بين الفريقين فكان 
جانب من فرسان محمود أغا يخفر الماشية والجانب الآخر يشتغل بالمدافعة فتغلب عليهم 
النصيريه وكسروهم شر كسرة وقتل في المعركة المذكورة عزت آغا ابن اخي محمود آغا خزندار 
واسترجع النصيرية ماشيتهم ودوابهم وشقّ على بيت الخزندار قتل عزت وعرض أهالي القرداحة 
عليهم بعد ذلك ديئتة فأبوا قبولها قائلين انهم لا يبيعون دمة بثمن وفي سنة 1857 عزل مظهر 
أفندي وخلفه حسن آغا وفي سنة 1858 عغزل حسن آغا وخلفه شاكر أفندي وفيها انكسرت على 
شط اللاذقية جنوبي عين السندلكس سفينة بخارية تُدعَى سانت اندريا انكليزية كانت سائرةً 
ليلاً وكان البحر ثائراً والظلام حالكاً وكان قبطانها وضباطها سكارى فضاع رشدهم ولم يهتدوا 
إلى سواء السبيل فلطمت السفينة بصخر قريب من الشط واتنكسرت وكانت مشحونة بضائع 


246 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


متنوعة فاشتراها من السيكورتاه وهي في البحر الخواجه الياس مرقص ودخل بذلك معة شركاء 
فجعلوا ينتشلون البضائع فوجدت كميات وافرة وربحوا بها أرباحاً عظيمة» وفي سنة 1859 عُزل 
شاكر أفندي وعَيّن مظهر أفندي قائم مقاماً للاذقية مرةً ثانية وفيها فصل الخواجه الياس موسى 
الياس عن قنصلاتو انكليتره وكانت قد انتقلت إليه عن والده منذ عهد الحكومة المصرية وعيّن 
قنصلاً مكانه الخواجه جون فوستر كريرس رجل انكليزي جاء إلى اللاذقية وتقلد هذه الوظيفة. 
وفيها عزمت الدولة على ضرب وتنكيل النصيريه لغلوهم في العتو والتمرد والتمنع عن أداء 
المال الأميري فارسلت طابورين من العساكر النظامية أحدهما ششخاته والثاني بياده تحت قيادة 
أمير الآلاي علي بك وعيّن مظهر أفندي رئيساً للإدارة الملكية فسارا بالعساكر النظامية المذكوره 
وبنحو مايتي فارس من الباشيبوزق ونصبا خيام الاقامة في قرية حبيت من بيت الشلف ومكث 
المعسكر هناك مدةً بدون أن يجري شيئاً لأن أمير الآلاي لم يوافق على استعمال الحركات 
الحربية في تلك الجهة نظراً لعدم موافقة المركز فنهضت العساكر من بيت الشلف وخيمت 
في مكان يدعى الفوار بقرب جبله وجرى استدعاء مقدمي القرداحه والبودي إلى المعسكر 
فحضر مقدموا القرداحة وتخلف صقر فاضل مقدم البودي عن الحضور وكانت قد انتشبت 
بينه وبين مقدمي القرداحة عداوة فأظهروا الطاعة والانقياد للحكومة واتفقوا معها على نشر 
لواء الحرب على البودي وتنكيل صقر فاضل وضربوا لذلك أجلاً مسمّى ثم عادوا إلى أماكنهم 
لاجراء الاستعدادات اللازمة فلما بلغ صقر فاضل ذلك الخبر كاتب مقدمي القرداحة يخطئهم 
في اتحادهم مع الحكومة ضَدَهُ ويحذّرهم عاقبة الأمر مبرهناً لهم أن الحكومة بعد أن تنفذ 
مآربها معه بمساعدتهم تحؤّل قوتها عليهم وتفتك بهم فتكاً ذريعاً ثم يحرضهم على أن يتحدوا 
جميعاً على الحكومة بحيث لا يمكنونها من أن تقوى عليهم بالتقسيم فلما بلغت مكاتبته لهم 
وقع لديهم رأيه بالاتحاد موقع القبول والاستحسان وبعثوا له بأجوبة تتضمن التعويل على رأيه 
والاتحاد معهٌ قولاً وفعلاً ضد الحكومة. أما القائم مقام وأمير الالاي فلما جاء الميعاد المضروب 
بينها وبين مقدمي القرداحة ولم يحضروا إلى المعسكر كتب إليهم يستدعيانهم للحضور إلى 


2107 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المعسكر لأجل الشروع فيما قرَّ عليه القرار فماطلوا وترددوا عن الحضور وبدا منهم ما يدل 
على النكث بعهدهم فاغتنم حينئذ صقر فاضل الفرص وجاء إلى المعسكر وترامى على أمير 
الالاي والقائم مقام مظهراً التذئل والخضوع وحلف لهما يمين الانقياد والطاعة حتى ثم أطلعهما 
على الأجوبة الواردة له من مقدمي القرداحة وبالغ في الطعن فيهم وفي الشرح عن فسادهم 
وخيانتهم وأنة لا يليق بالحكومة أن تثق بمواعيدهم لأنهم ليسوا أهلاً للتحالف وانة إنما هو الذي 
يقوم بتعهده وقوله لأولئك الانذال وأنه مصداقاً لذلك وبرهاناً على صدق تعهده بالطاعة وخدمة 
الحكومة بخلو من النية لا يخرج من المعسكر حتى تتم جميع الاجراءات فقبل كلامة هذا عند 
الحكومة وأمنتة وحولت افكارها لتكنيل اهالي القرداحة فوجّهت ذات يوم فرسان الباشيبوزق إلى 
اطراف تلك المقاطعة فاشتبكت بينهم وبين أهلها معركة قوي فيها النصيرية على الباشيبوزق 
ودفعوهم إلى الورءا وضايقوهم أشد المضايقة وكان أمير الالاي والقائم مقام وباقي المأمورين 
الملكية والعسكرية ينظرون إلى ذلك من على تل مشرفٍ على ميدان القتال ويشاهدون تقهقر 
الباشيبوزق وفوز النصيرية فتأثر منه ذلك بكيباشي يدعى علي آغا وخفق جنانه للقتال وتوسل 
إلى أمير الالاي أن يوذن له بأن يزحف ببعض انفار من العساكر النظامية للفتك بالنصيرية 
وبعد جهد أذن له بالذهاب ببلوكين من عساكر الششخانه فسار لساعته ولما اشعر فرسان 
الباشيبوزق بقدوم عساكر الششخانه انتشروا مصطفين في وجه النصيرية ليواروا عنهم مجيء 
الششخاته إلى أن يكونوا قد اقتربوا منهم وجعلوا يشغلونهم باطلاق الرصاص وبعد برهة انفصل 
فرسان الباشيبوزق إلى شطرين وظهرت عساكر الششخانه من ورائهم واطلقت البنادق والمدافع 
دفعة واحدة على النصيرية فزعزتهم وما برحت تطلق عليهم الرصاص والكرات (الكلل) حتى 
مزقتهم كل ممزق وقتلت منهم نحو ماية رجل فولَّى الباقون هاربين وللنجاة طالبين ثم قطع 
الباشيبوزق روس المقتولين وجاءوا بها إلى المعسكر ورجعت عساكر الششخانه وأمامها الموسيقى 
العسكرية تضرب بألحان النصر والظفر وفي الغد انفذت الحكومة أوامر إلى العصاة تستدعيهم 
إلى الاستسلام والانقياد وتحثهم على حقن دمائهم وأن يتخذوا لأنفسهم عبرةً من المعركة التي 


208 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


جرت بالأمس بأنهم لا يقدرون أن يثبتوا أمام العساكر النظامية السلطانية فجاوبوا بأنهم لا 
يستسلمون ما لم يجربوا أنفسهم مرةً أخرى بمحاربة العساكر ثم شرعوا يتجمعون ويتأهبون 
للقتال وانحاز لمساعدتهم أكثر عشائر جبال النصيرية حرصاً منهم على حفظ ذمامهم وعدم 
تمكين الحكومة من الفوز عليهم ثم اشتبك القتال بينهم وبين طابور الششخانه وفرسان الباشيبو 
زق وكان عدد النصيريه في هذه المعركة على ما قيل نحو ثمانية الآف مقاتل ولعل في ذلك 
مبالغة ولم تمض برهة من الزمان حتى دارت الدائرة على النصيرية وانكسروا أي انكسار فتشتت 
شملهم وتبدّد جمعهم وصار بعضهم يطرحون أنفسهم في الوديان وآخرون يلتجئون وراء الصخور 
والغابات وآخرون يتسلقون إلى اعالي الجبال هرباً من نيران البواريد الششخانه والمدافع وقُتل 
منهم في تلك المعركة كثيرون وكان ذلك اليوم شديداً عليهم لقوا فيه من الأهوال ما مككن 
في قلوبهم خوف محاربة العساكر النظامية إلى ما شاء اللّه. وفي اليوم التالي جاء مقدموهم 
إلى المعسكر مترامين وطالبين الأمان وتعهدوا بأداء الأموال الأميرية ومصروف المعسكر وسلموا 
أولادهم رهائن للحكومة فأرسلوا للاذقية واستمروا في سجنها حتى قام آباؤهم بتعهداتهم عن 
آخرها. أما مظهر أفندي القائم مقام فلبث في المعسكر في جبله لأجل استيفاء المال وكان معة 
عبد الرزاق أفندي فتاحي فاتفقا على ارتكاب الرشوة واجريا لهذه الغاية من الظلم والغدر أموراً 
كثيرة وابتلعا أموالاً وافره ومن الفظايع التي أجرياها أنهما ارتشيا من أحد المقدمين على قتل 
الشيخ نصر أحد مشايخ النصيرية المعتبرين فاستدعياةُ بالأمان فلما وفد عليهما تهدداه وارتشيا 
منه أيضاً وبعد ذلك ارسلا غلمانهما إليه ليلاً فقتلوهُ واخفوا جثته ولما انتهت الاجراءات عاد القائم 
مقام ومن معة إلى اللاذقية وفي تلك الاثنا اجرى أحمد آغا عبد القادر مدير الخوابي على أهالي 
قرية بهرميل إحدى قرى مديريته وهم نصارى من الروم الارثوذكس جوراً وظلماً وصادرهم بمالٍ 
غير شرعي فنفروا من القرية بنسائهم وأولادهم وجاءوا إلى اللاذقية يتظلمون إلى الحكومة فلم 
يأخذ القائم مقام وتعصب مع مَن في المجلس من أعضاء المسلمين إلى أحمد آغا عبد القادر 
فتداخل بذلك وكلاء قناصل الدول الافرنجية وجرت بينهم وبين القائم مقام مراسلات كانت ثمرتها 


249 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


مضاعفة تعصبه لأحمد أغا عبد القادر فكتبوا بذلك إلى قناصلهم الجنرالية في بيروت فلم 
يجد ذلك نفقاً واستمر أهالي بهرميل مشتتين في اللاذقية يقاسون شديد البرد والجوع مدة 
الشتاء ولما لم يروا فائدة من طول مكثهم ذهب كل منهم في الربيع إلى مكان طلباً للرزق 
وهجروا قريتهم بالكلية. وفيها أي في سنة 1859 قدم إلى اللاذقية الخواجه ضدس والخواجة بيتي 
الأميركانيان وهما قسيسان من الكنيسة البروتستانتية الجمهورية وباشرا فتح مدارس في المدينة 
وفي جبال النصيرية لنشر مذهبهم وبهما تأسّست جمعية المرسلين الاميركانية في اللاذقية 
ولما مات القس لايد الإنكليزي أوصى للجمعية المذكورة بمدرسته بحمرا. وفي سنة 1860 كانت 
حادثة سوريا المشهورة ابتدأت الفتنة فيها بين الدروز والموارنة في لبنان ثم اتسعت واتحد بها 
المسلمون مع الدروز في بعض الأماكن فأوقعوا بالنصارى ولا سيما في دمشق حيثما ذبحوا منهم 
ميئات واحرقوا جميع منازلهم وبيوتهم بعد سلب ما فيها فخاف النصارى في باقي مدن سوريا 
واشترك بهذا الخوف نصارى اللاذقية أيضاً ولا سيما عندما شاع خبر مذبحة دمشق بواسطة أحد 
السفن الحربية الإنكليزية التي جاءت إلى اللاذقية لابلاغ الخبر إلى حاكمها والوقوف على مقدار 
استعداده لوقاية نصارى المدينة فأنها بعد أن رست خرج قبطانها إلى البر وقابل الخواجه كريرس 
قنصل انكليتره وسار معه لمقابلة مظهر أفندي القائم مقام وخلا مع القنصل وبعض متوظفي 
القنصلاتو وأخبرة سراً بحادثة دمشق وسأله هل عندهُ من القوة ما يتكفل بوقاية نصارى اللاذقية 
حتى إذا كان في افتقار للآلات الحربية والرجال يُخرج له من بارجته ما هو في افتقار له وإِلا 
فإنهٌ يطلب منهٌ صكاً يتعهد بهه بوقاية النصارى فالتمس القائم مقام منة مهلة بعض ساعات 
لإعطاء الجواب ثم جمع للحال أعضاء المجلس المسلمين من الأعيان والوجوه وقص عليهم الخبر 
وطلب منهم ضمانة العاقبة إذا أرادوا أن لا يقبل مساعدة من البارجة الإنكليزية فأعطوة صكاً 
عليهم جميعاً يتعهدون فيه بحماية النصارى ويتخذون على أنفسهم مسؤولية كل خطر يقع عليهم 
من المسلمين ولما حصل على هذا الصك أعطى الجواب إلى القبطان الإنكليزي بعدم الافتقار 
إلى مساعدة خارجية وتعهد له كتابةً بحماية النصارى من كل خطر ولما عاد القبطان والقنصل 


250 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


من دار الحكومة انتشر خبر مذبحة دمشق في المدينة فحزن لذلك النصارى واستولى عليهم 
الارتياع ولم يكن تعهد القائم مقام للقبطان الإنكليزي كافياً لتلطيف خوفهم الباطني ولم يسكن 
روعهم حتى ورد الخبر بقدوم فؤاد باشا ناظر الخارجية من الاستانة إلى سوريا لتمهيد الأحوال 
وقدوم عشرة الآف جندي فرنساوي إلى بيروت للمحافظة مع قدوم سفائن حربية من قبل أكثر 
الدَوَّل الافرنجية جعلت تتناوب زيارة كل من مدن سوريا البحرية فكان في أكثر الأيام يوجد في 
مرسى اللاذقية بارجة أو أكثر ودام ذلك إلى نهاية توطيد الراحة والأمن في سوريا وبعد مجيء فؤاد 
باشا إلى بيروت قدم خورشيد باشا والي أيالة صيدا الذي جرت الحادثة في أيامه إلى اللاذقية 
وأقام فيها نحو عشرة أيام ثم عاد راجعاً إلى بيروت وفي مدة وجوده في اللاذقية كانت تلوح 
على وجهه لوائح التفكر وانزعاج الضمير ولا عجب في ذلك فأنه بعد وصوله إلى بيروت حُجز 
عليه ثم حُكم عليه بالنفي بعد سلخ جميع رتبهِ عنةٌ لاشتراكه أو لتقصيره في الحادثة كما حُكم 
على أحمد باشا والي دمشق بالقتل هذا وممّن ظهرت له مآثر حميده من المسلمين في زمن 
خوف النصارى في اللاذقية في العهد المرقوم محمود آغا خزندار فأنة أظهر كمال الغيرة عليهم 
وشعائر المروؤة وكان يجول على أكابرهم ويطمأنهم ويعدهم بالمساعدة والذب عنهم باخوته 
ورجاله حتى المسوت ثم أنة ذات صباح ؤجد أمام باب دار الخواجه الياس مرقص قنصل روسيا 
وفي أماكن أخرى من حارات النصارى أوراق مكتوبة بلا امضاء تتضمن احتقاراً وشتماً للدين 
المسيحي وتهديداً للنصارى عموماً ولهٌ خصوصاً فارتاعت لذلك النصارى وارسل الخواجه الياس 
مرقص المومى إليه اخاهُ وترجمانة الخواجه اسبريدون مرقص إلى بيروت حاملاً رسالاتِ منة 
ومن باقي قناصل اللاذقية إلى قناصلهم الجنرالية يعلمونهم بذلك وبعد أسبوع عاد المومى إليه 
ببارجة روسية قدمت لتطمين النصارى وبعد أيام جاء من قبّل فؤاد باشا رأوف بك احد البكباشية 
معاوني حربه لأجل الفحص والتحقيق عن مصدر تلك الورقة فجعل يجمع في دائرة الحومة 
الأهالي أصحاب الخطوط غير المشهورة من المسلمين والنصارى ويستنسخهم صوراً عليها ليقابل 
بينها وبين الخطوط فكان أقربهنَ إليها شبهاً خط ميخائيل ابن الخواجه استور يعقوب عضو 


251 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


طائفة الأرمن في المجلس فوقعت الشبهة عليه بكتابتها فألقي القبض على الخواجه استور 
وأودع في السجن حكماً بأنة ولئن كان ابنه الكاتب لكنهٌ هو صاحب هذه الحركة بناءً على 
ما كان يُنسَب له من حب الفْتَن والتشويش لمقاصد ذاتية على أن رأوف بك قصد القاء القبض 
على ابنه ميخائيل أيضاً لكنهٌ لم يتمكن من ذلك لكونه جد من حمايات قونصلاتو فرنسا 
ثم جرى استنطاق الخواجه استور في المجلس فقويت عليه الشبهة وأرسل إلى بيروت في 
شهر تشرين الأول سنة 1860 وسجن فيها مدةً ثم خُلَيِ سبيله بناء أن لا يعود إلى اللاذقية 
على أنه بعد مدة استحصل امراً بالعفو المطلق وعاد إليها وفي هذه السنة توفي محمد 
آغا خزندار الذي تولى حكومة اللاذقية مدةً قبل دخول الحكومة المصرية كما ذكر في محله 
وفيها قدم إلى اللاذقية اسمعيل باشا المجرى المعروف عند الافرنج باسم الجنرال كميتي 
لافتقاد أحوالها من قبّل فؤاد باشا ولما كان النصارى والقناصل متأثرين من سلوك مظهر أفندي 
القائم مقام في مسألة نصارى بهرميل وغيرها من أعماله الجائرة مع النصيرية وشوا به إلى 
اسماعيل باشا وحدثوة بأعماله المشتركة مع عبد الرازق أفندي وما اجرياه من الظلم في 
جبال النصيرية وما ابتلعاة من الرشوة وكان اسماعيل باشا شديد الانفعال فبلغ منة الغيظ 
مبلغاً حملة على القاء مظهر أفندي وعبد الرزاق أفندي في السجن والشروع في التحقيق 
عليهما قبل الاستئذان عن ذلك من فؤاد باشا ثم عرض له عما فعل ويُقال أن فؤاد باشا خطّأه 
في عمله لكنة اضطر أن يجاريه حفظاً لاعتباره وانفذ له أمراً بعزل مظهر أفندي من القائم 
مقامية وتعيين عزت افندي مكانه أذنة بمداومة التحقيق بمعرفة عمدة تحت رياسة عزت 
افندي القائم مقام الجديد فأجرى اسمعيل باشا تعيين العمدة وشرعت في التحقيقات ورؤية 
الدعاوي المتصدرة من بعض الأهالي على مظهر أفندي وعبد الرزاق أفندي على أن مظهر 
أفندي قد كان متجلداً ولزم الانكار المجرّد في جميع حركاته وسكناته فلم يزلٌ بكلمة وأما 
عبد الرزاق افندي فكان منحل العزيمة واقرّ بارتكابات شتى فعلها بالاشتراك مع مظهر افندي 
في جملتها قتلهما الشيخ نصر ولما تمّ استنطاقهما أرسلا مع عمدة التحقيق إلى بيروت بناءً 
على امر فؤاد باشا لأجل إبراز الحكم عليهما في المجلس الكبير وبعد مراجعة الاستنطاقات 


252 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


فيه حكمٌ بنفي عبد الرزاق افندي نفياً مؤبداً عن اللاذقية وحرمان مظهر أفندي من خدمات 
الدولة على أن هذا الحكم لم يستمرّ مفعولة ثابتاً فإن عبد الرزاق افندي توجه إلى الاستانة وأقام 
فيها نحو سنة ثم استحصل فرماناً بالعفو عنةٌ والاذن له بالرجوع إلى وطنه فعاد إلى اللاذقية 
كما أن مظهر افندي بعد سنين قليلة استخدمتة الدولة وعينته قائم مقاماً لطرسوس ثم في أثناء 
وجود اسمعيل باشا في اللاذقية حدث خصام فيها بين الروم واللاتين وسببه ان الروم شرعوا 
بتجديد كنيسة ماري سابا وكان في دار الكنيسة بعض قبور للاتين فجاء بعضهم وقصدوا أن يفصلوا 
القطعة التي كانت فيها تلك القبور عن دار الكنيسة بحائط ليستقل بها اللاتين فاعترضتهم الروم 
وتصدر للمناضلة عن ذلك من طرف الروم الخواجه الياس مرقص قنصل دولة روسيا فتعصب 
اسمعيل باشا للاتين واشتدت المحاوره لأجل ذلك في دار الكنيسة فيما بين الخواجه الياس مرقص 
وبين اسماعيل باشا والخواجه لوسين جفروا قنصل فرنسا والخواجه الفونس لازري قنصل النمسا 
ثم توقف العمل بناء ان يصير حل هذه المسألة بواسطة القناصل الجنرالية في بيروت ثم كتب 
كل من قنصل فرنسا وقنصل روسيه إلى قونصله الجنرال فجاء من قبّل كلٍ من الجنرالين مأمور 
إلى اللاذقية ولدى البحث وجد أمر قديم من سليمان باشا والي عكاء ورد بأثر منازعة جرت بين 
الروم واللاتين نظير هذه المنازعمة يتضمن الحكم ببأن الكنيسة والمقبرة التي فيها جميعاً ملك 
الروم وليس لهم شريك فيهما فحينئذ اتفق المأموران على اعطاء القطعة الواقع عليها النزاع إلى 
اللاتين بثمن قدره ألف فرنك تدفع إلى طائفة الروم وتم ذلك. ثم سافر اسمعيل باشا المجري 
إلى بيروت فوقع بينه وبين فؤاد باشا تنافر بعثه على الاستعفاء من خدمة الدولة والتوجه إلى 
انكليتره ومات فيها بعد عهد غير بعيد ثم في ربيع سنة 1861 قام عزت افندي القائم مقام بفرقته 
من العساكر إلى جبال النصيرية لأجل التحصيلات وفي أثناء وجوده فيها انتشرت رائحة فتنة في 
جبل الأكراد ضد نصارى قرية كنسبا فإن محمد آغا يونسو احد آغاوات جيل الأكراد وأكثرهم 
سطوةً ونفوذاً كان وقتئذ مديراً في جسر الشغور فجاء إلى جبل الأكراد لأجل قطع سعر الدخان 
مع نصارى كنسبا السماسره وبعض تجار اللاذقية النصارى وقصد قطعه بسعر باهظ فلم يوافق 


253 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


التجار والسماسره على ذلك فاغتاظ منهم وتهددهم ثم هيّج اغاوات جبل الأكراد والأهالي على 
عدم ايفائهم شيئاً من مطاليبهم بدعواهُ انها جميعها أرباح ربحوها من جبل الأكراد واستعمل 
غير ذلك من التهديدات ظناً منة أن الظروف تساعده مع أن فؤاد باشا كان لم يزل ما بارح 
سوريا فخاف نصارى كنسبا العاقبة وكتبوا إلى المطران والقناصل يعلمونهم بالقصة ولما بلغ 
عزت افندي هذا الخبر ارسل بالحال علي آغا هرون وجبرائيل افندي عطااللّه إلى جبل الأكراد 
لأجل اصلاح ذات البين واطفاء الفتنة بالحكمة فلم يتمكنا من ذلك وازداد هيجان الفتنة عوض 
انطفائها حتى أن آغاوات جبل الأكراد أعطوهما جواباً خطياً تحت امضائهم واختامهم بأنهم لا 
يضمنون سلامة نصارى كنسبا من الخطر فسارا من جبل الأكراد إلى الباير وعرضا منة إلى عزت 
افندي واقعة الحال فتكّدر من ذلك وأمرهما بالرجوع إلى البلده ثم ارسل عوضهما مصطفى 
افندي مفتي اللاذقية وبكباشي العساكر النظامية والياس افندي صوايا فساروا إلى جبل الأكراد 
وكانت جمعية الأهالي فيه قد انفضّت على عزم الايقاع بالنصارى فاجتمعوا مع محمد آغا 
يونسو ثم جمعوا عنده الآغاوات والوجوه وتداخلوا معهم بالأماليب الحسنة وحَلُُوا ذلك المشكل 
وحددوا سعر الدخان بقيمة مناسبة واستحصلوا صكاً من أغاوات جبل الأكراد بضمانة سلامة 
مسيحيي كنسبا من الخطر وكان الحصول على جميع ذلك بحكمة وحسن تصرف الياس افندي 
صوايا ثم عادوا ناجحين وسكنت بعد ذلك الأحوال وفي خريف السنة المرقومة ارسل شرواني 
زاده رشدي افندي مفتي مأمورية اصلاحات سورية يشور على عزت افندي قائم مقام اللاذقية 
أن يقبل مأمورية أقلام جبل لبنان بمعية داود باشا الذي عْيّن متصرفاً للجبل المذكور فقبل 
وسار إلى بيروت وخلفه في قائم مقامية اللاذقية ابراهيم باشا وكان المعسكر لم يزل في 
جبل النصيرية فسار إليه وأقام مدةً فيه مشتغلاً بالتحصيلات وألقى القبض في اثناء ذلك على 
مقدمي القرداحة وارسلهم إلى بيروت فتبعهم القس ضدسس الأميركاني وتوسط أمرهم بواسطة 
المأمور الذي كان من قبّل دولة انكليتره في قومسيون اصلاحات سورية الدولي فأطلقوا وعادوا 
إلى القرداحة وفي نيسان سنة 1862 عُزل ابراهيم باشا وكان مدمناً على شرب المسكرات فمرض 


254 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


في اللاذقية ولبث بعد عزله مدة مريضاً ثم سافر إلى الاسكندرية ومات فيها ثم خلفه في 
قائم مقامية اللاذقية صالح بك وفيها في أيلول قدم إلى اللاذقية عمر باشا الداغستاني الفريق 
بمأمورية الإصلاحات والتحصيلات ومعهً نظيف افندي مأموراً ملكياً فسار عمر باشا بفرقة 
من العساكر إلى جبل النصيرية وأقام فيه مدة ثم عاد إلى اللاذقية وبقيت فرقة العساكر 
في الجبل لأجل التحصيلات. وفيها تحققت حكومة حلب مظالم وتعديات محمد أغا يونسو 
مدير جسر الشغور وعلمت أنه بنى حصناً في قرية شنبر وذْخَرهُ بالبارود والرصاص فأرسلت 
إليه العساكر فقبضوا على ابنه رشيد آغا ونهبوا الحصن وهدموةُ أما هو فهرب إلى اللاذقية 
والتجأ في بيت الخواجه كريرس قنصل انكليتره ولما بلغ عمر باشا الداغستاني ذلك أرسل 
فطلبه من القنصل فلم يسلمه اياه فأرسل عسكراً يحرس منافذ البيت كيلا يهرب ثم كتب 
كلّ من عمر باشا وقنصل انكلتره إلى ولي امره في بيروت واقعة الحال وكان أهالي الجسر 
يطلبون من الحكومة إرسال محمد أآغا يونسو إلى انطاكيه ليحاكموة فيها على المظالم التي 
عاملهم بها لكون أنطاكية هي مرجع مديرية الجسر وهي أقرب مجالاً للأهالي أما محمد آغا 
يونسو فكان يحاذر ذلك فقر القرار فيما بين الولاية وقونصلاتو جنرالية انكليتره في بيروت 
أن يصير تسليم محمد آغا يونسو للحكومة على شرط أن تصير محاكمته في اللاذقية لا في 
انطاكيه فسلمه الخواجه كريرس إلى حكومة اللاذقية واستمر مدةً في سجنها تحت الاستنطاق 
والمحاكمه ثم أرسل إلى بيروت حيثما أقام مدةٌ ثم جرت تخلية سبيله وفيها في شهر أيلول 
عاد عمر باشا الداغستاني إلى بيروت وفي شهر تشرين الأول قدم أحمد باشا والي صيدا 
من بيروت إلى اللاذقية مصحباً معهٌ بعض أعضاء المجلس الكبير للتحقيق على ما كان قد 
انتشر من اخبار ارتكاب الرشوة وعدم الاستقامة في مأمورية القرعة العسكرية التي كانت 
تجري وقتئذ في جبال النصيرية ولدى وصوله استدعى إليه مأموري القرعة وهما علي رضى 
بك امير الالاي وكنج آغا هارون ووضعهما في السجن ووضع معهما علي آغا هارون مأمور 
الأملاك ثم اطلقه بعد أيام قليلة وعاد إلى بيروت مصحباً معهُ علي رضى بك وكنج آغا فحُجز 


علي كنج آغا في بيروت نحو ثمانية أشهر ثم جرت تخلية سبيله وعاد إلى اللاذقية ثم مد 


255 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


السلك التلغرافي منها إلى طرابلس وبيروت وفيها استعفى صالح بك من قائم مقامية اللاذقية 
وخلفه اسكندر بك وفي شهر كانون الثاني سنة 1863 تم ربط سلك التلغراف من اللاذقية مع 
حلب وديار بكر حيثما هو مربوط من الطرف الواحد مع بغداد ومن الطرف الثاني مع الاستانة 
وفيها في شهر نيسان وقع شقاق في المرقب بين بني عذراء المسلمين وبين بني عرنوق 
النصارى فسار بنوا عذرا برجالهم لمهاجمة قرية المتن فخرج أهاليها المسيحيون مع بني عرنوق 
لدفعهم فجرت بين الفريقين معركة ذهبت بأثرها مجروحان من كل طرف ثم جمع بنو عذرا 
أهالي القرى من جهات المرقب وزمرين وغيرهما وقصدوا قرية المتن ثانيةً فلما أحس بهم 
المسيحيون هربوا بغتةً فدخل بنو عذرا القرية ونهبوها وسلبوا امتعة الكنيسة ولما ورد الخبر 
إلى اللاذقية سار اسكندر بك القائم مقام إلى مكان الحادثة وسافر المطران ارتاميوس مطران 
اللاذقية وجبرائيل افندي عطااللّه عضو طائفة الروم في المجلس إلى بيروت وقدما الشكوى إلى 
أحمد باشا قيصرلي الوالي فجاءً معهما بنفسه إلى المرقب براً وقبض على سبعة عشر شخصاً 
من رؤساء الحركة المسلمين واستحصل قسماً من المنهوبات وردهُ بعينه إلى أصحابه ثم أخذ 
تعهداً من الأهالي المسلمين بارجاع بقية المسلوبات في برهة 15 يوماً على أنهم إن لم يجدوها 
ويردوها يدفعوا قيمتها العادلة وأنهم يلتزمون عدم صدور قباحة من أحد منهم ويسلمون كل 
مَن يرتكب شيئاً من ذلك إلى الحكومة لكي تجري جزاءه وأن كل مَن يتهاون بتسليم المذنب 
يُقاصٌ بذنبه ثم سمح للمنهوبين بستة آلاف غرش فوق ما تعوض عليهم للاعانة على معاشهم 
وعاد بعد ذلك إلى بيروت مصحباً معه المقبوض عليهم من بني عذرا وبعد وصوله إلى بيروت 
نفى بعضهم إلى ما وراء الاستانه نفياً موقتاً فمات أكثرهم في المنفى وعاد بعضهم بعد أن 
قضوا المدة المعيّنة إلى المرقب. 

وفيها عاد عمر باشا الداغستاني بمأمورية الإصلاحات والتحصيلات أيضاً إلى اللاذقية 
وسار بفرقة من العساكر إلى الجبال وأقام فيها اشهرا وسلك مع النصيرية باللين فكانت 
أمور التحصيلات والقرعة العسكرية تجري ببطؤ وكاد يحصل تشويش وخلل بواسطة فساد 
اسماعيل عثمان أحد مقدمي القرداحة فأنة أغرى أهل النويصرة مع التظاهر بالعصيان وكان 


256 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


عندهم إذ ذاك موسى ابن الخواجه الياس موسى الياس قنصل انكليتره سابقاً كان مرسلاً من قبَل 
ابيه وعمه الخواجه يعقوب الياس قنصل بروسيا لأجل تنزيل دخانهم الذي كانا قد اتفقا معهم 
عل دفع ثمنه إلى الحكومة من أصل المال المطلوب منهم فحجزوة عن النزول إلى البلد مالم 
يدفع لهم ثمن الدخان المذكور غير قابلين بدفعه للحكومة فبلغ أباه وعمة ذلك فأرسلا يطلبانه 
من عمر باشا وكان اسماعيل عثمان كتب إليه يخبره عن تظاهر النواصره بالعصيان ويثلب بحقهم 
تظاهراً بأن لا مداخلة له معهم فارتبك عمر باشا في ذلك واحتار ما بين أن يرسل العساكر لتنكيلهم 
وأن يستعمل وسايط أخرى وكان عنده يومئذ الياس افندي صوايا فعرف أن في الأمر حيلة عالماً 
أن أهالي النواصره لا يقدرون على اشهار راية التمرد والعصيان إلا بموافقة ورضى اسمعيل عثمان 
وباقي مقدمي القرداحة وتسلطهم عليهم نظراً لانحصار جبلهم من كل ناحية بمقاطعة القرداحة 
فاستأذن من عمر باشا بأن يذهب هو وحدهٌُ ويصرف هذا الأمر بلا حاجة إلى إرسال العساكر 
فاذن له فسار وبلغ مساءً إلى القرداحة فلم يشاهد اسمعيل عثمان فيها فإنة كان في جبل 
النواصره فبات تلك الليلة في القرداحة واجتمع إليه مقدموها يسألونة عن سبب مجيئه فأفهمهم 
أنه ذاهب إلى النواصرة من قبل عمر باشا ليرى سبب عصيانهم فلما فهموا منهٌ ذلك أرسلوا 
بالحال يخبرون اسماعيل عثمان سراً بالأمر فنهض حالاً وجاء إلى القرداحة ليلاً وفي السحر اجتمع 
بالياس افندي صوايا وجعل يحذره من الذهاب إلى النواصره ويهوّل عليه الخطر الذي يحيق به 
إذا سار إليهم فتأكد الياس افندي حينئذ الحيلة وأجابة أنة لا يمكنة إِلَا أن يتمم أمر عمر باشا فلما 
رأى اسمعيل عثمان اصراره على الذهاب خشي من أنة إذا تركه يذهب تنكشف حيله ومفاسده 
فترجاة أن يبقى في القرداحة وتعهد له باحضار موسى الياس وتسكين أهالي النواصره واستحضر 
موسى الياس فأرسل إلى ابيه وعاد الياس افندي إلى المعسكر فسرّ عمر باشا بما أجراه. وفيها 
أي في سنة 1863 توفي الخواجه ثيوذوري ويتالي قنصل هولاندا وخلفه في وظيفته ابن اخيه 
الخواجه نقولا ويتالي وفيها عزل اسكندر بك القائم مقام وخلفه اسمعيل بك وعاد عمر باشا 
الداغستاني إلى بيروت وفي ايام اسمعيل بك وقعت فتنة بين طائفة الروم منشأها أن الخواجه 


207 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


الياس مرقص وكيل قونصل روسيه تنافر مع اسمعيل بك فكتب اسمعيل بك له تحريراً دفعه إلى 
جبرائيل افندي عطا اللّه ليوصله له ويبلغه كلاماً شفاهياً فسار إليه وأعطاه التحرير فلما قرأه 
غضب وطرح التحرير إلى الأرض وتكلم مع جبرائيل افندي عطا اللّه كلاماً حاداً فأجابةٌ بمثلهه 
واشتبك بينهما خصام بسبب ذلك فاضمر حينئذ الخواجه الياس مرقص الشر إلى جبرائيل افندي 
عطااللّه وحصل بعد مدة على عرضحال مختوم من كثيرين من الطائفة باسم الحكومة المحلية 
يتضمن طلب عزله من عضوية المجلس وتعيين جرجس افندي ميخائيل الياس الذي كان أمين 
صندوق الحكومة عوضه فلما بلغ جبرائيل افندي عطا اللّه ذلك جاء إلى الياس افندي صوايا 
وطلب منة أن يساعده هو وأصحابه في هذه المسألة فساعدوة وجرى استحصال عرض حال 
من الطائفة ضد ذاك العرض يتضمن أن العرض الأول ختم فيه كثيرون بالحيله بدون أن يعرفوا 
حقيقة مضمونه وكان المطران ارثاميوس متحزباً للخواجه الياس مرقص وقد دفع له ختمة يكتب 
مايختارهُ عن لسانه للحكومة وكانت الحكومة المحلية متحزبة لجبرائيل أفندي عطا الله فبعد 
تبادل مكاتبات حادة بين الجهتين رُفعت القضية إلى حكومة الايالة فصدر أمر الوالي لحكومة 
اللاذقية بابقاء جبرائيل افندي عطا الله في عضوية المجلس وعدم الالتفات لتحريك المتحزبين 
ضدهُ فاستمر في العضوية إلى حين التشكيلات التي سيأتي ذكرها التي في قوانينها تعيين 
الاعضاء بالانتخاب فأنتُخب حينئذ جرجس افندي ميخائيل الياس باتفاق الحزيبين حسما للنزاع. 
أما نصيرية الجبال فقد كانوا في أيام اسمعيل بك كما في أيام القائم مقامين الذين سلفوهُ حتى 
وفي حال وجود عمر باشا والعساكر في الجبال غير سالكين سلوكاً تاماً في سبيل الطاعة والانقياد 
للحكومة وكانوا حيناً فحيناً يتعدون على ابناء السبيل ويسلبون ما يقع بأيديهم وكانت الحكومة 
تتساهل في صرف الأمور معهم سواء كان من جهة التحصيلات أم من جهة القرعة العسكرية 
أما مسلوبات الأهالي ومطاليب وحقوق التجار فقلما كان يُلتفّت إليها كما هو الحال في أكثر 
الأوقات إذا لم نقّل في جميعها على أن اسمعيل بك كانت له غيره على وقاية المزروعات في 
قرى الساحل حيثما تنتهي سطوته فكان يلزم كل صاحب دابة أطلقت على المزروعات بدفع جزاء 


258 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


نقدي بلا تساهل فسلمت بذلك مزروعات تلك السنة من الأضرار التي طالما تصيبها من جراء 
اطلاق الدواب فيها كما هي عادة النصيرية الذميمة التي قلما يعتني أحد من حكام اللاذقية 
بابطالها وفي شهر نيسان سنة 1865 غيرت الدولة ترتيب الايالات في مملكتها وضمتها إلى ولايات 
ودعت هذا التغيير تشكيلات فجعلت أيالة صيدا وأيالة الشام ومتصرفية القدس ولاية واحدة 
مقسومة إلى ألوية والألوية إلى قضاوات والقضاء إلى نواحي وجعلت لقب حاكم اللواء قائم 
مقاماً وحاكم القضاء مديراً فتالئف في سوريا قومسيون (عمدة) من كبار المأمورين لترتيب 
الألوية والقضاوات وكان حمدي بك قائم مقام طرابلس إذ ذاك منسوباً إلى بعض أعضاء القومسيون 
المذكور فلكي يوسعوا دائرة حكومة الغوا لواء اللاذقية وقسموه إلى قضاوات وألحقوها جميعها 
إلى طرابلوس فضاقت دائرة حكومة اللاذقية وقسم لواءها القديم إلى أربعة قضاوات مستقلة أي 
كل منها مرجعه إلى طرابلس مركز المتصرفية رأساً وهي قضاء اللاذقية وقد تألف من المدينة 
والساحل والبهلولية والباير والبوجاق وقضاء صهيون وقد تألف من نواحي صهيون وجبل الأكراد 
وبيت الشلف والمهالبة ومركزه قرية بابنا وقد عُيّن مديراً لهٌ محمود آغا خزنذار وقضاء جبله 
وقد تألف من نفس جبله وقرى الوقف والشمسيات ونواحي بني علي والقرداحة والسمت 
قبله وقد عَيّن مديراً له على آغا هرون وقضاء المرقب وقد تألف من نواحي المرقب وزمرين 
والخوابي والقدموس ومركزه قلعة المرقب. وقد عُين في اللاذقية سعدالله بك مديراً والياس 
افندي صوايا كاتب مال عوض مدير الال وكان قبل ذلك معاوناً له ثم جرى تغيير هيئة 
الإدارات فأقيم في اللاذقية مجلس إدارة تنقسم اعضاؤهُ إلى قسمين اعضاء طبيعية أو دائمة 
وأعضاء غير طبيعية أو موقته فالأعضاء الدائمة هم النائب والمفتي والرؤساء الروحيون وكاتب 
المال والأعضاء المؤقتة هم الذين يجري انتخابهم بمعرفة الأهالي ويتغير كل منهم أو يتجدد 
انتخابه كل سنتين وهم أربعة أعضاء اثنان مسلمان وواحد روم وواحد ماروني وهذا المجلس من 
متعلقاته جميع الأمور الأميرية والسياسية ورئيسه المدير ومجلس دعاوي يتألف من أربعة أعضاء 


مسلم وروم وارمني ونصيري وجميعهم من الأعضاء الموقتة يتغير أو يتجدد انتخاب كل منهم كل 


259 


آثار الحقب في للاقة العرب 


سنتين ومن متعلقات هذا المجلس فصل الدعاوي الحقوقية والجنائية ورئيسه النائب ولكلٍ من 
هذين المجلسين كاتب لكنة ليس له صوت في المجلس على أن من هؤلاء الكتاب من يحصر 
إدارة المجلس بيده إذا كان ذا استعداد ولئن لم يكن له صوت فيه. ومجلس بلدي يتألف من رئيس 
مسلم وأربعة اعضاء اثنين مسلمين وواحد روم وواحد ماروني وكلهم ينتخبون بمعرفة الحكومة 
وليس لانتخابهم مدة معبّنة ومن متعلقات هذا المجلس اصلاح البلدة واجراء التحسينات فيها 
ووارداته تبلغ نحو خمسة وعشرين ألف غرش سنوياً وهي رسومات مرتبة على المجزر والسمك 
وغيرهما خلا ما يدخل من الجزاء النقدي وجميعها تستهلك بلا فائدة للمدينة لآن نصفها يستولي 
عليه مجلس بلدية طرابلس مركز اللواء ولا أدري بأي حق والنصف الآخر يُصرّف علائف للرئيس 
والكاتب وثمن مفروشات وترميمات في دار الحكومة ومع أن المجلس البلدي ينبغي أن يكون من 
أهم المجالس لأنه يشخص بهيئته كل أهالي المدينة فهو بالعكس حطيط المقام ولا تنظر إليه 
الحكومة بعين الاعتبار فلذلك استنكف معتبروا المدينة من الانتظام في سلك اعضائه فبات بلا 
أهمية. ثم فُسمت المدينة إلى دوائر وجُعل لكل دائرة مجلس مؤلف من مختار وأربعة اعضاء 
وجعل للنصارى دوائر مستقلة منهم غير مختلطة مع دوائر المسلمين ومن متعلقات مجلس 
الدائرة أن ينوب بأزاء الحكومة عن اهالي دائرته في انتخاب أعضاء المجالس والأمور العمومية 
على أنه يقال في مجالس الدوائر ما قيل المجلس البلدي فهي نظيره بلا أهمية. ثم عيّن 
في كل قرية من القرى مجلس مؤلف من مختار واعضاء. ومتعلقاته كمتعلقات مجلس الدائرة 
في المدينة. وفي السنة المذكورة شرع بتوسيع أسواق المدينة بواسطة هدم مصاطب الدكاكين 
التي كانت بارزة على مساواة أبوابها ورصف الأزقة والشوارع على مصروف الأهالي على أن 
الرصف المذكور ليس بشيء حَسَن فإن حجارته خشنة محدبة تتلف الأحذية وتوجع الأقدام 
وفيها قدم حمدي باشا قائم مقام اللواء إلى اللاذقية وأحال مال قرى الساحل إلى عشر وأعطاه 
بالالتزام في المزايدة وكانت قبل ذلك مالاً مقطوعاً ثم عاد إلى طرابلس وجاء بعد ذلك مرةً 
ثانية وسار إلى صهيون لأن مقدمي بيت الشلف كانوا قد تخلفوا عن تقديم الأنفار العسكرية 


200 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


للقرعة فكتب محمود آغا خزندار مدير صهيون إلى حمدي باشا يفيدهة عن تخلفهم وينسبهم 
إلى التمرد والعصيان غير أن سعداللّه بك مدير اللاذقية كتب إليه بعكس ذلك ونسب محمود 
آغا إلى التعصب ضدهم وذلك لأن المقدمين كانوا قد قدموا عرضاً إلى سعداللّه بك يعلنون فيه 
طاعتهم واستعدادهم لتقديم الأنفار إلا أنهم لا يريدون أن يكونوا ملحقين إلى مديرية صهيون 
ويطلبون الحاقهم إلى مديرية اللاذقية فجاء حمدي باشا ليكشف حقيقة الأمر ثم سار إلى بيت 
الشلف فاستقبله المقدمون مظهرين له الطاعة والانقياد ووعدوة بتقديم الانفار بعد أيام ولما 
جاء الميعاد اخلفوا بوعدهم وما زالوا يعدونه ويخلفون حتى مل من الانتظار وأخيراً بعثوا إليه 
بعض أنفار غير أهل للعسكرية فتأكد إذذاك خبثهم وعدم خلوصهم وقيّد أنفارهم جميعاً عسكراً 
بلا قرعة. وفيها توفي المطران ارثاميوس في قرية المتن من أعمال المرقب في السنة الحادية 
والثلاثئين من رياسته ووقع شقاق بين الروم لعدم اتفاقهم على شخص ينتخبونةٌ خلفاً له فأصلح 
البطريرك الانطاكي السيد ايروثيوس بينهم بانتخابه الشماس ملاتيوس دوماني الدمشقي ورسامته 
اياه مطراناً لهم ثم استرضى الحزبين المختلفين فقبلاهُ وجاء إلى اللاذقية في شهر تشرين الثاني 
من السنة المذكوره. وفيها توفي الخواجه بندلي زخريا وكيل قونسلوس اليونان في اللاذقية وهو 
أخو المطران ارثاميوس فولجت قونسلاتو بيروت الخواجه الياس مرقص بإدارة الوكالة موقتاً فنوي 
على استحصال الاصالة وجعل يسعى بذلك فوقع هذا الأمر موقعاً مؤثراً على الخواجات ويتالي 
لأنهم اعتبروةهٌُ تعدياً عليهم لكونهم يونان الأصل ولهم الأولوية بالقنصلية على الأجنبي فنشأت 
عن ذلك فتنة بينهم وبين الخواجه الياس مرقص وتحزب اليونان جميعهم للخواجات ويتالي 
واستدعوا فصل الخواجه مرقص عن الإدارة الموقتة وتعيين الخواجه اسكندر ويتالي ويكلاً اصيلاً 
للقونسلاتو فورد الأمر من وزارة اليونان باجابة التماسهم واستلم الخواجه اسكندر ويتالي الوظيفة. 
وفيها انتشر الهواء الأصفر في سوريا ممتداً إليها من الحجاز عن طريق القطر المصري وعم 
فيها كل المدن ما خلا مدينة اللاذقية فأنها سلمت منهة بمفردها بين جميع المدن السورية 
وذلك من الغرائب مع أنها ولئن كانت قد جرت فيها قوانين التحفظ لم تسلم من التعرض 


261 


آثار الحقب في للاقة العرب 


للخطر إذ قد التجأ إليها عدد وافر من الناس هاربين من القطر المصري وغيره حاملين رائحة 
هذا الوباء المريع لكنها مع ذلك قد سلمت منة بسر غريب ثم دخلت سنة 1866 وفيها جاء إلى 
اللاذقية مأمورون من قبل حكومة الولاية وعدوا نفوسها ومسقفاتها ورتبوا على أهالي المدينة 
عموماً رسم التمتعات وعلى النصارى خصوصاً رسم العسكرية على تعديلٍ جديد وعلى المسقفات 
رسم الويركو وذلك بمعرفة مجالس الدوائر وبعض أعضاء أضيفوا إليهم من قبل الحكومة ولما 
انتهى ذلك صادقت مجالس الدوائر على دفاتر هذه الرسومات الكائنة بيد المأمورين المذكورين 
بدون أن تُجمّع مبالغها وتفقط لفضلة من مجالس الدوائر فزاد المأمورون بعد ذلك ما أرادوهُ على 
رسم كل اسم استحسنوا أن يزيدوا رسمه وترسخ ذلك في دفاتر الحكومة على الأهالي ولحقهم 
بواسطة غدر ولا سيما النصارى فإن أكثر الزيادة ضمت عليهم وقد غُدروا أيضاً بواسطة عدد 
الأنفس التي نزحت منهم من المدينة وتوطنت في مدن أخرى واضافة رسم عسكريتها عليهم 
وهو يبلغ نحو عشرة آلاف غرش سنوياً على النصارى لم يدفعوا ذلك وتشكو للحكومة لأجله ولا 
يزالون يلتمسون منها رفعه عنه وهو يتقيد عليهم في جملة البقايا من سنة إلى أخرى. وفيها تمرد 
أهالي جبل دريوس فسار إليهم محمود آغا خزندار مدير صهيون ببعض العساكر واحرق بعض 
قراهم وتمرد اهالي القرداحة فتقدم حمدي باشا من طرابلس وسار إلى تلك المقاطعة بشرذمة 
من العساكر وأحرق قراهم. وفيها غزل علي آغا هارون مدير قضاء جبله وخلفه طاهر افندي 
وغزل الخواجه اسبريدون ويتالي من قنصلية أميركا وتعين مكانه الدوكتور داود مثيني الاميركاني 
وفيها أحدث القبطان ميشيل الفرنساوي الفنارات أي المنارات لهداية المراكب في شطوط سوريا 
باتفاق مع الدولة العثمانية فانشأ في اللاذقية فنارين أحدهما في قلعة المينا ثابت لون نوره 
أحمر للدلالة على المراسي والآخر في راس ابن هاني دوّار لون نوره اعتيادي للدلالة على وجود 
الرأس. ثم دخلت سنة 1867 وفيها عُزل سعداللّه بك عن اللاذقية وخلفه حالت بك وهو صهر 
راشد باشا والي سوريا زوج اخته وعزل محمود أغا خزندار عن صهيون وخلفه زاكي افندي وفيها 
غيرت الدولة القاب المأمورين فجعلت لقب حاكم اللواء متصرفاً وحاكم القضاء قائم مقاماً 


262 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


ولقب كاتب مال القضاء مدير مال ولم يكن في حكومة اللاذقية مديراً مستقلاً للتحريرات بعد 
التشكيلات بل كانت كتابة التحريرات فرعاً من فروع مديرية المال فجّعلت في هذه السنة دائرة 
مستقلة وعْيّن ابرهيم افندي حكيم مديراً لها وعُدََ في جملة الاعضاء الدائمة في مجلس الإدارة 
وفيها عزل طاهر أفندي من قائم مقامية جبله وخلفه علي رضى أفندي وفي هذه الاثناء كثرت 
الشرور والفتن في جبال النصيرية وانتشرت لصوصهم في الطرقات وتفاقمت التعديات والخطف 
على أبناء السبيل ومما زاد الأحوال خلالاً تفريق القوة عن الجبال بواسطة تقسيم لواء اللاذقية 
فكان إذا عانت نصيرية احدى القضاوات في قضاء آخر وسلبوا راحة سكانه لا يتوصل حاكم 
ذلك القضاء إلى تأديبهم لكونهم تحت تسلط حاكم غيره. ولما عظم الاختلال تشكت حكومة 
اللاذقية من ذلك فقدم إليها خورشيد باشا متصرف اللواء من طرابلس لأجل الإصلاح وأقام بعض 
أيام في اللاذقية حيثما وقف على بعض حقائق من جهة أحوال النصيرية ثم سار إلى جبله 
وألف فيها معسكراً من الجنود النظامية ومن الأهالي الذين استدعاهم من المقاطعات الإسلامية 
وسار به وصدم قرية البودي التي هي أمنع قرية في جبل بني علي فاشتبك القتال بين 
أهلها والمنحازين إليهم وبين العسكر فتغلبت النصيرية على العسكر ودفعتهم إلى الوراء فوقع 
الفشل بينهم ورجعوا على الأعقاب وتبعت النصيرية أثرهم وأوقعت بهم وما زالوا يولون الأدبار 
حتى انتهوا إلى جبله وقد فقتل منهم كثيرون فساء ذلك خورشيد باشا وقرر الواقع إلى الولاية 
فانجدتة بطابور من العساكر النظامية فقام به وبالعساكر الأخرى ودهم البودي ثانية على أهلها 
والمنحازين إليهم وقتل منهم كثيرين وأحرق جانباً من القرية ثم عاد إلى جبله ظافراً فاستولى 
حينئذ الرعب على جمهور النصيريه وصار كل فريق منهم يتظاهر بالطاعة والانقياد وعدم الاشتراك 
مع أصحاب القلاقل وقدم بعض المقدمين إلى خورشيد باشا يظهرون خضوعهم فكان كل ما وفد 
إليه وافد منهم يستقبله بالبشاشة واللين ويُطلق له الحرية بالذهاب والحضور ويعدة بالإكرام 
والحسنى حتى استأنسوا جميعهم واستأمنوا على نفوسهم ولم يبق للخوف من باعث عندهم 
ولما شعر منهم بذلك قام من جبله إلى صهيون واستدعى إليه جميع مقدمي ورؤساء النصيرية 


2063 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


بوسيلة أن له مذاكرات معهم عائدة لخيرهم فسعوا جميعاً إليه آمنين مطمئنين فجعل يلاطف 
كل قادم منهم كعادته ويستميله بالحديث والمذاكرة ولما عرف أنه قد كمل وفدهم واجتمعوا 
جميعاً في محل واحد أمر فرقةً من العساكر فانطبقت عليهم من كل جانب وقبضت على 
جميعهم وقيدتهم وكانوا اثنين وسبعين نفساً كلهم من المقدمين والوجوه وفي جملتهم الشيخ 
ابرهيم سعيد أكبر مشائخ فرقة الكلازية وساقتهم إلى جبله وكان خورشيد باشا قد كتب إلى 
الولاية فجاءةته باخرة عثمانية فشحنهم فيها من جبله إلى طرابلس وأودعوا في قلعتها وهذه 
هي المرة الأولى التي وقع فيها هذا المقدار من مقدمي ووجوه النصيرية من جميع المقاطعات 
دفعة واحدة في يد الحكومة ثم أن خورشيد باشا سار من جبله إلى اللاذقية وشرع في تمهيد 
الأحوال وأصدر بيورلديات إلى القائم مقاميات تتضمن بعض تعليمات وهذه صورة البيورلدي 
الصادر منة إلى قائم مقامية اللاذقية بحروفه. 

مفاخر الأماجد والأكارم حاوي المحامد والمكارم قائم مقام اللاذقية رفعتلو حالت افندي 
دام مجده وعمدة العلماء الكرام مكرمتلو نائب افندي ومفتي افندي زيد علمهما ومفاخر الأماجد 
اعضاء مجلسي الإدارة والدعاوي ووجوه المملكة وأعضاء مجلس التجارة والبلدية وقومسيون 
الأملاك رفعتلو وفتوتلو وحميتلو افنديه واغاوات زيد مجدهم ومفاخر الاماثل مختارين واعضاء 
مجالس الدوائر وعموم اختيارية الأهالي زيد قدرهم المنهي اليكم كما قد صار معلوم الجميع 
أنه بناء على الأوامر والإرادة الكريمة المعطاة لنا من جانب عالي الولاية الجليلة بحق اصلاح 
احوال قضاءي جبله وصهيون واستئصال جماعة الاشقياء وقطع عنصر الشقاوة والفساد الممتتد 
من القديم إلى الآن في القضاءين المذكورين وإعادة الأمنية العمومية لمركزها واستحصال راحة 
الأهالي وديعة رب الكبريا بيد الخلافة العظمى فحين وصولي إلى طرابلس شام مركز المتصرفية 
المتحوله لعهدتي قد تجردت لحضوري بالذات فوراً لهذا الجانب قبل أن آخذ أقل راحة وحيث 
بوصولي إلى ههنا قد وجدت أن اشقياء نصيرية أولئك القضائين قد تمادوا بالفضائح من قتل 
ونهب وسلب وقطع الطرقات حتى ما بقي امنية لابناء السبيل بالمرور في طريق اللاذقية وجبله 


264 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بدون وجود عساكر ضبطيه لأجل المحافظة ومن الجملة تجاسروا على قتل أونباشي العساكر 
الشاهانيه ونفر ضبطيه وخلافهما أيضاً بالطريق المذكور كما تضمنت لي مفصلات قبائحهم من 
مضابطكم ومضابط قضاء جبله ورابورتات جناب وكلاء قناصل الدول الفخيمة المتحابة المعطاة 
لي ببحث احوال هؤلاء الاشقياء الذين قد أعطوني برهاناً حاضراً أيضاً على شقاوتهم بحضور 
جماعة منهم بعد وصولي للاذقية بيومين ثلاثة إلى قرية القنجره الكائنة بمسافة ساعة زمان 
عن البلدة وشلحوا ثلاثة أربعة أشخاص معلومين من أهالي اللاذقية بذاك المحل وجرحوهم 
واغتصبوا منهم ما كان معهم الأمر الذي قد اشرّ بنا جداً وبدون أخذ راحة أيضاً قد هرعت 
بالعزيمة لمركز قضاء جبله حيث وجدت نواحي القرداحة وجبال الكلبيه والبودي التابعات 
للقضاء المذكور أكثر شراً وشقاوةً وطغياناً عن غيرهم وبالتوكل على العناية الصمدانية والاستمداد 
بروحانية حضرة سيد المرسلين شرعت بإجراء الإصلاح على ما تقضيه المواقع والأحوال وتوفيقاً 
للمعدلة السنية الملوكانية قد بذلت بأول الأمر أنواع النصائح اللازسة إلى أهالي تلك المحلات 
ليتجردوا عن هذا التمرد والشقاوة ويهرعوا إلى تحت أقدام الحكومة السنية مسلمين اشقياءهم 
وسالكين جادة الطاعة والاستقامة قولاً وفعلاً ولكن حيث ما حصل لذلك النصح من تأثير فصار 
سوق العساكر الملوكانية المظفّرة على المحلات اللازمة واجراء التربية العادلة بحقهم وبظل 
الموفقيه الملوكية صار القبض حرباً وقهراً وتدبيراً على رؤسائهم واشقيائهم ورؤساء بيت الشلف 
وأشقيائها المحركين الفساد والقوة العاملة لتمرد الأهالي عن الانقياد واعطاء الأموال والقرعة 
الشرعية ومطاليب الحكومة السنية والقاطعين الطرقات والسالبين الأمنية من الخاص والعام وصار 
ارسالهم لمركز المتصرفية مع اعطاء التأمينات العمومية لجميع أهالي الجبال الذين يوجودون 
من الآن فصاعداً بصورة الطاعة والانقياد وسوق مأمورين لتلك النواحي مع تسيارالبيورلديات 
القاطعة لأجل القبض على كل نفس وجد في جماعة الاشقياء وها أنه من جراء الإرهاب الذي 
حل بسياسة السطوة القاهرة الملوكانية في قلوب الجميع فأولئك الذين كان لهم العادة من 
القديم إلى الآن أن يمشُوا الاشقياء على الفضائح والحرام ويمنعوا تسليم من تطلبه الحكومة 


265 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


منهم قد اضحوا الآن باقر المهابة والرعب يمسكون مَن يقع بيدهم من اشقيائهم المتهورين 
ويسلمونة لجانب الحكومة كما صار منظور جميعكم ذلك وإن يكن بظل السطوة الملوكانية 
قد جرى من الإصلاح ما يتكفل ديمومة الراحة والامنية وتمتعت الأهالي داخلاً وخارجاً بحرية 
المرور في الصحارى والجبال كما أنهم اعلنوا ممنونيتهم من ذلك بالمحاضر التي قدموها لنا 
بواسطتكم وسيقع باليد أيضاً من كان مختفياً من الاشقياء وقطاع الطريق ويصير استراحة الناس 
من شره وعلى آمال اكمال الاجراءات الإصلاحية قد اخترت الاقامة مدة مناسبة بهذا الطرف غير 
أنه كما هو غني عن البيان أن ديمومة الامنية والاستراحة المطلوبة يحتاج أيضاً لوضع قضية 
الضبط والربط بصورة لا تقبل الفساد والخلل وأن الحكومة المحلية تعرف على الدوام اعتناءها 
بذلك فوان يكن قضاء اللاذقية لا يُعتبّر بمثابة قضاءي جبله وصهيون بكثرة الاشقياء وايصال 
التعدي والاذى والتخلف عن الانقياد غير أنه كما هو أمر محقق بأنة لا يخلو من وجود أشخاص 
اشقياء به حتى ونفس اللاذقية أيضاً لا تخلو من وجود أشخاص مشبوهي الأحوال وبالجملة 
فلا بد من وجود اشخاص بالساحل والنواحي صايرة بيوتهم مأوى الحراميه والمجهولين الأحوال 
كما وعلى ما صرر الاستخبار يوجد بالساحل أكثر الأهالي مألوفين على السرقة والتعدي على 
محصولات بعضهم بعض أما طمعاً وأما مكيدةً وضرراً وعلى هذه الصورة فكثيراً يصبحوا وليس 
على أشجارهم نصف ثمرها وحيث ذلك مغاير الرضى العالي بالكلية وموجب سلب الأمنيه مع 
تخديش الراحة وتكوّن الشر والمقال بين الأهالي فلأجل عدم وجود مجال إلى شخص الفرد بعد 
الآن أن ينوجد بصورة التعدي والفساد قد روي بتعيين الاجراءات اللازمة لهذا الخصوص وافراغها 
بالتسعة بنود الآتي شرحها لتكون من الآن فصاعداً دستور العمل وهو انة: 

أولاً يصير اجراء اصول الكفالة المتسلسلة في كل قرية ومحل بناء أن كل شخص من 
الأهالي يتكفل من آخر والآخر من غيره إلى أن ينوجد جميع الأهالي بوجه الافراد مرتبطة 
بكفالات والذي لا يوجد له كفيل أما لكونه مجهول الأحوال أو لسبب اطوارهة المنفوره 
سيكون بالطبع عرضةً للتهمة ويجري بحقه النظام العالي وعلى هذه الصورة لا يبقى شخص 


2066 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


مجهول وحيث كان ذلك أول الاسباب المتممة لأمر الراحة العمومية فيقضي سرعة المبادرة لاجراه 
أولاً بنفس البلدة ثم وبسائر المحلات ذات الأهالي وأخذ سندات تعهدية ممهورة بذلك. 

ثانياً بما أن المحلات التي يعبر عنها قرايا ومزارع هي عبارة عن كم بيت قلائل واذا وقع 
سرقة بتلك القرية والمحل من أحد أهاليها أو من جماعة أغراب أو اتى إليها حراميه لعند احد 
منهم فلا يخلو الأمر من معرفة أهاليها بذلك فيقتضي جلب مختارين ومجلس اختيارية كل قرية 
بقريتها لمجلس القضاء ويصير ربطهم بتعهد وكفالة على أنه إذا جد بينهم شخص مشبوه أو 
له اسبقية بالسرقة ولو كان حبة زيتون أو بكونه يطق للحراميه أو له تردد ومخالطة مع جماعة 
الأشقياء فعلاً أو رأياً بمجبورين أن يمسكوهُ ويسلموهُ حالاً للحكومة ويبينوا أحواله بمضبطه 
مخصوصه وإن وقع منهم أدنى مسامحة بذلك فهيئة القرية تكون مسؤولة عن تلك الجناية 
وأولئك الأشخاص على أشد درجة المجازاة القانونية ولكي لا يبقى لهم عذر فليكونوا مأذونين 
بناء إذا تمرد ذاك الشخص الحرامي عن تسليم حاله وأشهر السلاح فيصير مقابلته منهم بالمثل 
ومسكه بأي حال كان وجلبه بموجب نظام الدولة العلية لدار الحكومة. 

ثالثاً حيث كان نقل السلاح ممنوع تحت إرادة سنية قاطعة فغير مأذون إلى أحد خلاف 
الضبطية أن ينقل سلاحاً بلا تذكرة رخصة حسب النظام وكل شخص ينقل سلاح بلا تذكرة 
فمجبورين مختارين الدوائر والقرايا ومجالس الاختيارية على جلبه وتسليمه للحكومة وكل محل 
يصير به تسامح بهذا النظام فالجزاء يلزم مختارين ومجالس اختيارية ذاك المحل. 

رابعاً حيث ممنوع نظاماً نقل خانه من قرية إلى قرية بلا رخصة من جانب الحكومة 
فليؤخذ تعهد على مختارين ومجالس القرايا بناء انة إذا أراد أحد من قريتهم ينقل خانته 
فمجبورين لعرض الكيفية بمضبطه للحكومة ولا يدعوهُ ينقل خانته بلا رخصة وهكذا القرية 
التي يريد الانتقال إليها لا تقبله بلا مضبطة رخصة تكون بيده من مجلس قريته مبنية على 
رخصة الحكومة ومن يتعدى ذلك فسيحجازى بموجب القانون العالي وإن صار كتم كيفيته 


267 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


فهيئة القريتين يكونوا مسؤولين شديداً عن ذلك. 

خامساً حيث قضية المرور هي من أهم الأمور الانضباطية وكان من النظامات السنية غير 
جائز إلى أي أحدٍ أن يسافر من قضاء إلى غيره بلا تذكرة مرور من مركز ذاك القضاء فيقتضي 
الإعلان إلى الجميع بناءً ان لا أحد من أهالي اللاذقية يتوجه إلى قضاء آخر بلا تذكرة فيصير 
مسكه وتسليمه لجانب القائم مقامية لتعامله بموجب نظام المرور وكل قرية التي يحضر إليها 
شخص من قضاء آخر بلا تذكره ولا تحر للحكومة فهيئة تلك القرية تكون تحت الجزاء النقدي 
والمسؤولية الشديدة وعلى الخصوص ينبغي التدقيق بقضية نظام المرور فوق الغاية بنفس 
البلدة على الذين يحضروا أو يتوجهوا برا وبحراً. 

سادساً حيث كان جسانب المدعى عليهم لجانب مركز القضاء متوقف على أخذ تذكرة 
احضارية بيد المدعي من جانب الحكومة وعرضها على خصمه والى الآن ما صار اعتبار هذا 
النظام كالواجب ويوجد اشخاص يحاولوا عن الحضور ويحصل لهم المحاماة من مختارين 
ومجالس اختيارية قراياهم وبهذه المحاولة يصير لهم مجال للهروب فلأجل لا يبقى بعد الآن 
مجال لهروب المدعى عليه فليؤخذ تعهد من ساير القرايا كل قرية بقريتها على أنه عند صدور 
تذكرة احضارية بطلب شخص لأجل دعوى ما فإذا حضر خصمه فمجبورين بأنهم لا يتركوا له 
مجال للهروب وأن يحضروةٌ للحكومة حيث نظراً لبعد المسافة عن المركز فبينما يعطي المدعي 
الخبر ويحضر ضبطيه بطلب خصمه فيصير مرور وقت طويل وفرص لهروبه وعلى هذه الصورة 
تقع حقوق ودعاوي الخلق بالمشاكل والتأخير والمختارين والمجالس التي تتهاون بإجراء ذلك 
على الوجه المشروع فليكونوا تحت مسؤولية وضمانة الدعوى التي على ذاك الشخص. 

سابعاً كل شخص الذي يكون تحت دعوى جنائية ينبغي رؤية الدعوى عليه تطبيقاً للقانون 
العالي في قومسيون التحقيق الذي صار تشكيله مختلطاً بهذه الاثنا موقتاً باتفاق العموم من 
الذوات الموثوق بهم. 

ثامناً حيث بظل المعدله الملوكانيه قد ترتب لكل قرية مختارين ومجالس اختياريه 


268 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


مخصوصاً لرؤية وتسوية أمورها وجميع أموالها وتسليمها لصندوق المال وذلك مجرداً لعدم ترك 
مداخله إلى الرؤساء والمقدمين الذين اتخذوا من القديم إلى الآن الأهالي كأغنام لهم يأكلوا 
خيراتهم ويحرموهم ملذاتها فقد صار لغو لفظة مقدم بناء بعد الآن لا يعود يتقاس بها أحد لا 
من رؤساء ولا خلافهم وكلمن يتقاس أو يلفظ هذا الاسم يكون تحت المسؤولية. 

تاسعاً قد أعطي التأمين والعفو العمومي بناء أن الاهالي يتمتعوا بحرية التردد لمحلات 
مقصدهم إن كان اللاذقية أو القرايا لأجل أشغالهم الذاتية ولوازمهم المقتضية بشرط أن يكونوا 
بحد ادبهم وغير ناقلين السلاح فيقتضي توفيقاً للمعد له السنية عند حضور اشخاص من هكذا 
جماعة لنفس اللاذقية أو لمحل ما فيكون لهم الحماية والصيانة توفيقاً للمعدلة السنية والغاية 
حيث كما تقدم الشرح أن ديمومة أمر الراحة والأمنية العمومية متوقف على اعتناء الحكومة 
المحلية باجراء أمور الضبط والربط بالدقة والاعتناء على الوجه المحرّر وانفاذ القانون العالي فعلاً 
بدون مراعاة خاطر ولا مسامحة فالمأمول من درايتك المسلمة أنت أيها القائم مقام المنصف 
بحسن الروية والصداقة والاقدام الذين اثبتهم لي بالفعل منذ حضوري للاذقية إلى الآن أن تبادر 
بالحال لاجراء وانفاذ هذا البيولدي على الوجه الأتم لنهاية عشرين يوم من تاريخه وتقيدوا 
لطرفنا بمضبطه عمومية عن إجراء ذلك بظرف المدة المذكورة وتعتني فوق الغاية بعدم وقوع 
الخلل على شيء منة وإذا وجد أحد في حال وحركة مغايرة للوجه المطلوب فجنابكم مأذونين 
باجراء مجازاته القانونية بأول درجة وهكذا أنتم جميعاً أيها الافندية والاغاوات المخاطبون يلزم 
أن تكونوا يداً واحدة في رفقتلو قائم مقام افندي المومى إليه لإجراء العمل بالوجه المحرر حالاً 
واستقبالاً بالفعل وتبذلوا غيرتكم واعتناكم بهذا الخصوص فوق العادة لأن هذا جميعه عائد لخير 
البلاد والأهالي وتجعلوني بذلك متشكراً من جميعكم وبالعكس لا سمح أنه إذا انوجدتم بصورة 
التراخي والاغفال فتكونوا معاتبين ومسؤولين شديداً والغاية بلزم الاعتناء بالاتفاق للحركة بالوجه 
المحرر واستحصال الدعوات الخيرية وقتاً بوقت من طرف الجميع للجانب العالي الملوكاني 
ولحضرة صاحب الدولة والي الولاية الجليلة الأفخم وبناء عليه صار تسطير هذا البيورلدي 


269 


آثار الحقب في للاقة العرب 


من ديوان متصرفية لواء طرابلس شام وارمكاه اللاذقية ليكون العمل والحركة بموجبه اعتمدوه 
(5 جمادي الاخرى سنة 1284 (انتهى بحروفه)). 

ثم أن خورشيد باشا استمر مقيماً في اللاذقية فقوي نفوذ الحكومة وشوكتها في جبال 
النصيرية وانحلت عزائم أهاليها بعد ابعاد المقدمين والرؤساء فأصبحوا كالأغنام بين يدي الجزار 
فشرهت نفس خورشيد باشا إلى تحصيل النفع الذاتي إذ رأى الفرصة مناسبة لذلك وكان قد ضرب 
على النصيرية مبلغاً تحت مصروف المعسكر وسعى بجمعه ثم ورد له أمر من الولاية باعفائهم منة 
فأخذ ما جمعة لنفسه وكذلك استحصلوا لهم عفواً عن الانفار الذين كُتبوا بالعسكرية بلا قرعة 
في أيام حمدي باشا وباعهم اياه بثمن استولاهُ منهم ثم التفت إلى اطلاق المسجونين في قلعة 
طرابلس فكان يتفق مع اقارب كل أحد منهم على مبلغ معلوم يدفعونة له ثم يطلقه وبمأنة كان 
قد ممّد سبيلاً لمقاصده في الولاية إذ أنة كتب إليها عند القائه القبض على المقدمين والرؤساء 
أن أكثرهم لا يستوجبون سوى سجن موقت وكانت الولاية قد رأت نجاحه في الإجراءات فاعتمدت 
عليه وأركنت إليه وكانت تجيبه بالإيجاب على كل التماس يتضمن إطلاق أحد المسجونين أو غير 
ذلك فبهذه الوساطة أطلق أكثرهم وجمع بذلك مالاً وافراً بالاشتراك مع الخواجه الياس مرقص 
وكيل قونسلوس روسيا فأنة اتفق معه واعتمد عليه في جميع أموره وكان يستجلب خواطر جميع 
الناس بالتودد والتلطف ولا سيما القناصل فاستمال بذلك أكثر القلوب إليه ومما قوَّى استمالة 
أهل المدينة إليه اظهاره لهم ميله واعتماده على السعي بجعل اللاذقية متصرفية وإرجاعها إلى 
رونقها القديم بالحاق المقاطعات التي سلخت عنها بها واجتهاده في تحسين طرقاتها فانة أصلح 
أكثر عقبة السفكون ووسع الطرق المؤدية من المدينة للاسكلة ولا سيما الطريق الشمالي وهو 
أعظمها فأنه فتح له منافذ جديدة محولاً مأخذه القديم ليجعله مستقيماً على قدر الامكان 
وكان يشتغل فيه بيده ليشوق الأهالي على اقتفاء اثره واجتهد بتحويل نهر الصنوبر إلى مجراه 
القديم الواقع تحت الجسر لكنة لم يتمم هذا العمل. وفي هذه السنة عغزل علي رضى افندي 
من قائم مقامية جبله وخلفه سليمان افندي وعزل زاكي افندي من قائم مقامية صهيون وخلفه 


200 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


نظيف افندي وهو الذي اتى اللاذقية مأموراً ملكياً مع الفريق عمر باشا الداغستاني سنة 1861 
وفيها أيضاً عقد راشد باشا والي الولاية مجلساً عمومياً في بيروت مؤلفاً من جميع متصرفي 
الألوية ومن عدد معلوم من اعضاء المجلس والوجوه من كل لواء وقضاء للنظر في صوالح مدن 
الولاية فسار خورشيد باشا إلى طرابلس واستدعى إليه الأعضاء الواجب أن يرافقوة إلى المجلس 
العمومي من لواء طرابلس فسار إليه من اللاذقية الانفار المطلوبة من الاعضاء والوجوه من 
المسلمين والنصارى وكذلك من صهيون وجبله والمرقب وبناء على وعد خورشيد باشا بالمساعدة 
كتب أهل اللاذقية عرضاً إلى الوالي وقدموه مع اعضاء مدينتهم وهذه صورة العرض. 

إنه غير خاف علوم دولتكم الشريفة ما كانت عليه مدينتنا اللاذقية في الزمن القديم 
من الشهرة والشروة واتساع المتاجر والزراعات والمناتج ومن الأمور المسلّمة أن ذلك لم 
يقم إلا بمناسبة ما وهبتها اياهُ يد الطبيعة من حسن المركز والموقع الجغرافي والملحقات 
الداخلية واتصالها بجبالٍ وأرض مخصبة ذات قابلية لانتاج محصولات مختلفة ووافرة غير أنه 
نظراً لنتقلب الأحوال والعوارض التي داهمتها أخذت في الانحطاط شيئاً فشيئاً حتى انتهت 
إلى الحالة الحاضرة التي وإن يكن جعلتها حقيرة بالنسبة إلى شهرتها الأولى لكنها لا تعد 
حقيرة بالنسبة إلى اخواتها باقي اساكل سوريا لأنه وإن يكن رونقها القديم قد زالت آثاره 
لكن موقعها وقابليتها وجبالها وأراضيها لم تزل هي هي وبالوسائل اللازمة ترجع إلى ما 
كانت عليه من التقدم والعمران لأن عمرانها القديم لم يكن ناتجاً من أسباب خارجية يزول 
بزوالها كغيرها من المدن التي انحطت بل من وضعها الأصلي وبما أن مدار كل حركة تجارية 
كانت أو زراعية متوقف على وجود أمنية دائمة وكانت أهالي جبالها وهي جبال النصيرية 
في حال التوحش والتمرد وفي غالب الأوقات يوجدون في درجة الاختلال والتشويش فمن 
قلة الامنية التي كانت تحدث من وقت إلى آخر من جراء تعدي هؤلاء اقتصر الناس في 
الزراعة والغرس فأخذت المحصولات في التناقص ونجم عن ذلك تقهقر التجارة والأضرار 
على الأموال الأميرية أولاً لقلة الرسومات والأعشار بسبب قلة المحصولات وثانياً لتراكم البقايا 


27/1 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


نظراً للفقر الناتج أما على سكان السواحل والأهالي الطائعين فمن الزهد في الأعمال الزراعية 
الحاصل من انسلاب الأمنية وأما على أهالي الجبال فلتمردهم والتهائهم بهذه السلب الوقتية 
عن فائدة الأشغال الدائمة فبناء على ذلك كان اصلاح هذا الحال مفتقراً لجعل اللاذقية مركراً 
أقوى مما كان عليه في زمن القائم مقامية التي كانت قبل التشكيلات الجديدة ليكون أشد 
مهابةً وسطوة على أهالي الجبال يغني بارهابه الدائم عن الاحتياج إلى سوق العساكر واحتمال 
تكاليفها سنوياً لأجل التحصيلات وباقي مطلوبات الحكومة السنية كما هو جار وأكثر أمنيةً لأهالي 
السواحل والمدينة كما قد شوهد ذلك بالتجربة عند وجود مأمورين كبار وبالعكس عند تفريق 
القضاوات وتدنية مركز اللاذقية الأمر الذي زاد الاختلال حتى قاد سعاد تلو حميد باشا في العام 
الماضي لضرب الجبال واحراق قرية كلماخو ولكن عند رجوعه وعدم وجود سطوة دائمة رجع 
الحال إلى أكثر مما كان عليه من الاختلال والتشويش وانسلاب الأمنية إلى حين تشريف صاحب 
السعادة خورشيد باشا المتصرف الحالي وإجراء ما قد أجراهُ من الإصلاحات الجليلة والآثار 
الجميلة وايجاد الأمنية الذي من اقتضاء حكمته الباهرة عدم رجوعه بالسرعة إلى طرابلس 
المركز البعيد وإقامته بمدينتنا هذه الأمّ الطبيعية لهذه الجبال فاستمرت المهابة موجودة في 
الجبال والإصلاحات غير متزعزعة وآخذة في الازدياد فبذلك مع ما يبذلة يوماً فيوماً من الغيره 
السامية على توطيد الإصلاحات وتمهيد الطرق والسعي بتنظيف المينا والتشويق بتوسيع دائرة 
الزراعة والغرس قد جعل هذه المدينة تشعر بالانتعاش وترى في مرآة هذه الأعمال الحسنة 
تشخيص عمرانها القديم الذي كانت تحجبه براقع الاختلالات وقلة الأمان فتواجدت الرغية 
بالزراعة والغرس وجرى الشروع بأعمال الأراضي التي كانت مهملة من الزهر وبحوله تعالى 
وبالظل الملوكاني الظليل ستتضاعف الخيرات والناتجات غير أنه لما كان من الأمور الواضحة 
عندنا التي لا يشوبها ادنى ارتياب انه متى تحرك سعادة المتصرف المشار إليه بالعودة من هذا 
الطرف تظهر رؤوس الاشقيا ويرجع الاختلال إلى اشد مما كان عليه بحسب المعهود والمجرب 
من حركات وأطوار أهالي الجبال وتعود كل هذه الإصلاحات كأنها لم تكن ولا يضمن استقلال 


272 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


الأمنية إِلّا دوام وجود اللاذقية مركراً عالياً وكان جسل المقصود العالي من التشكيلات الجديدة 
إنما هو عمران البلاد والأهالي وترقي الواردات الأميرية وراحة الحكومة حتى أنه عندما شوهد 
عدم موافقة بعض المراكز تحولت إلى غيرها مجرداً لاصلاح الحال فبناء عليه نتجاسر بتقديم 
هذا العرض محضر العمومي لاعتاب دولتكم مع اثنين مخصوصين من ذوات مدينتنا وهما 
اسمعيل افندي صالح وعبدالله افندي كومين مترامين على ساحة عناية دولتكم وغيرتكم أن 
يصير التعطف بتوطيد ما جرى من الإصلاحات في مدينتنا ومتعلقاتها على أساس الدوام والزيادة 
وذلك بالتفضل بجعل مدينتنا هذه مركزاً للمتصرفية الأمر الذي لا يؤثر أدنى تشويش على مدينة 
طرابلس المركز الحالي لأنها بحسب انسلاخ ما كان تابعاً لها من الجبال وانضمامه إلى متصرفية 
لبنان مع تهذب أهالي باقي أطرافها بالنسبة إلى أهالي جبالنا ويُعدها عن باقي قضاوات اللواء 
لم يكن فيها الأهمية واللزوم اللذان في مدينتنا وكيفما كان مركزها تكن في حال الانتظام ولا 
سيما أن اتخاذها مركراً لم يأت بشيء من اصلاح اللواء بل زاد به التشويش والاختلال وبذلك 
يصير احياء خيرات هذه الجهة العائدة للحكومة السنية والأهالي الذين بتواجد الأمنية الدائمة 
تتضاعف اهتماماتهم بالأشغال الزراعية والصناعية فتكسبهم الثروة التي تجعلهم يؤدون المطلوبات 
الأميرية بأوقاتها بدون تأخير بقايا كالماضي وتنتج لهم محصولات تضاعف الواردات العشرية 
والرسومات وبما أن المحسنات الجليلة والآثار الجميلة الصادرة من عناية دولتكم الغزيرة قد 
شملت اطراف وأكناف الولاية السعيدة بذاتكم السامية فنتأمل أن يكون لهؤلاء العبيد النصيب 
الأوفر منها باجابة استرحامنا في جعل مدينتنا مركزاً لهذه المتصرفية ولوالي حين لأجل التجربة 
وظهور الفرق وبذلك تتضاع ف الابتهالات الصميمية والدعوات الخيرية بتأبيد وتأيبد شوكة 
واقتدار السلطنة السنية وازدياد عمر واقبال دولتكم وينطبع في جباه عموم سكان هذه الديار 
منة لأيديكم الكريمة لا تمحوها يد الزمان وفي كل حال وأوان الأمر لحضرة افندينا ولي الأمر 
والاحسان (انتهى بحروفه). 

قلت ولما وصل منتخبو اللاذقية إلى بيروت مع خورشيد باشا وقدموا العرض 
المذكور إلى راشد باشا والي الولاية وجرت المذاكره به قر القرار على إلغاء قائم مقامية 


203 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


صهيون فقط والحاقها باللاذقية ثم عزل قائم مقام جبله سليمان افندي وعين مكانة رفعت 
بك ابن خورشيد باشا فغص خورشيد باشا الطرف عن المساعدة في الغاء قائم مقامية جبله 
والحاقها باللاذقية وصار الاكتفاء بالحاق صهيون فقط بها كماانة بعد مدة ليست بطويلة 
ألغيت قائم مقامية المرقب بعد تعاقب أربعة قائم مقامين فيها وهم أمين افندي وعبداللطيف 
افندي سلكه وخليل افندي ومحمد آغا انجه وألحقت بقائم مقامية جبله وهكذا صار لواء 
اللاذقية الملغى مقسوماً إلى قائم مقاميتين قائم مقامية اللاذقية وقائم مقامية جبله. وفي السنة 
المذكورة توفي الخواجه لوسين جفروا ويس قونسلوس فرنسا ووكيل قونسلوس ايتاليا وشفيعت 
جنازته باحتفال عظيم وأرسل خورشيد باشا فرقة من العساكر فسارت في الجنازة على نغمات 
الموسيقى العسكرية وكان ذا جاه واعتبار جزيلين وقد استعفى من وظيفتيه قبل وفاته لاستيلاء 
مرض الفالج عليه وخلفه فيهما ولده الخواجه ادولف جفروا. ثم لما كان أكثر رؤساء ومقدمي 
الجبال قد اطلقهم خورشيد باشا بالتتابع على ما سبق بيانه هان عليهم الرجوع إلى مفاسدهم 
وتمردهم لأنهم اعتبروا أن كل ذنب يُغْمَّر بواسطة المال وأن القصد في مسكهم إنما كان لأجل 
تحصيل الانتفاع الذاتي سيما وقد رأوا أنه لم يُفرّق بين المذنب والبري منهم ولئن كان وجود 
هذا الأخير نادراً بينهم فجعلوا يتدرجون في العود إلى اطوارهم السالفة وفيما كان عبداللّه 
آغا طريفي مدير المهالبه وبيت الشلف موجوداً في عمامرة بيت الشلف مع بعض العساكر 
النظامية والفرسان لأجل تحصيل المال قابلة أهالي بعض القرى بالسلاح باغراء المقدم محمد 
خليل الذي كان قد أطلق حديثاً من قلعة طرابلس ولو لم يُستدرّك الأمر لاشتبكت بين الفريقين 
معركة. وهكذا نرى أن الاجراءات التي حصلت بأيام خورشيد باشا اقترنت بشائبة جعلتها قليلة 
الحجدوى. 

وفي سنة 1868 توفي حالت افندي القائم مقام في اللاذقية وذفن في المولويه وكان ذا 
اخلاق كريمة فأسف عليه الناس ثم خلفه مصطفى افندي وفيها عْيّن الخواجه نقولا ويتالي 
فيجه قنصل لدولة انكليتره في اللاذقية عوضاً عن الخواجه كريرسن الذي كان قد استعفى 
من الوظيفة ورحل من المدينة. وفيها أطلق باقي المسجونين من النصيرية في قلعة طرايلس 


274 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


وكان قد عزل خورشيد باشا من المتصرفيه وخلفه كامل باشا ثم جاء كامل باشا إلى اللاذقية 
وسار إلى جبال النصيريه وجال فيها ولعدم خبرته بأحوال أهلها عاملهم معاملة المتمدنين ولما 
كان من طبعهم التوهم بأن من يتلطف بهم يكون تلطفه فاشياً عن الضعف وقصر الباع كانت 
معاملته لهم سبباً لازدياد فسادهم والعود إلى ما كانوا عليه من التمرد والعدوان ثم في هذه 
السنة عَزل مصطفى افندي قائم مقام اللاذقية وخلفه سعداللّه بك وهي المرة الثانية وكان خلل 
أحوال الجبال يزداد في أيامه وفي سنة 1869 عزل سعدالله بك وخلفه صالح بك وفي أيامه 
سارت لصوص من صهيون ليسرقوا بعض قرى بيت الشلف فاحسٌ بهم أهلها واطلقوا عليهم 
الرصاص فقتلوا رجلاً منهم وفر أصحابه راجعين إلى صهيون فثار اهالي صهيون جميعاً وحشدوا 
للأخذ بثار المقتول وكان أهالي بيت الشلف قد ضجروا من تعديات لصوص صهيون على قراهم 
فقصدوا الانتقام أيضاً وتجمعوا وانحاز إليهم جماعة من مقاطعات النصيرية الأخرى ودهموا قرية 
تفيل المتاخمة بيت الشلف من صهيون فقابلتهم رجال صهيون واشتبكت المعركة بين الفريقين 
فاستظهرت النصيرية أهالي بيت الشلف وأحزابهم على المسلمين أهالي صهيون ومزقوهم كل 
ممرّق وقتلوا منهم جماعة ثم أحرقوا قرية تفيل وعادوا إلى أماكنهم ولما رأت حكومة اللاذقية 
امتداد الاختلال والتشويش عرضت الواقع إلى المتصرفية فقدم إلى اللاذقية رأوف باشا متصرف 
اللواء وكان قد تعيّن بعد عزل كامل باشا من المتصرفية وبعد أن وقف على حقائق الأحوال 
بنفسه عرض عنها إلى راشد باشا والي الولاية الذي كان وقتئذ في بيروت فقام منها وجاء بنفسه 
إلى اللاذقية بطريق البر فوصلها في 8 أيار سنة 1870 وأقام فيها يومين ثم اتجه إلى جبله مرافقاً 
برأوف باشا المتصرف ونصب خيام الاقامه في عين طبرجه من مقاطعة بني علي وفي 12 منه 
قدم إلى اللاذقية بحراً علي رضى باشا فريق العساكر النظاميه وقومندان موقع بيروت وسار إلى 
عين طبرجه في اليوم نفسه وفي اليوم الثاني ترتبت تحت رياسة الفريق المشار إليه وإدارة 
رأوف باشا المتصرف هيئة عسكرية مؤلفة من طابورين من المشاة ومأيتي خيال نظامي ومدفعين 
من مدافع الجبال وسيقت هذه الفرقة على النواصرة التي هي نقطة استناد تلك الناحية وفي 


5آ/2 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


ظرف نحو أربعة ساعات صُبطت تلك القرى وتشتت اهاليها بعد أن تركوا فريقاً منهم موتى 
وجرحى ثم أحرقت القرى المذكورة بأجمعها وثركت قاعاً صفصفاً بقصد أن لا تسكنها الأهالي 
فيما بعد بل يُعطّوا محلاً آخر للسكن على أن هذا القصد لا يتوصل إلى إجرائه بالفعل لأن 
الأهالي بعد أن تبعد القوة عنهم يجددون بناء قراهم بسهولة لقلة اكلافها عليهم وبساطة 
مواد انشائها مما يوجد بكثرة في جبالهم وغاباتهم كما جرى في قرية البودي التي جدد 
اهاليها بناءها بحال ما بعدت القوة في زمان متصرفية خورشيد باشا عنهم حتى التزم راشد 
باشافي 14 الشهر المار ذكرهٌ أي ثاني يوم احراق النواصره انة ارسل إليها فرقةً من العساكر 
فأحرقتها أيضاً وقبضت على جانبٍ من أهاليها واغتنمت قسماً من مواشيها وأبقارها بعد 
تشتت من بقي من أهلها. ثم أرسلت فرقة أخرى لناحية القرداحة فأحرقت نفس القرداحة 
مع معظم قرى الناحية وأوثقت بعض أهاليها والباقون تشتتوا في الأودية والجبال وأرسلت 
فرقة ثالثة إلى ناحية القراحلة وأدخل جانب من المقبوض عليهم في السلك العسكري 
وؤُضع أكثر مقدمي النواحي المار ذكرها في السجن وبعد اتمام هذه الإجراءات في قضاء 
جبله قام راشد باشا بجانب من العساكر إلى الجبال التابعة قضاء اللاذقية علاوة على العساكر 
الموجودة فيها ونصب خياهم الإقامة في قرية عفاره من قرى ناحية بيت الشلف وللحال بادر 
اهالي جبالها يقدمون خضوعهم وانقيادهم لأوامره وتعهدوا بتسليم السلاح ودفع الأموال وتقديم 
انفار العسكرية ومصاريف المعسكر وشرعوا باتمام تعهدهم ولم يتخلف عن الحضور سوى 
أهالي حبيت وجبلايا وكيمين والمزيرعة فسيقت فرقة من العساكر وأحرقت كل بيوت النصيرية 
الهاربين من القرى المذكورة ولما كان في بعض هذه القرى سكان من المسيحيين ارسل الوالي 
محافظين إلى بيوتهم فأحرقت القرى دون أن يمس بيتاً من بيوتهم ضرر ثم سار الوالي المشار 
إليه مصحوباً بفرقة من العساكر إلى رؤس الجبال وانقضٌ على قرية شطحه في ملزق حماه 
فأحرقها وأحرق غيرها من القرى في الملزق وضبط مواشيها وأبقارها وانعطف إلى جبل 
كلبية حماه عائداً عن طريق جبله وبعد أن أقام يوماً في جبله عاد إلى قرية عفاره وفي 


7 حزيران رجع منها إلى جبله مرافقاً برأوف باشا متصرف اللواء وباقي المأمورين وقسم من 


6م20 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


العساكر وأبقى القسم الآخر في عفاره مع قائم مقام اللاذقية صالح بك وأما الفريق علي 
باشا فأنهٌ قدم رأساً إلى اللاذقية وسافر منها في 11 الشهر المذكور إلى بيروت ثم لدى وصول 
الوالي إلى جبله أمر باجراء محاكمة المقبوض عليهم من النصيرية في مجلس مؤلف من ضباط 
عسكرية ومأمورين ملكيه تحت رياسة رأوف باشا المتصرف فحُكم على أربعة منهم بالقتل وهم 
اسبر درويش واسمعيل عثمان من مقدمي القرداحة وسلطان فاضل مقدم البودي وتامر هويجه 
من بيت ياشوط وعلى أربعة عشر رجلاً بالنفي وجرى اطلاق الباقين الذين وُجدوا أبرياء ثم 
شُنق الأربعة المحكوم عليهم بالقتل سحر الثلاثا في 14 حزيران أحدهم وهو تامر هويجه في 
اللاذقية والثلاثة الباقون في جبله ومن الاتفاق الغريب أن هؤلاء الثلاثة وهم اسبر درويش 
واسماعيل عثمان وسلطان فاضل قد شنق أباؤهم بوقت واحد معاً أيضاً في عهد الحكومة 
المصرية ثم أن النصيرية تعهدوا بتسليم ثمانية آلاف قطعة من السلاح للحكومة وسلموا أكثرها 
إلا أن ما سلموة كان من السلاح القديم العديم النفع فلم ينقص بواسطة تسليمه شيء من 
قوتهم ولما تم شنق الأربعة الأشخاص المار ذكرهم سار راشد باشا الوالي من جبله عائداً إلى 
مركز الولاية بطريق البر وذلك بعد أن أعطى تعليمات تتعلق بتتبع الاجراءات والإصلاحات 
بموجبها ونشر بين النصيريين قبل إيابه الاعلان الآأتي. 

صدر مرسومنا هذا إعلاناً إلى طائفة النصيرية القاطنين في جبال جبله واللاذقية والسواحل 
البحرية بوجه العموم تحيطون علماً. 

لا يخفاكم أنكم لما انخدعتم باغواء مقدميكم وكباركم واملتم آذانكم إلى اغراء أرياب 
الفساد المتوطنين في بلادكم وجواركم عمدتم إلى ارتكاب الجرائم والكبائر وانغمستم في 
أوحال العصيان وأمست السرقات وقتل النفوس وقطع الطرقات لكم من جملة العادات 
ونبذتم وراء ظهوركم تنبيهات العمال وكم من مرة حاولت الحكومة السنية ابعادكم عن مثل 
هذا العدوان وساقتكم بقليلٍ من التربية إلى طريق الاذعان وجاءتكم بخلق الكاظمين الغيظ 
والعافين عن الناس فظننتم ذلك عجزاً منها وتقصيراً وازددتم تمرداً وغروراً وتقاعدتم عن 
ايفاء مرتباتكم الأميرية وامتنعتم عن أداء القرعة العسكرية وأفرطتم في التسلط على الماريّن 


يي 
١‏ 
ماْة: 


277 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


والعابرين والمسافرين من ابناء السبيل والمأمورين وما غادرتم منكراً ولا تركتم عملاً مستقبحاً إلا 
وكنتم له فاعلين فلم يسع الحكومة الصمت عن عدوانكم وكان فرضاً علينا تعجيل تأديبكم وابقائكم 
عند حدكم لمقصد تأكيد مباني الأمن في الولاية السورية وانقيادكم إلى الطاعة كسائر التبعة 
والرعية وقد شاهدتم ما فعلت العساكر المظفرة بزمرة الأشقياء من التنكيل وما لاقاه العصاة 
من عادل الجزاء وقد كان في رغبتنا أن نعاملكم بما هو فوق ذلك من شديد التربية وانما وجدنا 
الاكتفاء بما جرى الآن اليق لنحو الرعية وأن العفو أوفق في شأن الدولة العلية ولمعرفتنا أنكم 
قد عرفتم اقتدار السلطنة السنية واستعداد عمالها في كل أن لتدمير أهل البغي والطغيان وفيما 
نالكم عبرة مؤثرة لكم ولامثالكم فسبيلكم أن تسلكوا من الآن فصاعداً مسلك التابعين منقادين 
دائماً للطاعة وانفاذ أوامر الحكومة العلية مثابرين على ايفاء مرتباكم الأميرية وقرعتكم العسكرية 
والشرعية مبتعدين غاية البعد عن قطع الطرقات واجراء الشقاوات لترتعوا في بحبوحة الأمن 
وروض الأمان في ظليل ظل حضرة ولي نعمتنا بدون امتنان مولانا السلطان خلّد الله سرير ملكه 
العالي إلى آخر الدوران وليكن معلوماً بأنهٌ إذا عدتم فيما بعد إلى ركوب مطية الغرور وسلكتم 
سبيل أهل الشرور ونبذتم الأوامر والتنبيهات وتقاعدتم عن إيفاء القرعة والمرتبات فتدور عليكم 
الدائرة وتكون النعل لكم حاضره وتخرب اطلالكم والديار وتَقْلّع منكم الآثار وتمسون بدون 
ملجأ ولا نصير ويكون مصيركم بئس المصير فأذعنوا إلى هذا النصح والإنذار الأخير واعرفوا قدر 
نعمة العفو الذي نلتموةٌ الآن واطردوا من بينكم أهل الشقاوات لئلاً يتسببوا في مضرتكم ومن 
سلك منكم سبيل الاعتساف والعدوان فاقبضوا عليه وسلموة إلى الحكومة لتؤدبه وتدفع عنكم 
بلاء شره وأن أعجزكم مسكه فأخبروا به عمالكم لتريحكم من مكره وتتخلصوا من تهمة الاشتراك 
معة وتّنقذوا من المجازاة بسوء فعله ونحن قد اجرينا التنبيهات الفعالة على عمالكم ليعاملوكم 
بالرأفة والرفق والمرحمة ويمنعوا عنكم الظلم والتعدي ويدرأوا عنكم المضرات وينظروا في 
أموركم ومصالحكم بالعدل والحق فإن لم ينهجوا هذا المنهج فشأنكم أن تشكوا حالكم إلى 
الحكومة السنية الرئيسية لتردعهم وتمنع أذيتهم عنكم وتعتني بتربيتهم أما أنتم فاحذروا 


208 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


أن تقابلوا أحداً منهم بالتحقير لئلاً تقعوا في الأمر الخطير والحكومة السنية ههي دائمة الاستعداد 
لمساعدتكم وقصارى مطلوبها إنما هو استراحتكم ورفاهيتكم وازدياد سعادة أحوا لكم ونجاحكم 
فأنكم تبعتها ومن جملة رعيتها فاقلعوا إذا عما يجلب لكم المذلة والهوان والخسران وانهجوا 
جادّة الاستقامة والصواب فها قد أنذرناكم فاعتبروا يا أولي الألباب (انتهى). 

ثم بعد أن سافر الوالي المشار إليه من جبله قدمت له أهالي اللاذقية العرض الآتي. 

أن المنن العظيمة التي طوقت بها يدي احسانات دولتكم اجياد هؤلاء العبيد بماقد 
تفضلت بمباشرته بالذات من الاجراءات الجليلة والإصلاحات السامية الجميلة في جبال النصيرية 
من أساساتها الراسخة إلى رؤوسها الشامخة هي من يقصّر كل شكر عن إيفاء ما يجب لها فإن 
من قابل عتو وفساد وعدوان أهالي الجبال المذكورة منذ سنين كثيرة قد سلبوا فيها راحة 
العباد وامنية البلاد وأوغلوا في التعديات على أبناء السبيل وأهل العرض والقرى المطيعة من 
القتل والسلب والغارات بما وجدتة عناية دولتكم الجليلة الآن من الأمنية واستئصال عرق الفساد 
وجمع الأسلحة واستعمالها الرفق والمرحمة مع الأبرياء الطائعين والقصاص المريع بحق العتاة 
الطاغين واجرائها من التربية والتدابير السامية ما يتكفل بتوطيد الراحة العمومية وابقائها بهذه 
الحوالى حضرة صاحب السعادة رأوف باشا المتصرف الأفخم الذي طالما أبان وهو سمعة دولتكم 
من شعائر الهمة والحزم والأقدام ما قيدنا بقيد المحنونية والشكر الجزيل لسعادته لأجل توطيد 
الإصلاحات وتتبع آثار الباقين من الاشقياء الذين التجاؤوا متخبئين في الأوكار والكهوف نظير أذل 
الوحوش من مهابة وسطوة دولتكم يعرف مقدار الفضل والاحسان الذي ترتب لفخامتكم على 
سكان هذه النواحي الذين بعد أن كانوا فريسة لمخالب ذوي الخيانة والغدر أضحوا بظل ظليل 
سيف العدل الملوكاني يرتعون بمراتع الأمن والاستراحة كما أنة مَّن راقب الهمة السامية والحزم 
الباهر الذي اظهرتة عناية دولتكم مع المتاعب التي تحملتها بمباشرات الإجراءات بالذات وقصد 
الأماكن التي لم ثتل قبل الآن ووطئها واحراقها تلك القرى الكائنة مأوى وملجأ لجماعة اللصوص 


209 


آثار الحقب في للاقة العرب 


وحشرات الفساد من كل فج التي لم تطأها قدم اصلاح لا قبل ولا بعد التسخير'" وعرف ما 
هنالك من أوعار المسالك وصعب المراقي الفائقة التصور ورأى الموفقية التي قارنت أعمال 
خديوانيتكم بأسرها الأمر الذي أوقع الاشقياء أنفسهم سكان تلك الأوعار في أتم الحيرة والاندهاش 
والارتباك حاسبين أن ما حق بهم يكاد يكون من الأعمال السحرية يقضي بأن المنة والآلاء التي 
تستوجب لأيادي فخامتكم الجليلة على هؤلاء العبيد لا تمحوها يد الاعصار ولا ينسخها كرور 
الأيام ولما كانت محسنات دولتكم هذه التي طالما كنا نحسب أن التمتع بجزءٍ منها هو من 
أجل النعم قد حركت احساسات هؤلاء العبيد للضجيج بلا فتور بالأدعية لدوام تأيبد شوكة 
واقتدار حضرة ولي نعمتنا بدون امتنان افندينا وسلطاننا الأعظم دام سرير ملكه ما دام العالم 
الذي من جملة إحسانات ذات ملوكانيته العلية التي لا يفيها شكر تسليمها زمام الولاية الجليلة 
ليد غيرة خديوانيتكم وكان اقتضاء الحال الذي استدعى حركة ركاب دولتكم السامي بالعودة من 
جبله دون أن تتشرف مدينتنا برجوع فخامتكم إليها قبل السفر قد ملأ صدور هؤلاء العبيد أسفاً 
وكدراً وعاقنا عن إيصال رنين أصوات ادعيتنا وتشكرتنا إلى آذان خديوانيتكم الشريفة حسياً 
نتجاسر بتقديم عرض حال العبودية لحضور فخامتكم السامية بعرض وبيان تقيدنا بسلاسل 
الأدعية والتشكرات الأبدية واثقين بغيرة واحسان دولتكم انه بعد أن تشرفت جهاتنا بحلول 
ركابكم السامي فيها وانجلت قابليتها واستعدادها لنظر فخامتكم ستصبح بظل ظليل العواطف 
الرحيمه الملوكانيه ملحوظةً بعين عنايتكم الكريمة ومشمولة بالالتفات العالي وبكل حال وزمان 
الأمر والفرمان لحضرة مَن له الأمر افضى (انتهى). 

أما رأوف باشا فسار من جبله إلى اللاذقية وأقام فيها لأجل انفاذ التعليمات وتوطيد 
الإصلاحات وبقيت فرقة من العساكر في قرية ديفه مركز مديرية بيت الشلف انتقلت إليها 
من قرية عفاره المجاورة لها تحت إدارة قائم مقام اللاذقية صالح بك وفرقة في جبله تحت 


إدارة قائم مقام ذلك القضاء نور الدين افندي وهو الذي خلف رفعت بك بعد عزله وبوشر 


0 إن الدولة تدعوا للاستيلاء على سورية بعد إخراج ابراهيم باشا منها تسخيراً. 


2030 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


في انفاذ التعليمات التي منها بناء بعض مراكز في الجبال لاقامة العساكر النظامية وفتح طريق 
بين اللاذقية وحماه مبتدأ فيه من جبله مخترقاً جبال النصيرية فشرع في بناء مركز في قرية 
المزيرعة من ناحية بيت الشلف وفي فتح طريق حماه وعيّن له مهندساً رجل فرنساوي يدعى 
ديونه واذ جرت في ناحية دريوس حركة مخالفة للتعليمات سار إليها قائم مقام اللاذقية صالح 
بك بجانب من العساكر التي معه وأحرق بعض قراها والقى القبض على مقدمها بدران بدور 
وعدة من وجوهها كما أنه ألقى القبض تدريجاً على أكثر المقدمين واشقاهم وجرى نفيهم 
إلى قلعة عكا ولبشت العساكر مقيمة في الجبال إلى اوائل الشتاء فتمكنت بذلك الإصلاحات 
وانتشر الأمن والراحة في الجبال انتشاراً عاماً وسطا على أهاليها الرعب والخوف من شوكة 
الحكومة حتس ان فارساً واحداً من فرسانها كان يخيف أهالي قرية برمتهم على أنه يجب ههنا 
أن نقول أن الفرسان كانوا يتجاوزون حدود الاعتدال في سلوكهم مع النصيرية مجرداً لنفع 
الذات كما هو دأبهم فكثيراً ما كان بعضهم يتعدى على من يراه من النصيرية أو يتعرّض له 
مخصوصاً ويقبض عليه مدعياً أنه مرسلٌ ليقوده إلى المعسكر ولا يطلقه حتى ينال منهٌ رشوةً 
وكثيراً ما كان يأتي بعضهم إلى قرية من القرى ويسلبون منها ما يشاؤون على أنه للمعسكر 
مع أنه يكون لأنفسهم لأن المعسكر وقتئذ لم يكن يأخذ من أحد شيئاً إلا بالثمن فاحتمل 
بذلك أفراد النصيرية والقرى تعديات كثيرة من هذا القبيل من الفرسان ولا سيما المستخدمين 
منهم من أهالي صهيون وهذه التعديات لم تكن مقصورةً على الأشرار منهم فقط بل كانت 
تجري على الضعفاء والأرامل وكل من ساقة سوءَ حظه إلى الوقوع بين يدي أحد هؤلاء 
الفرسان ومع أن النصيرية عموماً هم أمة باغية مفطورة على أضرار الناس إن لم يكن بالقوة 
فبالخيانة ولا تستحق الشفقة فأعمال كهذه غير شرعية ضد الضعفاء منهم هي ما يستدعي 
الشفقة ولا بد ههنا من الملاحظة على نقص الإصلاحات المار ذكرها من جهة عدم قصاص 
أهالي صهيون وعدم القبض على أحد منهم مع أن لصوصهم كانت اصل الفتنة الأخيرة التي 
انتشبت بينهم وبين أهالي بيت الشلف على أن هنا النقص لا يعزى إلى الوالي راشد باشا بل 
إلى صالح بك القائم مقام وباقي المأمورين الذين لم يبلغوا الوالي المشار إليه الحقائق على 


201 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


صحتها إذ لا ريب أنه لو علم بحقيقة أطوارهم لما غضٌ الطرف عن مجازاتهم نظراً لما عُرِف به 
في الولاية السورية من حيث الإصلاح وازالة عرق الفساد اينما كان منبتة وعدم كونه ذا تعصب 
مضر يبعثة على غض الطرف عن سيئة المسيء لمجرد العلاقة المذهبية ومن الأدلة على 
ذلك أنة إذا عرف أنه يوجد في بعض قرى صهيون وجبل الأكراد شرذمة من النصارى يقتضي 
لها التفات مخصوص من قبّل الحكومة لتكون أمينة على راحتها طلب قبل سفره من جبله 
وجوه جبل الأكراد وصهيون ولما عُلّق المقدمون النصيرية على المشنقة استدعاهم إليه وأراهم 
المعلّقين قائلاً لهم اعرفوا جيداً أنكم لستم عند الدولة اعز من هؤلاء المشنوقين لأنكم جميعاً 
رعاياها بدرجة متساوية واذا علمتم ذلك فاعرفوا أنكم إذا أسأتم إلى النصارى القليلين الموجودين 
بينكم وتعديتم عليهم بما يغاير رضى الدولة تصيرون إلى ما صار إليه هؤلاء المقدمون قم 
أمرهم بالانصراف ولهم مما رأوهُ وسمعوة عبرةٌ يعتبرون بها وهكذا كان لا يهمل شيئاً من واجبات 
مايصل خبره إليه. 

ثم في السنة المذكورة شرع في بناء قشلة الرديف المعروفة بالديبو في اللاذقية شرقي 
قشلة العسكرية العمومية ومنذ ذاك الوقت شرعت الحكومة تجمع انفار الرديف كل سنة من 
أهالي القضاء ويجري تعليمهم الحركات العسكرية مدة شهرين وجرى نظير ذلك في جبله أيضاً 
وثنيت فيها ديبو محاذية لدار الحكومة. 

وفي السنة نفسها توفي السيد عبدالرزاق افندي فتاحي كان شاعراً أديباً تولى قضاء اللاذقية 
مدةً طويلة وكان مرفوع الشأن والمقام إلا أنه في السنين الأخيرة من حياته عغزل من القضاء 
ولما كان قليل ذات اليد ضاقت به المعيشة فقضى عيشةً ضنكة وفي هذه السنة سافر إلى 
الآستانة ثم عاد منها متولياً منصب القضاء لكنهٌ مات بعد برهة وجيزة من وصوله. 

وفيها توفي أيضاً الخواجه الياس مرقص وكيل قنسلوس دولة روسيا نشأ يتيماً وكان ذا 
جرأة وإقدام في الأعمال التجارية لا يبالي بالأخطار في سبيل التقدم وتحصيل المال وكان 
كريماً جواداً وقد خدمه التوفيق فحاز ثروةً وجاهاً واعتباراً لم يحزهنّ غيرهُ من نصارى 
اللاذقية في عصره إِلَا أنه كان حادٌ الطبع محباً للتسلط يرغب أن يكون الجميع منقادين إليه 


282 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


في كل أمر فكثرت بسبب ذلك مخاصماته مع الناس. وبعد وفاة قصدت قونسلاتو روسيا 
الجنرالية في بيروت أن تعين ولده الخواجه جرجس مكانه فرفضت الحكومة قبوله لكونه من 
رعايا الدولة العثمانية الذين لا يجوز تعيين قناصل منهم في بلادها للدول الأجنبية بمقتضى 
المعاهدات الدولية الجديدة فولجت عمهٌ الخواجه اسبريدون مرقص اخا المتوفي وترجمان 
القونسلاتو بإدارتها موقتاً. 

وفيها في كانون الأول عُزل صالح بك من قائم مقامية اللاذقية وخلفه أحمد بك شرّيف 
وهو حلبي الأصل ابن اخي يوسف بك الذي كان مدير طرابلس واللاذقية في زمان الحكومة 
المصرية. ثم دخلت سنة 1871 وفيها مد سلك التلغراف بين اللاذقية وجزيرة قبرص في البحر 
وعيّن في مركز تلغراف اللاذقية إدارة اللغات الافرنجية ‏ وفيها توفي الخواجة الفونس لازري وكيل 
قونسلوس دولة النمسا والمجر ودولة اسوج وعين مكانه في وكالة قونسلاتو دولة النمسا والمجر 
ابن شقيقة الخواجة الفونس جفروا وأما وكالة قونسلاتو دولة اسوج فجرى الغاؤها. 

وفيها لُطخ باب كنيسة ماري جاورجيوس للروم الارثوذكس بالغائط في إحدى الليالي 
ولما شوهد ذلك عند الصباح اظهر أحمد بك القائم مقام كدره من هذا الأمر وأمر بتغيير 
باب الكنيسة بباب جديد على مصروف المجلس البلدي واشتغل باجراء البحث والاستقصاء 
عن فاعليه فوقعت الشبهة على بعض أوباش المسلمين فألقى عليهم القبض وجرى استنطاقهم 
فقبيت غليهيع ذنكا وأرسللوا إلى ظرابلس وَشعنوا فيها مذة قيم أغلى سبيليم: وقيفا توفي 
عالي باشا الصدر الأعظم وخلفه محمود نديم باشا فغزل راشد باشا من ولاية سورية وأقام 
مكانة صبحي باشا فلما استقر في الولاية اصدر امرهُ لكل الألوية بتغيير اعضاء المجالس 
جميعاً بدون استثناء وانتخاب غيرهم ولما ورد هذا الأمر إلى اللاذقية بوشر في الانتخاب 
وكان حينئذ انطانيوس افندي ديب نعمه عضواً لطائفة الروم في مجلس الإدارة وجرجس 
افندي مخائيل الياس عضواً لها في مجلس الدعاوي ففُصلا وجرى التشبث بانتخاب عضوين 
غيرهما من الروم واعضاء أخر من باقي الطوائف وكان وقتئذ السيد ملاتيوس مطران اللاذقية 


203 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


غائباً في انطاكيه بالوكالة من قبل البطريرك الانطاكي السيد ايروثيوس للنظر في أمور رعيتها 
فاجتمعت جمعية التفريق وناب فيها عن المطران وكيله مخائيل اففدي سعاده فانتخبيت من 
طائفة الروم ستة انفار بحسب النظام ثلاثة لمجلس الإدارة وهم مخائيل افندي سعاده نفسه 
والخواجه عبداللّه ابرهيم وانطانيوس افندي سعاده كومين وثلاثة لمجلس الدعاوي وهم الخواجه 
جرجس عبداللّه الياس وعبدالله افندي كومين والمؤلف. على أن مخائيل افندي سعاده استعفى 
من وضح اسمه مع أسماء المنتخبين فلم تقبل جميعة التفريق استعفاءة ولما كان كثيرون من 
الطائفة المذكورة يتهافتون على الانتظام في سلك اعضاء المجالس وكان منهم الخواجه جبرائيل 
الياس فاجتمع مع بعض العامة وجاء بهم إلى جبرائيل افندي عطاللّه وكان رجلاً يحب السيادة 
والتصدر فاغروة بأن الانتخاب الذي جرى انما هو إهانة عليه لأن وكيل المطران لم يستشرة 
عمّن يجب انتخابهم من الطائفة مع أنة من الذين يجب استشارتهم بل أدخل بالانتخاب مَن 
أرادة بالاستبداد وهيجوة بمثل هذا الكلام إلى التظاهر والسعي بعدم قبول المنتخبين فهاج 
معهم وتفاوض مع الخواجه اسبر بدون مرقص واخوته فقر قرارهم على المجاهرة بعدم قبول 
المنتخبين وجُذبٍ من يقدرون على جذبه من الطائفة لحزبهم. أما الذي حمل الخواجات مرقص 
على أن يقتفوا اثر جبرائيل افندي عطااللّه مع أن ليس لهم عذرهُ لأن مخائيل افندي سعاده كان 
قد استشار اكبرهم الخواجه انطانيوس مرقص وبرأيه أدخل عبداللّه افندي كومين بالانتخاب فإنما 
هو رغبتهم في أن يقع الانتخاب على صهرهم عبداللّه افندي كومين في مجلس الدعاوي وخوفهم 
من أن وجود هؤلاء المنتخبين معهٌ يحول دون انتخابه نظراً لميل أحمد بك القائم مقام لهم 
مع اعتقادهم بأن وقوع الانتخاب على غير عبداللّه افندي كومين من هؤلاء المنتخبين لا يوافق 
صوالحهم وبناء عليه قصدوا ابطال هذا الانتخاب واقامة انتخاب جديد ينتخحَب فيه مع عبدالله 
أفندي كومين بعض اقربائهم أو أشخاص بلا أهمية ليكون راجحاً عليهم معتقدين أن بهذه الحركة 
أيضاً ينبهون في احساسات القوم بعض الوجاهة التي كانت لعائلتهم وخسرتها بعد وفاة اخيهم 


المرحوم الياس مرقص فاستدعوا للاجتماع في القلايه مساءً بعض الطائفة وجمهوراً من العامة 


204 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


والاسافل منها ولما انعقدت الجمعية تفاوضوا بحماقة في أمر الانتخاب وصرخوا بعدم قبولهم 
به وطلبوا أن يكون الخواجة نقولا حنا مرقص في جملة المنتخبين وطعنوا في انطانيوس افندي 
سعاده كومين احد المنتخبين وكان حاضراً في الجمعية فاشتبك بينه وبينهم الخصام وصرخ 
الخواجه يوسف مرقص بصوت جهير أننا لا نقبل أن يكون المنتخبون من الفراماسون وكررت اخوته 
هذا القول فعلا الضجيج والضوضاء من الأسافل الذين كانوا في الجمعية فشرع من كان فيها 
من ذوي الحشمة بالانسحاب وانفضت الجمعية على هذه الحال المعيبة أما الذي حملهم على 
المجاهرة بنسبة المنتخبين إلى الفراماسونية فإنما هو شروع صبحي باشا والي الولاية بأثر وصوله 
إلى دمشق في عزل كثيرين من النصارى في الولاية من مأمورياتهم وان بعضهم من الفراماسون 
فتوهم بعض الناس أن عزلهم إنما هو لكونهم فراماسون مع أنة كان سياسة مخصوصة كما 
سيأتي ثم أن المتحزبين ضد الانتخاب بعثوا بخبر شفاهي إلى الحكومة مضمونة عدم قبولهم 
بالمنتخبين والتماس تجديد الانتخاب وارسلوا إلى سيادة المطران في انطاكية رسالةً تلغرافية 
يعلمونة بذلك أيضاً ويطلبون منهٌ أن يرسل رسالةً تلغرافية إلى حكومة اللاذقية يؤيد فيها طلبهم 
أما حكومة اللاذقية فبعثت برسالة تلغرافية إلى المطران تطلب فيها بيان رأيه وأفكاره بهذه 
المسألة فورد لها منة جواب مضمونهة المصادقة من طرفه على المنتخبين الذين صادق عليهم 
وكيله مخائيل افندي سعاده ولما وصلها هذا الجواب ما عادت التفتت إلى مقال المتحزبين 
ضدهم ووزعت أوراق الانتخاب إلى الدوائر والقرى لاجل تقرير الاصوات فهذا ما كان من جهة 
الروم وأما ما كان من جهة الأرمن فأنهم لما كانت طائفتهم قليلة العدد في نفس اللاذقية لم 
يكن فيها مَن هو أهل لمنصب العضوية سوى الدكتور يعقوب افندي ملكون العضو السابق أو 
أحد أخويه فانتخبت جمعية التفريق اخويه عبداللّه وجبرا ورجلاً ثالثاً معهما يدعَى حنا الطحان 
وكان طحاناً بالفعل وكان الخواجه استور يعقوب وأولاده يطمعون في أن ينال أحدهم العضوية إِلا 
أن الحكومة المحلية لم تكن تصادق على ذلك أما من جهة استور نفسه فلوجود أوامر سابقة 


تحرمه من الاستخدام في دوائر الحكومة وأما من جهة أولاده فلعدم استقامة أحوالهم وكانوا 


205 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


جميعاً يكرهون يعقوب افندي ملكون وعائلته مع كونه صهرهم فقدموا عدة تلغرافات للوالي 
ممضية منهم ومن بعض اقربائهم مضمونها التماس تغيير الانتخاب الذي أجرته جمعية التفريق 
من طائفتهم لأنهم يرفضون قبول عبدالله وجبرا ميلكون بين المُنتخَبين لأسباب منها انهما ينتميان 
إلى الفراماسون الذين اخوهما منهم أما الوالي فأحال النظر في ذلك إلى الحكومة المحلية فلم 
يستفيدوا شيئاً وبقي الانتخاب على ما كان عليه. وأما طائفة الموارنة فقدمت تلغرافات إلى 
الوالي مضمونها أنه ليس في طائفتهم من فيه الأهلية للعضوية سوى اسكندر افندي شدياق 
العضو القديم ولذلك تلتمس ابِقاءَهُ فلم يجبها الوالي لطلبها وحتم بوجوب انتخاب عضو جديد 
فانتخبت منها جمعية التفريق يوسف شدود من العامه سنة 1871 وآخرين معة. وأما النصيرية فكان 
عضوهم القديم الشيخ مسلّم حاتم من فرقة الشمالية وكانت فرقة الكلازية قدمت عرضاً تتشكى 
فيه من أن عضوية المجلس من النصيرية قد استقل بالتعاقب فيها أشخاص من فرقة الشمالية 
خلافاً لقاعدة المساواة ولذلك تلتمس أن يُنتخب في هذه المرة العضو النصيري من الكلازيه 
فانتخبت جمعية التفريق اثنين من الفرقة الكلازيه المذكورة والشيخ سليمان حاتم من الشماليه. 
وقد جرت مسئلة الانتخاب هذه في شهر كانون الأول سنة 1871 وفيه فصل الياس افندي صوايا من 
مديرية المال بأمرٍ من صبحي باشا بلاجنحة وخلفه محمد بك اليكن من أهالي طرابلس وفْصل 
ايضاً السيد محمد سعيد افندي الحسيني القدسي الذي تعيّن نائباً للاذقية بعد وفاة عبد الرزاق 
افندي وخلفه محمد سليم افندي الدمشقي وكان كلا المفصولّيّن مشهوداً لهما بالامانة والاستقامة 
والدراية وفي كانون الثاني سنة 1872 عغزل ويسي باشا متصرف اللواء وهو خلف رأوف باشا 
وعين مكانة حقي بك وعزل قائم مقام اللاذقية أحمد بك وخلفه محمد صالح افندي الكردي 
الاصل وكان أحمد بك مشكور السياسة في اللاذقية إلا من الفرنساويين الذين فيها لنفور وقع 
بينهم وبينة بأثر مطالبته اياهم ببقايا كانت متراكمة عليهم من مال ويركو الأملاك ثم صدر أمر 
الوالي صبحي باشا بكف الشغل في طريق حماه وعزل المهندس وذلك بعد أن كان تممّد نحو ة 
ساعات منة وأنفق عليه مبلغ من النقود من مال الأهالي وكلفهم اتعاباً كثيرة وهذا مما يستحق 


266 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


الأسف ثم عَزل نور الدين افندي قائم مقام جبله وخلفه اسعد أفنديء وكان نور الدين افندي 
قد بنى في جبله داراً جميلة للحكومة فأمسك بدعوى كثرة ما أنفقه عليها من المال مع أنه 
بمقتضى تخمين المهندسين كانت تساوي تلك النفقة ومصروفها لم يكن من مال الحكومة بل 
من مال الأهلين ولم يشكَه أحد منهم إلا أن السبب الباطن في التضييق عليه هو انتماؤهُ إلى 
راشد باشا وفلتات لسانه فتعصب عليه صبحي باشا و حقي بك وبقي نحو سنتين تحت الدعوى. 
ثم أهمل أيضاً بناء المركز الذي شرع في بنائه في قرية المزيرعة للحكومة وأستدلٌ بذلك وبغيرة 
من اعمال صبحي باشا أن غايته مغايرة والغاء جميع مشروعات سلفه راشد باشا مع ما فيها 
من الخير والنفع العام وكان راشد باشا بعد الإصلاحات التي أجراها في جبال النصيرية وضربه 
اياهم من الجهة الواحدة بسيف العدل كحاكم صارم هيأ لهم من الجهة الأخرى ضماد المرحمه 
كاب شفوق إذ نظر شقاءهم وتعاسة أحوالهم فاستحصل أمراً سامياً باعفائهم من البقايا الباهظة 
المتراكمة عليهم منذ ثلاثين سنة وبالسماح لهم بها لكون تحصيلها منهم يفضي بهم إلى الخراب 
التام كما أنة بواسطة مأموري البقايا قسّط عليهم البقايا الممكنة التحصيل لاجال معلومة تناسب 
احتمالهم فلما تولى صبحي باشا رسخ عليهم البقايا مرّة ثانية والغى التقاسيط وشرع القائم مقام 
صالح افندي يطالبهم بها دفعة واحدة فكان ذلك سبباً للضرر عوض النفع للحكومة لأن الأهلين 
بعد أن كانوا يدفعون كل قسط يستحق عليهم من البقايا تخلفوا عن الدفع بالكلية ثم لدى تولي 
حقي بك المتصرفية ومحمد صالح افندي القائم مقامية كانت أوراق انتخاب الأعضاء أرسلت إلى 
طرابلس فسافر إليها من اللاذقية جبرائيل افندي عطااللّه ومعهٌ جرجس افندي مخائيل الياس 
العضو السابق الذي كان من حزبه وكان قصدهما الظاهر في هذه السفرة التظلم من حكومة 
اللاذقية لكونها حصّلت منهما مبلغاً عن ذمة ابي بشاره أمين صندوق الخزينة المتوفي المكفول 
منهما على أن قصدهما الباطن كان المداخلة بمسألة الانتخاب وتوفيقها على حسب أهواء 
حزبهما فتداخلا مع المتصرف بالوسائط وطعنا له في أكثر المنتخبين بكونهم تراجمين عند 
الأجانب وانهم ربما لا يستعفون من ترجمتهم فمال إليهما المتصرف بذلك وأجابهما على انتخاب 


237 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


عبداله افندي كومين عضواً في مجلس الدعاوي على أنه لم يجبهما على عدم انتخاب 
انطانيوس افندي سعاده كومين في مجلس الإدارة لكونه ليس له علة الترجمة وكان قد سافر 
إلى طرابلس الشيخ مسلم حاتم من طائفة النصيرية الشمالية وقرر انتخاب اخيه الشيخ سليمان 
حاتم وسافر أيضاً بعض المنتخبين المسلمين وهم أسعد آغا هرون ومحمد افندي الأزهري وقررا 
الانتتخاب لأنفسهما وكان إذ ذاك صالح افندي القائم مقام في طرابلس قادماً إلى اللاذقية يستلم 
زمام القائم مقامية فعادوا من طرابلس بمعيته ويموجب أوامر المتصرفية التي جرى عليها 
القرار تعيّن في مجلس إدارة اللاذقية اعضاء أسعد آغاهرون وأحمد آغا خزندار من المسلمين 
وانطانيوس افندي سعاده كومين من الروم ويوسف شدود من الموارنة وفي مجلس الدعاوي 
محمد افندي ازهري من المسلمين وعبداللّه افندي كومين من الروم وحنا الطحان من الأرمن 
والشيخ سليمان حاتم من النصيريه إِلّا أن أحمد آغا خزندار إذ لم ير للأعضاء منزلة واعتباراً عند 
صالح افندي القائم مقام استعفى بعد أيام قليلة من عضوية مجلس الإدارة وغين مكانة اسمعيل 
افندي صالح ولقائلٍ ههنا أن يقول أن تعيين الأعضاء إنما يكون بأكثرية أصوات الشعب بمقتضى 
نظام الانتخاب فكيف تصح المداخله لأجل رفع مَن له اكثرية الأصوات ووضع من له الأقلية 
فالجواب ان مسألة الانتخاب والأصوات انما هي رسم لا فعل إذ في الحقيقة والواقع أن الشعب 
لااصوت له في الانتخابات لأن جمعية التفريق المؤلفة من أعضاء الحكومة كما علّمت انفاً هي 
التي تنتخب أشخاصاً يناسبونها بقطع النظر عن الشعب وتعرض أسماءهم على دوائر الشعب 
في أوراق مخصوصة لتقرر كل دائرة صوتها فيها على مَن تختارة من هؤلاء المنتخبين فاذا انتهى 
تقرير الأصوات واعيدت الأوراق إلى الحكومة فإن وجدت الحكومة أن الذين لهم أكثرية الأصوات 
هم أكثر المنتخبين موافقة لها صادقت عليهم وعينتهم وإلا فتعيّن غيرهم ممّن هم أكثر ملايمة 
لها ولئن كانت لهم أقلية الأصوات فمن هذا ترى أن مدار الانتخاب انما هو على المأمورين 
أولاً وآخراً لا على الشعب هذا ما نراهُ جارياً الآن. أما وصول صالح افندي القاكم مقام الجديد 
إلى اللاذقية فكان في أول شهر شباط سنة 1872 ولدى استلامه زمام القائم مقامية عامل القناصل 


268 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


معاملة غير مألوفة فلم يحتفل بهم عندما زاروهُ زيارة السلام وحوّل الضابطين ببعض مطلوبات 
من التراجمين دون أن يخاطب بذلك قناصلهم حسب النظام وتهدد بعضهم بالحبس وطالبهم 
بالمال المحجوز منهم على الكمرك تحت فرق التعريفه فتأثر من ذلك بعض القناصل وقابلوة 
بالمثل غير محتفلين به عندما رد لهم زيارة السلام فوقع بينهم وبينة النفور وتبادلت بين 
الطرفين المكاتبات الرسمية بصدد تحويله بالتراجمين بدون مخابرتهم فكان لا يكترث بكتاباتهم 
ثم طالب قنصل فرنسا الخواجه أدولف جفروا بمال ويركو الأملاك الذي على الفرنساويين بشدة 
وكان معظم النفور واقعاً بينه وبين قنصل فرنسا المومى إليه وبين الخواجه يعقوب الياس قنصل 
المانيا فاشتكى كل منهما إلى قنصله الجنرال على القائم مقام وكان المومى إليه في أثناء محاوراته 
مع القناصل يشدد على المسيحيين بطلب المال مع بقايا ويركو العسكرية مع كونها مقسطة 
لآجال معيّنة ووضع كثيرين منهم في السجن وجمع أكابرهم وطلب منهم المال المنظور برمته 
فوعدوهُ إلى مجيء المطران الذي كان غائباً في انطاكية ليوزعوهُ ويجعلوا لهُ تسوية فلم يقبل 
منهم هذا المقال واجباهم أن ليس للمطران مداخلة في ذلك وأنة لا يطلبه إلا منهم واذا لم 
يوجد في الطائفة سوى واحد مقتدر فيحصله جميعه منهٌ ثم أوقفهم في دار الحكومة برهةً 
ولم يخل سبيلهم حتى وعدوة بالشروع في توريد المال المذكور فتضايق المسيحيون من هذه 
الحال ورأوا معاملة جديدة غير مألوفة انتشر بواسصطتها روح التعضّب ضدهم في المأمورين 
والأهالي المسلمين وغرف إذ ذاك أن سياسة محمود نديم باشا الصدر الأعظم متجهة لكسر شوكة 
القناصل والأجانب وتضعيف المسيحيين لأن هذا الروح انتشر في كل المملكة عموماً وفي ولاية 
سوريا خصوصاً وذلك لأن صبحي باشا كان كما اشتهر عنة قد طالع مقدمة تاريخ ابن خلدون 
وتعلم منها التشبث بالعصبية فجعل يعزل المستخدمين المسيحيين من وظائفهم وعمل على 
ضرر النصارى عموماً وسلب ثروتهم وأملاكهم وانتشر هذا المبدأ في كل الولاية ولا سيما في 
طرابلس واللاذقية نظراً لميل حقي بك المتصرف وصالح افندي القائم مقام إلى هذا المبدأ 
طبعاً فكانت كل دعوى تقع بين مسلم ومسيحي يُحكّم بها للمسلم على المسيحي ولئن كان 


209 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الحكم جائراً وبات القانون والنظام وقتئذ في حيز العدم فكانت ارادة القائم مقام والمتصرف هي 
القانون وقد تغلبا على المجالس فكانت تحكم وتجري المضابط حسب أهوائهما وأما الأعضاء 
المسيحيون في المجالس فكانوا بلا صوت ولم يكن يعباً بهم سواءً صادقوا على الحكم واعترضوا 
عليه بل كان يجري انفاذه بمجرد قرار الأعضاء المسلمين وهكذا كل جرنالات ومضابط الدعاوي 
التي كان يحال الحكم بها من اللاذقية إلى طرابلس ومن طرابلس إلى الشام فكان يُحكّم بها 
في المتصرفية والولاية ضد صالح النصارى ولئن كانت الأخصام نصيرية فضلاً عن كونهم مسلمين 
فازدحم إذ ذاك المسلمون والنصيرية على تصدير دعاوي على المسيحين وكان كل مَن باع هو أو 
أبوهُ ملكاً لمسيحيي يصدر الدعوى بأن ذلك البيع كان بيع غبن مثلاً أو غير ذلك من الادعاءات 
الواهنة فتقبّل دعواه ولو كان قد مضى على البيع عشرون سنة ويبتدي القائم مقام والنائب 
والأعضاء المسلمون يفتشون على مسند شرعي مهما كان ضعيفاً ولو بمغالطة المسيحي ليحكموا 
للمسلم بدون اعتبار جوهر وحقانية الدعوى حتى أن الحجج الشرعية الجارية في المحكمة التي 
كان يبرزها النصارى بالأملاك المدعى عليهم بها لم يكن يُنظر إليها بنظر الاعتبار بل كانوا يُطلّب 
منهم أن يأتوا بالشهود المحررة أسماؤهم فيها ليشهدوا مجدداً أمام المجلس لفحواها وبما أن 
شهيود الحجج هم من المسلمين فبعضهم كان يعرض عن أداء الشهادة والبعض عدن بأنه قد 
شردت من فكرة تلك المسألة لطول المدة وهكذا بهذه الواسطة قدا نتزعت بعض الأملاك 
من أيدي بعض المسيحيين في اللاذقية وسلّمت للمدعين المسلمين والنصيرية وفي تلك الأثناء 
سار محمود بك مدير بيت الشلف ومعه الكاتب علي آغا شومان إلى قرية المزيرعة طالبين 
من مسيحييها مايتين غرش بقايا اعانة وكان المسيحيون المذكورون يعلمون أن ليس عليهم 
بقايا فاجتهدوا في اقناعهما بمقتضى الوصولات التي بيدهم فلم يقبلا لهم مقالاً وأمر المدير 
الفرسان الذين معه بضرب بعض المسيحيين وحبسهم فسمع الخوري اسكندر خوري القرية 
الصراخ فخرج من بيته وإذ فهم الواقع اعترض المدير فضربه المدير بحجر واطلق عليه الطبنجا 
فلم تنطلق فجاء الخوري ومسيحيو القرية وقدموا شكواهم للقائم مقام فتعصب القائم مقام 


250 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


للمدير وتفرّض في اجراء الاستنطاق واجرى مضبطة نفى فيها الذنب عن المدير وخطّأ الخوري 
والمسيحيين فلم يؤخذ بيدهم في هذه الدعوى. 

وفي 22 آذار سنة 72 في الساعة الحادية من النهار حدثت زلزلة قوية في اللاذقية أخافت 
الأهالي ولا سيما إذ ورد الخبر بالتلغراف أن مدينة انطاكية قد خرب ثلثها بتلك الزلزلة وقتل 
كثيرون فيها وكان المطران ملاتيوس لم يزل موجوداً فيها لكنه سلم من غوائل الزلزلة فخرج 
اهالي اللاذقية من بيوتهم وأقاموا في الفلاة نحو يومين ثم رجعوا إليها. 

وفي أثناء ذلك قدم حقي بك متصرف طرابلس إلى اللاذقية واجل النظر في دعاوي قنصل 
فرنسا وقنصل المانيا على القائم مقام بحسب أمر الوالي ولدى وصوله خاطب القنصلين المومى 
إليهما طالباً منهما بيان شكاياتهما على القائم مقام فأجابه كل منهما بجواب يتضمن تفصيل 
المعاملات المهينة التي أجراها بحقه وحق حماياته وبعد أيام إذ لم يظهر من ذلك نتيجة بعث 
قنصل المانيا إليه بخطاب مضمونة انة إذا كان القائم مقام ينكر معاملاته معة فأنة مستعد لاثباتها 
عليه فأجابة حقي بك بأخذ المعلومات من كل من الطرفين وعرضها للولاية ثم انه كتب إلى الولاية 
متعصباً للقائم مقام ونفى عنهٌ صحة دعاوي القنصلين المومى إليهما عليه وبالعكس جعل القائم 
مقام هو المحق وجعلهما المخطئين ناسباً قيامهما ضدهُ لتأثرهما من مطالبته اياهما بالديون التي 
عليهما للحكومة من مال ويركو الأملاك ولما وصل للولاية ما كتبه إليها المتصرف بعثت تحتج به 
إلى جنرانّي فرانسا والمانيا كأنها مقتنعة بصدقه. وفيما كان المتصرف المومى إليه في اللاذقية 
اقتضى للخواجه مثيني فيجه قونسلوس أميركا ان يزور القائم مقام فبعث يُعلن له ذلك فأجابة 
بالاستعداد لقبوله فذهب القونسل المومى إليه إلى دار الحكومة فلم ير القائم مقام في قاعة 
الاستقبال ولم يشاهد أحداً من المأمورين يستقبله فعاد إلى منزله معتبراً ذلك اهانةً عليه وبعد 
نحو ثمانية أيام بعث إلى القائم مقام بخطاب يخبره فيه عن أمر قنصله الجنرال أنة إذا بظرف 
4 ساعة لم يأت إلى بيته ويعتذر منة على ذلك القصور الذي أجراهةُ بحقه يرفع العلّم الأميركاني 
ولا ينزله حتى تسترد كرامته فلما اطلع المتصرف على هذا الخطاب أمر القائم مقام برفض ذلك 


201 


آثار الحقب في للاقة العرب 


الطلب فرُفع في الغد عَلَّمْ اميركا وكتب كل من الطرفين إلى ولي أمره واستمر مرفوعاً نهاراً 
وليلاً مدة نحو أربعين يوماً وكان مما اشتكى به المتصرف على قنصل اميركا أنه عند قدومه 
إلى اللاذقية لم يقدم له زيارة السلام حسب العادة فبعد هذه المدة ورد الأمر إلى قائم مقام 
اللاذقية أن يذهب ويقدم اعتذاره إلى الخواجه مثيني كما ورد أمر إلى قنصل اميركا في طرابلس 
أن يزور المتصرف (فأنة كان قد عاد إلى طرابلس) ويعتذر إليه بالنيابة عن الخواجة مثيني عن 
عدم تقديمه زيارة السلام له في اللاذقية فسار صالح افندي القائم مقام إلى منزل الخواجه 
مثيني واعتذر منه فجرى حينئذ تنزيل العَلَّم الاميركاني علامةً لاسترداد الكرامة كما أن قنصل 
طرابلس قدم الزيارة للمتصرف. 

ثم في ليلة الاثنين ثاني ليلة الفصح الشرقي الواقع في 16/4 نيسان سنة 1872 نحو الساعة 
4 من الليل حدثت زلزلة شديدة في اللاذقية ارنعش منها جميع سكن المدينة لانها ايقظتهم 
من رقادهم فخرجوا جميعاً إلى البراري والبساتين في ذلك الليل الدامس وجلين مرتاعين ولما 
كانت الأخبار متواصلة من انطاكيه عن تعاقب حدوث الزلازل فيها اشتد خوف اهالي اللاذقية 
مسلمين ونصارى ولئن كان لم يسقط فيها بالزلزلتين المار ذكرهما إِلّا حائط واحد قديم فهجروا 
منازلهم ونصبوا الخيام في الحدائق والبساتين خارج المدينة وأقاموا تحتها وكان كثيرون منهم 
يشعرون بحدوث زلازل خفيفة في أكثر الأيام فلبثوا تحت الخيام مدة نحو أربعين يوماً حتى 
سكن روعهم ورجعوا إلى بيوتهم. 

ثم في تلك الأثناء عزل اسعد افندي قائم مقام جبله وعْينَ مدير التحريرات لواء طرابلس 
وخلفه في قائم مقامية جبله سالم أفندي. 

أما الدعاوي على النصارى فكانت آخذةً في الازدياد ووقعت على بعضهم تعديات 
واهانات من طرف بعض المسلمين وكانت جميعها مقرونةً بغض الطرف من القائم مقام 
فكتبوا إلى المطران يستدعونة من انطاكيه ليساعدهم في تلك الظروف الصعبة التي 
عجزت عن دفعها مداخلات الأجانب وسطوة القناصل وكان المطران مشتغلاً باسعاف ومداراة 
المصابين بالزلزلة في انطاكية وقراها فلما مكّنتة الفرصة قدم إلى اللاذقية فاجتمعت إليه 


292 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


طائفة الروم واخبروة بالتعديات الجارية عليهم والتمسوا منة أن يقدم تشكياته لأجلها حتى إلى 
الباب العالي فكتب المطران إلى المتصرف حقي بك يلتمس منة اتخاذ الأسباب لازالة هذه 
الشدة الواقعة على المسيحيين في اللاذقية ومعاملتهم بالانصاف فأجابة بجواب ينفي به حصول 
شدة على المسيحيين مستنداً أن الحوادث الواقعة إنما هي حوادث إفرادية لا أهمية لها في 
الهيئة العمومية وهي من الوقائع التي تحدث في كل محل ولم يلتفت إلى تشكياته فتكررت 
المراسلات بين المطران وبينة بلا فائدة وفي أثناء ذلك سار المطران إلى المرقب ليطوف على 
طائفته فيها. 

وفيها كثر اللغط في المدينة على الشيخ محمد ترك كاتب مجلس الإدارة ومحمد بك مدير 
المال باشتراكهما في ارتكاب الرشوة وابتلاع أموال كثيرة من الأهالي واجتمع السيد علي زريق 
أحد التجار المسلمين بالقائم مقام وبلّغْهٌ ذلك فاغتاظ وأمر الشيخ محمد الترك فقدم استعفاه 
من كتابة المجلس وعين مكانة علي آغا شومان. 

وفي شهر تشرين الثاني سنة 1872 والمطران في المرقب لُطخ باب كنيسة مار جاورجيوس 
في اللاذقية بالغائط كما جرى في أيام أحمد بك القائم مقام السابق إلا أن صالح افندي 
قدغاير مسلك أحمد بك فإنه في صباح ليلة الحادثة المذكورة ذهب إليه مخائيل افندي 
سعاده وكيل المطران وعبداللّه افندي كومين عضو الروم في مجلس الدعاوي واخبراةُ بها 
فأظهر عدم الاكتراث وأجابهما أن هذا الفعل إنما هو فعل نصارى وبيعد بعض ساعات إذ 
شوهد أنة لم يشرع بشيء من الإجراءات عادا إليه وأوضحا له عظم كدر وتأثر طائفة الروم 
من عمل كهذا مهين لمعبدهم وأن مقابلة ذلك بالإهمال مما يشدد عزيمة أو بأس المسلمين 
على الامتداد والتوسع في اهانة المعابد والمذهب المسيحي فأجابهما قائلاً ماذا تريد طائفة 
الروم أن أجري لها هل تريد أن الحس الغائط عن باب الكنيسة بلساني أو لعلها تظن أن 
لهذه القضية كبير أهمية كلاً أنها ليست من الأمور المهمة وفاعلها ليس عليه كبير جزاء ثم 
بعد ذلك ذهب نحو نصف النهار وكشف على باب الكنيسة واستحضر بعض أهل المحلّة 
ومجلس الدائرة من المسلمين فطلب منهم أن يبينوا أسماء من تقع عليهم الشبهة بهذا الأمر 


203 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


في مدة ثلاثة أيام وكرر القول أمامهم أن هذا الفعل إنما هو فعل نصارى فلما علمت أفكاره 
هذه انصرفت أفكار مجلس الدائرة عن التدقيق وبيان أصحاب السوابق إلى القماء التهمة على 
شخصٍ ما من المسيحيين فاتهموا رجلاً يقال لهُ نصر اللّه طباع زعموا انه وقعت بينةٌ وبين خوري 
الكنيسة منازعة قبل يوم فألقي القبض عليه ووضع في السجن ثم أن أنفار الضابطية صادفوا 
رجلاً خولياً يقال له حنا مهنا بعد الحادثة بليلتين خارجاً نحو الفجر ليتوجه إلى القرية فقبضوا 
عليه ووضع في السجن تحت التهمة فازداد بذلك تأثر المسيحيين وشبَّهوهُ بالوقايع الاضطهادية 
التي كانت تحدث على النصارى في أيام المظالم قبل دخول الحكومة المصرية فكتبوا إلى 
المطران يعلمونة بالأمر فعاد من المرقب وكتب إلى المتصرف حقي بك يعلمه بهذه الحادثة 
المهينة وبسلوك القائم مقام فيها ناسباً وقوعها إلى التراخي وغض الطرف في الوقوعات السالفة 
بحق المسيحيين وواصفاً خوفهم من المحذورات التي تقع عليهم إذا دامت الحال بدون تلاف. 
وصدف في ذلك الحين أن محمود نديم باشا عْزل من مسند الصداره وتولى مكانة مدحت باشا 
وكان المتصرف حقي بك من المنسوبين إليه فسافر إلى الآستانه واقيم وكيلاً له محمد صالح 
افندي قائم مقام اللاذقية نفسه فتعذر بذلك ارسال تحرير المطران للمتصرفية فأرسل المطران 
صورته إلى الوالي صبحي باشا والتمس منهة استدراك أزاله هذه الأحوال فتغاضى صبحي باشا 
عن المجاوبة مدةً ولم يظهر من قبلّه اجراء شيء يستدلٌ منهٌ على أن لهُ عناية بأمر المسيحيين 
وكان وقتئذ السيد ايروثيوس البطريرك الانطاكي موجوداً في الاستانه مُستدعىّ مع باقي البطاركة 
من قبّل البطريرك القسطنطيني لعقد مجمع في شأن المسألة البلغارية فكتب المطران عرضاً إلى 
الصدر الأعظم يشكو له فيه صعوبة الأحوال الواقعة على طائفته في اللاذقية ومخاطرها وارسلة 
عند البطريرك الانطاكي في الاستانه فأحيل من الصدر الأعظم إلى صبحي باشا والي سورية لأجل 
إجراء التحقيقات واجراء ايجاب ازالة أسباب التشكيات ولما كانت هذه التشكيات هي بالتالي ضد 
سياسة صبحي باشا كان بالطبع يجتهد بتكذيبها وتخطيئة المطران فبعث بالعرض إلى قائم مقام 
اللاذقية الخصم نفسه الذي كان وكيلاً للمتصرف كما ذكُر انفاً والقائم مقام أرسل إلى اللاذقية 


294 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


اسعد افندي مدير تحريرات طرابلس كوكيلٍ له ولدى بلوغه إليها طلب من مجلس الدعاوي 
مضبطة تتضمن تكذيب تشكيات المطران والشهادة بحسن سياسة القائم مقام صالح أفندي 
فحصل عليها وختم فيها عبداللّه افندي كومين عضو طائفة الروم في المجلس المرقوم اما لعدم 
انتباهه إلى تأثيرها كما اعتذر هو أو لخوفه على وظيفته وكان عضو الأرمن حنا الطحان مريضاً 
فأرسلت إليه واذ رأى فيها ختم عضو الروم ختم فيها هو أيضاً ولما تمت حسب المرغوب رجع 
بها أسعد افندي حالاً إلى طرابلس وسلمها إلى القائم مقام. 

وفي تلك الأثناء أي في شهر تشرين ثاني سنة 1872 سافر الدكتور ميثني فيجه قونصل أميركا 
إلى بلاده موقتاً فولجت القنسلاتو الجنرالية بإدارة قونسلاتو اللاذقية مؤلف هذا التاريخ ترجمان 
القونسلاتو وفيه خرج الوالي صبحي باشا من الشام قاصداً الجولان في بعض مدن الولاية فسار 
إلى بعليبك وحمص وحماه وطرابلس ولما بلغ المطران ملاتيوس حصول المضبطه المار ذكرها 
أرسل إلى صبحي باشا عرضاً يُعلن له فيه فسادها وخلوها من الصحة وانهٌ من الواجب أن يصير 
إجراء فحص وتحقيق صحيح عادل على تشكياته بواسطة مأمورين خاليي الغرض وأنه إذا تمّ ذلك 
فهو مستعد لإثبات جميع تشكياته بالبينة والبرهان فوصل العرض المرقوم إلى صبحي باشا في 
أثناء وجوده في طرابلس لكنة لم يلتفت إليه وفي اثناء ذلك عاد حقي بك المتصرف من الاستانه 
ملقباً بلقب باشا حيث ترقى إلى رتبة ميرميران وبوصوله إلى طرابلس استحصل من مجلسي 
الإدارة والدعاوي فيها مضبطه ضد مطرن اللاذقية ومطران عكار الذي قد تشكى أيضاً للصدارة 
عن التعديات التي كانت حاصلة على مسيحيي ابرشيته التابعة لواء طرابلس وقد قيل أن الأعضاء 
النصارى أبوا في بدآءة الأمر أن يختموا في المضبطة المرقومة لكنهم اخيراً ختموها بواسطة 
تهديدات حقي باشا لهم وههنا يجب القول أن أعضاء المجلس في وقتنا الحاضر سواء كانوا 
مسلمين أو نصارى يتخذون العضوية وسيلةً للانتفاع الذاتي فكثيراً ما يضحون الصوالح العمومية 
لأجل صوالحهم الخصوصية وفي كل الأحوال يلتزمون بمجاراة الحاكم إذا كان نافذ الكلمة عند أولياء 
الأمور ويخضعون لارادته وأوامره خوفاً من العزل ثم أن صبحي باشا استلم المضبطة المذكورة 


2055 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وارسلها إلى الباب العالي وفي أثناء ذلك تحركت المسئلة البلغارية في سورية وبيان المسئلة 
المذكورة هو أن البلغار التابعين للكرسي القسطنطيني كانوا منذ عشر سنين يطلبون أن تسام 
عليهم أساقفة من جنسهم لا من اليونان فلم يجبهم الكرسي إلى ذلك فوقعت المنازعات بين 
الطرفين ونشأ عن ذلك توسع البلغار في الطلب حتى أنهم طلبوا أخيراً الاستقلال بواردات أديرتهم 
وكنائسهم ومداخيل مطارينهم وأن يُسام عليهم اكسارخوس يكون إليه مرجع أساقفتهم وأموردهم 
الروحية إلا أنه يكون خاضعاً رسماً للبطريرك القسطنطيني وأصروا على هذا الطلب وصدر لهم 
فرمان سلطاني بذلك في أيام صدارة عالي باشا إلا أن الصدر المشار إليه أوقف إجراء ايجابه لعلمه 
بالشقاق الذي يتولد عنه فلما مات عالي باشا وخلفه محمود نديم باشا انفذ مضمون الفرمان 
بواسطة مداخلة الجنرال اغناتييف سفير دولة روسيا التي كانت تميل إلى استقلال كنيسة البلغار 
تقويةً للعصبية السلافيه؟ية باقامة اكسرخوس فساموهُ رغماً عن ارادة البطريرك القسطنطيني فلما 
عُزل محمود نديم باشا عقد البطريرك المشار إليه مجمعاً في القسطنطينية استدعى إليه بطاركة 
الاسكندرية وانطاكيه وأورشليم ورئيس أساقفة قبرص واساقفة الكرسي القسطنطيني فابرزوا حكماً 
بانشقاق البلغار وحرموهم وصادق على ذلك كل من البطاركة ما خلا كيرللس البطريرك الأورشليمي 
فأنهٌ لما عرف نوايا المجمع سافر من الاستانه تخلّصاً من الاشتراك في ابراز هذا الحكم راجعاً 
إلى القدس بوسيلة استقبال الغراندوق نقولا اخي قيصر روسيا الذي كان إذ ذاك آتياً لزيارة 
أورشليم ولما بلغ طائفة الروم في سورية صدور هذا الحكم المجمعي استعظموةُ واعتقدوا أنه 
مغاير لروح الكنيسة لأن البلغار لم يزلُوا في شيء من قواعد الايمان الأورثوذكسي وأن منشأة 
العصبية اليونانية وطمع الكرسي القسطنطيني وأن هذه المسألة سياسية أكثر من كونها كنائسية 
فلا تقتضي مجمعاً كنائسياً بل اتفاقاً مدنياً وأن للبلغار حقاً في طلب تخلّص كنيستهم من النير 
اليوناني لأن قوانين المذهب لا تستدعي سيادة اليونان على الكنيسة فتأثرت رعية البطريرك 
الانطاكي وبعض اساقفة من مصادقته على هذا الحكم ومن ذهابه إلى المجمع بدون مخابرة 


اساقفة كرسيه ولا سيما أنه بعد ذهابه كتب إليه ثمانية من اساقفته رسالة فى حزيران سنة 1872 


256 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


حرّضوهُ فيها أن يكون وسيط الألفة والاتحاد وحذروهُ من الخلاف فلم يعبأ بها فلما عاد من 
الاستانه وقعت المخابره بين الشعب في مُدن الكرسي الانطاكي وكان رأس هذه المخابرات 
مدينة بيروت نظراً لمداخلات وتهييج قونسلوس جنرال روسيا وترجمانه الخواجه مخائيل شحاده 
للشعب ضد البطريرك ثم جرت المخابرة أيضاً بين الأساقفة وقر القرار على عقد مجمع في 
بيروت مؤلف من أساقفة الكرسي للنظر في ذلك فسار مطران اللاذقية إلى بيروت وكان عدد 
المطارنه المجتمعين فيها اربعة هم ملاثيوس مطرن اللاذقية وصفرونيوس مطران طرابلس 
وغبرئيل مطران بيروت ومتوزيوس مطران زحله وجميعهم وطنيون وقد كان الاجتماع في أواخر 
شهر تشرين الثاني سنة 1872 فجعلوا ينتظرون باقي المطارنة إلا أن بعضهم لم يرد الاشتراك 
بهذا المجمع لكونهم يونان الجنس كمطران حمص ومطران عكار وغيرهما والبعض الآخر من 
الوطنيين كمطران حماه ومطران صور وصيدا وغيرهما ارسلو للمطارنة الأربعة وكالةً من قبَلهم 
فشرع المطارنة الأربعة في المفاوضات بهذه المسئلة وكان بعض شعب بيروت ولا سيما الحزب 
الروسي يهيجهم على الحكم بعزل البطريرك ومال إلى ذلك صفرونيوس مطران طرابلس طمعاً 
في الارتقاء إلى منصب البطريركية أما ملاتيوس مطران اللاذقية فقاوم هذا الرأي وارتأى انة من 
الواجب أولاً مخاطبة البطريرك ليحتج عن نفسه ثم يُنظر فيما يستدعيه احتجاجه وبعد جلسات 
متعددة انقادوا إلى هذا الرأي وكتبوا رسالة إلى البطريرك مضمونها الاستفهام عن المسوّغات 
الناموسية التي سوّغت له أن يذهب إلى المجمع القسطنطيني بدون مخابرة أساقفة كرسيه وأن 
لا يفعل بموجب رسالتهم المنفذة إليه إلى الاستانة في شهر حزيران سنة 1872 وأن يساهم على 
إفراز البلغار حال كونهم لم يخلُّوا في شيء من قواعد الايمان المستقيم الراي وأرسلوها إليه 
وبعد ارسالها ورد خبر عزل كيرلاس البطريرك الأورشليمي وذلك أنه بعد رجوعه إلى اورشليم 
هاج عليه اساقفة ورهبان الكرسي الاورشليمي الذين جميعهم من اليونان لأجل عدم انحيازه 
إلى العصبية اليونانية في الحكم بافراز البلغار وطلبوا منةٌ أن يكتب إلى المجمع معلناً مصادقته 
على الحكم المذكور فأبى فنادوا بعزله واعلنوا ذلك للحكومة المحلية وأرسلو به رسائل تلغرافية 


2057 


آثار الحقب في للاشة العرب 


إلى البطريرك القسطنطيني والباب العالي فانتصر له شعب كرسيه وقدموا محاضر للحكومة 
المحلية ورسائل تلغرافية إلى الباب العالي يعلنون فيها ممنونيتهم من تصرف بطريركهم 
ويوضحون تعدي مجمعه عليه ويلتمسون قصاص اصحاب الفتنة من الاساقفة والرهبان لتطاولهم 
على البطريرك وكان الباب العالي إذ ذاك قد عدل عن سياسة محمود نديم باشا ومال إلى 
العصبية اليونانية في الحكم بافراز البلغار فلم يتلفت لالتماس الشعب بل أصدر أمرهُ لحكومة 
القدس بعزل البطريرك اجابةً لطلب الرهبان وارساله تحت محافظة العساكر إلى يافا حيثما 
ستأتي بارجة مخصوصة لتسير به إلى الآستانة فلما انتشر هذا الخبر قويت عزيمة البطريرك 
الانطاكي فأرسل تحريراً إلى المطارنة المجتمعين في بيروت يلومهم فيه على اجتماعهم بدون 
إذنه ويؤمر كلا منهم بالرجوع إلى ابرشيته وكانت المطارنة قد انحلت عزائمهم من خبر عزل 
كيرئّس البطريرك الأورشليمي فعادوا إلى ابرشياتهم وعاد في جملتهم المظران ملاثيوس إلى 
اللاذقية. 

أما ما كان بعد رجوع المتصرف حقي باشا إلى طرابلس فهو أن المومى إليه أتى إلى 
اللاذقية مرافقاً بالقائم مقام صالح افندي في أول كانون أول قاصداً إجراء المصالحة بين القائم 
مقام المذكور وبين المطران وقنصلي المانيا وفرانسا وكان المطران قد سبق فسافر إلى بيروت 
كما تقدم القول فلم يتوفق اجتماعهما معة فصالحة مع القنصلين وعاد إلى طرابلس وفي 
أثناء ذلك عَزل سليم افندي نائب اللاذقية وخلفه محمد سعيد افندي وهو عبد اسود اشتراة 
في صغره رجل من أكابر جزيرة قبرصء وأعتقة واعتنى بتربيته وتعليمه وكان ذا استعداد وذكاء 
فترشح بواسطة ما أكتسبهةٌ من العلم للمناصب واتصل إلى خدمة الحكومة فاستخدمتة في بعض 
المأموريات ثم قلّدتهٌ مناصب النيابة. وفي تلك الأثناء أيضاً عل سالم افندي قائم مقام جبله 
وخلفه رفعت بك وكان في بداءة قدومه شديداً على النصارى الآ أنه عدل عن هذا المسلك 
أخيرا 

ثم عُزل صبحي باشا والي سورية وخلفه حالت باشا فابتدأ قائم مقام اللاذقية صالح 
افندي أن يحسّن سلوكة مع القناصل ومال لاصلاح ذات البين مع المطران الذي كان قد 


258 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


رجع من بيروت فتوسط بينهما البعض فتصالحا في بيت الياس افندي صوايا حيث دعاهما إلى 
العشاء وفي أثناء ذلك ترجى القائم مقام الياس افندي صوايا أن يقبل كتابة مجلس الإدارة موقتاً 
إلى أن تلايم الفرص لاعادته إلى مديرية المال فأجابة إلى ذلك. 

وفي 18 شباط سنة 1873 وردت رسالة تلغرافية من البطريرك الانطاكي إلى المطران ملاتيوس 
يخبرهُ فيها بأنه ورد أمر من نظارة الخارجية بعزله وعزل صفرونيوس مطران طرابلس عن 
ابرشيتيهما ويؤمره بتسليم موجودات المطرانخانة إلى وكلاء والاستعداد لمبارحة اللاذقية لكنة لم 
يوضح فيها سبب عزلهما وبقي ذلك مكتوماً فلم يُعلّم هل نشأ عزلهما عن مضبطة حكومة 
طرابلس أو عن غيظ البطريسرك الانطاكي بسبب سفرهما إلى بيروت لأجل المسئلة البلغارية 
والأرجح أن عزلهما نشأً عن اتحاد السببين المذكورين لأنه لو كان عن تأثير مضبطة طرابلس 
وحدها لوجب عزل مطران عكار لا مطران طرابلوس أو لو كان عن تأثير المسألة البلغارية وحدها 
لوجب عزل مطران زحله الذي كان أشدّ على البطريرك مسن مطران اللاذقية والظاهر أنه لما 
اجتمع السببان اتفق البطريرك وصبحي باشا وبالتالي الباب العالي والبطريرك القسطنطيني على 
عزل هذين المطرانين قاصداً كلّ من الفريقين التأثير لغايته فلما وردت الرسالة التلغرافية المار 
ذكرها أصاب طائفة الروم في اللاذقية كدر لا مزيد عليه وصممت على عدم التسليم بعزل 
مطرانها ملاتيوس وعدم قبول غيره مطلقاً وأقامت عمدة مؤلفة من أعضاء جمعية المطرانخانة 
مع اضافة بعض الذوات إليها ووكلتهم بموجب خطاب ممضي من العموم وكالةً مطلقة من 
قبلّها باجراء تمام السعي باعادة المطران المومى إليه وعدم قبول سواه لا بالاصالة ولا بالوكالة. 
أما المطران فانة سلّم الموجودات إلى اعضاء الجمعية أنفسهم وكتب إلى البطريرك رسالةً 
تلغرافية يخبرة بانفاذ أمره فورد له الجواب أن يذهب إلى دير ماري جاورجيوس الحميراءء. وكان 
المطران منحرف الصحة لا يحتمل مشاق سفر البر فضلاً عن كون اقامته في الدير تكون كنايةً 
عن نفي لَه فاستأذن من البطريرك بالسفر إلى الشام ووسط لديه أناساً فأتاه الجواب بالإيجاب 


وسافر إلى الشام في شهر أدار المرقوم وأصحبتة الطائفة برسائل إلى البطريرك مضمونها 


2059 


آثار الحقب في للاقة العرب 


شدة التأثر والحزن من عزله واجماعها على عدم قبول غيره بنوع من الأنواع والالتماس بأن 
يصير السعي بسرعة اعادته ولما بلغ إلى الشام استقبلة البطريرك استقبالاً حسناً واظهر لَه 
تأسفه وكدره من جراء عزله متجاهلاً عن معرفة سببه كما أن الوالي حالت باشا اكرمة عند 
مقابلته إياه واظهر له الأسف أيضاً والميل لمساعدته لأنه كان يعرفة من ذي قبل واجتمع معة 
بمروره في الوابور على اللاذقية حينما كان قادماً للولاية واظهر له حباً وميلاً. أما حقي باشا 
متصرف طرابلوس فسّرّ بعزل المطرانين كقائم مقام اللاذقية ولأجل تمكين تعكير الخواطر من 
جهتهما ارسل صورة ثانية من مضبطة طرابلس إلى الوالي حالت باشا الذي كان يجهلها لأنها 
تقدمت في أيام صبحي باشا ولأجل فتح ميدان واسع للأفكار للحكم على المعاملة التي جرت 
مع المطران ملاتيوس لا بأس من وضع صورة المضبطة المرقومة هنا وهي هذه بحروفها. 


لجانب معالي ولاية سورية الجليلة سه فق مم ره# ّم 9 
مجلس إدارة لوا و السارس لياق 
طرابلس شام 7 

لقد تشرف مجلس العجزة بقراءة الأمرنامة السامي الصادر من جانب عالي الصدارة العظمى 
المؤرخ في 6 رمضان سنة 1289 و 22 تشرين الثاني 1288 والمزين بنومرو ماية وأربعة وأربعين المحال 
من طرف دولتكم المتضمن فحواه المنيف بارسال المحضرين المتقدمين بادعاء وقوع أمور منافية 
للحقانية بحق الخرستيان من أهالي قضاوات اللاذقية وعكار وصافيتا وذلك من اجراء مساحة 
الأراضي مع المظالم والتعديات التي شاهدوها من مأمورين الحكومة المحلية والمعاملة الغير 
مرضية الجارية بحقهم من نصيرية قضاء صافيتا وصدر الأمر السامي بأنة حيث أن مندرجاتها تجلب 
نظر الدقة والأحوال المشتكى بها إذا كانت صحيحة لا يمكن تجويزها فمن اللازم اجراء التحقيقات 
المدققة واجراء ايجاب الحال وعرض وانهاء الكيفية وجميع ما صدر به الأمر السامي وأمر دولتكم 
صار قرين الاذعان وقد تقابل بالإطاعة والامتثال ولدى مطالعة القطعتين أوراق المذكورة فوجدت 


300 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


احداهما من مطران طائفة الروم في عكار وصافيتا والثانية من مطران الملة المذكورة في 
اللاذقية, ووجد زبدة مال معروض مطران عكار المومى إليه بأن بكاوات واغاوات عكار ينهبون 
اموال الخرستيان ويسخرون حيواناتهم وأنة بهذه السنة بواسطة تحويل أراضي الشمسية لثمن 
المثل حصلت زيادة دونمات بالمساحة عليهم من طرف مأمورين المساحة. وأنة لما تواجه 
أحد الخوارنة مع الأهالي للتشكي من ذلك أمر متصرف اللواء بحبسه وبقي يومين في الحيس 
وأن نصيرية صافيتا يقتلون الخرستيان بالسيوف والأحجار حتى أنهم في ظرف خمس سنوات 
للآن صاروا قاتلين ثلاثة وعشرين نفراً ويخطفون بناتهم وأنه ما عاد لملّة الخرستيان قدره 
على السكن والاقامة بالقضاوات المذكورة وأن الحكومة المحلية تغض العبن عن هذه الأفعال. 
والعرضال الثاني المتقدم من مطران اللاذقية وجد يتضمن بأن قائم مقام اللاذقية صالح افندي 
مظهر الكراهة إلى الخرستيان ويعاملهم معاملة تحقيرية وأن مدير ناحية بيت الشلف قوص 
خوري ناحية المزيرعة بالطابنجه وأنهٌ لما كان المطران المومى إليه غائباً في انطاكيه قدم 
الخوري المومى إليه الشكاية للقائم مقام المومى إليه فصار يجتهد بتبرئة المدير وتكاثر الشتم 
والسب على الديانة النصرانية وأن الخوارنه عندما تتوجه إلى الكنايس صارت عرضة للاهانة وانة 
إذا انطلب أحد من الخرستيان للحكومة لأجل عشرين غرش من الاعانه العسكرية أو لأجل سخره 
تتراكض لجلبة جملة ضبطية ويجرُونه بالعنف والاهانة واذا أحد منهم تجاسر على الشكاية يتبدل 
الحق ويصير محكوماً عليه بالحبس والجزاء النقدي وإن بعض أعضاء المجلس يميلون للمبادىء 
الذي نشرها القائم مقام مع كونه متغلب على المجلس لأنة يفتخر بالقول أن كلامه لا يُراجَع 
وأنهٌ لما تهدد الاعضاء المسيحية عندما يبدون فكراً مخالفاً لارادته وأنهٌ صار فتح أبواب دعاوي 
قديمة على المسيحيين وسلب أملاكهم بواسطة دعاوي مصطنعه وباطله وأن مجلس اللاذقية لا 
يلتفت إلى كتاب البيوع المرسول من طرف الدولة العلية وانة إذا أحد قدم الشكيه للقائم 
مقام بعرضحال يمزق عرضحاله وأنة تدرج الحال إلى تدنيس المعابد وظهرت نجاسة ملطوخه 
على باب كنيسة مار جاورجيوس. وأنه لما صار بيان الكيفية إلى القائم مقام جاوب على 


23201 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الفور بأن هذه عمل نصارى وأظهر عدم الاكتراث ومسك بعض المسيحيين لأجل هذه القضية 
ووضعهم في الحبس. هذا ملخص مآل ما درجه مطران اللاذقية في عرضحاله» ويما أن عرض 
وانهاء حقيقة الحال كما هو الواقع منه واجبات الذمة وفي هذا الزمان العادل جميع الأحصوال 
والتصرفات مكشوفة لنظر العموم ودائماً الحكومة السنية تمد أنظار الدقة بمعرفة المجلس 
الملحية لاكتشاف حال ومسرى المأمورين الموجودين بالمعية وحكومة مركز اللواء لا تفقتر عن 
التحقيقات والتدقيقات الخفية والجلية عن حال قائم مقامية القضاوات وسلوكهم وعما يتوقع 
في كل قضاء كما أن جميع الأهالي حتى رعاة الأغنام الذين يوجد أكثرهم لم يدخلوا للمدن 
والأمصار صاروا عارفين النسبة الخيرية الملوكية بحق عموم التبعية الشاهانية بلا استثناء لأن 
الغزيتات والجرائد الموضحة والكاشفة لجميع الأمور دائماً تتوزع على جميع القرايا بكل جمعه 
ليتكشف عنهم الغطاء ويعرفون حقوق النعَم الجليله فلا يوجد ميدان ولا مجال لأحدٍ على أن 
يدعي بأنة انظلم ولم يقتدر على عرض ظلامته لأنه بهذا العصر العادل بظل السطوة الملوكية 
ما عاد موجود واحد يقدر على ظلم أحد أو غدره وإلا ينال الجزاء الذي يترتب عليه على 
حسب درجة مجاسرته وهذا الحال لا يستطيع أحد على انكاره أما بكاوات وأغاوات عكار ما 
انسمع عنهم بكل هذه المدة حصول تعدي بنهب أو سلب أموال أو أملاك أحد من الخرستيان؛ 
ولا من خلافهم ولا تسخيرهم بشيء كما أنة غير مقتدرين على ذلك واذا بالفرض حصل تعدي 
من شخص على آخر تكون من الأمور العادية التي لا يخلو الكون من هكذا وقوعات,. وبالحال 
يجري استنطاق من المتجاسر ومحاكمته واجراء ما يحكم عليه القانون به فهذه النسبة عارية 
عن الأساس وخالية من الصحة والذي يظهر أن ذكرها ليس هو إلا لقصد تشويش أفكار الحكومة 
بلاسبب للتوصل إلى الغايات الذاتية لأن الحال الحاضر والمشاهد بنظر العموم يُظهر ويوكد 
نوال الجميع الراحة والاطمانية والأمنية التامة واتساع أمور زراعتهم وغرس الأشجار والعمار 
للأملاك وعند حدوث دعوى بين شخصين من أي ملة كاناء ولو كان المدعى عليه رفيعاً والمدعي 
وضيعاً فأنةٌ مشاهد حضور المدعي للحكومة وتقديم الشكاية ونواله بحقانيه ولم يحصل تشكي 


302 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


على أحد إلا وصار جلبه واجراء محاكمته وقد سبق أن بعض البكاوات والاغوات من المسيحيين 
أم خلافهم كانوا يدعون عليهم فبالحال يصير جلبهم واجراء محاكمتهم ونوال الحق حقة بظل 
الشوكة القاهرة الملوكية. وأما قضية البحث عن مادة ثمن مثل الأراضي وحضور الخوري 
للحكومة. فإن الأراضي الشمسية التي هي ملك همايون وتَعطّى بالالتزام بكل سنة للطالبين 
وأكثرها بيد الإسلام قد صار اجراء مساحتها لأجل ادخالها تحت نظام الطابو وحصلت المساعدة 
للزارع بتفويضها لهم بثمن المثل مقسّطاً بمعرفة قومسيون مخصوص مشكل من جانب الولاية 
الجليله وقد صار تخمين الأراضي بمعرفئة مخمنين من ذوي الخبرة من سائر الملل من أهالي 
تلك المحلات وخلافهم الخالين الغرض والجميع بالفيئة المعتدلة وباشروا بدفع القسط ما عدا 
بعض زراع قرية السمونية من الخرستيانء فأنه حركهم الخوري المذكور للشكايه بزيادة الفيئة 
والادعاء بأنة حصلت زيادة عليهم بالمساحة فصار تفهيمهم بأن الفيئة معتدلة وأنة من اللازم 
دفع القسط وأن دعواهم بزيادة المساحة فأنة يُنظر بايجابها الحقاني فلم يقنعوا فعندها صار 
توقيف بعض الأهالي المتعنتين عن دفع القسط لأن ادعاهم واهي وأكبر دليل على ارتكابهم 
الغرور والطمع وأنهم محركين على الشكيه وأن الفيئة معتدلة لأنهة موجود طالب لأراضي 
القرية بزيادة مايتين الف غرش عن ثمن المثل الذي تخمّن عليهم حالة كونها مقدرة على 
جميع الأهالي بمايتين وستين ألف غرش فلما شاهد ذلك الخوري أراد يدخل القضية للمغالطة 
وصار يتكلم كلاماً غير لائق بالحدة. ورفع الصوت وقال ما دام صار توقيف هؤلاء فإني أحبس 
نفسي معهم وتوجه للحبس معهم فمنعة الضبطية من الدخول للحبس حسب تنبيه المتصرف 
وقعد على باب اليرمق ومراراً صار تكليفه بالتوجه بواسطة الأعضاء من أبناء ملته وغيرهم فلم 
يقبل حتى أن مطران افندي الروم بطرابلس لما سمع القضية أرسل له خبر بالحضور لطرفه 
فلم يقبل وبقي مصراً ولم يخرج من قوناق الحكومة حتى حضر مطران عكار الذي الآن قدم 
الشكوى. وأرسل له خبراً فتوجه لعنده وقد تحررت بذلك مضبطه مفصله إذ ذاك وتقدمت 
لجانب الولاية الجليلة في 7 رجب سنةة 289 و21 اغسطوس سنة 288 وأما الادعاء الحاصل بقتل 


2303 


آثار الحقب في للاقة العرب 


الثلاثة وعشرين نفراً من الخرستيان في صافيتا فمن مراجعة القيود يظهر عدم صحتهاء وأنهٌ لربما 
هذا الادعاء هو عن وقوعات قديمة من سنين عديدة. ولكن بما أن القضاوات جسيمة ومتسعة 
وفي كل محل لا يخلو من وجود الصالح والطالح كما أن الوقوعات الكونية لا يخلو محل منها 
ولا تخلو مملكة من الممالك من حدوث هكذا أحوال لأنة إذا صودف وجود اشقياء في جبال 
النصيرية الذين هم ملة غير متمدنة ودخلوا إلى بيت أحد من سكن القرايا والجبال للسرقة 
وخرج عليهم صاحب البيت فقوصوةُ ومات متأثراً وصادف مرور أحد منفرداً في الطريق» ووجدة 
أحد من الاشقياء وأراد غصب ماله وقوصه ومات فإن الحكومة المحلية لا تتسامح ذرة واحدة 
من تعاطي أسباب رمي القبض على المتجاسر وإجراء محاكمته ومجازاته الشرعية والقانونية 
ومن تتبع قيودات المجلس من سنين للان تظهر جميع الاجراءات التي حصلت بحق كل قضية 
وقعت من الأمور الجنائية لأن هكذا وقوعات ليست مخصوصة بحق ملة دون ملّة بل الكون لا 
يخلو منها بحق جميع الملل كما أنه يوجد قتلّه من كل مله كذلك ينوجد اشقياء متجاسرين 
على القتل من كل ملة أيضاً ولحد الآن كم وكم ارتسل إلى قلعة عكا أشخاص مرتكبين الجنايات 
بحق الخرستيان وخلافهم ولربما صار مقتول من النصيرية في سنجاق طرابلس. بالإصلاحات التي 
حصلت في جبال النصيرية في مدة الثلاث وثلاثين سنة المذكورة وغيرها عن كل نفر مقتول 
من الخرستيانء» اكثر من خمسماية نفر وانتفى منهم في أوقات مختلفة جمع غفير بحسب 
حال كل قضية والآن ينوجد في حبس طرابلس أكثر من ثلاثين نفراً من النصيرية لأجل هكذا 
دعاوي صار لهم أكثر من ستة أشهر بناء على ادعاء خرستيان صافيتا عليهم وكلما صار طلب 
المرقومين للمحاكمة: لا يحضروا بل يرغبون المجازاة من دون مرافعة حتى أنه بهذه المرة تأكد 
بارسال المدعين من الخرستيان المرقومين فورد الجواب من مجلس صافيتا بمضبطه بأن المدعين 
من الخرستيان امتنعوا عن الحضور للمرافعة مع المحبوسين. وادعوا انهم لا يقدرون على الاثبات 
عليهم واذا صار ربط المدعى عليهم بكفالة واطلاقهم يتشكوا ويقولوا ضاع حقنا والحاصل ما 
سبق حصول قضية رديه نظير قتل النفوس أو سلب الأموال أو خلافها. وصار السكوت عنها من 


304 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


طرف الحكومة. ولو صار البيان عن اسامي الذي صرر الادعاء بقتلهم كان يصير مراجعة القيد. 
وبيان الاجراءات التي حصلت بوقت وقوع القضية وعندها يظهر إن كان حصل تسامح أم لا. 
وأما عند اجراء المرافعة بتقديم الشكايات ونقل الأمور من طور إلى طور آخر وذكر الدعاوي 
القديمة التي جرى ايجابها بوقتها بصورة الاجمالء والنسبة بأنة صار مقتول كذا من دون بيان 
اجراءات الحكومة بأوقات وقوع القضية يكون ذلك مبني لقصد اعظام الأمور ودخالها لصورة 
المغالطة والحال أنة في هذا العصر المحصور بمزيد المراحم الملوكية له الحمد سطوة 
الحكومة السنية باسطة وشوكة اقتدار الدولة العلية قوية على كل متعند ومتجاسر ولا يحق 
لأحد على أن ينسب للحكومة السنية أدنى ذرة من القصور بالاجراءات وبقضية الضبط والربط 
واستكمال الراحة والأمنية لأن هذا الوقت يُعَدٌ غرّة في جبين الدهر حيث أن مأمورين الحكومة 
الكبار والصغار دائماً متيقظون ومجتهدون بكل ما فيه راحة الأهالي وأمنيتهم وخصوصاً في 
سنجاق طرابلوس الشام فأنهُ يُعَدٌ السنجاق الأول في قطعة سورية بالراحة والأمنية وائتتلاف قلوب 
الأهالي مع بعضهم والمحبة الوطنية بين جميع المللء وأما ما ذكرة مطران افندي اللاذقية 
بعرضحاله بحق قائم مقام اللاذقية صالح افندي والمواد التي عددها حرفياً فأنةٌ من مراجعة 
مضبطة مجلس اللاذقية المختومة من جميع اعضاء الخرستيان أيضاً المؤرخة في 28 شعبان سنة 
89 وفي 18 تشرين الأول سنة 288, بناء على الاشعارات المؤكدة الصادرة من مركز المتصرفية 
المبنية على تشكي المطران المومى إليه ظهر أن الدعوى التي تصدرت على مدير ناحية بيت 
الشلف من خوري المزيرعة صار رؤيتها في مجلس اللاذقية وانمسك بها زورا ورج به الاستنطاق 
ولم يتبين صحة ما ادعاه الخوري بل ظهر أنه محقوق وصار الاستئذان من جانب الولاية 
الجليلة بجلبه للمحاكمة والآن صدر أمر دولتكم المؤرخ في 7 شوال سنة 89 ذيلاً على الأمر 
السامي الصادر من جانب مقام الصدارة العظمى باستحضار الخوري المذكور واجراء محاكمته 
لأن الخوري المذكور له سوابق بالتحريك حتى أن حضرة والي الولاية السابق دولتلو راشد باشا 
تحقق لديه حاله حين شرف إلى جبال النصيرية للاصلاحات صدر أمره إلى مطران المله بحبسه 


2305 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


تأديباً له وأما نسبة كراهة القائم مقام المومى إليه للخرستيان لم يوجد لها سبب ولا مستند 
لانة غريب الديار وليس له غرض مع أحد ومجرب الأطوار بالخدامات في جملة محلات وعارف 
الأصول والنظامات السنيةء ومن ذوي الوقوف والدراية والمعرفة بحال ونزاكة الوقت فلم يبدو 
منة هكذا حالات منافية مخالفة للديانة والإنسانية ولواجبات المأمورية وإنما لتمسكه بالحقانية 
وعدم اصغاه للتكاليف الغير المحقة والمخالفة للنظامات السنية يفتعلوا منه ويشيعوا عليه 
هكذا أخبار لكي أما يطاوعهم على مقاصدهم الذاتية وإذا انعزل يتوقى خلفه مخالفتهم وأما 
قضية تلويث باب الكنيسة فما حصل تسامح من الحكومة عند وقوعها ومن جملة الاجراءات 
الدائرة الشمالية المأمورة بالتحري على هذه القضية أيضاً أوقعت الشبهة على شخص مسيحيء 
ومن الجملة صار استحضاره واستنطاقه حيث كانت وقعت مشاجرة بينة وبين خوري الكنيسة 
وبالاستنطاق لم تقع الشبهة القوية عليه ولم يزل صائر البحث والتحري على المتجاسرينء وأما 
قضية تراكض الضبطية لجلب أحد المسيحيين عند لزوم جلبه لدفع الاعانة العسكرية بالاهانة 
والشتم فأنة لم ينسمع وقوع ذلك وأنة كان من الواجب عند وقوع هكذا قضية من أحد 
الضبطية بالحال يعرض من عومل بذلك دعواة للحكومة السنية فاذا ما نال الحقانية يعرض 
لمحل أعلى لأن باب الحكومة السنية مفتوح لكل قاصد وأن ما درج من فتح الدعاوي القديمة 
على الخرستيان وسلب أملاكهم والحال أنة لربما المقصود من هذه الدعاوي هي دعوى حسن 
حوريه من أهالي اللاذقية على عبداللّه اسبريدون من الخرستيان بقضية طاحون وكان صار اعطاء 
القرار بها بموجب مضبطه ولما تقدمت المضبطة لمركز اللواء وطلب المدعى عليه استئناف 
الدعوى صار طلب الفريقين لمركز اللواء. وللآن ما حضر المدعي لكون المدعى عليه كان مشغولاً 
بتعليم الرديف وأنهٌ قريباً يصير ارساله لمركز اللواء مع خصمه وأن مادة تمزيق العرضحالات لم 
يصر معلومية للمجلس بها ولا أحد ادعى بذلكء وأن الدعوى الثانية التي صار الأعراض بها من 
المطران المومى إليه بالادعاء أنها من عشرين سنة فأنها دعوى على مبيع دار هي الآن بيد أرملة 
الخواجه موسى ابراهيم» ولم يمضي على بلوغ المدعى المتصدره منة الدعوى المدة المانعة 


306 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


من سماعها ومع ذلك يصير استتئنافها في مركز اللواء ويظهر الحق وأن المطران المومى إليه 
ذكر بأن ذلك سبب فتح المطامع على المسيحيين والحال أن مثل هكذا دعوى حقوقية دائماً 
تقع من الإسلام مع بعضهم ومن الأخ على أخيه ومن مسلم على مسيحي وبالعكس. ولا يكون 
ذلك سبباً لفتح باب من أبواب المحاذير وإنما بعد المرافعة يظهر المحق من المحقوق ويجري 
الايجاب الشرعي بالأمور الشرعية والمسوغ النظامي بالأمور النظامية وبالحقيقة أن دعاوي الحقوق 
إن كانت قديمة أو حادثة لها حكم لأن الشرع الشريف والقانون المنيف لم يتركا شيئاً بلا نص 
صريح واذا كانت كلما تصدرت دعوى حقوقية من مسلم على خرستيان أو من خرستيان على 
مسلم يصير نقلها لهيئة العموم والتشبث بالقول بأن هذه الدعوى تفتح أبواب مطامع على أبناء 
ملّة المدعي عليه حينئذ ينفتح باب لاضاعة كامل الحقوقء وهذه هي التي تكون محركة لمطامع 
وغرور ذوي المطامع وقد أدرج بالمضبطة المذكورة أنهُ بظل السطوة الملوكية راحة جميع الأهالي 
بلا استثناء في محورها اللائق وأنه بحوله تعالى لا يوجد ميدان لطائفة على سلب راحة طائفة 
أخرى ولا يوجد سبيل على سلب راحة وأمنية أحد هذا مآل المضبطة المذكورة مع كونها 
وردت من مجلس دعاوي اللاذقية حالة كون القائم مقام المومى إليه لم يكن في اللاذقية 
بل كان في طرابلسء وهذا مما يؤكد عدم صحة ما نسب من كون القائم مقام المومى إليه 
متغلب على المجالس. وأنهٌ يتهدد مَن يبدي منهم فكراً مخالفاً لارادته وبالتأمل الدقيق يظهر أن 
الدولة العليه الأبدية الدوام أسّست المجالس من وجوه البلاد من إسلام وخرستيان وبقية الملل 
بانتخاب الأهالي وصار تقسيم المجلس وعينت لكل مجلس وظائف مخصوصه بموجب نظامات 
ومأمورين الحكومة لم تعين لهم مأمورية بسماع الدعاوي بل هم مأمورون بالاجراء بعد المرافعة 
والمحاكمة وصدور الحكم وورود المضبطة فلذلك لا سبيل للاعتراض على الحكومة المحلية بقضية 
دعاوي الحقوق ولا عذر للمجلس بذلك وانما إذا حصل تسامح بالإجراء حينئذ يحق نسبة ذلك 
إلى مأمورين الحكومة الاجرائية ومصرح بالنظامات أن أعضاء المجلس بأجمعهم من دون استثناء 


307 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


اللواء مركزاً لاستئناف دعاوي القضاء ومركز الولاية محلاً لاستئناف الدعاوي التي ثُرى في مركز 
اللواء فلذلك لا يوجد سبب لأحد على الاعتراض بشيء لكن كما يظهر من الدلائل الثابتة بالوقايع 
المماثلة أن البعض عندما تحصل قضية غير موافقة لهم يريدون أخذ الأمور بالمغالطة ونقلها 
من طور إلى طور ظناً بأنهم يتوصلون لمقاصدهم والحال أن في هذا العصر المحصور بمزيد 
المراحم زالت هذه الأمور أيضاً وكل شيء تركز في مركزه وارتبط بنظامه وكل مأمور له وظائف 
مخصوصة وكل مادة انوضع لها نظام محكم وانسدت أبواب التدليس واشتهرت للجميع حقائق 
النسبة الخيرية بحق عموم التبعة الملوكية بلا استثناء والجميع تفتحت آذانهم وتنورت بصائرهم 
فلذلك طرق التدليس والشكايات الغير المحقة صارت مسدوده لأن التحقيق المحق يظهر 
الحقائق وبما أن الدولة العلية أسست مجالس بكل ناحية وقضاء ولواء مشكلة من جميع الملل 
بانتخاب الأهالي وجميع الدعاوي ترى في المجلس بحسب درجات نظامها فلا سبيل لمداخلة 
الرؤساء الروحية بأمور الحكومة ودعاوي الأهالي مع بعضهم لأن ذلك ليس هو من متعلقات 
الأمور المذهبية فعدم اعطاهم ميدان للمداخلة الموجبة للبشلله أوجب تعديهم لهكذا شكايات 
وتجسيم الأمور وتصديع أفكار الحكومة السنية لكي يتوصلوا إلى مقاصدهم الذاتية وبينما كان 
مع اقتضاء الوظائف المذهبية المترتبة على الرؤساء الروحية نصيحة الأهالي برفع النزاع واتباع 
الحقانية وامتثال أوامر الحكومة السنية فالآن تصديهم للعكس بالحقيقة أنة يوجب التأسف 
وحيث هذا حقيقة الحال وللّه الحمد والمنه بظل الموفقية الملوكية وأنظار دولتكم الصفية كافة 
الأهالي من جميع الملل رايعين في بحبوحة الراحة والأمنية بلا استثناء فلأجل أن يحيط العلوم 
الشريفة تفصيل الكيفية حصل التجاسر بتقديم هذه المضبطة من مجلسي إدارة وتمييز لواء 
طرابلس شام وبكل الوجوه الأمر والفرمان لحضرة مَن له الأمر احترام في 9 شوال سنة 289 و 26 


تشرين الثانى سنة 288 


308 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


مجلس تمييز الدعاوى مجلس الإدارة 

الداع الداعي الداعي متصرف لوا 
مميز رئيس مفتي نائب طرابلس 
(السيد أحمد (عبد الحليم) (السيد مصطفى) (عبد الحليم) (أسماعيل 
سلطاني) لمعي لطفي لمعي حقي 
مميز محمد رشيد زيلعي مميز عبدالله السيد أحمد أعضاء محاسبة جي أوقاف أعضاء 
(مخايل أرناؤوط) (أبراهيم انطانيوس (السيد احمد (الحاج عثمان) السيد 

زريق تدمري عبدالله 
مميز اعضا اعضا 

(الياس الخوري) بطرس (رفول الداية) (حنا صراف) 

انتهت بحروقها 


فلما وصلت صورة المضبطة المرقومه إلى الوالي حالت باشا ارسل نسختها إلى البطريرك 
فسلمها البطريرك إلى المطران اللاذقية فأجاب عنها المطران بعرض قدمة إلى الوالي وهذه 
صورته. 

لقد اطلعت بواسطة غبطة بطريرك افندي على صورة المضبطه المتقدمة من متصرفية 
لواء طرابلس شام الساميه لجانب الولاية الجليلة بمدة حضرة صاحب الدولة صبحي باشا 
رقم و شوال سنة 89 وو تشرين الثاني سنة 880 والمتكرر تقديم صورتها مؤخراً من جانب 
المتصرفية المومى إليها لاعتابكم الكريمة وتفضلتم بارسالها لغبطة البطريرك المومى إليه 
ولدى مطالعتها وجدت مضمونها عبارةً عن ثلاثة موضوعات الموضوع الأول الرد على 
تشكياتي المتقدمة لأعتاب الصدارة العظمى عن الوقوعات والتعديات التي كانت جارية 
على الطائفة الارثوذكسية في اللاذقية وعلى كنيستها وعلى خوري قرية المزيرعة بعد تعيين 
رفعتلوا صالح افندي قائم مقاماً. والموضوع الثاني تهمة هذا الداعي بالنفاق وتصديع افكار 
الحكومة السنية وتعليم الشعب محبة النزاع واتباع الباطل والتمرد على الحكومة السنية. 
والموضوع الثالث اظهار حكومة طرابلس ما هي عليه من الانتباه والدقة لاجراء المعدلة 


209 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


والقوانين السنية. واستراحة الأهاليء ومراقبة أعمال القائم مقامية الذين هم ضمن اللواء. 
حيث كان الحال يستدعي بالمجبورين بيان الحقيقة استرحم الاذن من لدن دولتكم لاعرض ما 
يستدعيه ايجاب الحال الآن لاحاطة علومكم السامية: فأولاً من جهة الموضوع الأول: أعني الرد 
على تشكياتي أقول أنة لو كانت حكومة طرابلس أجرت مقتضيات القوانين السنية من ارسال 
اعضاء إسلام ومسيحيين لاجل تحقيق هذه القضايا في محلهاء بالنظر لجهتي بصورة المدعي 
ولجهة المأمورين المحليبن بصورة المدعى علهيم لكان ظهر الحق لي أو عليّ وكان حينئذ يسوغ 
أن يقال أن مضبطة مجلس طرابلس هي مضبطة مستوفية النظام. ولكن بما أن الحال بخلاف 
ذلك وقد جعلت الخصم ذاته محققاً وحكّماً واعتبرت قوله هو المعوّل عليه وسندتة بتلك 
المضبطة. وجميع ذلك بدون سؤال مني أصلاً فالمعدلة السنية تمكني أن أقولء أنني امسيت 
ضحية للغرض حتى أن حضرة سلف دولتكم لعلمه عدم موافقة هذه المضبطة للنظام من 
جهة: وأنني مستعد لاثبات تشكياتي كما عرضت لدولته عندما بلغني حصول هذه المضبطة من 
جهة أخرى أصدر تحريرات لغبطة البطريرك يمكن الاستنتاج منها أن المقصود صرف النظر عن 
هذه المسائلء وإيقافها عند هذا الحد ثم أنة ولئن يكن الآن معدلة دولتكم تساعد على إجراء 
التحقيقات النظامية لاثبات تشكياتي إلا أنه يمنعني عن التجرد لذلك جملة موانع وهي أولاً أن 
ما يلجئني لاظهار صحة معروضاتي لأجل حفظ مركزي بنظر الحكومة السنية قد زال لأنني عزلت 
من سياسة ابرشيتي الروحية بلا محاكمة ولا تحقيق نظامي أو ثبوت جنحة عليٍّ لا سياسية ولا 
روحية ثانياً أن المعدلة لا تقتضي بأنه عندما استدعيت اجراء المحاكمة لاثبات تشكياتي بأوقاتها 
وأنا في مركزي لا يصير الاصغاء لاستدعائي هذا الحقاني وأن أتكلف لذلك الآن بعد أن غزلت. 
ثالثاً أن تشكياتي قد كانت لأجل وقوعات مصدرها سوء إدارة بعض المأمورين وقتئذ ولكونه بعد 
انفصال حضرة صاحب الدولة صبحي باشا وتشريف دولتكم قد تغيرت الإدارة وتحسنت المعاملة, 
فلا يوجد لزوم لتجديد تشكيات قد مضى أمرها رابعاً بما أن قائم مقام افندي اللاذقية بعد 
انفصال حضرة سلفكم قد عاهدني بحضور ذوات من وكلاء قناصل ووجوه تبعة وتجردي لإثبات 
تشكياتي ضده الآن يجعلني ناكثاً للعهد فلا أريد أن أكون منعوتاً بهذا النعتء وبناء على كل 


2310 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


ما ذكر اجتنب الآن البحث في اثبات صحة هذه التشكيات ثانياً من جهة الموضوع الثاني الذي 
به تتهمني مضبطة طرابلس.ء تهماً مختلفة اجيب أنني لا أعلم على أي سند حقاني وأي ذمة عادلة 
وأي رخصة سنية جاز لمجلس طرابلوس أن يتهمني بهكذا تهُمّ حال كون حب المداخلة والنفاق 
الذي يُقصّد. التوصل للأغراض الذاتية هو لأناس معلومين ومشهوري الاسم والأعمال شرهين 
للاغتناء وجمع الثروة من أموال العباد وكسب الشهرة والنفوذ المتغلبين على الحق وليس هو 
لشخصٍ مثل هذا الحقير من جماعة الرهبان مع أنني لو كنت كما تتهمني تلك المضبطة لكنت 
اختار الدخول في مجلس الإدارة المحلي منذ التشكيلات للآن بصف الأعضاء الطبيعيين حيثما 
كان يتيسّر لي المداخلة لنوال المقاصد التي تشير عنها المضبطة بخلاف أن ابقى خارج المجلس 
حال كوني تكلفت لذلك مراراً وأبيت القبول حباً في عدم المداخلة وأما تشكياتي فليست إلا 
ابلاغ حقيقة الأحوال لمسامع ولية نعمتنا الدولة العلية وعرض وبيان عدم مجرى الأمور طبق 
مرضاتها وقوانينها قياماً بفروض عبوديتي لها وايفاءً لما تقتضيه واجبات الذمة لنحو المعابد 
والخوارنة الذين هم ضمن إدارتي ولنحو الشعب المنوطة بي رياسته الروحية لكي يدوم متمتعاً 
بنعم المعدله الملوكانية الأمر الذي بحمده تعالى وبظل العناية الشهانية كنا حاصلين عليه 
بواسطة اعتناء حضرة ولاة الأمور العظام المجبولين بالمرحمه نظير دولتكم والمأمورين المحليين 
الذين سلفوا لحين حصول تلك الوقوعات المشكي عنهاء فلعل هذا الاجتناب بعدم مداخلتي في 
المجلس لم يوجد كافياً في نظر حضرة أصحاب المضبطة لأن يقيني من تهمة حب المداخلات 
والمقاصد حال كونه لي مدة ثماني سنين مطراناً في اللاذقية ولم يظهر لي ولا مقصد ذاتي 
أوجب تصديع أفكار الحكومة السنية. ولم يوجد أحد قط من أبناء طائفتي ارتكب شيئاً مغايراً 
لرضاها حتى يجوز أن أنسّب لهكذا منكرات على أنني للّه الحمد بسياسة ولية نعمتنا الدولة 
العلية قد حزت بهذه الثماني سنين ما يجب الافتخار من التفات حضرة ولاة الأمور لنحوي لما 
تحققوة من صدق العبودية والحب والخلوص القلبي الذي بي لصوالح ولية نعمتنا الدولة العلية 
وأهل العرض عموماً وإذا كان مجلس طرابلس ينكر عليٍّ ذلك فحكومة الولاية التي استحصلت 
لي نيشان المجيديه العالي تعرفه وبالحقيقة لو كان واقعاً فساد من طائفة الروم باللاذقية أو 


23211 


آثار الحقب في للاشة العرب 


كان موجوداً منها عاص أو قاطع طريق أو متمرد أو أحد مشكوٌ عليه بشيء يغاير الرضى العالي 
لكنت اسلم أنه يجوز لمجلس طرابلس أن يتهمني بتعاليم مغايرة على أنني في زمن ولاية 
حضرة سلف دولتكم كنت أغلب تلك المدة غائباً في انطاكيا فما هي المقاصد التي كانت 
لي وأنا غائب ولأجل عدم رواجها تصديت هذا التصدي أو ليس أن تهمتي كل هذه الثّهم التي 
لا أثر لها في الواقع أجازت لكثيرين أن يفتكروا أن ذلك مقصود به تشويش أفكار حضرة أولياء 
الأمور من جهتي لتكون تشكياتي غير مثمرة. فلا يعود أحد فيما بعد يجسر على التشكي من 
أحد المأمورين إذا خرج عن النظام: توهماً أن ذلك يرجع لحكم المأمور نفسه وعوضاً عن أن 
يكون المشتكي مظهراً للانصاف يصير عرضة للانتقام وأما استناد مضبطة اللواء على مضبطة 
دعاوي اللاذقية وكونها مختومة من الأعضاء المسيحيين فهذا امر اشتهر كنف حرف وبأي صورة 
حصل ولكن حيث مضى وقته وانتهى امره فلا موجب للبحث فيه. ثالثاً من جهة الموضوع 
الثالث الذي هو عبارة عن شهادة حكومة مركز اللواء لنفسها بالانتباه والدقة لإجراء المعدلة 
والقوانين السنية إلى آخره فأنني أتمنى لها كل الموفقيه في هذه النوايا الخيرية لأنها مدار 
الخير العمومي لكن يحق لي أن أقول عن نفسي مع الأسف أن الظاهر أن سوء حظي جعل 
عدم اجراء التحقيقات القانونية من طرفها على تشكياتي حاصلاً بنوع مستثنى, ولم يوهلني أن 
أكون مشتركاً في اقتطاف ثمرات هذه النواياء والغاية بما أن عناية ولية نعمتنا الدولة العلية 
الأبدية الدوام ستستوضح حقائق الأمور بحكمة من كان نظير دولتكم من وزرائها العظام وتظهر 
لديها صداقة المخلصين العبودية لها حقيقةً ولكون هذا الداعي على كل حال من جملة عبيدها 
المواظبين على تقديم الادعية الخيرية بتأبيد وتأييد شوكة واقتدار السلطنة السنية اتجاسر بتقديم 
عرضحالي هذا ببيان الحال وبكل الوجوه الأمر والفرمان لحضرة مَن له الأمر والإحسان افندم. 


(انتهى) 


512 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


فلما اطلع الوالي على هذا الرد قال أن مطران اللاذقية لم يُعَامَل بالانصاف ووعدة 
بالمساعدة وكان يتلطف به في كل مقابلاته معة ويكرم مثواه. 

وفي هذا الأثناء جرى الانتخاب على نصف اعضاء مجلس اللاذقية حسب العادة فأنثغب 
اسكندر افندي شدياق عوضاً عن يوسف شرود وعلي آغا هرون عوضاً عن ولده اسعد آغا في 
مجلس الإدارة ومحمود آغاهرون عوضاً عن محمد افندي ازهري.ء وعبداللّه افندي فهده عوضاً 
عن عبدالله افندي كومينء ويعقوف افندي ميلكون عوضاً عن حنا الطحان في مجلس الدعاوي. 

وفيها جرى انشاء صندوق المنافع فضربت الحكومة على كل صمد مبلغاً معلوماً ثم 
جمعتة ليكون رأس مال للصندوق لأجل دين من يحتاج من الزراعين بفائدة 12 في الماية سنوياً. 

وفي شهر نيسان طرح قائم مقام اللاذقية أعشار قرى ونواحي القضاء في المزايدة. 
ولما كان الملتزمون في السنة السالفة قد تكبدوا خسائر باهظة. وكانت أيضاً حواصل السنة 
الحاضرة غير مقبلة لم يتجرأوا علس ايصال بدلها إلى البدل السابقء وكانت الأوامر الوارده 
للقائم مقام تتضمن فيما قيل عدم تجويز تقرير التزام الأعشار ببدل انقص من بدلها 
السابق كأنما الأراضي مجبورة على الدوام أن تعطي حواصل لا يتسبب معها نقص واردات 
الأعشار السنوية فلما رأى القائم مقام عدم رغبة الملتزمين في المدينة سار إلى القرى 
وجعل يلزم أهالي كل قرية بأعشار قريتهم ببدلها السابق والذين كانوا يتمنعون منهم عن 
القبول كان يُحبّسون ويُضرّبون حتى يقبلوا ويكتبوا على انفسهم سندات ببدل الالتزام وعلى 
هذه الصورة قرر التزام أكثر القرى وأصاب الأهالي من ذلك غدر جسيم ولا سيما أهالي 
جبل الأكراد فقدموا عرضاً إلى مجلس إدارة اللاذقية مضمونه أن القائم مقام أكرههم على 
التزام أعشار قراهم بقيمة باهظة وأنهم يلتمسون رفع الالتزام عنهم فطّرح عرضهم هذا في 
زاوية الإهمال وأرسل عضوان من قبّل المجلس إلى الجبل المذكور ليتمما إجبار الأهالي على 
الالتزام ويختما منهم الصكوك فانقادوا إليهما صاغرين لعدم وجود مَن يأخذ بيدهم ولما هو 


213 


آثار الحقب في للاقة العرب 


معلوم من أنهم إذا تشكو إلى مركز أعلى يُحال عرضهم إلى القائم مقام نفسه حسب العادة 
فيهون عليه استحصال مضبطه من المجلس تتضمن تكذيبهم وأنهم التزموا برضاهم إلا أنهم بعد 
أن التزموا قصدوا العدول وتشهد له بحسن المعاملة والسلوك وقد قال القائم مقام نفسه أمامي 
في مجلس دار فيه ذكر هذه المسئلة «أنني أمين من جهتها لأن الأهالي إذا قصدوا المحاكمة 
معي ينفقون من المال قبل الوصول إلى اثبات دعواهم أكثر من قيمة الاعشار التي يطلبون 
التخلص منهاء وبما أنهم يعرفون ذلك فلا خوف من أنهم يتصدون للدعوى». 

ثم في أول شهر أيار حل القائم مقام المذكور في قرية البهلولية بوسيلة الالتزام وكان فيها 
مدرسة من قبّل المُرسلين الأميركان لتعليم أولاد أهالي القرية الذين هم من طائفة النصيرية فلما 
علم بها استدعى أهالي القرية وشتمهم موبخاً لهم بسبب وضعهم أولادهم في تلك المدرسة, 
وبواسطة التهديدات حصل منهم على عرض مضمونة التماس ابطال المدرسة» وترحيل المعلم من 
قريتهم تحت جنحة أنهم لا يريدون أن يعلموا أولادهم المباديء المسيحية حال كونهم فرقةً من 
الفرق الإسلامية ثم استدعى معلم المدرسة وأمره أن يبارح القرية فأجابه أنه لا يمكنهُ ذلك بدون 
اذن من رؤساء المُرسلَين الأميركان في اللاذقية فأرسل القائم مقام خطاباً للمؤلف متولج قونسلاتو 
اميركا يطلب فيه ابطال المدرسة ورفع المعلم من القرية, وكانت نية وسعي القائم مقام 
متجهين لتعطيل جميع مدارس المُّرسَلين المفتوحة لتعليم أولاد النصيرية ليزيل أسباب دخولهم 
في النصرانية وكان يجتهد في أن يقنع العموم أن النصيريه هم مسلمون. وكان في قرية كيمين 
مدرسة أيضاً فأرسل أمراً إلى أهاليها ينهاهم فيه عن وضع أولادهم فيها كما أنه كان يحذّر جميع 
النصيرية الذين تحت حكمه من تعليم أولادهم في مدارس المرسلين ويتهددهم بالقصاص إذا 
سلكوا بالخلاف. ولما كان في تلك الأثناء قد سافر من بيروت مستر بلدوين هاي قونسلوس جنرال 
دولة اميركا في سورية قاصداً زيارة طرابلس واللاذقية توقف المؤلف عن مجاوبة القائم مقام 
حتى يحضر الجنرال للأذقية ويعرض المسئلة له وفي 22 أيار وصل الجنرال ومعهٌ زوجته وتجرمانه 
اسبر افندي شقير وكان قبل وصوله بثلاثة أيام قد أعلن المؤلف خبر قدومه إلى القائم مقام الذي 


25314 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


كان لم يزل في الخارج فورد منهة جواب يعتذر فيه عن عدم امكان حضوره لملاقاة الجنرال» 
وأرسل ابراهيم افندي حكيم مدير التحريرات ليستقبله من طرفه وانفذ امراً إلى علي آغا هرون 
وكيله في القائم مقامية أن يرسل إلى المينا أنفار الضبطية وفرسان الحكومة لاجراء استقبال 
احتفالي له أما الجنرال فبعد وصوله إلى اللاذقية لم يقبل اعتذار القائم مقام لأنة كان يريد أن 
يجتمع به لأجل فض مسائل تختص بالأميركان وهي كسر قفل باب المقبرة الأميركانية. وسرقة 
حجر ذي قيمة عن أحد قبورها ووقوع تعد من قبّل يوزباشي الضابطين على قواس القونصلاتو 
ومسئلة مدرسة البهلولية التي كانت عرضت له فبعث برسالة تلغرافية إلى الوالي يطلب منه فيها 
أن يصدر أمراً تلغرافياً إلى القائم مقام أن ينزل من الجبل لمقابلته فورد له الجواب بالايجاب ولما 
نزل القائم مقام اجتمعا وتفاوضا من جهة المسائل الواقعة فلم يحصل بينهما اتفاق إلا على 
مسئلة القواسء بأن قدّم اليوزباشي اعتذاراً للمؤلف متولج القونسلاتو بحضور الجنرال والقائم 
مقام وجرت مصالحة مع القواس وأما مسئلة المقبرة والمدرسة فقر القرار على مراجعة الوالي 
فيهماء على أنهما قد اتفقا من جهة المدرسة على إبقاء كل شيء على ما كان عليه ليكون 
العمل بحسب القرار النهائي الذي يحصل بخصوصها فيما بين الوالي والجنرال لكن القائم مقام 
بعد سفر الجنرال الذي كان في:2 أيار من اللاذقية عائداً إلى بيروت لم يثبت عند هذا الاتفاق 
بل استمر يسعى في تعطيل المدارس. 

ولنرجع إلى ذكر ما جرى من جهة المطران فنقول أن البطريرك والوالي اتفقا على اجراء 
مبادلة بين المطرانين بنقل مطران اللاذقية لطرابلس ومطران طرابلس للاذقية وتقدمت الانهاء 
من الولاية. بذلك إلى الباب العالي أما قنصلاتو جنرالية روسيا في بيروت فأشاعت أنه صدر 
الأمر من الصدارة العظمى بإعادة كلٍ من المطرانين إلى ابرشيته وأنه لذلك ينبغي أن كلاً من 
شعب الابرشيتين يقدم عرضاً إلى الصدارة العظمى يتضمن الشكر مع التماس عدم إنفاذ القرار 
الذي جرى في الولاية بالمبادلة فأرسلت جمعية مطرانخانة اللاذقية إلى الصدارة العظمى وكان 
يتولاها حينئذ شرواني زاده محمد رشدي باشا عرضاً تلغرافياً بتاريخ 15 نيسان باللغة التركية 


وهذه ترحمته. 


315 


آثار الحقب في للاشة العرب 


لقد صار مسموع العبيد شر فصدور ارادة فخامتكم السامية باعادة مطراننا ملاتيوس افندي 
لمأموريته وبناء عليه نتجاسر بالاشتراك مع سائر ملة الروم الموجودين تحت إدارة المطران المومى 
إليه الروحية بعرض وابراز شعائر عبوديتنا الحقيقية. وتشكراتنا غير المتناهية لعتبة السلطنة 
السنية العالية ولذات فخامتكم. على أنه قد رُوي أنه حاصل الآن التصور في الشام باجراء 
المبادلة في المأمورية بين المطران المومى إليه ومطران طرابلس صفرونيوس أفنديء ولما كان 
ذلك مغايراً تماماً لعقائدنا الدينية وقوانيننا المذهبية ولا سيما أن انفصال ملاتيوس افندي عن 
اللاذقية لم يكن مبنياً على جنحة سياسية أو روحية تبينت وتحققت عليه عقيب محاكمة عادلة 
بل انما نشأ عن نفسانيات وأغراض متحققة وكان في هذا الزمان الموسوم بالمعدلة عزل هكذا 
مطران غير متبين عليه جنحة ومشهود له بصدق العبودية للدولة العلية وتعيين غيره بمحله 
كما أنة مغاير للمعدلة السنية هو مخالف لاحوالنا المذهبية أيضاً فنسترحم ونستدعي من 
مراحم فخامتكم المساعدة بسرعة اعادة ملاتيوس افندي إلى اللاذقية مركز مأموريته الروحية 
لأجل عدم وقوع خلل في رسومنا وطقوسنا المذهبية. وبكل حال الأمر لفخامتكم (انتهى). 

وفي أوائل أيار ورد خبر توجيه نظارة الخارجية على راشد باشا والي ولاية سورية الأسبق 
فسرّت طائفة الروم في اللاذقية بذلك لأنه كان محباً للمطران. فقدم له المطران من الشام 
رسائل تهنئة كما أن جمعية مطرانخانة اللاذقية قدمت عرضين تلغرافيين له باللغة التركية 
أحدهما يتضمن تهنتتة والآخر يتضمن التماس اعادة المطران. وهذه ترجمة الأول. 

لقد صار مسموع العبيد توجيه نظارة الخارجية الجليلة بهذه المرة من العواطف 
الملوكانية السنية لعالي عهدة حضرة خديويتكم المعظمة فمع التجاسر بتقديم التهنية والتبريك 
بهذا المنصب العالي نبادر لبيان كوننا في كل أن وزمان قائمين بايفاء الدعوات الخيرية بازدياد 
عمر واقبال فخامتكم وبكل حال الأمر لمَّن له الأمر افندي (انتهى). 

وأما الثاني فهذه ترجمتة 

لقد وقع قبلاً انفصال داعيكم مطراننا ملاتيوس افندي وبما أن ذلك لم يكن مبنياً على 


316 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


جنحة روحية أو سياسة تبينت عليه عقيب محاكمة عادلة, بل إنما نشأ عن أغراض متحققة 
ففضلاً عن أنة أوجب انكسار هؤلاء العبيد. قد وجد من كل الوجوه مخالفاً لقوانينا المذهبية 
ولما كان صدق عبودية وخلوص محبة المطران المومى إليه لولية نعمتنا بالامتنان الدولة العلية 
متحققين لدى فخامتكم وكان انفصاله على هذه الصورة مغايراً أيضاً للمعدلة والقوانين السنية 
نسترحم ونستدعي اعادته لمركز مأموريته الروحية وبكل الوجود الأمر لدولتكم. 

(انتهى) 

وفي تلك الاثناء ارسل الوالي في الشام نقولا افندي نقاش عضو الموارنة في مجلس تمييز 
الولاية إلى البطريرك يطلب منه أن يستدعي من نظارة الخارجية تلغرافياً اعادة كل من المطرانين 
لابرشيته (ولعل ذلك بإشارة من النظارة) وبعد مفاوضات طويلة حصل منة على الاستدعاء 
المذكورء وفي أثناء ذلك خرج من الاستانة أمر من الصدارة لوالي سورية مضمونه اجراء المبادلة 
بين المطرانين بناء على الانهاء الذي تقدم إليها إلا أنه بعد وصوله إلى الولاية بيومين ورد أمر 
تلغرافي لها من راشد باشا ناظر الخارجية مضمونة أن تتوقف عن انفاذ إجراء الأمر المار ذكرة 
حتى يصلها أمر آخر يتضمن اعادة كل منهما إلى ابرشيته بناء على قرار الباب العالي وبعد أيام 
ورد الأمر المرقوم, وجرى اعلانه للمطرانين بواسطة البطريرك فسافر مطران اللاذقية من دمشق 
وجاء إلى بيروت في 21 تموز سنة 873 فكانت مدة انفصاله خمسة أشهر وفيما هو في بيروت 
أتاه تحرير من البطريرك مآله أن يرافق إلى مرسين المطران جرمانوس الذي سيم حديثاً مطراناً 
لتلك الأبرشية وأن يجتهد باسترضاء الشعب فيها لأنه كان يرفض قبوله لكون البطريرك سامة بدون 
انتخابه فسافر المطرانان في أوائل شهر آب من بيروتء وقدما إلى اللاذقية, وأقاما فيها مدة عشرة 
أيام أرسل في اثنائها مطران اللاذقية تحارير إلى وجوه الطائفة في مرسين وترسوس يخبرهم 
بعزمه على الإتيان إليهم مرافقاً لمطرانهم الجديد امتثالاً لأمر البطريرك ويحرضهم على قبول 
مطرانهم معلناً لهم أمله بأن يصادف منهم الاستقبال الباش» وعدم الخبية ففوردت الأجوبة من 


بعضهم تتضمن اظهار الترحب بقدومه فسار هو والمطران جرمانوس. ولما وصلا إلى مرسين سعى 


5317 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المطران ملاتيوس بالقاء السلامه والوفاق وتسكين الخواطر الهائجة وحصل على رسائل من 
جميعهم للبطريرك تعلن قبولهم للمطران جرمانوس ثم عاد إلى اللاذقية. 

وفي تلك الأثناء فصل ابرهيم افندي قالوش من كتابة الطابو ومحمد بك اليكن من مديرية 
المال وعيّن كاتباً للطابو وأعيد الياس افندي صوايا إلى مديرية المال والشيخ محمد ترك إلى 
كتابة مجلس الدعاوي. ولنلتفت الآن إلى ذكر ما يتعلق بالراحة العمومية. فنقول أنة لما تولى 
صبحي باشا ولاية سورية وعْيّن حقي باشا متصرفاً لطرابلس, وصالح افندي قائم مقاماً للأذقية 
وألغيت التعليمات التي كانت قد أعطيت من راشد باشا الوالي الأسبق للعمل بموجبها في 
قضائي اللاذقية وجبله واستنشق سكان الجبال النصيرية. رائحة تغيير السياسة انتفضوا من غبار 
التماوت الذي نشرتة عليهم اجراءات راشد باشا وابتدأوا باجراء بعض تعديات وسرقات متفرقة 
لسير الأحوال فرأوا أن ليس في طريقهم مانع, ولا عائق فامتدوا في السرقة والقتل والنهب وقطع 
الطرق. ومداهمة قرى الساحل ليلاً وسلب ما يقع بأيديهم منها وكانت حكومة اللاذقية لا تكترث 
بكلما يقع من هذا القبيل ليس في الخارج فقط بل في نفس اللاذقية أيضاً ومما وقع في نفس 
اللاذقية أن رجلاً جاء إليها من مرسين بحراً ومعةٌ امرأة وبعد خروجهما من السفينة إلى البر وقع 
نزاع بين الرجل والمرأة لا تعلّم أسبابه فضربها بجارحة كانت في يده فقتلها وفرّ هارباً ومع كون 
المحل الذي قتلها فيه لا يبتعد سوى بعض خطوات عن مركز الضابطة لم يتبعة أحد من الضابطين 
ويّلقٍ عليه القبض فنجا بنفسه من دون أن يصادف مشقة وطّمس خبر هذه الحادثة في الحكومة 
كأنها لم تكن شيئاً مذكوراً هذا والمتصرف والقائمقام كانا يكابران ويقولان أن الراحة منتشرة في 
اطراف وأكناف اللاذقية. ويقترحان على المجالس اجراء مضابط شهادة بصحة مدعاهماء والوالي 
صبحي باشا يؤيد هذه المدعاءات إلى الباب العالي لكي لا يُنسَب هذا الاختلال لسوء سياسة 
وسياسة المأمورين الذين استخدمهم حتى أنه لما زار طرابلس في أواخر شهر تشرين الثاني 
سنة 1872 كما ذكُر آنفاً وكان أهل اللاذقية قد عيل صبرهم من انسلاب الأمنية اغتنموا فرصة 
غياب القائم مقام في طرابلسء وقدموا عرضاً لوكالة القائم مقامية تشكوا فيه من تمادي اختلال 


318 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


الحال والتمسوا عرض ذلك للوالي املاً بأنةٌ قد اتى طرابلس مركز اللواء فلا بد أن ينظر في 
مقتضيات اللواء المذكور, ووكيل القائم مقام عرض ذلك تلغرافياً للمتصرفية إلا أن عرضة لم يُلتَقَتَ 
إليه. وذهب على غير طائل واستمر الخلل يتضاعف والفساد ينمو وجعلت الفْتّن تنتشب بين 
عشائر النصيرية فجرت بينهم عدة مخابرات. وعقدوا جمعيات وأغار بعضهم على بعض وقتل في 
وقايع متعددة جمهورية وافرادية خمسة وعشرون نفساً وكان اللصوص وقطاع الطرق يزدادون يوماً 
فيوماً. ويمتدون في سلب القرى وأبناء السبيل حتى أنهم في شهر تموز سنة 873 دهموا جماعة 
ذاهبين إلى حلب بالقرب من قرية سفوبين التي تبعد نحو ساعة عن اللاذقية وسلبوا منهم ما 
قيمته خمسة عشر ألف غرش فيما قيلء ولم يكتفوا بذلك بل صاروا يتهددون أطراف المدينة حتى 
أن القائم مقام صالح افندي مع كل عناده ومكابرته التزم ذات ليلة من الأسبوع نفسه أن يضع في 
خارج البلدة ضابطين وفرسان لأجل المحافظة وفي أوائل شهر آب دهم اللصوص ليلاً قرية جناتا 
وقرية ستخيرس وسلبوا منهما ما ظفروا به من الدوابء وأشهر أهالي القرية من ناحية عمامره 
بيت الشلف السلاح على مدير الناحية ويوزباشي الفرسان اللذين توجها لتلك القرية لأجل جمع 
المال ومنعوهما من دخول القرية. وكذلك أهالي قرية البلاط والليسونية من الناحية المذكورة, 
عاملوا الفرسان المُرسلّين من قبّل المدير واليوزباشي المذكورين نفس تلك المعاملة وصرحوا 
لهم بأنهم لا يدفعون شيئاً من الويركو ثم أن أهالي جبل العماره المذكور انقسموا إلى حزبين 
أحدهما رؤساؤه المقدم سعيد جديد., والمقدم محمد خليل والآخر مؤلف من أهالي قرية ليفين 
ومن ينتمي إليهم وانحاز إلى المقدم سعيد جديد وجماعته أهالي جبل القرداحة والنواصره 
وعين الكروم كما انحاز إلى اهالي قرية ليفين وجماعتهم أهالي دباش والجوبه من ناحية 
المهالبه وبيت محمد من المزيرعة ورصد كلّ من الفريقين الآخر للقتال, فلما رأى القائم مقام 
صالح افندي أن الخرق قد اتسع اتساعاً لا يمكن اخفاؤهُ سافر إلى طرابلس لمخابرة المتصرف في 
مداواة ما انتهى إليه الحالء فلم يريا بِذَّا من مكاشفة الولاية بحقيقة الحوادث فقر قرار الولاية 
على سوق عساكر لضرب النصيرية وفي 30/18 أب وصلت إلى جبله الباخرة العثمانية اركاديا 


319 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


حاملة المتصرف حقي باشا وطابور عساكر نظاميه مشاة تحت قيادة أمير الالاي فريدريك وكان 
قبل يوم ذهب إليها من اللاذقية القائم مقام صالح افندي فجرى تأليف عمدة دعيت باسم 
قومسيون الإصلاحات اعضاؤها علي آغاهرون وابرهيم افندي حكيم واسكندر افندي شدياق من 
مجلس اللاذقية. ويّسين افندي علي ديب ويوسف افندي عرنوق من مجلس جبله وعيّن صالح 
افندي قائم مقام اللاذقية مأموراً للاصلاحات ثم أُتبت أوامر إلى وجوه ومختاري جبال النصيرية 
تتضمن طلبهم إلى المعسكر فجاء إليه مقدموا ناحية المهالبة وبعض مقدمي القرداحة ومختارين 
من ساحلي بني علي والسمت قبله. وبعد أربعة أيام عاد المتصرف إلى طرابلس بالباخرة» وقبل 
عودته عزل رفعت بك من قائم مقامية جبله وأقام نائبها وكيلاً إلى حين تعيين قائم مقام 
جديد ثم انتقل قومسيون الإصلاحات مع المعسكر إلى قرية مرج معيربات في ناحية القرداحة, 
وقد سبق الذكر أن قائم مقام اللاذقية صالح افندي كان من مباديه تعطيل مدارس الأميركان 
ففي أواخر شهر آب استدعى المعلمين الوطنيين الموجودين في مدرسة بحمرا الذين كانوا من 
أولاد النصيرية وتنصروا فجاء منهم إليه سليم خليفة وحسن مخلوفء ويقال له داود سليمان 
أيضاً ويوسف جديد وهؤلاء الثلاثة كان قد مرّ على تنصرهم أكثر من عشر سنين وبعضهم 
تنضّر في عهد القس لايد الإنكليزي وجاء معهم تلميذ من تلاميذ المدرسة يدعى حازماً لم يكن 
متنصراً فلما قابلوا القائم مقام طلب من المعلمين الثلاثة أن يرتدوا عن النصرانية فأبوا فزجرهم 
وشتمهم وتهددهم فلم يُجدهِ ذلك نفعاً فأمر بحبسهم أما التلميذ حازم فإذ به قرر بأنةٌ ليس 
مسيحياً أطلقه في حال سبيله وبعد يومين ارسل المعلمين إلى جبله ومنها أرسلوا إلى دمشق 
حيثما أدخلوا في السلك العسكري فتداخل قنصل جنرال انكليترا وقنصل جنرال اميركا مع الوالي 
لأجل اطلاقهم على أنهم مسيحيون ويجب أن يُعامَلوا معاملة المسيحيين فلم يفعل واجابهما أن 
تنصرهم لا يعفيهم من الخدمة العسكرية المفروضة عليهم لكونهم لم يُولّدوا مسيحيين. 

وفي تلك الأثناء قُبض على المقدم ابرهيم جديد من بيت الشلف إذ أتى إلى المعسكر 
ووضع في السجن أما أهالي النواصرة فأخلوا بيوتهم وهدموا سقوفها واختبأوا في الأحراش 


2320 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


والوديان ورؤوس الجبالء ولما كان مقدموا القرداحة يترددون على المعسكر طلب منهم القائم 
مقام أن يكتبوا على أنفسهم سنداً يتعهدون فيه بالقاء القبض على أشقياء ولصوص ناحيتهم 
واحضارهم للمعسكر في مدة معيّنة. فأبوا إلا أنة بواسطة التهديد والتشديد عليهم اكرههم على 
اعطاء السند المرقوم وفي أواخر شهر ايلول إذ لم يقوموا باجراء مضمون السند القى القبض 
عليهم في المعسكر وسّجنوا وهم حسن الشندي وابنة واسمعيل جبور وحمود ابن اسمعيل 
عثمان وحسن جركس وأبو علي رحال وصافي ابرهيم الذئبء وفي أوايل تشرين الأول تعيّن 
عبداللطيف افندي سلكه. قائم مقاماً لجبله. وجاء إلى مركز مأموريته وفيه سارت فرقة من 
المعسكر لحرق بعض القرىء وفي أثناء مسيرها أطلقت بارودة من بعض الأحراش علامة لسكان 
القرى لكي يهربوا فأطلقت الفرقة الرصاص على الحرش فأصيبت فتاة برصاصة في معصمها ثم 
داومت الفرقة مسيرهاء وحرقت قريتي نينة ونينته في جبل بني عليء وقريتي القرامه. ودير 
حنا في ساحل القرداحه. وفيه القى المقدم محمد خير بك من المهالبة القبض على عيسى سعد 
وعلي السوسي.ء وكانا في قرية مرداش في ملزق حماه. وأتى بهما إلى المعسكر فسّجنا وكلاهما 
من قطاع الطرق والأول منهما اصلهً من قرية سقوبين كان قبل سنة من اهالي السكينة مقيماً 
في قريته فهوى احدى الفتيات وكانت مخطوبة بالاكراه إلى ابن عم لهاء فاتفق معها وهرب 
بها إلى طرابلس حيثما اسلما وأزوجهما النائب زواجاً شرعياً بعد أن حُكم بعدم سواغية اكراهها 
على الاقتران بابن عمهاء ثم رجعا إلى القرية ومعهما أمر إلى حكومة اللاذقية بأن لا تدع أحداً 
يتعرض لهما وكان الوصول إلى هذه النتيجة قد كلف الرجل عيسى سعد مبلغاً من الدراهم 
استدانها من طرابلس أما حكومة اللاذقية فبواسطة المداخلات غيرت أفكار حكومة طرابلس من 
جهته وعملت على تخليص المرأة منه وتحصيل الدين الذي عليه في طرابلس.ء إذ كان صاحبه 
يستدعي تحصيله فلما رأى عيسى سعد هذا التعصب الجاري عليه فر إلى الجبل وانخرط في 
سلك اللصوص. وأما الثاني أي علي السوسي فهو مسلم من نفس اللاذقية خرج قبل هذا العهد 
بثماني سنينء واشترك مع قطاع الطرقء ثم ألقي القبض في اللاذقية على كنجو يوسف من 


321 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


مقدمي المزيرعة وأشقيائها كان قد أتى إلى اللاذقية. وانتظم في سلك عسكر الرديف إذ طُلب 
إليه. وهذا كل ما كان يحفظه من قواعد الانقياد املاً بأنه لا يُمسَكء وهو لابس لباس الرديف 
فأخرج من طابور الرديف ووضع في السجن وفي أثناء ذلك قامت فريقة العساكر قاصدة 
النواصره. وأتى لمعاونة العساكر رجال المهالبة وعمامرتها وساحل بني علي الذين هم اعداء 
النواصره ومظهرون الانقياد للحكومة فوصل رجال المهالبة قبل غيرهم فقابلوهم أهل النواصره 
بالسلاح والتحم القتال بين الفريقين فقتل من رجال المهالبة بعض أنفار أما فرقة العساكر 
ففيما كانت سائرة صادفت ثلاثة رجال في الطريق فقبضت عليهم فادعوا انهم من ساحل بني 
علي فؤعدوا بالإطلاق إذا تحقق مدعاهم ثم سيقوا مع المعسكر وفي أثناء الطريق قالوا للقائم 
مقام ورؤساء العساكر أن هنا طريقاً أقرب إلى النواصره من هذه الطريق إذا شئتم نكون لكم 
ادلء فيها فصدقوهم واتخذوهم ادلاء وقلّلوا من التحفظ عليهم ظناً بأنهم حقيقةً من ساحل بني 
علي فلما قطعوا مسافةً دخلوا في مسالك ضيقة وعسره ورأوا هنا وادياً عميقاً أما الأدلاء الثلاثة 
فلما وصلوا إلى هناك القوا بأنفسهم في طريق الوادي طالبين الفرار فتبعهم انفار من العساكر 
واطلقوا عليهم الرصاص وما زالوا يركضون في أثرهم حتى بلغوا أسفل الوادي. فرأوا عدداً كثيراً 
من الماشية والدواب والأمتعة مخبأة فيه فتبعهم بقية العساكر وأخذوا تلك الموجودات غنيمة, 
واطلقوا الرصاص على مَن وجدوة هناك ثم لازموا مسيرهم حتى انتهوا إلى النواصره حيثما 
كانت المعركة منتشية بين أهلها ورجال المهالبة كما مر فلما وصلت العساكر النظامية هربت 
أهالي النواصره. فأحرقت بقايا قراهم وأغتنم ما وجد فيها ثم أحرقت العساكر قرية بشلاما في 
القرداحة واغتنمت اسلابها وبعد رجوع الفرقة إلى مركز المعسكر اطلق القائم مقام حمود بن 
اسمعيل عثمان احد مقدمي القرداحة. وبعد أيام اطلق أيضاً صافي ابرهيم الذئب وفي 30/18 
تشرين اول سنة 1873 عاد القائم مقام مع المأمورين الذين معة وفرقة العساكر إلى اللاذقية 
ومعهم المقبوض عليهم المار ذكرهم فحُبسوا في اللاذقية وانحلت مأمورية الإصلاحات وكان 
تأثيرها في الجبال قليلاً وكان جملة مَّن فُتل في هذه الاجراءات من النصيرية نحو ثلاثين نفساً 
في المعارك وغيرها. 


322 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


وفيها تعين الخواجه شارل بجوسوزذكي وكيلاً لقونصلاتو دولة اسبانيا خلفاً للخواجه مرسي 
ابرهيم الذي توفي سنة 1872 الماضية. 

وفيها في 20/8 كانون الأول توفي كنج آغاهرون بداء السكتة وقد ذكرنا بعضاً من اخباره 
قبل الحكومة المصرية وبعدها. 

وفي 24/12 الشهر المذكور عاد من اميركا الدكتور داود مثيني وقد سيم فيها قسيساً فبعد 
رجوعه إلى اللاذقية استمر متقلداً وظيفة القنصلية أيضاً 

وفي هذه السنة وضعت الحكومة المصرية رسماً على التبغ الذي يدخل إلى القطر المصري, 
عشرين غرشاً على الأقة وعينت يوماً معلوماً لبداءة أخذ هذا الرسم فاجتهد تجار اللاذقية 
وشحنوا كل التبغ الذي كان عندهم بظرف أيام قليلة فيلخ إلى القطر المصري قبل اليوم المعيّن 
لأخذ الرسم وأملوا فيه بأرباح وافرة على أنهم ضعف أملهم بإمكان المتاجرة بالصنف المذكور 
في المستقبل. ثم دخلت سنة 1874 وكان الشتاء قاسياً والأمطار غزيرة فسدَّت الطرق وقلّ وارد 
الحبوب من جهة ولاية حلبء وارتفعت أسعارها فبلغت كيلة الحنطة إلى 53 غرشاً والشعير إلى 
5 غرشاً ولقلة الاشغال تكاثر عدد المحتاجين والفقراء في المدينة واشتدت الفاقة في الجبال 
فكان أكثر أهاليها يقتاتون بالنبات ولما أتلفة سقوط الثلج نزل كثيرون منهم إلى السواحل 
ليرعوا في السهول وكثيرون نزحوا إلى جهاتٍ اخرى ومن أسباب ارتفاع أسعار الغلال إلى هذه 
الدرجة في اللاذقية طمع بعض أهاليها الذين افضى بهم أخيراً إلى الندم فإن الأهالي اشعروا 
منذ شهر أيلول سلفاً بما سيحل في المدينة من الاحتياج إذا دام شحن الغلال منها فأقلقهم ذلك 
فمنعت الحكومة المحلية الشحن ولو دام هذا المنع لبقي في اللاذقية كفاءتها ولدامت الأسعار 
بدرجة معتدلة لكن بعض أصحاب الغلال تداخلوا في الحكومة وأعادوا الرخصة بالشحنء. وبظرف 
مدة قصيرة فرغت المدينة من الغلال وأصبحت مفتقرة لورود القمح إليها من ولاية حلب على 
أن الذين اجتهدوا بشحن الحبوب التي كانت عندهم لو أبقوها وباعوها أخيراً في نفس اللاذقية 
لحصلوا منها على أضعاف الفائدة التي حصلوا عليها بواسطة شحنها. هذا وقد كثر موت المواشي 


303 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


في الجبال لقلة المرعى وشدة البرد ووحوش البرية وطيور السماء لم تنتفع بجيفها لأن الفلاحين 
من رجال ونساء وأولاد كانوا يطردون النسور عنها والغربان ليغتذوا بلحمها وقد كثر بيع النصيرية 
أولادهم في هذه المدة وكثيرون منهم كانوا يسوقون أولادهم كقطيع الغنم إلى اسواق جبله 
(لعدم تمكنهم من أن يبيعوهم في اللاذقية) ويعرضونهم للبيع فكانت الفتاة تباع بمايتي غرش 
فنازلاً ولأجل التخلص من مسئولية الحكومة كان البيع يتم بموجب حجة شرعية مضمونها أن أب 
الفتاة أو عمها أو أحد قومها آجرها مدة ثلاثين سنة بمبلغ كذا وكذا. أما المزروعات فقد تلف 
منها كثير بالأمطار والثلوج. 

وفيها فُتل يوسف العشي ترجمان قونسلاتو ايتاليا وذلك انه كان في قرية حريصون التابعة 
لقضاء جبله حيثما له حصة ملك ففي ذات ليلة عند ختام السهرة خرج من البيت الذي ينام فيه 
ليقضي حاجة وفيما هو في الباب أطلق عليه الرصاص من الخارج فأصيب بثلاث رصاصات وقتل 
لساعته فورد امر من الوالي بالتلغراف إلى صالح افندي قائم مقام اللاذقية بأن يذهب إلى القرية 
ويجري البحث والتحقيق عن القاتل وكانت الشبهة متجهة على عرب الملك الذين هم في جوار 
القرية المذكورة لعداوة كانت بينهم وبينة سببها أن دوابهم كانت في احدى السنين السالفة 
أطلقت على مزروعات قرية حريصون ورعت منها جانباً ففتح عليهم يوسف عشي الدعوى وحصل 
على أوامر بتحصيل نحو خمسين ألف غرش تعويضاً عما أتلفتهً ورعتهٌ الدواب وحصلها منهم 
فترجح في الأفكار أنهم هم الذين قتلوه انتقاماً ولما كان العرب المذكورون من المسلمين تعصب 
لهم صالح افندي قائم مقام اللاذقية وقصد تبرئتهم مجتهداً بالقاء التهمة على بعض النصيرية 
والنصارى لا بل على بطرس العشي عم المقتول وكان يضرب ليلاً بعض المحبوسين تحت الشبهة 
من النصيرية لكي يشهدوا زوراً بأن عمه المذكور عقد روابط مع البعض على قتله وكان الخواجه 
يعقوب شدياق ترجمان فرنسا موجوداً في القرية معتمداً من قبَل قونسلاتو ايتاليا في التحقيق 
فلما رأى تعصب القائم مقام وسمع بما كان يجريه في الليل بقصد القاء التهمة على عم المقتول 
عاد إلى اللاذقية وأقام الحجة على أعمال القائم مقام فعرض الخواجه ادولف جفروا وكيل قنصل 


324 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


ايتاليا إلى القونصل الجنرال واقعة الحال. فصدر أمر الولاية بفصل صالح افندي قائم مقام 
اللاذقية من مأمورية التحقيق وجرى تعيين قومسيون مخصوص مؤلّف من خليل افندي الغغر 
احد اعضاء مجلس بيروتء واسكندر افندي دحداح كاتب محكمة تجارتها السابق من قبّل 
الولاية. وانطون افندي خلاط قنصل ايتاليا في صيدا من قبّل القونسلاتو الجنرالية فقدموا إلى 
جبله واستأنفوا رؤية وفحص المسئلة ابتدائياً صارفين النظر عن الاستنطاقات التي أجراها صالح 
افندي فوقعت الشبهة على عرب الملك وقبض على عشرة أسخاص منهم وهم الذين ظهرت 
الجناية عليهم في درجة الثبوت وسّجنوا في جبله ثم أرسلوا إلى طرابلس وؤضعوا في سجنها. 

وفي هذه الاثناء عُزل حقي باشا عن متصرفية طرابلس وكان مذموم السياسة متغلباً فسَرٌّ 
الأهلون بعزله وخلفه مصطفى ضيا افندي. 

وفي شهر نيسان صدر أمر الدولة بحصر التبغ فجرى حصره في اللاذقية بأن عيّن محل 
واحد لهرمه تحت مناظرة إدارة الرسومات وحُصرت فيه مهارم البلدة. وفرض على كل إنسان 
اشترى تبغاً من الزرّاع أن يدفع على كل اقة منهٌ خمسة غروش حين ادخاله للبلدة واذا اراد 
هرمه يدفع على كل اقة ثلاثة غروش عدا اجرة الهرم فيْصَرٌ بعد هرمه بأوراق مخصوصة 
ويختم عليها وله حينئذ أن يبيع الأقة منه بسعر 25 غرشاً فنازلاً وكل مَن يبيع أو يشرب تبغاً 
غير مصرور بالورق المخصوص يؤخذ منه جزاء نقدي وأما الذي يريد أن يرسله لمدينة أخرى 
من البلاد العثمانية بدون هرم برسم التجاره. فليس عليه أن يدفع سوى خمسة غروش على 
الأقة ويتعهد بموجب صك أنة يدفع الثلاثئة غروش رسم الهرم في المدينة المرسل إليهاء. 
ويستحضر اعلاماً من إدارة رسومات تلك المدينة بذلك ثم أرسل مأمورون من قبّل إدارة 
الرسومات ليخمنوا التبغ الموجود في القرى والجبالء ويقيدوة في دفاتر مخصوصه موضحين 
فيها اسم كل إنسان من الزرّاع عندهُ تبغ ومقدار ما عندهٌُ فيخمنونةٌ وهو مزروع ثم يخمنونة 
بعد قطفه اخضر وبعد يبسه أيضاً وكل ما بيع شيء منة للتجار. وجب على بائعه أن يقرر 


عنة لإدارة الرسومات لكي تطرحة مما هو مقيّد على اسمه حتى إذا انتهى بيع ماعندة 


53245 


آثار الحقب في للاشة العرب 


فإن زاد أو نقص عما هو مخمّن عليه عومل معاملة مهرّب لما زاد أو نقصء فازداد بذلك ضعف 
رغبة الفلاحين في زرعه وبعضهم قلع ما كان قد زرعه. 

وفيها صدر أمر اللدولة بأن يُضاف ربع عشر أيضاً إلى العشر الذي يؤخذ من حواصل 
البلاد. فطاف صالح افندي القائم مقام النواحي والقرى وألزم أهاليها كرهاً بالتزام العشر وربع 
العشر على معدل البدلات السابقة كما فعل في السنة السالفة. فكان ذلك ضربةً ثانية للأهالي 
تابعةً لضربة وجوع وضيق الشتاء الماضي. 

وفيها أخلي سبيل المحبوسين من النصيرية في اللاذقية الذين قبض عليهم وقت الاجراءات 
كما ذكر في أخبار السنة الماضية. 

وفيها حوّلت حكومة سورية تحصيل البقايا إلى مأموري العسكرية فضيّق ضباط العساكر 
في اللاذقية على الأهالي بطلبها وحصَّلوا منهم جانباً من بقايا الأموال القديمة العهد. 

وفيها في شهر آب ععزل محمد سعيد افندي نائب اللاذقية وخلفه علي رضى افندي من 
الأتراك. وفي شهر أيلول عُزل محمد صالح افندي قائم مقام اللاذقية فسُرّ الأهلون بعزله لأنهٌ 
كان مُبعَضاً من جميع الطوائف حتى من المسلمين نفسهم مع كل تعصبه ضد النصارى لأنه كان 
ذميم الخلق متكبراً مع أنة وضيع النسب وكانت ايام حكومته أياماً ثقيلة على الأهالي ولا سيما 
الفلاحينء لأنة سبّب لهم أضرار وخسائر وافرة بواسطة اجباره اياهم على التزام أعشار قراهم كما 
مَرّ والخلاصة انه لم يتعيّن على اللاذقية مذ عهد الحكومة المصرية حاكم اضر الاهالي اضراراً 
عامة أدبية ومادية فأصبح مُبغضَاً منهم نظيره فأنة أوصل اللاذقية وملحقاتها إلى حافة الخراب 
بسوء سياسته ثم خلفه في قائم مقامية اللاذقية ناجم افندي ولدى استلامه زمام الأحكام فيها 
سلك مسلكاً مغايراً المسلك صالح افندي فاستبشر الأهلون بسياسة حسنة في أيامه. 

وفيها في شهر تشرين الأول هرب من معسكر دمشق يوسف جبور وسليم خليفه 
تلكينة] الأمسبر كان المتفب ان.وهنادا إن القرواهةوانا وفقوها سناهاة:5 افك افانة | سل إن 
معسكر الاستانة. فأرسلت الحكومة فرقةً من العساكر إلى جهة القرداحة فدخلت دار مدرسة 


2326 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بحمراء وقبضت على يوسف جبور وسليم خليفة ثانية مع ثلاثة تلاميذ غيرهما وأدخلتهم في 
العسكرية وادعى يعقوب جريديني معلم تلك المدرسة أن العساكر نهبوا من المدرسة بعض 
أمتعة فقدم اميركان اللاذقية الشكاية إلى سفارة دولتهم في الاستانة فأرسلت السفارة ترجمانها 
إلى اللاذقية للتحقيق وكذلك حكومة الولاية أرسلت من قبّلها أحد البكباشية مأموراً للتحقيق 
وكان كلّ من المأمورين منفرداً عن الآخر وذلك أنهما لم يُرسلا معاً ليجريا التحقيق بالاشتراك بل 
كان كل منهما مأموراً من قبّل متبوعه ليجري التحقيق على حدته فتوجه ترجمان السفارة ومعه 
الخواجه داود مثيني قنسلوس اميركا في اللاذقية إلى قرية بحمراء وأخذ استنطاق معلم المدرسة 
وأجرى بعض تحقيقات» وبعد عودته توجه البكباشي واستنطق المعلم وقيل أنه وقع تناقض في 
استنطاق المعلم فأنهة فهم من جهة الاميركان أنه قرر إلى ترجمان السفارة أن العساكر دخلوا 
جبراً إلى دار المدرسة وأهانوا امرأته وكسروا بعض الأبواب حتى قبضوا على الأشخاص وسلبوا 
بعض أمتعة وفهم من طرف البكباشي أن المعلم قرر له أن العساكر لم يدخلوا إلا بأذنه ولم 
يجروا تعدياً ولا سلباً ثم سافر كلّ من الترجمان والبكباشي من اللاذقية عائداً إلى مركزه. 

ثم دخلت سنة 1875 وفيها في شهرادار قدم إلى اللاذقية مصطفى ضيا افندي متصرف 
اللواء وأقام بعض أيام وفي اثناء اقامته عزل محمد صالح افندي صوفي من كتابة مجلس 
الدعاوي وعيّن مكانة علي افندي شومان ثم عاد إلى طرابلسء وفي أثناء ذلك عرّل عبداللطيف 
افندي سلكه من قائم مقامية جبله وخلفه أحمد نوري افندي. 

وفيها كثرت تعديات النصيرية أهالي قضاء جبله فانتشرت لصوصهم في الطرق وقتلوا 
عدة مسافرين منهم اثنان من أهالي نفس جبله قتلوهما في الطريق التي بين اللاذقية وجبله 
على يُعد قليل من جبله واخذوا فرسيهما وامتعتهما وآخر وُجد مقتولاً على الطريق من جهة 
طرابلس في مكان يبعد ساعتين عن جبله يدعى المنشحة بين قريتي حريصون وعرب الملك 
فسار من اللاذقية في شهر حزيران ثابت افندي بكباشي الطليعة الشاهانية ومعه ثلاثة بلوكات 


من العساكر إلى جبله. وبعد وصوله بيوم قدم إليها من طرابلس طابور اغاسي اللواء ومعه 


5267 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


فرسان وقدم منها أيضاً يوزياشي فرسان الدراغون ومعة أربعون فارساً وجرى القاء القبض على 
اسمعيل جبور وعثمان مخلوف وهما في جبله كما أن رستم آغا خزندار وكيل مدير القرداحه 
القى القبض على علي العده أحد الأشقياء وأتى به إلى المعسكر وهو من سكان جبل النواصرة 
ومشهور بقطع الطرق وقتل النفوس وبالاستنطاق قرر عن قاتلي المقتلوين اللذين وجدا في 
طريق اللاذقية, وأنهم من أهالي ناحية القرداحة وأنة سمع ذلك من القاتلين أنفسهم مع أنة 
قد قرر أنه كان معهم وأن الفرسين اللذين أخذوهما من المقتولين مع باقي الأمتعة هي موجودة 
عند علي شله من أهالي عين الكروم الواقعة في جبال القرداحة من الجهة الشرقية التابعة 
لمتصرفية حماه. ثم صار تشكيل قومسيون في المعسكر وتوجه من اللاذقية علي أغاهرون 
لينتظم في سلك اعضائه واستمر المعسكر والقومسيون في جبله بقصد استحصال الراحة بواسطة 
التدابير السياسية إذ لم يكن مأذوناً للعساكر باستعمال السلاح وفي أثناء ذلك هرب المسجونون 
في اللاذقية من السجن بواسطة خرقهم أحد جدرانه وكان في جملتهم الذين قبض عليهم من 
النصيرية في العام السابق وجماعة من قاتلي النفوس وقطاع الطرق نصيريه وصهاونه فكان ذلك 
سبباً لتعطيل تدابير القومسيون لأن الذين كانوا يترددون إلى المعسكر من النصيرية انقطعوا عن 
التردد خوفاً من أن يُطلّب منهم تسليم الهاربين من السجن من جماعتهم. 

وفي السنة المذكورة ظهر الهواء الأصفر في سورية وكانت بداية ظهوره في مدينة حماه 
في شهر أيار ثم امتد إلى دمشق وانطاكيه وانتشر في أكثر مدن سورية وأول ظهوره في 
قضاء اللاذقية كان في قرية الحفه من ناحية صهيون اتى به إليها جماعة من أهلها كانوا في 
أذنه وعادوا عن طريق انطاكيه فنقلوا معهم الوباء منها إلى قريتهم ففتك فيها فتكاً ذريعاً 
وامتد إلى بعض القرى المجاورة لها ثم سرى إلى اللاذقية بواسطة امرأة صهيونية جاءت إليها 
مصابةً به فماتت بأثر وصولها للمدينة وكان ذلك في 19 تموز ومن ثم أخذ ينتشر فيها على 
أن تأثيره كان خفيفاً فإن المصابين به يومياً كانوا من 5 إلى 10 انفس والمتوفين من ثلاثة إلى 5 


اتسين وأياماً نادرة كان المتوفون 0 أنفس فصاعداً كما أنه في بعض الأيام لم يتوف أحد ولدى 


23028 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


ظهوره فر أكثر اعيان المسيحيين إلى القرى وتبعهم بالتدريج كل مَّن كان منهم له اقتدار على 
الفرار حتى بلغ مجموع الخارجين من المدينة نحو ماية وأربعين عائلة. وأما المسلمون فلم 
يبارح أحد منهم المدينة إِلَا النادر. أما وسائط التحفظ فلم يصر التشبث بشيء منها من طرف 
أرباب حكومة من اللاذقية إلا تكلفاً مع أن قومسيون الصحة في سورية ارسل طبيباً من الأروام 
إلى اللاذقية لأجل معالجة المصابين واعطائهم الأدوية مجاناً من طرف الحكومة إلا أن هذا 
الطبيب وُجد عديم النفع لأنة لم يكن يذهب لمعاينة المصابين بل كان يصف لهم العلاجات 
عن بُعدٍ وبعد اقامته في اللاذقية بعض أيام توجه إلى جبله لأجل معالجة المصابين فيها لأن 
الهواء الأصفر كان قد ظهر فيها بشدة فكان المتوفون به فيها من 15 نفساً إلى 25 يومياً وهرب 
كثيرون من أهلها إلى اللاذقية فاضطر المعسكر والقومسيون المنعقد فيها إلى مبارحتها والعودة 
إلى اللاذقية فانحل بذلك مشروع الإصلاحات. 

وفي السنة المذكورة حولت الدولة الاعانة التي هي على الرؤوس إلى ويركو على 
الأملاك وعينت مأمورين في كل جهة من بلادها دعتهم مأموري التحرير لأجل توزيع مال 
الإعانة على الأملاك والأراضي فجاء جماعة منهم إلى اللاذقية وشرعوا في إجراء مأموريتهم 
في قرى الساحلء والنواحي حتى انتهوا إلى قرية الجنجينية في جبل عمامرة بيت الشلف 
في شهر آب وبعد أن فرغوا من تحرير أراضيها وأملاكها تأهبوا للانتقال إلى غيرها فلم 
يجدوا في القرية دواب لأجل تحميل امتعتهم فحمّلوها على ظهور الرجال والنساء. وكان 
بين الأمتعة صندوق ثقيل لم يقتدر حامله على حمله فوضعه من على ظهرهة فجاء أحد 
مأموري التحرير وسبَّه فقابله الفلاح بالسب فضربه المأمور فقابله بالضرب أيضاً فعظم ذلك 
عند المأمورين وعادوا إلى اللاذقية وقدموا الشكوى على أهالي الجنجينية بأنهم صدّوهم عن 
اجراء مأموريتهم وعاملوهم بالاهانة والضرب والطرد وبالغوا في تشكياتهم مبالغة تستدعي 
نسبة الاهالي إلى العصيان وخرق شأن الحكومة فسارت في أول شهر أيلول فرقة العساكر 
الموجودة في اللاذقية مع بيكباشيها ثابت أفنديء وقائمقمام اللاذقية ناجم افندي إلى تلك 
الناحية ونصبوا خيام الاقامة في قرية المزيرعة. وقدم أيضاً نحو ماية فارس من الدراغون من 


طرابلس وانضموا إلى تلك الفرقة ثم جرى استدعاء المقدم محمد خليل وصقر عروس وابن 


2309 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


المقدم سعيد جديد وهم رؤساء أهالي عمامرة بيت الشلفء. وارسل الشيخ شتعية كتميق أحدد 
مشايخ الطائفة الكلازية إليهم فجاؤوا بواسطته إلى المعسكر ولدى وصولهم وضعت القيود 
في ارجلهم وحُبسوا ولما كان بنو محمد مقدموا المزيرعة اعداءً لأهالي العمامرة كانوا يترقبون 
الوسائل لزيادة الأضرار بهم فطلب ذات يوم فرسان الدراغون تبناً لعلف دوابهم فاغتنم بنو 
محمد الفرصة وسار منهم كنجو يوسف بثلاثة فرسان من الدراغون إلى قرية الجنجينية لجلب 
تبن منها وشرعوا يفتشون البيوت بطلبه وانفرد أحد الفوارس فلقى امرأة من نساء القرية 
على حدة فأمسك بها قاصداً وطئها فصدتهة عن نفسهاء وصاحت تستغيث بأهل القرية فبادروا 
لاغاثتها ودفعوةُ عنها فأفضى الحال بينة وبينهم إلى المضاربة ثم علم بالخبر الفارسان الآخران 
وكنجو يوسف فتراكضوا وانتصروا لذلك الفارس ثم عادوا جميعاً إلى المعسكر وتشكوا أن أهالي 
تلك القرية صدوهم عن أخذ التبن وطردوهم بالاهانة والضرب واشهار السلاح وكتموا قضية 
تصدي الفارس للمرأة فنهضت شرذمة من العساكر المشاة وفرسان الدراغون واتجهوا مع القائم 
مقام إلى قرية الجنجينية. ومعهم بنو محمد مقدموا المزيرعة فأطلقوا عليها الرصاص فقابلهم 
أهلها بالمثل معتذرين أنهم يرومون الانتقام من بني محمد لا مقاومة العساكر فهجم العساكر 
والفرسان عليهم وشتتوا شملهم وأحرقوا تلك القرية وقريةً أخرى مجاورة لها تُدعى امبرانو 
فخرجت نساء القريتين بأولادهنّ مذعوراتٍ وهارباتٍ من نيران الحريق وتراكضنّ تائهات في 
الجبال والأودية بحالة يُرثى لها وقيل أن بعض النساء احترقنَ مع أولادهن ضمن البيوت ثم نهب 
العسكر موجودات القريتين وساقوا مواشيهما إلى المعسكر وعوضاً عن أن يصير بيع المنهوبات 
والمواشي وتوريد قيمتها إلى صندوق الحكومة تقاسمها القائم مقام والضباط والعساكر واشترك 
أهالي النواحي الأخرى بنهب ما سلم من أيدي العساكر في القريتين. 

وفي هذه الأثناء عزل أحمد نوري افندي من قائم مقامية جبله وخلفه خليل بك الاسعد 
وهو من طائفة المتاوله من بلاد بشاره. 

وفي أثناء ذلك مات نحو سبعة أشخاص في قرية المزيرعة بعارض يشابه عارض الهواء 
الأصفر فانتقل المعسكر منها إلى قرية حبيت ثم عاد إلى اللاذقية وبقي القائم مقام ومعه 


2330 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بعض المأمورين في قرية حبيت بقصد تحصيل المال أياماً 

وفي أوائل شهر أيلول انقطع الهواء الأصفر من اللاذقية وجبله بعد أن استمر فيهما نحو 
خمسين يوماً والذين ماتوا به فيهما وفي قرى ناحية صهيون والقرى القليلة التي امتد إليها 
في قضاء جبله لا يكادون يبلغون الف نفس.ء وبعد انقطاعه بعشرة أيام شرع الذين خرجوا من 
اللاذقية في الرجوع إليها بالتتابع. 

وفي أواسط شهر تشرين الأول ظهر الهواء الأصفر في قرية بسنادا التي تبعد نحو ساعة 
عن اللاذقية. واستمر فيها بعض أيام مات في أثنائها بضعة أشخاص في القرية. 

وفي 27 من الشهر المذكور تلى في دار حكومة اللاذقية أمرٌ سام وارد من مقام الصدارة 
العظمى مبني على ارادة شاهانيه بأن يُعقَى أهالي المملكة من دفع كل البقايا المجتمعة لغاية 
سنة 289 هجرية (سنة 1872 مسيحية) ما خلا الأغنياء فلا يُعَمّون من دفعها.ء وبأن يُرفع عن 
أهل الزراعة حالاً ربع العشر الذي أضيف إلى العشر في السنة الماضية وكان صدور هذا 
الأمر بمدة صدارة محمود نديم باشا الثانية فأنهٌ كان قد أعيد إلى هذا المسند منذ نحو 
شهرين بأثر ظهور عصيان على الدولة في الهرسك من ولاية بوسنه وسلك مسلكاً ممدوحاً 
مغايراً لسلوكه بمدة صدارته الأولى. ثم ثلي أمر آخر وارد من ولاية سورية أبطلت فيه 
حكومة الولاية المذكورة جزءاً عظيماً من حكم أمر الصدارة إذا استحسنت أن السماح بربع 
العشر ينبغي أن يكون في هذه السنة محصوراً بالقرى التي ما جرت إحالتها إلى ملتزمين 
وبقيت أمانة تحت إدارة الحكومة وأما القرى التي جرت احالتها إلى ملتزمين فلكي لا يحصل 
تشويش في القيود ينبغي أن لا يشملها هذا الإعفاء فكان هذا القرار الجاري في الولاية 
مضراً بنوع خصوصي لأصحاب الزراعة في قضاء اللاذقية لأن أكثر القرى التي جرت أحالتها 
إلى ملتزمين أحيلت إلى أهاليها ببدلٍ هو نحو ضعف بدلاتها المعتدلة. وذلك بواسطة الجبر 
والاكراه اللذين اقتفى فيهما ناجم افندي القائم مقام أثر سلفه صالح افندي فتعافّبٍ هذا 
العمل أربع سنوات متوالية قد تكبد به الفلاحون خسائر باهظة جعلتهم تحت ديون ثقيله 


للحكومة والتجار. وطرحتهم في حضيض الفقر والفاقه وكثيرون منهم نزحوا من قراهم إلى 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


قضاوات أخرى حتى أن بعض القرى نزح سكانها أجمعون لعدم استطاعتهم على القيام بهذا 
العبء الثقيل علاوة على الأموال الأخرى. وطمع وجور خيالة الحكومة ومأموري المساحة 
وتحرير الأملاك وغيرهم من مأموري الحكومة تاركين أراضيهم وبيوتهم خاوية خالية. على أن 
أهالي المحلات التي بقيت أعشارها تحت إدارة الحكومة لم يكونوا أسعد حالاً من أولئك لأن 
الحكومة خمّنت عليهم حاصلات أراضيهم تخميناً جائراً وسعرت عليهم اعشار تلك الحاصلات 
بزيادة نحو ثلث قيمتها المعتدلة بقصد الاستيلاء على أثمانها عوضاً عن أن تستولي عليها عيناً 
فربع العشر الذي أعفتهم من اعطائه ظاهراً قد أخذت منهم خفياً أكثر منه بواسطة الزيادة 
في التخمين والسعر. 

وفي أوائل شهر تشرين الثاني عَزل ناجم افندي من قائم مقامية اللاذقية وخلفه مصطفى 
أفنديء. وهو الذي سبقت له القائم مقامية المذكورة سنة 1868. ووصل إلى المدينة في 8 من 
الشهر المرقوم ومع أنه طاعن في السن وقليل الاستعداد سر الأهلون بتعيينه وعزل ناجم افندي 
الذي بعد أن استقر في المأموريه خاب فيه الأملء فأنهٌ حول كل اهتمامه إلى تحصيل منافعه 
الخصوصية: وفتح للرشوه كيساً أوسع من أن يقبل الامتلاء وتنافر مع أعضاء المجالسء وباقي 
مأموري الحكومة المحلية وكانت أكثر اعماله مبنيةً على الأغراض ومن مضاره تهافته على احراق 
قريتي الجنجينية وامبرانو بدون داع حقيقي حباً بالسلب والأغنام. 

وفي 12 من الشهر المذكور قدم إلى اللاذقية بطريق البر ابرهيم حقي باشا متصرف 
اللواءء وكان قد خلف منذ أشهر مصطفى ضيا افندي المتصرف السابق وأقام فيها خمسة 
أيام قُدّم لهُ في اثنائها مضبطة من مجلس إدارة اللاذقية تتضمن التماس عزل الشيخ محمد 
الترك كاتب المجلس بناءً على عدم استقامته وعدم قيامه بحق مأموريته فأعطى امراً بعزله 
وتعيين علي افندي مفتي الذي كان رئيس المجلس البلدي وهو ابن اخي مصطفى افندي 
مفتي اللاذقية مكانه وتعيين محمد صالح صوفي رئيساً للمجلس البلدي ثم ارسل قومسيوناً 
مؤلفاً من اسمعيل افندي صالح واسكندر افندي شدياق من اعضاء مجلس الإدارة ونوري 
افندي مأمور الأعشار (وكان قد قدم حديثاً من الاستانه لأجل إدارة الاعشار التي بقيت أمانة) 


332 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


إلى جبل عمامرة بيت الشلف لاجراء التحقيق عن مسئلة احراق الجنجينية وامبرانو وفي 17 
من الشهر المرقوم قام من اللاذقية راجعاً إلى طرابلس بطريق البر وثاني يوم سفره عاد 
أعضاء القومسيون المار ذكره من الجبل وبعثوا إليه بمضبطة إلى جبله تتضمن بيان تحقيقاتهم 
وتلخيصها أن ناجم افندي أحرق تينك القريتين وألقى اهاليهما في التعاسة والشقاء وأضاع 
أموالهما الأميرية لمجرد تحصيل النفع لنفسه من السلب ولاغتنام. 

وفي هذه الأثناء ظهر الهواء الأصفر في قرية كرسانا واستمر فيها أياماً مات به فيها 
بضعة أشخاص ثم انقطع من قضاء اللاذقية. 

ثم كعبت بدية 1855 وكات ننه تقديدة في اللاذقية وجميع لوائها الملغى من جراء كساد 
التجارة وقلة الأشغال وزد على ذلك اخطار الوباء. ومع أنة كان كل شيء فيها رخيصاً كان الضيق 
شاملاً جميع أهل اللواء لقلة النقود وتضييق الحكومة بطلب الأموال الأميرية وغدرها الزراع 
بطلب الأعشار. 

ثم دخلت سنة 1876 وفيها في شهر كانون الثاني قدم إلى اللاذقية اميرالاي الضابطة 
في ولاية سورية مرسلاً من قبل الوالي لأجل تحقيق دعاوي أهالي ناحية البوجاق على أسعد 
آغاهرون وأحمد آغاخضر بني علي آغاهرون فأنهم اشتكوا عليهما إلى الباب العالي بأنهما 
في كل سنة يلتزمان اعشار ناحيتهما وبسطوة أبيهما الموجود عضواً في مجلس إدارة اللاذقية 
قد جعلا دأبهما ظلم الأهالي وضربهم وربطهم بالشجر وتعذيبهم بعذابات مختلفة حتى لم 
يبق لهم احتمال ولا اقتدارء وكانوا قد اشتكوا في العام الماضي عليهما إلى الولاية. وقدم 
عارف آغا ابن محمد آغا شريف آغا من قرية الأوردي وكيلاً عنهم وجرت المرافعة بين 
الفريقين في مجلس دعاوي اللاذقية إلا أنة في أثناء المرافعة سعى البعض بمصالحتهماء واذ 
رأى عارف آغا أن سطوة بني هرون ونفوذهم يصدّان اظهار الحق قبل بالمصالحة على شرط 
أن بني هارون يكفون عن التزام أعشار البوجاق غير أن هذا الشرط لم يتم لأنهم التزموا 
في هذه السنة أيضاً أعشار الناحية المرقومة وسار أحمد آغا خضر إليها وسلك مع الأهالي 
حسب عادته فجاء ذات يوم عارف آغا من قرية الأوردي ومعه رجال مسلحون إلى القرية 


233 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الى اتخذها أحمد آغا خضر مركزاً له فلم يجده فأحرق خيمته وضرب مَن وجده من اتباعه 
ثم رفع أهالي البوجاق تشكياتهم على أحمد آغا إلى الباب العالي كما مرّ فصدر من الصدارة 
العظمى امر تلغرافي إلى قائم مقام الجسر أن يسير بنفسه إلى البوجاق ويؤذن للأهالي بنقل 
حواصلهم من البيادر بعد كيلها وقيد أعشارها في دفتر لتُعطّى إلى بني هارون على موجبه 
وكذلك صدر أمرها إلى ولاية سورية بارسال مأمور مخصوص لاجراء تحقيق دعاوي الأهالي 
فأرسلت الأميرالاي المار ذكره وأرسل معه من المتصرفية محمود افندي المغربي مفتي جبله 
وغب وصولهما إلى اللاذقية سارا إلى البوجاق ومعهما ابرهيم افندي حكيم كاتب تحريرات 
اللاذقية وبعد أن أقاموا فيها أياماً اكتسبوا فيها معلومات تؤيد دعوى الأهالي على بني هرون 
حسّن محمد افندي المغربي للأميرالاي أن يعود إلى اللاذقية ويجري المحاكمة فيها وكان مقصوده 
مساعدة بني هرون فعادوا إليها وعقد الأميرالاي مجلس المحاكمة وشرع الأهالي يصدرون 
دعاويهم فظهر منها للأميرالاي تغلب بني هرون وايقن بظلمهم للأهالي فجدّ في اجراء التدقيق 
والتحقيق باعتناءٍ تام لإظهار الحق وعدم إخفاء الحقائق واذ علم أن بني هرونء ساعون برد 
اصحاب الدعاوي بواسطة التهديد والتهويل وبالمداخلة مع الشهود وأصحاب المعلومات لمنعهم 
عن أداء الشهادة حنق جداً وندم على عدم جعله المحاكمة في نفس ناحية البوجاق لزيادة 
تأمين الأهالي وعدم ترك مجال لبني هرون لانفاذ مقاصدهم ثم سار إلى البوجاق ومعة علي 
رضى افندي نائب اللاذقية ومحمود افندي المغربي لتأكيد تحقيق بعض الدعاوي وأقام فيها 
يومين ثم عاد إلى اللاذقية وسافر منها فوراً لمقابلة الوالي قبل اكمال المحاكمة. 

وفي الشهر المذكور أيضاً شوهد ذات صباح باب كنيسة ماري جاورجيوس ملطوخاً بالغائط 
وهي المرة الثالثة فأبلغ المطران ملاتيوس الخبر إلى الحكومة فأظهر القائم مقام أسفه وعقد 
مجلساً للبحث عن مرتكبي هذا الفعل إِلّا أن المجلس تراخى بعد انفضاض تلك الجلسة. وفي 
اليوم التالي اصبحت هذه الحادثة عند الحكومة كأنها لم تكن شيئاً مذكوراً 

وفيه سار جمهور من قرية بابنا مسلحين إلى قرية الحفه وكلتا القريتين من ناحية 


25334 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


صهيون وطفقوا يضربون بخناجرهم رجلاً يُدعى محمد رستم قاصدين قتله فانة كان قد قتل 
احد أهالي بابنا وبعد أن سجن بسبب ذلك في اللاذقية فرّ مع الهاربين من السجن في السنة 
الماضية. ثم اجتمع أهالي الحفه ودفعوهم عنة بعد أن أثخنوةُ بالجراح وتركوهة على آخر فسحة 
وجرحوا امرأته أيضاً إذ قصدت المحاماة عنة واذ بلغ ذلك حكومة اللاذقية طلبت إلى قائم 
مقامية جبله ارسال عشرة أنفار من الضابطه لقلة ضابطيتها ثم أرسلت مع عشرة أنفار آخرين 
من قائم مقامية اللاذقية مصحوبين باسمعيل افندي صالح أحد أعضاء مجلس الإدارة إلى ناحية 
صهيون لحسم النزاع. فلما وصل العضو المومى إليه ومعة أنفار الضابطه اجتهد باعادة الهدوء 
على قدر الامكان وكتب سندات بين الفريقين بكفالات مضمونها التعهد بعدم وقوع أمور مغايرة 
من أحد الطرفين في الاستقبال. 

ويوم الخميس في 5 شباط ثُلي في القشلة العسكرية بحضور جمهور غفير فرمان الإصلاح 
وهو فرمان صدر مؤخراً بقصد ترضية نصارى الهرسك الثائرين يتضمن تأكيد مساواة المسيحيين 
بالمسلمين ويحتوي على عدة اصلاحات من جملتها أن جميع الدعاوي التي تتكون بين الطوائف 
المسلمة وغير المسلمة ينبغي أن ترى في المجالس النظاميه فقط وهذا أحسن ما في الفرمان 
المذكور لجهة المسيحيين ومنها أن اعضاء المجالس يجب أن يكون انتخابهم من طرف الأهالي 
من غير أن يكون تحت تأثير نفوذ الحكومة وذلك بأن تنتخب الأهالي بدون مداخلة الحكومة 
مثلي العدد المعيّن للعضوية وتعلن اسماءهم للحكومة فتختار الحكومة نصفهم وتعينهم اعضاء 
مع مراعاة المساواة أي أن يكون نصفهم مسلمين والنصف الآخر غير مسلمينء ومنها اعفاء من 
تجاوز سن الأربعين ومّن لم يبلغ سن العشرين من العمر من المسيحيين وباقي الطوائف 
غير المسلمة من مال العسكرية إلا أن ذلك مشروط فيه عدم نقص المال المرتب الأصلي أي 
بأن يتوزع المال جميعه على الأشخاص الذين بين سن العشرين والأربعين فقط فهذه المنحة 
اخزنت المسبحين إذ اعتبروها مضبة لا محه. 

وثاني يوم تلاوة الفرمان وزعت تعليمات انتخاب الأعضاء على الأهالي لينتخبوا على 
موجبها. 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وفي الشهر المذكور ورد تلغراف من المتصرفية عن أمر الولاية مضمونة أن يصير عزل 
علي أغاهرون من مجلس الإدارة وابن اخيه محمود أغاهرون من مجلس الدعاوي وكل من في 
المجالس من اقربائهم والمنسوبين إليهم وبموجبه جرى عزل المومى إليهما وعزل صهرهما 
اسمعيل افندي صالح من مجلس الإدارة والحاج محمد آغا هرون من مجلس المنافع. 

وفيه عرفت الحكومة المحلية الخواجه جرجي مرقص وكيلاً لقونسلاتو دولة روسيا في 
اللاذقية عن أمر الصدارة العظمى. 

وفي 26 شباط قدم إلى اللاذقية بطريق البر ابراهيم باشا متصرف طرابلس ومعه درويش 
افندي شنبور احد أعضاء مجلس إدارة اللواء وفي 28 منه عاد ألاي الضابطة بطريق البر أيضاً 
وكان قدوم المتصرف والأميرالاي لأجل اكمال تحقيقات دعاوي أهالي البوججاق على بني هارون 
فتعصب المتصرف لبني هرون بواسطة درويش افندي شنبور ولم يعتمد على تحقيقات الأميرالاي 
ولا أنتظر قدوم أصحاب الدعاوي وقيام المحاكمة بل أجرى مضبطة ببراءة بني هرون وبطلان 
دعاوي البوجاقيين عليهم وسافر من اللاذقية في 3 اذار راجعاً إلى طرابلس بحراً وتواتر أن بني 
هرون بذلوا في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة اربعماية ليرة. واللّه سبحانة وتعالى اعلم 
بالحقيقة. وكذلك في اليوم ذاته. سافر الأميرالاي عائداً إلى مركز الولاية مغتاظاً من اجراءات 
المتصرف. 

وفي 7 اذار قدم من الاستانه بحراً أمير الأمراء عبد الحليم باشا متعيناً قائم مقاماً عوضاً 
عن مصطفى افندي ولبث في المدينة لتعبه من السفر نظراً لشيخوخته فانة كان طاعناً في 
السن أكثر من سلفه وأرسل ابنه إلى الولاية لأجل تبديل أمر مأموريته كالعادة. 

وفيها في أواسط شهرادار أتهم قبريل افندي كركجيان أمين صندوق الرسومات باللاذقية 
وهو أرمني كاثوليكي بغدادي الأصل بأنه قذف بنبي الإسلام وانة سمعة من بستان قريب من 
بيته رجلان من ديدبانية الرسومات. ورجلان آخران جميعهم من المسلمين. وبالنظر إلى يعد 
المسافة التي بين المكان الذي كان هؤلاء الرجال جالسين فيه من البستان وبين البيت يتعسر 


336 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


تصديق هذه التهمة لعدم امكان تمييز صوت المتكلم وكلامه من أحد المكانين إلى الآخر وبناء 
على ذلك وعلى ما بين قبريل افندي المذكور وبين عبد القادر نجا مدير الرسومات من البغضاء 
ترجح عند المسيحيين في اللاذقية أن المدير المذكور عمل له هذه المكيدة وعلم الديدبانية 
ان يتهموة هذه التهمة ثم اشاعها فهاج بسببها المسلمون وعقدوا اجتماعات في بيوت بعض 
وجوههم وتجمع كثيرون منهم جماهير في السوق قاصدين قتل قبريل اففندي وقدم بعضهم 
عرضاً إلى القائم مقام حليم باشا يطلبون فيه قصاص الرجل وعضد هذا الطلب بعض وجوه 
المشايخ الذين اجتمعوا بالقائم مقام. وكان القائم مقام رجلاً طاعناً في السن لا يدري كيف 
يتصرف في هذه المسئلة وصار بعض جهلة المسلمين يمرون جماهير في حارات النصارى 
ويتهددونهم بمذبحة عمومية فخاف النصارى من اتساع الخرق وخشوا غائلة هذا الهياج واختبأ 
قبريل افندي في بيته واعتراة خوف شديد طرحه في الفراش فأرسلت الحكومة بطلبه فاعتذر 
بالمرض خوفاً من أن يُقتّل في السوق واستدعى الخواجه ادولف جفروا قونسلوس فرنسا والخواجه 
نقولا ويتالي قونسلوس انكليترا طالباً حمايتهما ووقايته من القتل فذهبا إليه وسكنا روعه وأرسل 
الخواجه جفروا رسلاً إلى الشيخ عبد القادر طويل أكبر مشايخ اللاذقية يطلب إليه اخماد هياج 
المسلمين المخطر على عموم مسيحيي البلدة وسار الخواجه ويتالي إلى ثابت افندي يكباشي 
العساكر وأخبره بالخطر الواقع وطلب مداخلته فأجابةٌ إلى ذلك فوراً وسار إلى بيت مصطفى 
افندي المفتي حيثما كان جمهور من المشايخ مجتمعين يهيج بعضهم بعضاً وحذرهم من الإخلال 
بالراحة من إلحاق أدنى ضرر بالمسيحيين وأنذرهم بسوء العاقبة وهدّدهم بأنة يؤمر العساكر 
أن تفتك بهم إذا اضرُوا بالمسيحيين ثم ارسلت الحكومة سليم آغا يوزباشي الضابطة مع عبدالله 
افندي فهده عضو الروم في مجلس الدعاوي مرافقين ببعض أنفار الضابطة إلى بيت قبريل افندي 
فأخذوة إلى دار الحكومة فؤوّضع في مكان منفرد تحت الحجز أما القناصل في اللاذقية فلما رأوا 
ذلك الهياج اجتمعوا جميعاً وبعث كلّ منهم برسالة تلغرافية إلى قنصله الجنرال في بيروت 
يخبرة بالواقع والجنراليه خابروا الوالي بذلك وجرت المخابره التلغرافية بين الولاية والمتصرفية 


25237 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


والقائم مقاميه بهذا الشأن فقر فيها القرار على ارسال قبريل افندي إلى طرابلس تحت الحفظ 
بعد أخذ استنطاقه فأخذ استنطاقه ليلاً واستنطاق الشهود الذين وُجدت في شهادتهم مباينه كافية 
لظهور بطلان الدعوىء وبعد يومين أرسل بالوابور المسكوبي إلى طرابلس وبعد أن سافر الوابورء 
وقطع مسافة قصيرة عن مرسى اللاذقية انتهت حيوة قبريل افندي المذكور بالغرق قيل أن احد 
نفري الضابطه اللذين كانا يرافقانه دفعة من عن جانب الوابور إلى البحر على حين غفلة منة 
وقيل لا بل هو طرح نفسة وترجح القول الثاني من أخبار قبطان الوابور وبعض ركابه وفي مساء 
اليوم الثالث ظهرت جثته على الشاطىء بجانب مصب النهر الكبير فنزع بعض المسلمين الثياب 
عنها وتركوا الجثة عريانة فأرسلت الحكومة رجالاً من الضابطة وجاءوا بها إلى المدينة وفتيان 
المسلمين يزفونها بالشتايم واللعنات واهانة النصرانية إلى قرب المدينة ثم ادخل رجال الضابطة 
الجثة إلى المدينة ودفعوها إلى بادري اللاتين فدفنت في مقبرتهم. وبعد ذلك بيومين قدم 
ابرهيم حقي باشا متصرف اللواء من طرابلس إلى اللاذقية ببارجة عثمانية تدعى بيروت بناء على 
طلب القناصل الجنرالية إلى الوالي أن يصلح الحال في اللاذقية ويجري تأديب مسببي هذه الحركة 
من المسلمين لازالة خوف النصارى من مكايد كهذه فأقام المتصرف في اللاذقية نحو اسبوعين 
جمع في أثنائها وجوه المسلمين ثلاث مرات سراً قيل وكدرهم وطلب منهم رؤساء المهيجين 
فأنكروا حصول هياج ثم استدعى وجوه النصارى فذهب إليه منهم جبرائيل افندي عطاللّه 
وعبدالله افندي كومين وميخائيل افندي سعاده. ومؤلف هذا التاريخ وطيب خواطرهم وطلب 
إليهم بأن يسكنوا روع باقي المسيحيين ويعدوهم من قبّله بأنةٌ سيجري في هذه المسئلة ما 
يتكفل بوقايتهم في المستقبل غير أن اجراءاته انحصرت جميعها بالقول. ولم يبرز شيء منها إلى 
الفعل وكانت مقرونةً بالتكلف والتظاهر بأنهٌ لم يقع شيء موجب لحدوث ما حدث من الخوف 
عند المسيحيين واستمر مدة عشرة أيام على هذه الحالة وفي آخر الأمر استحضر الحج ابرهيم 
الصوفي الذي كان رأس المهيجين واستنطقه واكتفى بانكاره أنه بريء أما والي الولاية حمدي باشا 
فإذلم يقف على نتيجة من أعمال المتصرف ارسل إلى اللاذقية أحمد شكري افندي قائم مقام 


2338 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


البقاع مأموراً مخصوماً مصحوباً ببيورلدي منه فوض إليه فيه إجراء كل ما يراه ضرورياً للإصلاح 
ولما وصل أحمد شكري افندي اجتمع بالمتصرف وقر رأيهما على تبديل مدير الرسومات 
عبدالقادر افندي نجا وحليم باشا قائم مقام اللاذقية ونقل الشهود الذين شهدوا على قبريل 
افندي إلى طرابلس وعرضا ذلك للوالي فورد الأمر الجوابي بالايجاب وبتعيين أحمد شكري افندي 
نفسه قائم مقاماً للأذقية. وفي أثناء ذلك تم انتخاب أعضاء المجالس للأذقية توفيقاً للتعليمات 
الجديدة فعيّن في مجلس الإدارة محمود اغا خزنه دار ومحمود أغاهرون من المسلمين وانطانيوس 
افندي سعاده كومين من الروم واسكندر أفندي شدياق من الموارنه وفي مجلس الدعاوي الشيخ 
عبدالرحمن افندي طويل من الإسلام ومؤلف هذا التاريخ من الروم ويعقوب افندي ميلكون من 
الأرمن والشيخ سليمان حاتم من النصيريه وكان من فرقة الحيدرية المعروفة بالشمالية وكانت 
فرقة الكلازية تطلب تعيين عضو منها في مجلس الإدارة فلم يستحسن المتصرف ذلك لكنة أمر 
النائب علي رضا افندي فأخبر الشيخ سعيد قسمين المنتخب من الفرقة الكلازيه أنه عين عضواً 
اضافياً في مجلس الدعاوي على أن معاش الشيخ سليمان حاتم يُقِسَّم بينهما مناصفة لكنةٌ لم 
يُعط بيورلدي من المتصرف بتعبينه كالعادة غير أن النائب اعطاهُ ورقة بامضائه وختمه بما قالة 
له عن أمر المتصرف. 

وفي 28 نيسان سافر من اللاذقية إلى طرابلس من أعضاء مجلسي الإدارة والدعاوي 
الشيخ عبدالرحمن الطويل واسكند افندي شدياق والشيخ سليمان حاتم بالاصالة عن أنفسهم 
وبالنيابة عن باقي الاعضاء لأجل انتخاب اعضاء مجلس اللواء حسب التعليمات الجديدة 
وسافر أيضاً مدير المال لأجل المحاسبة السنوية وكان في أوائل شهر نيسان قد سافر 
المنصرف بحرا في زورق عائداً إلى طرابلسء وأخذ معه مدير الرسومات عبدالقادر افندي 
نجا والشهود الذين شهدوا على الطرف وفي هذه الاثناء ورد أمر تلغرافي من المتصرف إلى 
القائم مقام بأن يعترف الشيخ سعيد قسمين عضواً اضافياً في مجلس الدعاوي وأن يخصّم 
معاشه من معاش باقي الأعضاء فاعترض العضوان المسيحيان على ذلك واخبرا القائم مقام 
بأنه إذا اصر المتصرف على هذا الأمر ترفع الطوائف المسيحية القضية إلى المقامات 


239 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


الأعلى وتلتمس مراعاة المساواة في عدد الأعضاء أي بأن لا يزيد عدد المسلمين منهم على 
المسيحيين (فأن النصيرية معتبرون رسمياً من المسلمين) تطبيقاً للتعليمات فاستدعى القائم 
مقام الياس افندي صوايا إلى مركز التلغراف. وخابرهُ في ذلك وطلب إليه أن يراجع المتصرف 
ويفهمه تشكي العضوين المسيحيين ففعل فشعر المتصرف بغلطه وعدل عن رأيه بذلك. 
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر ايار الساعة من النهار مرّ أمر تلغرافي من الصداره العظمى 
إلى الولاية الجليلة مضمونة أنه في صبح ذلك اليوم جرى خلع السلطان عبدالعزيز بالاتفاق 
العمومي وجلوس السلطان مراد ابن السلطان عبد المجيد وفي الساعة 10 من النهار المذكور ورد 
الأمر الرسمي بذلك من الولاية الجليلة إلى حكومة اللاذقية وفي اليوم التالي الساعة 1 من النهار 
ثليت في القشاله العسكرية صورة الأمر التلغرافي المذكور بحضور أحمد شكري افندي قائم مقام 
اللاذقية وثابت افندي بكباشي العساكرء وكامل افندي بكباشي الرديف وسائر المأمورين والعلماء 
والرؤساء الروحيين والأعيان وجمهور غفير من الأهلين وبعد تلاوته ثليت خطب وأدعية للسلطان 
مراد وهتفت العساكر بالدعاء له ثلاثاً حسب العادة واطلق 21 مدفعاً وعند المساء اقيمت زينة 
في القشلة ودار الحكومة وباقي المدينة واجتمع في القشلة القائم مقام والضباط العسكرية 
والمأمورون والأعيان وبعض قناصل الدُّوّل وصرفوا فيها السهرة على نغمات الألحان وجرى في 
أثنائها الشتك (اي اطلاق البارود بهيئة متواصلة) من طرف طابور العساكر الذي كانت بلوكاته 
مصطفة على سطوح القشله الفسيحه واطلقت السهام والألعاب النارية ثم استمرت الزينة ثلاثة 
أيام وثلاث ليالٍ وكانت المدافع تطلق كل يوم في الأوقات الخمسة كل مرة واحداً وعشرين مدفعاً 
وقد سر هذا التغيير جمهور المأمورين الملكية والضباط العسكرية والأهلين. وفي 8 حزيران سار 
أحمد شكري افندي قائم مقام اللاذقية مصحوباً بنحو اربعماية عسكري تحت قيادة ثابت افندي 
البكباشي ومع الياس افندي صوايا مدير المال ومحمود آغا خزندار من أعضاء مجلس الإدارة 
وحلُّوا في قرية حبيت من ناحية بيت الشلف لأجل التحصيلات والإصلاحات نظراً لوقوع الاختلال 


2300 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


في الجبال وانتشار اللصوص ولا سيما الصهاونه واضرارهم بابناء السبيل وقرى الساحل وتماديهم 
في السرقة والسلب وأقيم كامل افندي بكباشي الرديف وكيلاً للقائم مقام في المدينة. 

وفي أواخر حزيران وردت أوامر الدوله بجمع عساكر الرديف نظراً لهجوم عساكر السرب 
والجبل الأسود على المملكه فجّمع من قضاء اللاذقية طابور ومن قضاء جبله طابور وسافر 
طابور اللاذقية في 25 تموز مع كامل افندي البكباشي ومن كان معه من الضباط على البارجة 
المسماة مدار توفيق ذاهبين إلى ساحة القتال وكان فيهم نحو 200 نفساً من نفس اللاذقية عدا 
الذين دفعوا البدل النقدي وقدره خمسين ليرة عثمانية والذين قدموا بدلاً شخصياً وأما طابور 
جبله فسافر في 8 اب. 

ومن أوايل تموز رقي ثابت افندي بكباشي طابور العساكر إلى رتبة قائم مقام عسكرية 
وتحول مركزه إلى اليمن وعين مكانه في بكباشية الطابور عثمان افندي وهو من الجركس. 
وقدم إلى اللاذقية في 7 تموز وسار إلى المعسكر في قرية حبيت. وفي الشهر المذكور قدم 
إلى اللاذقية بكباشي يُدعى أحمد افندي مع ضباط للرديف عوض الضباط الذين كانوا فيها. 
وذهبوا مع الطابور الذي جُمع منها وفيه انتهت مدة علي رضا افندي نائب اللاذقية وعْيّن مكانه 
محمد صلاح افندي من أهالي نابلس فبعث بعباس افندي الحسيني النابلسي وكيلاً عنهٌ فقدم 
إلى اللاذقية في 20 تموز. 

وفي 23 تموز قامت العساكر من قرية حبيت فجاء منهم ثلاثة بلوكات مع البكباشي عثمان 
افندي إلى اللاذقية وذهب بلوكان إلى جبله وكانت اقامتهم في حبيت مقصورة على شسيء زهيد 
من الأموال الأميرية ولم ينجم عنها شيء من الإصلاح. 

وفي 12 آب قدم إلى اللاذقية نائبها محمد صلاح افندي واستلم زمام مأمورية وفي 19 منه 
ورد إليها الخبر رسمياً بخلع السلطان مراد الخامس بسبب اختلال طرأ على عقله وجلوس أخيه 
السلطان عبدالحميد الثاني ابن السلطان عبدالحميد فزينت دار الحكومة والعسكرية ثلاث ليالٍ 
ومن الغريب أنه لم يكن سرور الناس في جلوسه كسرورهم في جلوس أخيه السلطان مراد مع 
أنه لسن فكن سس ظاهين [ذتك: 


241 


آثار الحقب في للاقة العرب 


وفيه سافر أحمد شكري افندي القائكم مقام إلى دمشق بالرخصة وأقام وكيلاً عنه بمدة 
غيابه محمود آغا خزندار وبعد غياب عشرين يوماً عاد إلى اللاذقية. وفي شهر أيلول هجم 
أهالي قريتي نينه ونيته على ناحية المهالبه ونهبوا منها دواب ومواشي واختلت أحوال الجبال 
وكثر انتشار اللصوص والسرقات وتخلف سكان الجبال عن أداء الأموال الأميرية مع شدة مضايقة 
الحكومة واحتياجها للمال فسار طابور العساكر الموجود في اللاذقية وجبله إلى ناحية بني علي 
وأقام في قرية طبرجه وحضر إليه قائم مقام العساكر من طرابلس وانضم إليه أحمد شكري 
افندي قائم مقام اللاذقية وخليل بك الاسعد قائم مقام جبله فتألف منهم ومن عثمان افندي 
بكباشي العساكر قومسيون اصلاحات ولما كان اهالي كلماخو قد اعترضوا أهالي نيته ونينة اثناء 
رجوعهم وأخذوا منهم الدواب والمواشي فأعاد القومسيون تلك المسلوبات إلى أصحابها وكان 
أهالي القرداحة قد سلبوا بعض مزروعات لأهالي جبله فأعادها إلى اربابها أيضاً ثم انقطع عن 
الإصلاحات إلى تحصيل الأموال الأميرية على أنة لم يتمكن من تحصيل ما يستحق الذكر لأن 
أهل الجبال أصبحوا لا يهابون مجرد حلول العساكر في قرية من قراهم ولم تنقطع التعديات 
والسرقات من النواحي الأخرىء وبعد أن قامت العساكر نحو شهر عادت إلى مراكزها في جبله 
واللاذقية. 

وفي شهر تشرين الأول سافر أحمد شكري افندي قائم مقام اللاذقية بالرخصة إلى 
دمشق قاصداً الذهاب إلى الاستانه فجاء من طرابلس وكيلاً عنة ممتاز اأفندي. وهو من 
حاشية المتصرف شاكر بك واستمر في الوكالة نحو شهر ونصف مهتماً بتحصيل الأموال 
الأميرية وكان قد ورد أمر بجمع الصنف الثاني والثالث من الرديف فصار الشروع بذلك 
وتجمع عدد وافر منهة في المدينة وجاء من طرابلس نحو ماية نفر من الجندرمه بقصد 
تهديد الجبال لتكاثر الاختلال فيها وتمنع أهليها عن أداء الأموال وتقديم انفار الرديف فكان 
اجتماع هذه العساكر القليلة الضبط والانتظام سبباً لتحذر النصارى من وقوع تعديات منها 
عليهم وخصوصاً نظراً لعدم التفات ممتاز افندي وكيل القائم مقام لأمور المحافظة فكتب 
بعض القناصل إلى الجنرالات في بيروتء والظاهر أن بعض الجنرالات اخطر ناشد باشا 
والي الولاية» وكان إذ ذاك في عكا فأصدر أمراً تلغرافياً إلى أحمد شكري اففء وكان في 


25342 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بيروت مضمونه أن يصرف النظر عن السفر إلى الاستانه ويعود إلى اللاذقية فعاد إليها واعتنى 
بحفظ الراحة وفي أثناء ذلك عبادت العساكر الجندرمه إلى طرابلس مع أن طلوع معسكر إلى 
الجبال كان في غاية اللزوم. 

وفي هذه الاثناء عزل خليل بك الأسعد من قائم مقامية جبله وين مكانه نجاتي افندي 
من الأتراك. 

أما حال تجارة المدينة في سنة 1876 فكانت في غاية التأخر ولا سيما تجارة التبغ فإن 
الجانب الأكبر منة أرسل إلى ليقربول بانكليتره والجانب الأقل إلى القطر المصري وكلاهما لم 
يثمرا ربحاً وكذلك أرباب الزراعة فيها لم يكونوا أحسن حظاً من أرباب التجارة فإن أسعار 
المحصولات كانت رخيصة جداً ومع رخصها كان الناس في شدة زائدة وذلك بسبب قلة النقود 
وعدم وجود أسباب للمعاش وزد على ذلك المضايقة التي أجرتها الحكومة على الأهلين بتحصيل 
الأموال الأميرية والضرائب غير الاعتيادية التي وضعتها اعانة للخزينة ولعساكر الرديف بسبب 
ارتباك الدولة في عصيان البوسنة والهرسك ومحاربة السرب والجبل الاسود وضيقها المالي وغاية 
ما يقال أن السنة المرقومة كانت سنة شدة على أهل اللاذقية. 

ثم دخلت سنة 1877 وكانت أحوال الجبال قد ازدادت اختلالاً وانتشرت اللصوص في كل 
جهة من الطرق وكثر عوثهم في قرى الساحل وتعديهم على ابناء السبيل حتى كاد الأمن يفقد 
تماماً وامتنع أهل الجبال عن أداء الأموال الأميرية والأنفار المطلوبة منهم من عساكر الرديف 
فسيق في أواخر شهر شباط نحو أربعماية عسكري من طابور الطليعة المقيم في اللاذقية 
ومايتي نفر من عسكر رديف جبله وانضم إليهم بلوك جندرمه قدم من طرابلس وتوجهوا إلى 
ناحية بيت الشلف تحت رياسة أحمد شكري افندي قائم مقام اللاذقية وقيادة علي بك قائم 
مقام العسكرية وقومندان موقع طرابلس وحلُوا في قرية ديفه وأقيم محمود آغا خزندار وكيلاً 
للقائم مقام بمدة غيابه. 

وفي مساء 29 أيار قدم من الاستانة الفرقاطه العثمانية خداوندكار لنقل طابور الصنف 


الثاني من الرديف وسافرت في 30 منه بالطابور المرقوم قاصدةً عكا ويافا لنقل من فيهما من 


213 


آثار الحقب في للاقة العرب 


عساكر الرديف. 

وفي هذه الأثناء طُلب نجاتي افندي قائم مقام جبله إلى الشام وقدم إلى جبله مصطفى 
آغا كركوتلي من أهالي الشام وكيلاً للقائم مقامية بمدة غيابه وأقام نحو شهر ثم عاد نجاتي 
افندي ورجع مصطفى أغا إلى طرابلس وفي 13 نيسان ورد الخبر باشهار الحرب من طرف الدولة 
الروسية على الدولة العثمانية وثاني يوم ورود الخبر قامت العساكر من قرية ديفه وعاد قسم 
منها إلى اللاذقية وقسم إلى جبله ولم يجر بمدة اقامتها في الجبل شيء من الإصلاحات سوى 
تحصيل مقدار قليل من الأموال الأميرية من قرى ساحل بيت الشلف على أن هذه لا يُعَدّ من 
الإصلاحات فأخبار الحرب ونزول العساكر من الجبل بدون اجراءات قد زاد غرور أهل الجبال ولم 
تمض أيام قليلة حتى تضاعف شرهم وفسادهم وصار المسلمون في البر يتعدون على النصارى 
الذين بينهم فنهبوا في جهة المرقب بعض قرى المسسيحيين وقتلوا منهم في قرية الدوير 
شخصين وجرحوا ثمانية اشخاص فذهب قائم مقام جبله إلى ناحية المرقب مصحوباً بنحو ماية 
نفر من العساكر وأقام نحو اسبوع فكف المتعدون عن تعديهم فاكتفى القائم مقام بذلك ولم 
يعتن بالبحث عن التحديات السابقة وبمسك أهلها ومجازاتهم بل تحامل على المسيحبين وعاد 
إلى جبله بدون أن يجري شيئاً لراحتهم وكانت سياسة الحكومة متجهة إلى أن تنسب هذا التعدي 
إلى النصيرية لا إلى المسلمين مع أن النصيرية في قضاءي جبله واللاذقية لم يكونوا يتعدون 
على المسيحيين وكان مسيحيو قرى المزيرعة ودباس وحبيت القاطنون بين النصيريه حاصلين في 
هذه المدة على تمام الراحة بخلاف مسيحيي المرقب وصهيون وكنسبا في جبل الأكراد القاطنين 
بين المسلمين فأنهم كانوا في ذل واضطهاد ولم يكونوا آمنين على أموالهم وموجوداتهم. أما في 
المدينة فابتدأ الخوف بعد إشهار الحرب يلم بالمسيحيين من تعصب المسلمين على أنه لم يبد 
من المسلمين تعد ظاهر عليهم والحكومة كانت معتنية بحفظ الراحة تبعاً للأوامر التي كانت 
ترد إليها من الاستانة غير أن الأهلين عموماً في قضاءي اللاذقية وجبله كانوا في ضيق مالي شديد 
من جراء محل المواسم وانتشار الجسراد وأكله أكثر المزروعات الصيفية ثم استفحل امر اشقياء 
النواصره والقرداحة فصاروا يغيرون جماهير على قرى الساحل ويسلبون ما وقع بيدهم منها 


244 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


وأغاروا مرةً على قرية ستمرخو التي تبعد نحو ساعتين ونصف عن اللاذقية وسلبوا ماشيتها 
وأبقارها وأكثر ما في بيوت أهلها فعظم هذا الحال عند أهل اللاذقية وصاروا في خوف على 
ماشيتهم وأبقارهم التي في قرى الساحل حتى جعل بعضهم يحضر كل ليلة ماله من ذلك في 
القرى إلى المدنية وبيبيتهٌ فيها ثم عرضوا هذه الحالة تلغرافياً إلى المتصرفية في طرابلس كما أن 
مجلس إدارة اللاذقية عرض لها الأمر بمضبطه تلغرافية فجاء الوعد بسوق العساكر لاصلاح الحال 
وبأثر ذلك جرى عزل قائم مقام اللاذقية أحمد شكري افندي وعين مكانه مصطفى آغا كركوتلي 
ثم ورد أمر إلى بكباشي طابور الرديف الثالث في اللاذقية بأن يذهب بما جمع عندة من افراد 
الطابور إلى طرابلس فسافروا بباخرة فرنسوية وكانوا نحو ثلثماية نفر حيث لم تتمكن الحكومة 
من جمع بقية الطابور نظراً لعصيان الجبال وفي 27 أيار وصل مصطفى آغا كركوتلي إلى اللاذقية 
واستلم إدارة القائم مقامية وقام من طرابلس إلى جبله بلوكان من عساكر الطليعة تتمة الطابور 
الموجود في اللاذقية وجبله فقدما جبله مع نحو خمسين سواري دراغون بقصد ضرب الجبال 
لكن لم يكادوا يصلون إلى جبله حتى ورد امر تلغرافي من مشيرية الأوردي في دمشق إلى عثمان 
افندي بكباشي الطابور المرقوم بأن يتجهز للسفر إلى طرابلس لينتقل إلى الاستانه على البارجه 
التي ستقدم إليها لنقله فكتبت حكومة اللاذقية إلى المتصرفية تلتمس ابقاء الطابور وإِلّا فيفسد 
حال القضاء تماماً فلم يُقبَّل هذه الالتماس وانما أعيد إلى اللاذقية وجبله طابور رديف الصنف 
الثالث ليقوم مقام العساكر الطليعه وسافر طابور الطليعه إلى طرابلس براً في آخر أيار وفي أول 
حزيران وصل إلى اللاذقية طابور الصنف الثالث من الرديف وشاكر بك متصرف اللواء وقدم من 
جانب الولايه رفعت بك قائم مقام البقاع مأموراً لتحقيق أحوال جبال النصيريه وهو الذي سبقت 
له القائم مقاميه في جبله وفي 4 منة سافر شاكر بك ورفعت بك إلى جبله بعد أن أخذ رفعت 
بك استنطاق أهل ستمرخو واستقصى منهم عن منهوباتهم وفي أثناء ذلك عزل نجاتي افندي 
من قائم مقامية جبله وعين مكانه رفعت بك المذكور وبعد أن أقام شاكر بك اربعة أيام في 
جبله جاءتة أخبار اختلاف وقع في قضاء صافيتا بتعدي النصيرية فيه على المسيحيين ونهبهم 
قريتين لهم فعاد إلى اللاذقية وسافر منها راجعاً إلى طرابلس. وفيه وردت أوامر الدولة بطلب 


5245 


آثار الحقب في للاشة العرب 


ثلاثين ألف فارس من ولايات آسيا يجهزون على نفقة الأهلين إلى حين وصولهم إلى دار الحرب 
في أرضروم حيثما يعطون بنادق من طرف الحكومة وأنه خص ولاية سورية من ذلك ثلاثة آلاف 
فارس وجرى توزيعها على ألوية وأقضية الولاية فخص قضاء اللاذقية ماية وثمانين فارساً وقضاء 
جبله أقل من هذا العدد. ومما خص قضاء اللاذقية أصاب نفس المدينة خمسة وأربعون فارساً 
منها ستة وثلاثون عل المسلمين وتسعة على المسيحيين وأن الأهلين مخيرون أما أن يقدموا 
ذلك اشخاصاً مجهزة بالخيل والعدة ما عدا البنادق أو يدفعوا بدلاً نقدياً عن كل فارس الفين 
وخمسماية غرش قوائم نقدية (وهي أوراق طبعتها الدولة في هذه السنة لتتداول بمقام النقود) 
فكان ما قيمته ماية غرش منها يساوي ما بين الستين والخمسة والسبعين ثم تنازلت أسعارها 
بعد ذلك إلى قيمة دنيئة جداً حتى كانت قيمة الماية غرشاً منها لا تكاد تساوي اثني عشر غرشاً 
من النقود) وكذلك وردت أوراق إعانه حربية الزامية ثلثاها بقيمة عشرة غروش الورقة والثلث 
بقيمة عشرين غرشاً لتوخذ من كل شخص من ابن خمس عشرة سنة إلى ابن ثمانينء ولما كان 
العدد الذي أرسل من هذه الأوراق أكثر من عدد النفوس المكلفه لذلك أعلنت الأوامر المرافقة 
لها أن الزيادة تُطرّح على الأغنياء وأصحاب الثروة فثقل ذلك جملاً على أهل اللاذقية بالنظر إلى 
مضايقتهم المالية واحتياج أكثرهم إلى القوت الضروري. 

وفيه أغارت اشقياء القرداحة والنواصرة وفي رأسهم صافي ابرهيم الدين احد مقدمي 
القرداحة على قريتي ستخيرس واليغنصه من الساحل وسلبوا ماشيتهما وامتعة سكانهما فاتخذ 
رفعت بك قائم مقام جبله التدابير السلمية مع المقدمين وارجع أكثر المسلوبات بالحسنى 
لعدم وجود قوة عنده ثم أن أهل المهالبة الذنين هم شماليه على مذهب نصيرية الساحل 
تهددوا أهل القرداحة بمعارضتهم إذا عادوا إلى نهب قرى الساحل فعاهدوهم على الانكفاف. 
وفي شهر تموز قتل مسلمو قرية منجيلا التابيعة ناحية صهيون ابن ابرهيم عجيب من نصيرية 
قرية ديفه التابعة ناحية بيت الشلف بينما كان مع رفقاء له في أراضي تلك القرية قيل 
لأجل السلب ثم خاف أهل منجيلا العاقبة وهربوا منها بعد أن نقلوا امتعتهم وموجوداتهم 
فجاءت عشيرة القتيل واحرقوا بعض بيوتها فخاف جميع أهل ناحية صهيون من اغارة 


346 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


نصيرية بيت الشلف عليهم لأجل دم القتيل فاستنفروا أهل الإسلام من نواحمي جبل الأكراد 
والبائر والبوجاق وقضاء جسر الشغور فنصروهم وتجمع منهم في صهيون جمع غفير وتحزب 
أيضاً للصهاونه نصيرية المهالبة والعمامره الذين هم شماليه أضداد أهل بيت الشلف الكلازيه 
وتحزب لأهل بيت الشلف نصيرية القرداحة والنواصره وبعض نصيرية دريوس الذين هم على 
مذهبهم وكان كل فريق للآخر بالمرصاد فأرسلت الحكومة فرقة من طابور الرديف ونحو سبعين 
فارساً من الدراغون وكانوا قد أرسلوا من طرابلس فأقاموا في قرية تفيل بناحية صهيون وسار 
إليها أيضاً بكباشي طابور الرديف فعثر في طريقه على بعض اشخاص من أهل بيت الشلف 
فجاء بهم إلى اللاذقية وفي 14 تموز عزل مصطفى آغا كركوتلي من قائم مقامية اللاذقية وأعيد 
إليها أحمد شكري افندي فسار في 17 منة إلى ناحية صهيون عن أمر الولاية لتسكين الأحوال 
وسار معه محمود آغا خزندار ومصطفى بك قائم مقام العساكر الذي تعين قومنداناً لموقع 
طرابلس ولاقاهم في جبله رفعت بك قائم مقامها وغب استقرارهم بمركز الأوردي في تفيل 
استدعوا مقدمي بيت الشلف والقرداحة فلبّاهم بعضهم واصلحوا بينهم وبين أهل صهيون بأن 
ينتخبوا محكمين من الطرفين ليحكموا بدية المقتولين من بيت الشلف على الطريقة العشائرية 
المألوفة بينهم وان اختلف المحكمون يرفعوا الأمر إلى الحكومة فيرتضوا بحكمها في الخلاف 
وكتبوا على ذلك تعهدات ختمها الفريقان ثم عاد أحمد شكري افندي إلى اللاذقية بعد أن فرّق 
عشائر النصيرية والمجتمعين في صهيون على أن يصير فيما بعد اجراء مضمون التعهدات المار 
ذكرهاء وبعد أربعة أيام جاءة الخبر بأن أهل القرداحة ومقدمي المزيرعة تجمعوا باغراء صافي 
ابرهيم الديب الذي لم يكن حاضراً في جمعية الصلح المار ذكرها وانضم إليهم بنو محمد 
مقدموا المزيرعة وأغاروا على العمامره وأحرقوا بعض قراها وقتلوا بعض أشخاص من أهليها. 
وقيل بل أن أهل العمامره هم الذين بادأوا أهل المزيرعة بالشر وهجموا على قريتهم وأحرقوا 
بعض بيوتها فبلغ أهل القرداحة الخبر فتجمعوا وجرى ما جرى وقتل في هذه الوقعة من أهل 
القرداحة صافي ابرهيم الديب المار ذكيره ثم هجم أهل صهيون بمعاونة الدراغون على ناحية 
بيت الشلف واحرقوا بعض بيوت قرية جيت وخيف من تعاظم الفتنة فسار القائم مقام أحمد 


5347 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


شكري افندي ثانيةً إلى تفيل مرافقاً ببعض السواريه والضبطية وبوصوله إلى مقر الأوردي في 
تفيل اصدر أوامر تتضمن التحذيرات إلى مقدمي القرداحة وبيت الشلف فبعثوا إليه بمعاريض 
تؤذن بالطاعة والانقياد ولكن في صباح اليوم الثاني من ارسالهم المعاريض كبست فيئة منهم 
المعسكر قاصدين الفتك به فابتدرتهم سوارية الدراغون والضبطية وأهل صهيون بالقتال فكسروهم 
شر كسرة وكان الفضل في ذلك للبنادق العسكرية واكملوا حريق قرية حبيت ما عدا بيوت 
المسيحيين الذين فيها وذلك بواسطة حماية مسيحيي صهيون الذين كانوا مرافقين لمسلميها 
في الوقعة فارتد أهل بيت الشلف والقرداحة على أعقابهم إلى قرية كيمين بعد أن فُتل منهم 
خمسة عشر نفساً وقتل من أهل صهيون نفس واحد وأحرقت عدة قرى من ناحية بيت الشلف 
وفيما كانوا في هذه الحالة من الفشل كان حلفاؤهم أهل النواصره ودريوس ظافرين في ناحية 
العمامرة حيثما أحرقوا معظم قراها وبعد هذه المعركة تفرقت العشائر وقدموا معاريض إلى قائم 
مقام اللاذقية بمركز الاوردي يطلبون الأمانء ثم عاد القائم مقام إلى اللاذقية وفي أوائل شهر آب 
قدم إلى جبله شاكر بك متصرف طرابلس وعاكف باشا أمير اللواء قومندان موقع بيروت ومن 
أركان معسكر سورية ومعهم نحو ماية نفر من العساكر المفرزة وهي التي تركب البغال وتوجه 
لملاقاتهما أحمد شكري افندي قائم مقام اللاذقية ثم ساروا جميعاً بالعساكر المذكوره واستقروا 
في قرية مرج معيربات بناحية القرداحة وانضم إليهم العساكر التي كانت في قرية تفيل وجاءهم 
أيضاً غيرهم من العساكر المشاة والفرسان من بيروت فاجتمع في المعسكر نحو خمسماية فارس 
ومثلها مشاة خلا الرديف ثم استدعوا أهل القرداحة وبيت الشلف إلى الطاعة والانقياد والحضور 
إلى المعسكر وأداء الأموال الأميرية فكانت أجوبتهم تفيد الطاعة إِلَّا أنهم لم يكونوا يؤتمنون أن 
يحضروا إلى المعسكر خشية القبض عليهم وفي أثناء ذلك ورد أمر الدولة بتهيئة عساكر رديف 
اللاذقية وجبله ومتطوعة لواء طرابلس للسفر إلى الاستانه فقدم المتصرف شاكر بك إلى اللاذقية 
وسافر منها إلى طرابلس لأجل تجهيز الخيالة المتطوعة المجتمعة هناك وفي تلك الأثناء سار 
أمير اللواء عاكف باشا بالعساكر من مرج معيربات وكبس قرية جبرو بقرب المزيرعة وقبض على 


الشيخ محمود ابن الشيخ سعيد شيخ الكلازيه وولدين لَه وثلانثة غيره من المشايخ واثنين من 


2348 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


العامة وذبحت العساكر ولدين صغيرين في فراشهما ثم ضرب قرية دباش والمزيرعة ولاقاهة إلى 
دباس حسن ناصر من مقدمي المهالبه والى المزيرعة محمد علي خليل مقدم العمامره برجالهما 
وعاونوا العساكر بإحراق بيوت النصيرية في القريتين وقصد حسن ناصر ومحمد خليل احراق 
بيوت النصارى ونهبها فلم يتمكن حسن ناصر من انفاذ مأربه بنصارى دباش لأن عاكف باشا 
كان قريباً منها فأمر العساكر بوقاية النصارى غير أنه جرح رجل مسيحي يُدعى ابرهيم عوض 
بالرصاص على أن جرحه لم يكن ذا خطر وأما محمد خليل فقد فاز بمقصوده إذ اوهم فرقة 
العساكر التي كانت تضرب المزيرعة أن كل أهلها نصيرية فأطلقوا الرصاص على النصارى وأصابوا 
رجلاً منهم يُدعَى ابراهيم مسيكة فمات متأثراً من ذلك ثم هجم محمد خليل برجاله على 
بيوت المسيحيين ونهبها ونهب كنيسة القرية أيضاً فعرض مسيحيو المزيرعه إلى السيد ملاتيوس 
مطران اللاذقية واقعة الحال فخاطب المتصرف والقائم مقام فيها فوعدا! بإجراء المقتضي واعادة 
المنهوبات ثم بعد أن رجع المعسكر إلى مركزه في مرج معيربات جرى قتل الشيخ محمود ابن 
الشيخ ابرهيم سعيد وولديه ورفقائه باطلاق الرصاص وفي 20 آب قدم عاكف باشا وأحمد شكري 
افندي القائم مقام إلى اللاذقية ومعهما عسكر الرديف لأجل ارساله إلى الاستانه بعد أن صار 
نقل مركز المعسكر إلى قرية طبرجه في ناحية بني علي وفي 22 أب وعاكف باشا لم يزل في 
اللاذقية سارت بأمره فرقة من المعسكر تحت قيادة القائم مقام العسكري مصطفى بك واحرقت 
قرية زاما من ناحية سمت قبله وغنمت مواشيها وقتلت عدة أشخاص أكثرهم نساء وأطفال وفي 
ظهيرة اليوم نفسه سار عاكف باشا وقائم مقام اللاذقية إلى قرية بابنا بناحية صهيون ولاقاهم 
إليها فرقة من العساكر وفي 24 منة توجها بالعساكر إلى ناحية دريوس واحرقوا منها بعض قرى 
وغنموا مواشيها وكان مع العساكر جماعة من مسلمي صهيون وجبل الأكراد فتوغلوا في دريوس 
بينما كانت العساكر متأخرة فلاقاهم بنو بدٌور مقدمو دريوس وجماعتهم واشتبك القتال بين 
الفريقين فكانت الدائرة على المسلمين وقتل منهم سبعة أشخاص ورجعوا منهزمين ثم عادت 
العساكر وانتقل المعسكر إلى عين الشرقية في سمت قبله وتوجه أيضاً إليها من اللاذقية 
عاكف باشا وفي أوائل أيلول قدمت بارجة عثمانية تدعى بابل فنقلت الصنف الثالث من رديف اللاذقية 


25349 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


وجبله إلى الاستانه وفي 14 أيلول قدم عاكف باشا إلى اللاذقية وسافر منها إلى بيروت بباخرة 
الميساجيري الفرنساوية بعد أن أظهر بأعماله في جبل النصيرية أهليتة للاحراق والتخريب أكثر 
منها للاصلاح وبقيت العساكر في مركزها تحت قائم مقامها مصطفى بك. أما قائم مقام اللاذقية 
أحمد شكري افندي فبقي في الجبل لمقصد تحصيل الأموال الأميرية وأمر عبداللّه آغا طريفي 
مدير بيت الشلف والمهالبة بتحصيل مسلوبات مسيحيي المزيرعة وكنيستها من أهل العمامره 
فاسترد ما وجد منها عيناً وما لم يوجد جرى تقويمه وأخذ بثمنه صك لأجل مسمّى وفي أواخر 
أيلول عاد أحمد شكري افندي إلى اللاذقية فكان ما حصَّلهُ من الأموال من نواحي صهيون وجبل 
الأكراد وبيت الشلف والعمامره والمهالبه لا يكاد يبلغ ماية الف غرش وقبل عودته أخذ صكوكاً 
من أهل بيت الشلف تتضمن التعهد بعدم الاخلال بالراحة وان كانت صكوك كهذه عديمة 
الفائدة وفي 5 تشرين الأول عاد عاكف باشا من بيروت إلى اللاذقية وسافر منها إلى جبله ثم 
انتقل إلى المعسكر في عين الشرقية وأقام هناك بقصد تحصيل الأموال وجمع بقايا عساكر 
الرديف والمستحفظ من الجبل وفي 25 منة قدم الباشا المشار إليه إلى اللاذقية وفي اليوم التالي 
سافر إلى بيروت بباخرة الميساجيري الفرنساويه قاصداً حوران حيثما جرى تعيينه متصرفاً وبقي 
المعسكر تحت قيادة مصطفى بك قائم مقام العسكر وسافر أيضاً بالباخرة المذكورة أحمد شكري 
افندي قائم مقام اللاذقية إلى طرابلس للسلام على عزيز باشا الذي قدم متصرفاً للواء مكان 
شاكر بك وعاد بعد أسبوع إلى اللاذقية وجرى الشروع بجمع ما يمكن جمعه من الرديف من 
جبل النصيريه وكان ذلك واسطة لظلم كثيرين ووسيلة لانتفاع المديرين وضباط العسكرية الذين 
كانوا مولجين بذلك فأنهم كانوا يطلبون عدداً معلوماً من مقدمي النواحي فيأتون لهم بأشخاص 
غير المطلوبين بعد أن يرتشوا من الأشخاص المطلوبين ويشركوا المديرين والضباط بالرشوة لأجل 
أن يقبلوا الأشخاص المأتي بهم ولا يدققوا في حقيقة الحال وكانت الحكومة تغض الطرف عن 
ذلك لأنها لم تكن قادرة على اجراء المعاملة الحقة وفي شهر تشرين الثاني قدمت بارجة من 
الاستانة ونقلت إلى دار الحرب أنفار الرديف التي كانت قد تجمعت في قضاءي اللاذقية وجبله 


وقدرها نحو خمسماية نفر وفي أثناء ذلك قدم من الاستانه قائم مقام للاذقية يُدعى احسان 


232130 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


بك لكنة كان قد فقد أمر تعيينه في أزمير حيثما سقطت منة في البحر المحفظة التي كان 
ضمنها الأمر وأوراق آخر فلبث في اللاذقية ينتظر أمراً آخر بعد أن استدعى به تلغرافياً فشرع 
أحمد شكري افندي يتخذ الوسائل لبقائه فصدر الأمر له بذلك وبتعيين احسان بك قائم مقاماً 
لحيفا وفي أواخر كانون الأول صار الشروع باجراء القرعة العسكرية في قضاء اللاذقية وجمع بها 
نحو ثلثماية نفر من القضا وسيقوا حالاً هم وبقايا الرديف والمستحفظ مع بلوكين من طابور 
العساكر النظامية المقيم باللاذقية إلى بيروت براً بقصد الارسال إلى الاستانه. 

أما حالة اللاذقية المالية في سنة 1877 فكانت في تأخر أكثر من السنة التي قبلها وازدادت 
فيها التجارة اضمحلالاً وكانت المزروعات في غاية الإمحال حتى أن أكثر أرباب الزراعة لم 
يستغلّوا بذارهم منها فاشتد الغلا وبيعت كيلة الحنطة في شهر كانون الأول سعر 45 غرشاً مع 
قلة النقود وفقد الأمنية المالية, وبالجملة فأنها كانت أشد واسوأ حالاً من السنة التي قبلها من 
كل وجه وأما معاملة المسلمين للمسيحيين في اثنائها فكانت تختلف باختلاف الوقوعات الحربية 
فأنة عند ورود اخبار انتصارات للدولة كان المسلمون يظهرون الجفا للمسيحيين وبالعكس عند 
ورود أخبار انتصارات للروسية فانهم كانوا يظهرون لهم اللين ومع أن المسيحيين كانوا في بداءة 
الحرب في خوف من حدوث اضطهاد وتعديات عليهم اطمأنوا اخيراً ولم يقع ما يخلٌ براحتهم 
العمومية وخصوصاً أن المسلمين اخيراً لم يعد تأخر الدولة يؤثر بهم ومع أن الروس كانوا 
في تقدم زائد يزحفون نحو الاستانة في أوروبا ويحاصرون أرزروم بعد فتح القرص في آسيا 
فالمسلمون باللاذقية لم يبالوا بذلك كراهة في الترك نشأت بينهم حديثاً ليتقيهم كراهة التترك 
للعرب وإن كانوا مسلمين مثلهم. 

ثم دخلت سنة 1878 وفيها في شور كانون الثاني شرع باجراء القرعة العسكرية 
في قضاء اللاذقية عن سنة 1294 مالية وقد ورد الأمر أن يجنّد بها ثلث الأنفار الداخلين 
في الاسنان العسكرية وفي 17 شباط قدم إلى مينا اللاذقية باخرة نمساوية من سلانيك 
حاملة جركساً مهاجرين من بلاد البلغار وهؤلاء الجركس كانوا قد هاجروا أولاً من بلادهم 
لماتم لدولة الروسية التغلب عليهاء وأسر اميرهم الشيخ شامل المشهور بأثر حرب القرم 
ودخلوا المملكة العثمانية فوطّنت الدولة منهم ألوفا في املاكها بأوروبا ولما ظهرت 


2351 


آثار الحقب في للاقة العرب 


الحركة البلغارية كانوا هم القائمين بأكثر الفظائع والتعديات على البلغاريين التي كانت أحد 
الأسباب التي أعلنت الروسية الحرب لأجلها على الدولة واذ ظفرت أخيراً عساكر الروس بعساكر 
الدولة ظفراً تاماً ووطئت ولاية الطونه وولاية ادرنه ووصلت إلى أبواب الاستانه لم يسع الجراكسة 
إلا الهرب من تلك البلاد خوفاً من القصاص والانتقام فأرسلت الدولة الوفاً منهم إلى سورية وكان 
في جملتهم هؤلاء القادمون إلى اللاذقية فساء أحمد شكري افندي قائم مقام اللاذقية قدومهم 
كما أخاف مسيحيي اللاذقية نظراً لما اشتهر عن هذه الأمة من الجفاء وشراسة الأخلاق فخابر 
القائم مقام المذكور المتصرفية والولاية في شأنهم تلغرافياً وطلب ارسالهم إلى جهة أخرى حيث 
لا يوجد في قضاء اللاذقية أماكن معدة لسكنهم فأجيب بأن يُرسلوا بالوابور نفسه إلى جبله 
فإن رفعت بك قائم مقامها كان قد طلب جانباً منهم إلى قضائه فاجتهد أحمد شكري افندي 
بارسالهم بالوابور نفسه لكنهٌ لم يتمكن من إقناعهم لأنهم أصروا على النزول إلى اللاذقية طالبين 
أن يكون سفرهم إلى جبله براً فاضطر إلى اجابتهم إلى ذلك حذراً من فسادهم فأنزلوا في 
الجوامع والمساجد وقدمت لهم المأكولات من الأهلين حسب أوامر الحكومة» وكان المسلمون 
فرحين بهم في أول الأمر لكنهم أخيراً ملُّوا منهم وشعروا بالخوف من عاقبة مجيئهم إلى هذه 
الديار. واقتصروا عن تقديم المأكولات لهم فعينت لهم الحكومة خبزاً يُعطَى لهم يومياً أما 
أهل جبله فحذروا أيضاً من اسكانهم في قضائهم فقدموا تلغرافات للولاية التمسوا فيها اعفاء 
ذلك القضاء منهم فوردت الأوامر بتقسيم الذين قدموا إلى اللاذقية مناصفةً بين اللاذقية وجبله 
غير أن قائم مقام اللاذقية كان يجتهد في أن لا يبقي أحداً منهم في قضائه احتساباً من العاقبة 
بخلاف قائم مقام جبله فانهٌ كان يجتهد بأن ينقل الجميع إلى قضائه ولعلّ ما حملهٌ على ذلك 
ظنه أن وجودهم يكبح جماح النصيرية. ولما طالت اقامة الجراكسة المذكورين في اللاذقية 
ابتدأت أن تقع بينهم وبين مسلمي البلده مشاجرات ومنازعات أوجبت كراهية كل من الفيئتين 
للأخرى وأما بينهم وبين النصارى فلم يحدث شيء من ذلك لأن كلاً من الفريقين كان يجتنب 
الفريق الآخر فالتمس المسلمون ترحيلهم إلى جهة أخرىء وتقدمت مضبطة من الحكومة تتضمن 
الالتماس المذكور إلى المتصرفيه غير أن حكومة طرابلس لم تجب إلى ذلك وأرسلت مأموراً 


352 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


لأجل سكانهم في محلات مناسبة لهم في القرى والجبال على أن المأمور بعد تجوله في القضاء 
اقتنع انة ليس فيه أراض ومحلات غير مأهولة تناسبهم للسكن فصدق على ما عرضة المجلس 
فورد الأمر بأن يصير ترحيلهم إلى حلب واذنه وقونيه وعكا على حسب اختيار كل عشيرة منهم 
بشرط أن الأهلين يدفعون نفقة سفرهم فشرع في جمع النفقة المرقومة من أهل البلدة والقرى 
وترحيلهم شيئاً فشيئاً. وفي تلك الاثناء عزل شاكر بك الذي كان قد عاد إلى متصرفية طرابلس 
خلفاً لعزيز باشا الذي لم تطل مدته وقدم من الاستانه محمد خالص افندي خلفاً له وفي شهر 
ايار عزل رفعت بك قائم مقام جبله وعين مكانه ناجم افندي الذي كان قائم مقاماً في اللاذقية 
سنة 1874. وفيه ظهر الجراد وانتشر طيّاراً في قضاءي اللاذقية وجبله ثم ألقى بزرهُ وفقس وزحف 
على المزروعات فأتلفها ولم تحصل من طرف الحكومة العناية اللازمة لاتلافه ومنع أضراره وفي 
شهر حزيران انتهت مدة محمد صلاح افندي نائب اللاذقية وخلفه يحيى رمزي افندي من الأتراك 
فقدم إلى المدينة في 22 الشهر وكانت قد تقدمت جملة تشكيات على محمد صلاح افندي من 
بعض مسلمي البلدة مدعين عليه بديون في الظاهر على أنها في الحقيقة دفعوها له على سبيل 
الرشوة لقضاء بعض مصالحهم فوردت الأوامر من المشيخة والولاية بتوقيفه عن السفر ومحاكمته 
مع المدعين فمُع من السفر مدة خمسة عشر يوماً وجرت محاكمته مع بعض المدعين وثبت 
عليه بعض تلك الدعاوي غير أنة ترامى وتوسط بعض من يعتمد عليهم عند القائم مقام لأجل 
غض الطرف عن اتمام محاكمته والرخصة له بالسفر فأجيب إلى ذلك بعد جهد جهيد وذلك 
لأن القائم مقام واكثر مأموري الحكومة كانوا يكرهونة نظراً لاستبداده وتصلبه وكان أكثر الناس 
كراهية له امين الفتوى عبد القادر افندي مفتي الذي كان ينوب عن عمه مصطفى افندي 
المفتي بسبب مرضه وشيخوخته وأسباب هذه الكراهية أنه لم يكن يعتدٌ بفتاويه ولا يستفتي 
منهُ عن شيء ولا يعدَّهُ من العلماء فانقطع بذلك رزقه فحقد عليه واجتهد في تحريك الشكايات 
والدعاوي عليه وكان النائب المذكور محباً للرشوة يأخذها علناً بدون خجل ويدنيٌ نفسه على 
الشيء القليل ولذلك كان لا يخلو من الضلع مع أحد الخصمين فيما يُقام لديه من الدعاوي وكان 
على جانب من التظاهر بالتعصب ضد النصارى لكي يستر بذلك مساويه عند المسلمين وفي 


32353 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


شهر تموز وقع خصام في جبله بين أهلها والجركس وال الأمر بينهما إلى الطراد فاجتمع أهل 
جبله واخرجوا الجركس بالقوة إلى خارج القصبه واغلقوا أبوابها فحاصرها الجركس فقدم محمد 
خالص افندي متصرف طرابلس في 26 تموز بالوابور الفرنساوي إلى اللاذقية وفي 27 منه سافر 
إلى جبله وسكّن هياج الطرفين ثم عاد إلى اللاذقية ومنها إلى طرابلس ومنذ شهر آب إلى 
ختام السنة لم يحدث ما يستحق الذكر سوى فصل محمد خالص افندي المتصرف واعادة شاكر 
بك خلفاً لهٌ وفصل ناجم افندي قائم مقام جبله وتعيين كامل افندي خلفاً له وموت مصطفى 
افندي مفتي اللاذقية وانتخاب عبدالقادر افندي ابن أخيه خلفاً له وانتخاب المجلس البلدي من 
طرف الأهلين مع مقتضى التعليمات الجديدة فتعين رئيساً له حسن آغاهرون واعضا الحاج 
محمد آغاهرون ومحمد افندي رويحه وجرجس افندي الياس وعبداللّه افندي فهده وصالح آغا 
راعي. أما حالة التجارة في هذه السنة فكانت على حالها من التأخر غير أن محصولات الزراعة 
كانت أجود من العام السابق وخاصةً محصول الزيت فأنهٌ كان في اقبال فكانت حالة الناس في 
هذه السنة ايسر منها التي قبلها. 

ثم دخلت سنة 1879 وكان قد تعين والياً على سورية مدحت باشا الذي امتاز بين وزراء 
الدولة بالحزم والاقدام واشتهر بوضع القانون الأساسي حين كان صدراً أعظم فوعد باجراء 
الإصلاحات الفعلية في الولاية وفي شهر شباط قدم إلى طرابلس فسار لمقابلته فيها أحمد 
شكري افندي قائم مقام اللاذقية وكانت الاختلالات قد تفاقمت في جبل النصيرية وكثر 
التعدي على قرى الساحل والسلب والنهب وقطع الطرق وتشكى أرباب الزراعة في اللاذقية 
من جراء فقد الأمن بعريضة تلغرافية للوالي المشار إليه فاغتنم بعض أهل اللاذقية الفرصة 
لتحويل مدينتهم مركز متصرفية بولاية المشار إليه نظراً لما عُلم عنهً من حب الإصلاح 
الحقيقي. وكان حين تقلده الولاية وقدومه إلى دمشق ذهب إليه موسيو شارل بجوزوسكي 
وكيل قنسلوس دولة اسبانيا في اللاذقية فأنه كان قد اكتسب محبته في ولاية الطونه وولاية 
بغداد فاجتمع الياس افندي صوايا وابرهيم افندي حكيم ومؤلف هذا التاريخ بموسيو شارل 
قبل سفره وحرضوة على تبليغ مدحت باشا احوال قضاءي اللاذقية وجبله وايضاح الأسباب 
الموجبه لجعل اللاذقية متصرفية ففعل ولما قدم المشار إليه إلى طرابلس ووقف على أحوال 


23534 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


ذلك اللواء المتسع اقتنع بوجوب فصل اللاذقية عنة وتحويلها متصرفية واعلن نيّتهٌ هذه في 
طرابلس بحيث لم يدع مجالاً لرجال حكومة طرابلوس وأعيانها لأن يجسروا على مضادة أفكاره 
ثم صمم على القدوم إلى اللاذقية فكتب المؤلف لائحة لتقدّم إليه من أهل البلدة بعد قدومه 
إليها وهذه صورتها. 

أن عبيد فخامتكم هؤلا يهنثّون انفسهم وربوعهم إذ قد تشرفت بحلول ركاب ابهتكم العالية 
معتبرين الأيام البهجة المستنيرة باشراق كوكب ذات فخامتكم السامية السمات في مدينتهم 
هذه من أعظم الأيام التي تفتخر بها في تاريخهاء ولما كانت الآمال متوطدة باجراء الإصلاحات 
الفعلية بيد خديوانيتكم المقتدرة وكان لهذه المدينة احتياجات مخصوصة فضلاً عن الاحتياجات 
العامة التي تشترك فيها مع سائر مدن الولاية تتجاسر أن تعرض ذلك لمسامع فخامتكم الشريفة 
معتقدين أن عناية ابهتكم السامية تبتدرها بالعلاج النافع لنشل أهليها من وهدة التعاسة 
واضمحلال الحال التي سقطوا فيه اللأسباب الآتية وهي: 

أولاً: فقد تجارة التبغ بالعوارض التي طرأت عليها كرسم الدخولية الذي وضع عليه في 
القطر المصري بعد أن كانت تلك التجارة زاهرة زاهية ومورداً لشروة أهل اللاذقية وجبال 
النصيرية عموماً. 

ثانياً: لما كانت باقي المحصولات في اللاذقية وجبالها قليلة أصبحت الأشغال التجارية 
عموماً كالعدم فذلك مع محل المواسم منذ بضع سنين قد نشأ عنة فقد ثروة الأهلين ووقوع 
أكثرهم في الفقر المدقع والضيق الشديد حتى أن كثيرين منهم نزحوا إلى أماكن مختلفة طلباً 

ثالثاً: أنه قد كان من الممكن تجديد وسايط للاكتساب وتعويض تجارة التبغ بتجارة الزيت 
والحرير بواسطة انشاء أغراس من التوت والزيتون في جبال النصيرية الصالحة لذلك غير أن هناك 
مانعاً عظيماً وهو الاختلالات الدائمة الموجودة فيها بسبب خشونة أهليها وتمردهم وعدم وجود 
نفوذ للحكومة عندهم حتى أنه إذا نشأ أحد منهم أغْراسَاأً لا يأمن عليها من القطع والاستئصال 
فضلاً عن ان انشاء الأغراس لا يتم إلا بتشويقات الحكومة واعتنائها نظراً لجهل السكان وعدم 


3255 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


رابعاً: انه لم ينحصر فقد الأمن في الجبال فقط بل هو ممتداً إلى قرى الساحل حتى 
المجاورة منها نفس المدينة أيضاً فأنها في أكثر الأحيان عرضة للنهب والسلب وجميع أنواع 
التعديات من طرف أشقياء الجبال. 

ولا يؤمل ازالة هذه الاختلالات من هذه الجهات ما دامت الإدارة مشكلة بحسب الحالة 
الراهنة وبيان ذلك. 

أولاً أن قضاءي اللاذقية وجبله الحاليين الممتدة فيهما سلسلة جبال النصيرية كانا منذ 
القديم إلى سنة 1281 هجرية لواءً مستقلاً مرككزه اللاذقية وكان ينقسم إلى أربعة عشر قضاء أو 
مقاطعة عدا الساحل وعدد قراه نحو ألف قرية ونفوسه تزيد على مية وعشرين ألف نسمة 
وكان كلّ من الأربسع عشرة مقاطعة مديرية وفي اللواء نحو خمسماية خيال للمحافظة فكان 
للحكومة فيه من النفوذ أضعاف ما لها الآن ومع ذلك لم يكن يخلو من الاختلال فكان من 
الايجاب أن تزيد الحكومة نفوذها فيه ولكن لسوء الحظ قد أضعفته عوضاً عن تقويته لا بل 
استأصلته بواسطة تقسيم ذلك اللواء بتشكيلات سنة 1281 والحاقه بلواء طرابلس. 

ثانياً أن هذا التقسيم هو في نفسه مختل النظام وأنهُ قد ألحقت فيه بعض القرى بقضاء 
جبله حالة كونها تبعد ساعات كثيرة عن مركز القضاء المذكور مع وقوعها بين قرى اللاذقية 
وقربها كثيراً من المدينة ولأنه قد جّعلت فيه مدينة طرابلس مركزاً لهذا اللواء الذي يتأئف 
من لوائين فسيحين حالة تكون المدينة المذكورة متطرفة جداً فأنها في آخر نقطة من هذا 
اللواء الكبير جنوباً وتبعد عن النقطة الشمالية مسيرة ستة أيام كاملة حالة كون القاعدة لحسن 
الانتظام أن يكون المركز في نقطة متوسطة. 

ثالثاً قد صار بهذا التشكيل تقليل عدد المديريات فجُعل لكل مقاطعتين أو ثلاث مقاطعات 
مدير واحد فصار الأمر فيها في حكم الفوضى إذ لا ريب أن قولنا أن مقاطعتي بيت الشلف 
والمهالبة اللتين عدد قراهما ماية وستون قرية ونفوسهما نحو اثني عشر ألف نسمة من العتاة 
المتمردين عليهما مدير واحد تحت أمره خمسة أو ستة خيالة فقط هو بمعنى قولنا أن الأمر 
فيهما في حكم الفوضى. 


356 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


رابعاً قد روكت عدة مقاطعات كالبائر والبوجاق والبهلولية بلا مديرين فأصبح الأمر فيها 
فوضى فعلاً. 

فنتج مما مر بيانه أن ذلك التقسيم كان علة زيادة الاختلالات والتشويش في تلك الجبال 
وجاء على مراد أهليها إذ جُعلت فيه مدينة طرابلس البعيدة عنهم حيثما لا تعرف أحوالهم 
وأعمالهم مركزاً للواء عوضاً عن اللاذقية القريبة منهم التي تعرف فيها احوال وأطوار كل من 
العشائر ونسبة كل منها إلى الأخرى فصار نصيرية كل من قضائي اللاذقية وجبله وخاصة نصيرية 
قضاء جبله الذين يفوقون الآخرين عتواً وتمرداً يتعسدون في القضاء الآخر وهم آمنون لعدم 
تسلط حكومة عليهم فتتعلق المسألة بالمخابرة بين القضاءين حالة كون حكومة اللواء لا تتوصل 
إلى الاطلاع على الأحوال بالسهولة لبعدها من أن أسباب الاختلال والعشائر حتى الأفراد القائمين 
به مع احوال وحركات كل منهم تكون معروفة في اللاذقية حق المعرفة نظراً لتوسطها ولكن لا 
سلطة لحكومتها على اتخاذ الاحتياطات والاجراءات المقتضية فينقضي وقت طويل حتى ثَفهَم 
بعض الحقائق في مركز اللواء حق الفهم فتجرد عليهم العساكر مرّة أو مرتين في السنة وتضربهم 
وتحرق بعض قراهم السهل تجديدها فيستكنون ويظهرون الهدوء إلى حين إذا رجعت القوة 
عنهم رجعوا إلى ما كانوا عليه من التعدي والفساد فأنة قد صُرب بهم المثل بأن عقولهم في 
عيونهم فإن رأوا عقلوا واعتبروا ويزول اعتبارهم بحالما تزول المؤثرات من أمام أبصارهم وهكذا 
سيكون الحال إلى الأبد ما لم تتغير الإدارة. 

أولاً: بإعادة لواء اللاذقية إلى اصله. 

ثانياً: بتشكيل تلك المقاطعات ثلاث أو أربع قائم مقاميات يجعل لكل منها مركز في موقع 
مناسب لقيام القوة العدلية والاجرائية والعسكرية في وسط أولئك العتاة. 

ثالثاً: بإعادة اللاذقية مركزاً للواء لتوسط موقعها ولكونها ذات أهمية أولى في هذا الخط 
ووقار عند أهليه بمألوف العادة والقدمية مع الجدارة بالقيام بإدارة ذلك اللواء كما غهد ذلك 
بها منذ عهد قديم. 

وبهذه الوسائط يألف أهل الجبال شيئاً فشيئاً بالاجراءات الدائمة التي تكون في وسطهم 
الطاعة والانقياد إذ يرون بينهم حكومة تكبح المتمرد القوي وتدرأ عنه العاجز الضعيف والى 


257 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


جانبهم مركز لواء مقتدر له بأحوالهم الخبرة التامة فلا تخفى عليه أعمالهم ولا يحتجب عن 
معرفته شقي من اشقيائهم فيتوطد بذلك الأمن والسلام وتتمكن الحكومة من اشغال الأهالي 
بانشاء الأغراس والاعتناء بأمر الزراعة عوضاً عن الاشتغال بالنهب والسلب وقطع الطرق فتتجدد 
موارد الشروة ومواد التجارة وتتحسن أحوال الأهلين ساحلاً وجبلاً ويزداد دخل الحكومة أضعافاً 
مضاعفة فما تخسرهُ من المصارفات بواسطة تشكيل اللواء على الصورة المذكورة تتعوض أضعافاً 
من زيادة الوارات بوجود الأمن والدليل الواضح على ذلك أن جبل بيت الشلف لم يُتوصّل إلى 
تلزيم اعشاره بازيد من أربعين ليرة في السنة الماضية مع أن عدد قراهُ أكثر من خمسن قرية. 

ثم فضلاً عن جميع ما ذكر أن لواء اللاذقية المُلعََى هو من حيث السعة وعدد القرى 
والنفوس يستدعي أن يتشكل متصرفية بقطع النظر عما لجباله من الأهمية التي تستلزم زيادة 
القوة والنفوذ فأنه اجسم من كثير من الالوية في الممالك المحروسة كلواء أورفا ولواء بيازيد 
ولواء أرزنجان وغيرها كما أن بعض المديريات المشكلة فيه الآن هي أكبر من قائم مقامية في 
بعض الولايات فإن مديرية صهيون وجبل الأكراد اجسم من قائم مقامية اركلي من ولاية فونيه 
ومديرية بيت الشلف والمهالبة اجسم من قائم مقامية أنيوز في لواء اكليبولي. 

هذا وقد طالما صار عرض التشكيات وبيان هذه الأحوال إلى حضرات الولاة السالفين 
فكانوا يقتصرون من التحقيقات على مراجعة مركز متصرفية طرابلس فكان المركز يعاكس هذا 
الأمر ذلك أمر بديهي لأن المركز لا يرتضي بتضييق دائرة ملحقاته. 

وقد ظُنَّ ايضاً أن مجرّد انشاء مراكز للعساكر في بعض مواقع الجبال يتكفل بقطع دابر 
الفساد والاختلال والحال أن ذلك لا يأتي بالمقصود ما لم تنتظم هناك الإدارة الملكية بتشكيل 
قائم مقاميات واقامة القوة العدلية والاجرائية في وسط أولئك العتاة مع توسط المرجع فتؤثر 
الإجراءات الدائمة في الجزئيات تأثيراً يقيسون عليه الكليات وإلّا فمجرد اقامة العساكر في 
المواقع لا يجدي نفعاً. 

ثم مما يستحق الالتفات العالي والإصلاح المخصوص تعديل الويركو فإن مأموري 


3358 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


المساحة لم يعدلوا في مأموريتهم فأوجبوا على أكثر الأهالي أموالاً تجاوزت حدود احتمالهم. 

كما أنه من الأمور النافعة جداً فتح طريق من اللاذقية إلى حماه وهذه الطريق كان 
قد شرع بها دولة المرحوم راشد باشا الوالي الاسبق فلما خلفه دولة صبحي باشا وكان قد تم 
نحو ثلثها اصدر امرهٌ بابطال فتحها مع أنها تقصر المسافة بين حماه والبحر مسيرة يوم كامل 
فيشمل نفعها كلا من حماه واللاذقية وهي من المشروعات المفيده للأمن والموافقة لحسن 
الإدارة لأنها ستمتد في وسط جبال النصيرية فسيكون الوصول بها إلى ملزق حماه ملجأ الأشقياء 
سهلاً قريب المنال من مراكز الحكومة فتنشطر بذلك قوتهم وتقلٌ امكنة امتناعهم وتحصنهم. 
ومنها أيضاً اصلاح طريق حلب من اللاذقية إلى جسر الشغور. 

فهذه هي الاحتياجات المخصوصة التي لا ريب أن أفكار فخامتكم السامية تراها واجبة 
للاصلاح الفعلي في هذه الجهات دفعاً للخراب الذي يتهدد هذه المدينة وملحقاتها وقد تجاسرنا 
بعرضها وبيانها للأعتاب العلية معتقدين أن عناية ابهتكم السامية تتفضل باجراء جميع الوسائل 
التي تتكفل بالعمران والراحة والأمن وتوطيدهها على أساساتٍ راسخة فتضيفون اثراً جديداً إلى 
الآثار الجليلة الجمة التي لأيادي فخامتكم الغراء في كل قطر وتطوقون عبيدكم أهل هذه 
الديار بأطواق المنة التي لا تتمحى فيضجون بالأدعية الخيرية لذات فخامتكم السامية ويضاعفون 
الابتهالات والتضرعات بتأييد وتأبيد ولية نعمتنا الدولة العلية الأبدية الدوام وبكل حال وزمان 
الأمر والفرمان لحضرة مَن له الأمر والاحسان. (انتهت اللائحة) 

غير أن مدحت باشا عدل عن القدوم إلى اللاذقية في ذلك الوقت وسافر إلى بيروت 
واعداً بالقدوم إلى اللاذقية في وقت آخر وكان الموسيو شارل بجوزوسكي الذي عاد قبل ذلك 
من الشام عازماً على الذهاب إلى بيروت لمقابلة مدحت باشا فدّفعت اللائحة له ضمن 
عرضمحضر عمومي مختصر فرفعهما إلى المشار إليه وععلم بعد ذلك انه أنهى إلى الباب 
العالي بوجوب تحويل اللاذقية متصرفية ولما شاع الخبر اجفل منة يسين افندي وطه افندي 


وغيرهم من بيت علي اديب في جبله لأنه كانوا ينتفعون بالحالة الراهنة إذ كان الجوٌّ خالياً 


23259 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


لهم في قضاء جبله وقد جمعوا بذلك ثروة عظيمة فقدموا عرائض تحريرية وتلغرافية إلى 
الولاية والى الصدارة العظمى مضادة لهذا المشروع ولما غلم ذلك في اللاذقية أرسلت عريضة 
تلغرافية ممضاة من مفتي اللاذقية ورؤساء باقي الطوائف الروحيين إلى مدحت باشا مضمونها 
«أن التشكيات المتقدمة من جبله مصدرها ثلاثة أو أربعة أشخاص ليس إلا ينتفعون بالحالة 
الراهنة وببعد مركز اللواء عنهم». 

وفي أوائل شهر حزيران ورد الأمر السامي من الصدارة العظمى إلى مدحت باشا يعلن 
صدور الارادة السنية السلطانية بقبول انهائه بتحويل اللاذقية متصرفية فجاء الخبر إلى اللاذقية 
وسرّ أهلوها به جداً وانتظروا بفروغ صبر تعيين متصرف للوائهم الجديد. وكان أحمد شكري 
افندي قائم مقام اللاذقية يتخذ الأسباب والوسائل ليكون هو المتصرف فاستحصل تلغرافات إلى 
الوالي ومتصرف المركز من المفتي والرؤساء الروحيين تتضمن التماس تعيينه إِلَا أن الناس لم 
تكن في الباطن تريد تعيينه لأنهٌ لم يكن مستقيم الأطوار وقد ملَّ منهٌ السواد الأعظم عل أن 
الوالي كان قد أنهى بالمتصرفية لأحمد افندي الصلح الصيداوي الأصل فقدم اللاذقية على الوابور 
الفرنساوي ووصل إليها صباح الخميس في 26 تموز فهرع مأمورو الحكومة وأعيان البلدة وفرقة 
الضبطية والموسيقى العسكرية والناس أفواجاً لاستقباله إلى المينا فسار ال دار الحكومة بموكب 
حافل وفي مساء ذلك اليوم نورت المدينة احتفالاً بانضمام اللواء وانعتاقه من تابعية لواء 
طرابلس بعد أن استمر متفرقاً ممزقاً نحو خمسة عشر عاماً وجاء مع المتصرف رجل من الترك 
يُدعَى مصطفى بك تعين من جانب الولاية مديراً لتحريرات اللواء وكان المتصرف ينتظر قدوم 
الوالي لكي يصير تشكيل القائم مقاميات وتأخذ الأمور مجراها. 

وفي صباح الخميس تاسع شهر آب قدم على الوايور الفرنساوي مدحت باشا المشار 
إليه وكان المتصرف ومأمور الحكومة والأعيان وجم غفير من الأهلين والموسيقى العسكرية 
مع العساكر النظامية الموجودة قد نزلوا إلى المينا لاستقباله فنزل أكثرهم في الزوارق 
المزينة بالسناجق العثمانية وخرجت بهم خارج البوغاز فانحدر الوالي من الوابور في زورق 
أعدٌ لركوبه وأطلقت من البر المدافع التي كان قد هيأها خارج المينا بكباشي العساكر ثم 
مرّ زورق الوالسي في وسط الزوارق الخارجة لاستقباله التي كانت قد اصطفت يميناً وشمالاً 


23060 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


لاقتبال سلامه ثم تبعتة الزوارق إلى البر فصعد الوالي إلى محل إدارة الرسومات حيثما استراح 
قليلا ومن نَم سار بموكب حافل إلى البلدة ونزل في دار ميخائيل افندي سعاده فظهرت البلدة 
بحلل الزينة ذلك اليوم نهاراً وليلاً. وكان بمعية الوالي واصف افندي كاتبه الخصوصي الذي كان 
قدعينة مديراً للبوليتكه في سورية وأحمد افندي المهدي الايوبي احد الكتبة في قلم مكتوبية 
الولاية ومراد بك آلاي بك الضابطه ولما استقر في القاعة دخل عليه للسلام المأمورون والأعيان 
فرأوهُ مع ماله من الشهرة وسمو القدر لطيفاً أنيساً فسألهم عن الطوائف التي تتألف منها 
سكان المدينة وعن المدارس والمكاتب وفي اليوم التالي صلى صلاة الجمعة في جامع الشيخ 
المغربي ونزل من هناك إلى دار الحكومة وجمع إليه مقدمي ورؤساء الجبال نصيرية ومسلمين 
وكانوا قد وفدوا لمقابلته والقى عليهم النصايح ومما قالة لهم «أن راشد باشا الوالي الأسبق أتى 
إلى دياركم بشدة وبأس وقد رأيتموهُ وعلمتموهٌ شديداً فأعلموا أنني أنا أشد منة بأساً وذلك 
مشهور عني في الآفاق بيد أني اعتبركم كرجل مريض وقد أعددت لكم الآن دواءً لطيفاً نافعاً 
فإن استعملتموهُ استعمالاً حسناً ونجع فيكم سلمتم وحسنت أحوالكم وإلا فإن أسأتم استعماله 
واستمررتم على ما أنتم عليه نزعت إلى علاج منه طرازٍ آخر وحينئذ تندمون وتأسفون على 
مافي أيديكم مما سيكون غنيمة باردة لغيركم من الأملاك والأراضي وغابات الزيتون الموجودة 
في أحراشكم مليوناتٍ قد تركتها لكم اجدادكم فأهملت في أيامكم ثم حضهم على الائتلاف 
والاتحاد والعيشة في السلم والمواخاة وتسرك الضغائن وعدم جعل الاختلافات المذهبية علة 
للتفرق والشقاق. ونهض من هناك وجال في أسواق البلدة وازقتها داخلاً في حارات المسلمين 
إلى أن انتهى إلى الكنيسة المعلقة متفرجاً على ذلك الأثر القديم وفي مساء ذلك اليوم. 
وفدت إليه اعيان ووجوه المسلمين للسلام فوبخهم على ما رآهُ في حاراتهم من الأقذار وعدم 
الانتظام وحثهم على الاقتداء بالنصارى في تحسين الهيئة وفي اليوم التالي يوم السبت صباحاً 
سار راكباً إلى النهر الكبير للنظر في أمر جلب مائه إلى اللاذقية فذهب إلى أن ماءَهُ غير 
كاف للمشروع ورأى الجسر الذي عليه قد تخللة العطب ولما عاد إلى المدينة جمع مجلس 
الإدارة واستدعى رئيس المجلس البلدي وحثهم على اصلاح جسر النهر قبل أن يزداد عطبه 


الزقاء 


آثار الحقب في للاقبة العرب 


فيسقط أو يحتاج إلى نفقة عظيمة ثم تذاكر مع هيئة مجلس الإدارة في كيفية تقسيم اقضية 
اللواء وفي يوم الأحد جمع رؤساء النصيرية أيضاً وكرر النصيحة لهم ودُعي في مساء ذلك اليوم 
للعشاء عند السيد ملاتيوس مطران اللاذقية ويوم الاثنين قرر تقسيم الأقضية وخصّص المعاشات 
والمصارفات المقننة لكل قضاء وأعطى الأوامر اللازمة للعمل بموجب ذلك ودعي من طرف 
المجلس البلدي للسهرة ليلة الثلاثاء في دار السيد عبدالحميد عجان فأتى إليها نحو الساعة 
الثالثة من الليل وكانت حارة النصارى التي منها طريقه قد زيّنت بالأنوار وكذلك كانت الدار 
متقنة الزينة والترتيب وقد دعيت إليها الموسيقى العسكرية ووجوه البلدة فثليت فيها الخطب 
المعلنة بالشكر له والحض على الاتحاد والاتفاق وكانت الموسيقى بين كل خطبة وأخرى تصدح 
بألحانها المطربة وفي نحو الساعة السادسة دعي إلى قاعة الطعام التي كانت قد أعدّت فيها 
أنواع الحلوى المختلفة فاعتذر عن الأكل وخطب في الجمهور يحثهم على الاتحاد في سبيل 
خدمة الوطن والسعي بتقدمه ونجاحه ثم انصرف من السهرة مسروراً وفي يوم الثلاثاء رابع 
عشر شهر آب نحو الساعة الثالثة من النهار بارح اللاذقية قاصداً طرابلس على بارجة عثمانية 
اسمها عسير قدمت لحمل عساكر القرعة التي كانت قد أجريت في نفس المدينة قبل قدومه 
وكان عدد الذين أصابتهم ثلاثة وخمسين نفساً وكان في أثناء وجوده قد عيّن محمود آغا خزندار 
قائم مقاماً لصهيون والياس افندي صوايا محاسبة جي للمتصرفية وابرهيم افندي حكيم معاون 
مدعي عمومي وأمر المتصرف بتعيين باقي المأمورين والعرض عنهم ووعد بتعيين قائم مقام 
للمرقب وآخر لجبله عوض كامل افندي الذي امر بفصله لعدم اقتداره وكفاءته وأما المتصرفية 
فقد جرى تشكيلها من ثلاثة أقضية أحدها قضاء صهيون وجرى تأليفه من نواحي صهيون وجبل 
الأكراد وبيت الشلف والمهالبة وجُعل مركزه قرية بابنا والثاني قضاء جبله وجرى تأليفه من 
نواحي القرداحة وبني علي وسمت قبله وقرى الأوقاف والشمسيات وساحل جبله وجُعل مركزه 
نفس قصبة جبله والثالث قضاء المرقب وجرى تأليفه من نواحي المرقب وزمرين وجرد العليقة 
والقدموس والضهر الغربي والخوابي وجعل مركزه قلعة المرقب على أن القدموس استمرت 
مديرية تابعة لقضاء المرقب وجُعلت البائر والبوجاق مديرية مرجعها مركز المتصرفية وأما ناحية 


362 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


البهلولية وقرى الساحل فألحقت بمركز المتصرفية رأساً وفي 20 آب قدم اللاذقية برا من طرابلس 
عزت بك معيّناً من قبل الوالي قائم مقاماً لجبله وهو ابن وامق باشا الذي كان والياً على ايالة 
صيدا الملغاة وبعد مقابلة المتصرف واستبداله أمر مأموريته ذهب إلى جبله وفي 24 منهٌ قدم 
على الوابور الفرنساوي نعمت افندي من الأكراد المستخدمين من ولاية سورية وقد تعين رئيساً 
في دائرة الجزاء وذلك أن مجلس الدعاوي والتمييز كان قد تبدل اسمها باسم المحاكم الابتدائية 
على أن هذه المحاكم تقسم في مراكز المتصرفية إلى دائرتين احداهما لرؤية الدعاوي الحقوقية 
ورئيسها النائب والثانية لرؤية الدعاوي الجزائية ورئيسها مأمور غير النائب ووضعت نفقات 
عدلية جديدة للعمل بموجبها فعين نعمت افندي المذكور رئيساً لدائرة الجزاء في اللاذقية 
وفي 26 آب قام المتصرف أحمد افندي ورفقته الياس افندي صوايا المحاسبة جي متوجهين إلى 
المرقب لأجل تشكيل قائم مقاميتها وغب وصولهما إلى قلعة المرقب رتبا الأمور موقتاً إلى حين 
تعيين قائم مقام ثم عاد إلى اللاذقية وفي شهر أيلول قسمت المحكمة الابتدائية إلى دائرتين 
فأختير لدائرة الحقوق من الأعضاء محمد افندي ترك من المسلمين ويعقوب افندي ميلكون 
من الأرمن ولدائرة الجزاء مؤلف هذا التاريخ من الروم والشيخ سليمان حاتم من النصيريه 
وغين قاسم افندي شواف عضواً في مجلس الإدارة مكان محمود آغا خزندار الذي نصب قائم 
مقاماً لصهيون وفي شهر تشرين الأول عُيّن لطف اللّه افندي نوفل الطرابلسي من طائفة الروم 
قائم مقاماً لقضاء المرقب وهو أول قائم مقام مسيحي جرى تعيينه في ولاية سورية فقدم 
اللاذقية وبعد اخذه البيورلدي توجه إلى مركز قائم مقاميته وجرى تعيين المأمورين اللازمين 
وتأليف المجلس والمحاكم في القضائين الجديدين وفي شهر تشرين الثاني غزل عزت بك قائم 
مقام جبله لأنة سلك مسلك الاستبداد ولم يحسن السيرة مع الأهلينء ولم يكن يمتثل أوامر 
المتصرفيه وعين مكانه علي بك حمادي من مشايخ جبل لبنان الدروز فقدم اللاذقية في 23 
تشرين الثاني وبعد أخذ اليورلدي ذهب إلى مركز قائم مقاميته وفي هذه الأثناء جرت القرعة 
العسكرية السنوية في اللاذقية وفيها عاد من الاستانه بقايا العسكر الرديف الذين سلموا بعد 
الحرب من الذين أخذوا من اللاذقية وهم بقايا الصنف المقدم والصنف التالي والصنف الثالث. 


2063 


آثار الحقب في للاشبة العرب 


أما حالة اللاذقية الزراعية والتجارية في سنة 1879 فكانت جيدة فإن المواسم كانت مقبلة 
واسعار الغلال مرتفعة والتجارة بها رائجة وصدر من اللاذقية نحو مايتي الف كيله إسلامبوليه 
بق الختطة:والشكين يختراً فسدرت ال الأملتن بالنستة لما سبق بن السين. 

ثم دخلت سنة 1880 وفيها شرع أحمد افندي الصلح متصرف اللاذقية وابناه منح افندي 
ورضا افندي بتأليف جمعية إسلامية عيت الجمعية الخيرية فتألفت من اعضاء من وجوه 
المسلمين وعْين منح افندي رئيساً لها وصائب افندي شيخ المولوية نائب رئيس فأنشأت مدرسة 
لصبيان المسلمين فرضت نفقتها على الوجوه وذوي الثروة منهم بواسطة اكتتاب كلٍ منهم بقدر 
معلوم على حسب استطاعته يدفعة شهرياً لصندوق الجمعية ثم سعت الجمعية بتحويل وارادت 
بعض الأوقاف المضبوطة إلى صندوقها فاسعفتها الحكومة بذلك بعناية مدحت باشا وتألفت 
جمعية ثانية منهم أيضاً دُعيت الجمعية الأدبية عُين رضا افندي رئيساً لها فكانت غاية الجمعيتين 
بحسب الظاهر نشر المعارف والتعليم بين أبناء المسلمين إِلَّا أنة كان يلمح أن غايتهما الحقيقية 
احياء العصابة الجنسية العربية ضد الترك والعصابة الدينية الإسلامية ضد المسيحيين وترشيح 
تلامذة منهم لمأموريات الحكومة واستقلالهم بها وكان مدحت باشا يسعف هذا المبدأ فانتشر 
في أيامه هذا الروح في سائر أنحاء سورية وانشئت في أكثر مدنها جمعيات كهاتين الجمعيتين 
ولهج الخطباء والكتاب المسلمون بالتمدح في الأصل العربي وتحريك الحاسيات الجنسية العربية 
حتى أوجست الدولة اخيراً أن مدحت باشا عاملٌ على انشاء مملكة وامارة مستقلة عربية فعزلتة 
وحولت الولاية لعهدة أحمد حمدي باشا الصدر الأعظم الأسبق الذي كان والياً على سورية أيضاً 
سنة 1875. 

وفيها (أي في سنة 1880) شرع المتصرف أحمد افندي الصلح بناء على تشويقات 
مدحت باشا بتأليف جمعية لإصلاح الطريق بين اللاذقية وحلب وتنظيف المرفأً فجمع 
اعيان ووجوه البلدة من الملل المختلفة ووكلاء القناصل فانتخبوا عشرة أعضاء وهم 
اسماعيل افندي صالح ومحمد افندي رويحه وعلي افندي شريتح من المسلمين ومخائيل 
افندي سعاده ومؤلف هذا التاريخ من الروم والخواجه بطرس يازجي من الموارنة والخواجه 
الفونس جفروا قنسلوس روسيا والمجر من الفرنساويين والخواجه باسيلي ويتالي من التبعة 


25364 


الحاء الثاني من كتاب آثار الحقب فى للاشّة العرب 


اليونانية من الأجانب والشيخ سليمان حاتم والشيخ سعيد قسمين من النصيريه ليكونوا قومسيوناً 
تحت رياسة منح افندي نجل المتصرف مأذوناً من طرف الأهلين بوضع ضرائب ورسوم معتدلة 
على البضائع الصادرة والواردة وعلى اللحم بتصديق مجلس الإدارة مقابلة لمصروف اصلاح 
الطريق والمرفأ وارسل مدحت باشا مهندساً فرنسوياً يُدعى كوستو لأجل تخطيط الطريق ورتب 
القومسيون رسوماً على بعض الأصناف وعين مأمورين لجبايتها على أن الحركة كانت بطيئة 
والهمة فاترة ولم يكن القومسيون يجتمع إلا نادراً فكان الأمل بالنجاح بعيداً. 

وفيها استعفى لطف الله افندي نوفل من قائم مقامية المرقب وخلفه كامل افندي 
الحمصي أحد تلامذة المدرسة الملكية في الاستانه ولم تطّل مدته فثقل إلى صور وخلفه في 
قائم مقامية المرقب ميشيل افندي اذّْي البيروتي الماروني وكان قبل ذلك ترجماناً لولاية سورية 
وعغزل علي بك حمادي من قائم مقامية جبله وخلفه محمود افندي ابازه الصيداوي. وفيها توفي 
علي آغاهرون من أعيان إسلام البلده. وفيها جرى انتخاب المجلس فتجدد انتخاب اعضائها 
الأقدمين إلا الشيخ محمد افندي الترك فأنة اسثبدل بعلي افندي مفتي في عضوية المحكمة 
الابتدائية. وفيها توفي مصطفى افندي مفتي اللاذقية وخلفه ابن اخيه عبد القادر أفنديء وعَزل 
يحيى رمزي افندي النائب قبل انقضاء مدته بواسطة تشكي مدحت باشا منة وخلفه حلمي 
افندي من أتراك الأناضول وكان رمزي افندي سيء السيرة دني النفس تجرَه الرشوة اليسيرة إلى 
العدول عن محجة العدل وفيها عزل مصطفى بك من مديرية التحريرات وخلفه طلعت بك من 
الأتراك وفيها أنشئت مديرية للأعشار في قضاء اللاذقية وغين مديراً لها محمود افندي ركاب من 
أهل الشام. 

أما حالة الزراعة والتجارة في اللاذقية بهذه السنة فقد كانت في نجاح واقبال إلا أنها لم 
تعادل السنة التي سبقتها في النجاح وفي هذه السنة عرفت في اللاذقية التجارة بعرق السوس 
فصار صنفاً تجارياً من جملة صادرات المدينة. 

ثم دخلت سنة 1881 وفيها في شهر شباط سافر نعمت افندي رئيس محكمة الجزاء 


إلى دمشق بالرخصة ولما غلم هناك عدم كفاءته للمأمورية أنهي من طرف قومسيون عدلية 


265 


آثار الحقب في للاشّة العرب 


الولاية المؤالف من مفتش العدلية والمدعي العمومي ورئيس محكمة الاستثناف إلى نظارة 
العدلية في الاستانة بعزله وفيها جرى تبديل هيئة المجلس البلدي فصار رئيسه الحاج محمد 
آغاهرون واعضاؤه أحمد آغا دنوره ومحمد افندي عبدالرحيم من المسلمين وقسطنطين افندي 
يوسف من الروم ويوسف افندي بولس من الموارنة وقد جرى ذلك باستحسان منح افندي 
ورضى افندي ابني المتصرف بدون انتخاب قانوني. 

وفيها في شهر تموز قدم إلى اللاذقية أحمد حمدي باشا والي الولاية واعجبه موقعها 
الجغرافي ورأى قابليتها للعمران إذا اسعفت بالوسائل النافعة فاستدعى وجوه الأهلين وخطب 
فيهم خطبة ابان فيها الوسائط التي تتكفل بعمران مدينتهم ونجاحها وأن على كلٍ من الحكومة 
والأهلين واجبات معلومة لا يتم النجاح إلا بالقيام بها من الطرفين فواجبات الحكومة هي اقامة 
العدل وتعميم الأمن ومساعدة الأهلين في الأمور النافعة وواجبات الأهلين هي الاتحاد والتعاضد 
على انشاء المشروعات المفيدة كاصلاح الطرق والمرافىء وتحسين الزراعة ثم وعد بالقيام 
بما على الحكومة من الواجبات وحثهم على القيام بواجباتهم بأن يكونوا يداً واحدة لاتمام 
المشروعات النافعة وبعد أن اقام في اللاذقية ستة أيام عاد إلى مركز الولاية. 

وفيها فُصل ميشيل افندي اده من قائم مقامية المرقب وخلفه فيها مصطفى افندي 
التحفجي من أهل دمشق وعزل ابرهيم افندي حليم من معاونية المدعي العمومي في اللاذقية 
وخلفه محمد علي افندي الايوبي من أهل دمشق أيضاً. 

وفي شهر أيلول عُزل أحمد افندي الصلح من متصرفية اللاذقية وخلفه فيها أحمد افندي 
ابازه من أهل صيدا وسافر مُنح افندي مع ابيه فخلفه في رياسة قومسيون الطريق محمود 
أغاهرون. 

وقد كان حكام اللاذقية إلى هذه العهد يسكنون مع حريمهم مجاناً في دائرة من دار 
الحكومة تُدعَى دائرة الحريم فلما جاء أحمد افندي ابازه استأجر داراً مستقلةً وترك دائرة الحريم 
للحكومة فجعلت دائرة للعدلية. 


2366 


العحوياك 
سر فق نه 4 


ملاحظات لا بد منها 00 
مقدمة عوع وجوه واولاو ل اا لالطالا ولا وان ا ا لا ا لق ما ل ل وال ا ل ل و ا الاق ا لاا 0 ا ا ل ل لطا ولا 31 
القسم الأول: في جغرافية اللاذقية ووصفها الحالي وستا ار سح اط اص با 1 
الفصل الأول: في نفس المدينة وعدد سكانها ومنازلها مع 11 
الفصل الثاني: في ما يوجد في اللاذقية من الآثار القديمة ا 01 
الفصل الثالث: في الهيئة الاجتماعية العمومية في اللاذقية 2 
الفصل الرابع: في هيئة المسلمين الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم [ 1[ [ز [ 068080808007 
الفصل الخامس: في هيئة النصارى الاجتماعية في اللاذقية وعوائدهم سس بر و ب 
الفصل السادس: في لواء اللاذقية 0 
الفصل السابع: في الآثار والمدن الموجوده في لواء اللاذقية 1010|[ 757*151 7د 
الفصل الثامن: في صفات أهالي المقاطعات وأحوالهم او اس اس و ل ب 
الفصل التاسع: في انهر لواء اللاذقية وحيواناته وحواصله 01 
الفصل العاشر: في حالة الزراعة في لواء اللاذقية اق انان ادا مجع واه امنانا ياه بود او او وا 100111 
الفصل الحادي عشر: في صنائع اللاذقية م ع ا 119011 
الفصل الثاني عشر: في تجارة اللاذقية 81و 5ش 575 2ش2*(شه 13 
الفصل الثالث عشر: في دخل الدولة من لواء اللاذقية وخرجها 10000001111 
الفصل الرابع عشر: في اعتبارات أخرى متعلقة بجغرافية اللاذقية ممصي ع و 1771 
القسم الثاني: في تاريخ لاذقية العرب سسب ب ب و ير ل ا ل اس 
الجزء الثاني من كتاب آثار الحقب في لاذقية العرب 1 


2367